إرهاب .. ابتزاز .. صفقات
إرهاب .. ابتزاز .. صفقات!
أ.د. حلمي محمد القاعود
أصدر كاتب رواية اسمها " عزازيل " تتناول فترة من التاريخ المصري القديم ، وتتحدث عن الانشطار بين الكنائس الأرثوذكسية الشرقية . الرواية لم تعجب المتمردين الطائفيين في الكنيسة المصرية وخارج البلاد ، وجرى التهديد بأن محامى الأنبا يدرسون الرواية تمهيداً لرفع دعوى أو دعاوى ضد المؤلف الذي حاول – كما يقول أحد الأساقفة أو القمامصة –أن يوحي بأن الرواية قصة حقيقية كتبت في لفائف جلدية مكتوبة باللغة السريانية أو الآرامية ، وهى لغة المسيح عليه السلام . وأشار المذكور أن أهداف الرواية تتلخص في الانتصار لمن سمتهم الكنيسة بالهراطقة ، والهجوم الشديد على الكنيسة ورمزها القديس مرقص الرسول ، والإيحاء بأن الله لم يخلق الإنسان ، بل إن الإنسان هو الذي خلق الله ، وإن فكرة الإله من خيال الإنسان !
لم أقرأ الرواية ، ولا أعرف صاحبها ، وإن كنت قد سمعت عنه وقرأت له بعض ما كتب ، وعرفت أنه يتولى منصباً رفيعاً في مكتبة الإسكندرية التي تمثل مركزاً متقدماً للتغريب والأمركة ، مع أنه مسئول فيما يُقال عن المخطوطات أو التراث ، ولكنه يستضيف لندوات المكتبة ونشاطاتها ، أعلام الفكر المادي المعادى للإسلام أو المشككة فيه ، باستثناءات قليلة أو استثناء محدود بمعنى أدق ؛ فضلاً عن مجموعات الصحفيين وكتاب السلطة الذين يكرهون الإسلام لحساب النظام .
الرجل إذاً ليس من المدافعين عن الإسلام أو المحسوبين على التيار الإسلامي ، ولكن القوم في الكنيسة يمارسون إرهاباً بشعاً ضد من يقترب من التاريخ المصري القديم ، وخاصة المرحلة النصرانية ، بوصفهم أوصياء على مصر كلها : تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً ، وأصحاب بلد ؛ كما يعلن المتمردون الطائفيون . وقد سبق قيام بعض محامى الكنيسة بترويع الكتاب والمفكرين والدعاة ، الذين يتناولون النصرانية وفقاً للمفهوم القرآني - الرافض لألوهية المسيح أو بنوته لله ، والنافي لصلبه أو قتله ، والقائل بتحريف الأناجيل الموجودة الآن - وقد شهروا بالشيخ الشعراوى والدكتور مصطفى الشكعة والدكتور عمر عبدالكافى والدكتور زغلول النجار والدكتور محمد عمارة والدكتور مصطفى محمود .. وقاموا بسبّ الكتاب الإسلاميين وقذفهم في بذاءة غير مسبوقة ، لا يقرها المسيح عليه السلام ولا تعاليمه ، على مواقعهم الإليكترونية وصحفهم الورقية ، داخل مصر وخارجها ..
المفارقة أن بعض الشيوعيين والمرتزقة من المنتمين إلى الإسلام اسما ، أصدروا في مصر روايات وكتابات تزور التاريخ والجغرافيا ، وتمنح المتمردين الطائفيين القدماء والمحدثين بطولة لا يستحقونها ، وشرفاً لا يليق بهم ، ونشرت بعض أعمالهم في مؤسسات رسمية يُموّلها دافع الضرائب المسلم ، ولم يحتج أحد من المسلمين البائسين أو يغضب أو يُهدد برفع دعاوى على الكتاب المنافقين أو الجهات التي شجعتهم على ذلك .
ويذكر القراء ما جرى قبل سنوات ، حين نشر شيوعي نصيري من سوريا رواية " وليمة لأعشاب البحر " على نفقة الدولة ، يسبّ فيها الذات الإلهية ويسخر من الإسلام ، ويهين المسلمين . يومها انطلقت الأبواق المأجورة وطبول الخدم ، لتتكلم عن حرية الإبداع وحق التعبير ، وتصف الإسلام والمسلمين بالظلامية والتخلف والرجعية والجمود .. إلى آخر القاموس البذيء الذي يحفظون مفرداته عن ظهر قلب .
اليوم ، يُرهب المتمردون الطائفيون مؤلف رواية " عزازيل " ، دون أن تتحرك هذه الطبول وتلك الأبواق ، أو تنطق بكلمة واحدة عن حرية الإبداع وحق التعبير ، ولكنها للأسف ما زالت تتطوح في حلقة الدراويش حيث يلعنون الأزهر صباح مساء ، ويتهمونه بمصادرة كتاب هنا أو هناك ، ألفه دعي جهول ، يسعى إلى الشهرة ومغازلة جهات خارجية على حساب دينه وقيمه ووطنه ، من أجل ثمن بخس .. والناس جميعاً يعلمون أن الأزهر لا يملك حق مصادرة أي كتاب وفقاً للقانون ، الذي يجعل الأمر بيد القضاء !
إرهاب مؤلف " عزازيل " – أيا كان فكره – ليس نهاية المطاف مع التمرد الطائفي الذي يُعبّر عن نفسه في كل مناسبة ممكنة لإذلال الدولة الرخوة وابتزازها ، وإرغامها على التسليم بالإتاوات التي يفرضها علناً وعلى رءوس الأشهاد ..
