حقائق في وجه خصوم الإسلام
حقائق في وجه خصوم الإسلام
عبد العزيز كحيل
مثل كل المقلدين العميان والمهزومين روحيا ترتمي الأقلية الإيديولوجية العربية في أحضان الأفكار التغريبية الميتة منبهرة بها واقفة عند سطحها لا تغوص في أعماقها ولا تبحث عن تاريخ نشأتها لتدرك حقائقها وتعرف أسرار مسيرتها،وهذا الجهل قاد الأقلية المنسلخة عن مقومات المجتمع إلى الدخول في حرب ضد الإسلام من منطلق كنسي عفا عليه الزمان، ولعل هذا الموقف العدائي الذي لم يتعظ بدروس التاريخ يحتم علينا أن نرجع ببعض التحليل إلى الحروب الصليبية باعتبار ذلك صفحة منسية من الصراع الفكري الثقافي العقيدي الذي انتصر فيه الإسلام وانتصرت فيه الروح العلمية.
هل الحروب الصليبية كانت حروبا استعمارية توسعية فحسب؟أم هي مواجهة بين ديانتين متجاورتين جغرافيا؟هذا تفسير في غاية السطحية بل في منتهى الزيف لمن تتبع أبعاد تلك الحروب فمن خلالها كانت الكنيسة تريد القضاء على التحرر الفكري بوقف زحف المسلمين الذي من شأنه زعزعة العقائد المسيحية كما كانت تحرض الملوك والإقطاعيين على حرب الإسلام لتضعف قوتهم وسيطرتهم بالإضافة إلى شغل الرأي العام عن الخلافات الداخلية للكنيسة.
إن الحروب الصليبية كانت حروبا ضد الأفكار التحررية ومن أجل تكريس الاستعباد الفكري للنصارى ،كانت دفاعا عن الجهل ضد العلم الذي كانت أوروبا تخشاه وتبغضه لأنها رأت مركزها المبني على الخرافة والاستبداد باسم الدين يتهاوى أمام الإشعاع العلمي المنبعث من بغداد وقرطبة والقاهرة وغيرها من الحضائر الإسلامية ،والكنيسة كانت تعلم أن جبروتها لن يصمد أمام المنهج العلمي الذي يتباه المسلمون والذي ما كان ليدع وزنا لشعارات"اعتقد ثم استدل"،"أغمض عينيك واتبعني"إلخ...وبدل أن تحتضن النور الوضيء راحت توقف زحفه لتحافظ على امتيازاتها المادية والأدبية في ظل الظلام البهيم ،ولكن المتتبع لحركة الأفكار وأحداث التاريخ يتأكد أن قترة الحروب الصليبية كانت إيذانا بانحطاط الدين المسيحي(المحرف طبعا)حيث أدى الاحتكاك بالمسلمين عقودا عدة إلى استفاقة حقيقية في الصف النصراني وشجع العلماء والباحثين والمفكرين على الثورة على الكنيسة المتسلطة والانعتاق من قبضتها الحديدية وهذا حدث ضخم قلب كثيرا من الموازين والحقائق والمسلمات والمناهج في أوروبا وعرف بالمعركة بين العلم والكنيسة وانتهى بعد تطورات وسجال إلى انتصار العلم عندما أثبت زيف الكتب المقدسة التي فرضتها الكنيسة على المجتمع،واعتبار تلك الحقبة زمن انطلاق الثورة على الكنيسة ليس رأيا ذاتيا فقد اعترف بذلك مؤرخون وعلماء كثيرون وحسبنا شهادة مفكر مسيحي مبغض للإسلام هو شاطوبريان.
إن النصارى الذين غزوا بلادا إسلامية ومكثوا فيها زمنا طويلا لمسوا مدى اختفاء المسلمين بالعلم واحترامهم للعقل ومدى تمسكهم بالمنهج التجريبي إلى جانب ما كانوا عليه من طيب الأخلاق ،وعلموا أن كل هذا يأمر به الإسلام في حين تشجع الكنيسة الخرافة وتؤجج الأحقاد وتعمل على تكاثر الخطايا والخطائين ليزدهر بيع صكوك الغفران فانزاحت حجب التضليل عن أبصار المنصفين ورجعوا إلى أوروبا غانمين للمنهج العلمي والتحرر الفكري ولعله من المهم التذكير بكل اعتزاز وجرأة أن حركة تحرير المرأة الأوروبية انطلقت بعد شرارة الحروب الصليبية في اتجاه تحسين مركز وظروف كائن كان يعتبر سبب البلايا ورمز الشر في نظر المسيحية المحرفة ،فالمرأة الغربية مدينة للإسلام في رفع مستواها وتكريمها.
هكذا إذن انهزم الأوروبيون عسكريا ولكنهم غنموا آليات الحياة الفكرية وأحسنوا العمل فبلغوا ما بلغه المسلمون من قبل في عمارة الأرض وزادوا عليه ،المهم أن الأقلية العلمانية تهرف بما لا تعرف ...وباسم العلم والعصرنة والتقدم..ا ،ولو أنصفت لاختصرت الطريق وبدل أن تأخذ من التلميذ تأخذ مباشرة من الأستاذ لكن هذه مشكلتها:أنها لا تعترف بأي فضل للإسلام لأنه الطود الشامخ والعقبة الكأداء أمام حركة التغريب والانسلاخ عن مقومات الأصالة وقد أججت حيوية الإسلام أحقاد الياسوعيين الجدد فأعمتهم عن رؤية أي من محاسنه ولو اعترف بها غير المسلمين أنفسهم،ومازلنا نذكر أن شخصية بارزة تمثل العرب في أكبر عاصمة أوروبية كان موقفها من قضية الحجاب المشهورة التي اشتعل أوارها في أواخر الثمانينات بفرنسا أخزى من موقف الفرنسيين أنفسهم إذ وصف ذلك المسؤول الحجاب بأبشع الأوصاف واتهم من ترتدينه بالتخلف والظلامية و الطائفية..
غير أن الإسلاميين يتحملون جزءا كبيرا من مسؤولية انطماس معالم العقلية الإسلامية إذ كان ينبغي المبادرة إلى تكثيف العمل من أجل تجليتها نظريا وعمليا لإقامة الحجة على خصوم الإسلام وبيان أن الحرية والروح العلمية والذهنية المبدعة إنما هي بضاعتنا أساسا، ولا يكفي التغني بالأمجاد بل يجب المنازلة في ميدان البذل والعطاء العلمي لإسعاد البشرية بدءا بالأمة الإسلامية المقهورة وتلك خير إجابة نعطيها للغرب المتنكر وللحثالة الهزيلة التي تأكل غلتنا وتسبب ملتنا.