الشهداء لايخافون الموت!
أ.د. حلمي محمد القاعود
من المؤكد أن ما يجري في بلادنا اليوم تجاوز مرحلة الخداع السياسي الذكي إلى مرحلة العبث الانكشاري الذي لا يضع في حسبانه مصلحة البلاد والعباد بقدر ما يستهين بكل قيمة واعتبار . حوّل الانقلاب أوراق الرئيس الشرعي محمد مرسي ومعه أكثر من مائة وعشرين آخرين إلى مفتي الانقلاب لإقرار إعدامهم بتهم ملفقة تدور حول التخابر مع منظمة حماس الإسلامية في قطاع غزة وحزب الله الشيعي والهروب من سجون وادي النطرون أو اقتحامه . بعد ذلك بيوم واحد تم إعدام ستة شبان في قضية عنف كانوا عند حدوثها في معتقلات النظام العسكري .
الذي يجري إرهاب مقصود للشعب المصري المسلم وتخويفه من المطالبة بحقه في الحرية والتعبير عن هويته وممارسة الحياة في كرامة وعزة ومساواة تحت ظل الدستور والقانون . ترويع الشعب المصري بالإعدامات آخر ورقة في يد الحكم العسكري الدموي الفاشي ، بعد فشله الذريع في إدارة البلاد وتحقيق الأمن وعودة الحياة الطبيعية إلى المجتمع ، وبعد أن أخفقت حملات الاعتقال والقتل في الميادين والشوارع والتعذيب في السجون ومقار الشرطة وأمن الدولة ، والتشهير بالشرفاء والفضلاء على شاشات الفضائيات المأجورة وأوراق الصحف الملوثة في إسكات صوت الشعب أو إرغامه على قبول الحكم العسكري الظالم !
حين يتم الحكم على الرئيس الشرعي المنتخب بالإعدام ومعه أكثر من مائة وعشرين آخرين يرفضون حكم الاستبداد والعصا الغليظة والطبقة المستعلية المتغطرسة التي لا تعرف غير مصالحها الخاصة ؛ فمعني ذلك أن القوم يتصرفون برعونة ويضربون عرض الحائط بالدستور والقانون والأخلاق، ويسعون إلى تدمير المجتمع وسحقه وتحويله إلى مجموعة من العبيد الذين يساقون إلى حتفهم دون أن ينطقوا بكلمة اعتراض أو احتجاج ، ومعناه أيضا سيادة شريعة الغابة ومنطق القوة. من يملك القوة يحق له أن يستعبد الضعفاء ، وينكل بهم بالطريقة التي تشبع رغباته .
لقد كان التعبير الانقلابي الفج عن شماتته السافرة بإعدام مرسي ومائة وعشرين آخرين دليلا حيا على انهيار مفهوم الدولة التي تحترم الدستور والقانون . عبرت أبواق الانلاب وشاشاته عن فرحة غامرة بالدم ومنطق الدم ومعطيات الدم . ظهرت الصحف الانقلابية الملونة بعناوين تدل على الانحطاط الفكري والثقافي ، فضلا عن الجهل بمواضعات الدستور والقانون ، وعبر محررون من حثالة اليسار العميل والناصريين الخونة ومرتزقة كل العصور عن بهجتهم بسفح دماء الأبرياء ، وقتل الأحرار ، والتهليل للمحاكمات الظالمة والأحكام الجائرة ، ولغة تقسيم المجتمع العنصرية الفاشية .
أي فجاجة حين تظهر صحيفة انقلابية يديرها بقايا تنظيم البصاصين ( التنظيم الطليعي ) وعلى صدرها العنوان الشامت الرخيص : "عشماوي في انتظار مرسي وإخوانه الجواسيس!″.
ويتنافس صبيان الانقلاب من حثالة الإعلام والصحافة في التعبير عن شماتتهم الرخيصة في الرئيس الذي أتي به الشعب بإرادة حرة ولم يأت بصندوق الذخيرة ، ويزعمون كذبا وزروا بأن الرئيس مكتئب ولم يتماسك ، وأنه منهار ، مع أن ذلك لو حدث فهو أمر طبيعي أمام قوة القهر الأرعن ، ولكن محمد مرسي يمثل مع إخوانه نمطا من الرجولة والبطولة لا يتوفر لدى هذه الحثالة . لو قبل الرئيس بشروط الانقلاب الدموي من أول لحظة لكان أراح نفسه ، واستمتع بالحرية في بيته وبين أولاده ، ولكنه صاحب رسالة وقضية ومهمة من أجل دينه ووطنه وشعبه . أما من كانت مهمتهم تلميع البيادة وخدمة السادة الانقلابيين فلا يعرفون شيئا عن ذلك .