مطرانية القوصية تصف ما قاله توماس عن الاحتلال العربي والخجل من الهوية العربية واضطهاد الإسلام للأقباط بأنه حقائق تاريخية ( البديل 8/8/2008م ) ، وقد رأينا أن الكنيسة تعاملت مع الدولة المصرية بوصفها دولة موازية ، فقد فرض التمرد أجندته الخاصة في أحداث " أبو فانا " وهى الأجندة التي تجاهلت بل عتمت على دم القتيل المسلم " خليل إبراهيم مفتاح " ، لصالح الرهبان المحاربين الذين حملوا السلاح ، وقاتلوا العرب واضعي اليد في قصر هور ، وضج العالم بخدوش الرهبان ، دون أن يذكر شيئاً عن القتيل المسلم البائس ، ولم يعد يذكره إلا أمه العجوز " روايح عبد السلام فرج " التي تنتظر حكم القضاء العادل الذي ينصفها ، وينصف فلذة كبدها ، الذي أعدمه المتمردون الطائفيون مرتين ؛ مرة بتصفية دمه ، وأخرى بالتجاهل والتعتيم ، وشاركهم نفرٌ من الكتاب العملاء ، الذين راحوا يدخلوننا في متاهة " التأقبط " و " التأسلم " ومصطلحات أخرى بائسة بعيدا عن الدم المطلول!
والمفارقة أن التمرد في الكنيسة مارس الابتزاز في البداية حين أعلن رفض الصلح بين العرب والرهبان ، وهدّد بالتصعيد عالمياً – وهو ما تحقق بالفعل في مظاهرات الخارج التي شوشت على رحلات الرئيس للعواصم الغربية وسببت حرجا للنظام بأسره – وحين تأكد التمرد الطائفي أن محافظ المنيا الذي كانت الحمية قد أخذته لتنفيذ القانون وإظهار هيبة الدولة واسترداد ممتلكاتها ، ومعاقبة المعتدين أمام المحكمة ، قد تراجع ، ووقع تحت تأثير أكبر من أجل التضحية بأرض الدولة لصالح الكنيسة ، فقد جاءت الأنباء من واشنطن بأن رئيس الكنيسة يدرس عروضاً للصلح ، ويصرّ على معاقبة من تصدوا للرهبان المحاربين ، دون أن يذكر كلمة عن دم القتيل المسلم !
الابتزاز الجيد يؤدى إلى صفقات جيدة بكل تأكيد ، وما دامت السلطة رخوة إلى الحد الذي يدفعها إلى التفريط في ستمائة فدان حول دير أبو فانا من أجل وقف مظاهرات الخونة ، فإن التفريط في العقيدة والشريعة من أسهل الأمور ، المهم ألا تتحرك المظاهرات ، ويتوقف التصعيد في الكونجرس ، والميديا الغربية . لقد كان أقصى طموح الرهبان المحاربين في دير أبو فانا هو الحصول على ستين ومائة فدان ، ولكن لجنة الصلح منحتهم ستمائة فدان وهو ما شجعهم على التمادي في غيهم وإعلان أنهم لا يريدون ترك عشرين فدانا منها للعرب المهزومين [ ترى لو أن رئيس جامعة الأزهر وضع يده على عشرة أفدنة في صحراء مدينة نصر ليوسع المنشآت التعليمية والسكنية للطلاب ، هل كان رئيس الحي يتركه يفعل ؟]..
وما بين التهديد بوقف المفاوضات حول الأرض المجاورة للدير ، ونفى طرف أصيل في الموضوع وهو سكان قصر هور ، والخلاف على الشرط الجزائي والتلويح بكشف المستور ورفع دعاوى قضائية دولية ، واتهام الجهازين الأمني والإداري بالتخاذل والتسبب في الأزمة ؛ يكسب التمرد الطائفي أرضاً جديدة على المستويين الحقيقي والمجازى ..
فقد زادت رقعة الأرض الممنوحة لدير أبو فانا أربعة أضعاف ، وتحققت مطالب غير معلنة ( إعداد مشروع قانون دور العبادة الموحد الذي يقيد المساجد ويطلق الكنائس ، وإغلاق ملف القتيل المسلم ، واعتماد الكنائس المخالفة التي كانت غرفاً وتوسعت وارتفعت مناراتها دون إذن قانوني ، فضلاً عن التسامح بلا حدود مع الدعايات التي يطلقها الأساقفة المتمردون ضد الإسلام والعرب ، وأشياء أخرى !!) .
لقد نجح التمرد الطائفي في خططه الإجرامية بالإرهاب والابتزاز والصفقات ، واستطاع أن يرغم الأغلبية المسلمة المقموعة من خلال النظام الرخو ، على التفريط في هيبتها وعقيدتها ، ومستقبلها أيضاً.
هوامش:
1 – الشكر والامتنان لا يكفيان للمشاعر النبيلة والعواطف المغدقة والدعوات الصالحة ؛ التي طوقتني في غرفة العمليات .. أسأل الله أن يبارك في الأحباب وأن يمتعهم بالصحة والعافية .
2 – بعد أن انجلت غمرات غرفة العلميات قيل لى إن الحاج حسن عاشور قد سافر إلى دار الخلود! سقطت دمعة حارة تلخص عمرا عشته مع مدير تحرير " الاعتصام " – رد الله غربتها . أما التفاصيل فلها موضع آخر بإذنه تعالى . رحمه الله .
3 - حين تكون شيوعيا أو علمانيا أو فنانا متحررا(!) ، فتأكد أنك عند الوفاة بعد عمر طويل – إن شاء الله - سيظهر اسمك في الفضائيات وستملأ برامجها ، ولا تتوقف الصحف عن ذكرك ..
رحم الله إبراهيم شكري ومن قبله ومن بعده عبد العظيم المطعني وعبد الوهاب المسيري وحسن أيوب وحسن عاشور وأمثالهم !