إن من قدموا أنفسهم وأبناءهم وذويهم للشهادة في رابعة والنهضة والمنصة وغيرها ، لا يخافون الموت ولا يبكون ولا يستجدون ، بل يبتهجون بلقاء الله . لقد زغرد ت أمهات شهداء عرب شركس الأبرياء الذين قتلوا ظلما وعدوانا، وتعرف الدنيا أنهم كانوا معتقلين لدي الانقلاب قبل الأحداث التي اتهموا بسببها ومنهم قعيد على كرسي متحرك لا يستطيع إيذاء أحد ، ولكن الظلم لا يعرف الخجل !
العالم كله يعلم أن النظام الانقلابي القمعي لا يعبأ بقانون أو أخلاق ، ولذا فإن المعلوم بداهة أن التعذيب الوحشي يدفع الأسير إلى الاعتراف بأية جريمة تلفق له ، وترديد ما يملى عليه ، وقد ذكر والد الشهيد عبد الرحمن سيد أنه شاهد آثار التعذيب على جسد ابنه وهو يغسل جثمانه قبل تشييع جنازته . استيفاء القضايا باتهام الإخوان أو غيرهم من خصوم النظام وتعذيبهم للاعتراف أمر مشهور ، وحيلة الأمن العاجز عن التفرغ لمهمته الأصلية ، بدلا من حماية الطغاة . نحن في وضع شاذ تاريخيا لم يمر من قبل ، ولم يصنعه غلاة المحتلين على مدى سبعة آلاف سنة ، وما بالك بمحكمة تحكم على موتي قضوا قبل الثورة ، وأسرى في سجون العدو النازي اليهودي منذ عشرين عاما تقريبا؟ نحن في عبث دموي غير مسبوق.
الحمد لله أن أصحاب الضمير الحي في العالم استنكروا ما يجري في أرض النيل غير السعيد . صحيح أن حكومات الغرب الصليبي جعلت نفسها من ميكرونيزيا وغضت الطرف عما يمارسه الانقلاب الدموي الفاشي ، وتطوع بعضها بالإعراب عن القلق نتيجة الحكم بإعدام الرئيس ومائة وعشرين آخرين ، وقالت إنه حكم أولي ! ولكن حكومات ديمقراطية ومنظمات دولية استنكرت بقوة ما أقدم عليه الانقلابيون الدمويون الفاشيون .
أحمد داود أوغلو ذكر العالم بما حدث في تركيا قبل خمسة وخمسين عاما ، حين أقدم الانقلابيون الاتراك على قتل رئيس الجمهورية لأنه سمح بعودة الأذان إلى تركيا ، وكأنه يذكر العالم من جانب آخر بعودة الإسلام والحرية والديمقراطية إلى الأناضول الذي استباحة أتاتورك الفاجر !
منظمة "هيومن رايتس ووتش" قدمت "شكوى عاجلة" لعدد من الهيئات الحقوقية الدولية؛ بشأن الحكم الظالم . وقالت المنظمة الحقوقية الدولية البارزة إنها تقدمت بالشكوى إلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والمقرر الخاص بالقتل خارج إطار القانون بالمنظمة الدولية، واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب .
وانتقدت منظمة العفو الدولية المحاكَمة، ووصفت الحكم بأنه تمثيلية لا أساس لها، ومؤشر على عدم الاكتراث لقوانين حقوق الإنسان. وطالبت بإطلاق سراح الرئيس فورا، أو إعادة محاكمته محاكمة مدنية عادلة. وذكرت أن حكم الإعدام أصبح "وسيلة السلطات المصرية للقضاء على المعارضة السياسية".
إن ما يجري يصب في إطار الحرب على الإسلام ، ولكن الإسلام سينتصر بإذن الله كما انتصر في تركيا وغيرها .
الله مولانا . اللهم فرّج كرب المظلومين . اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم !