عِزةُ غزة
د. بلال كمال رشيد
منذ زمنٍ ونحن نبكيك يا غزة وما أكثر الباكين !!
منذ زمنٍ ونحن نكتب ويكتبون كلاماً يُمحى ويُنسى ، ولم يكن إلا دمك مداداً يُسطِّر تاريخاً لا يُمحى ولا يُنسى ، منذ زمنٍ ودمك ينزُّ ونحن نتغنى به شرفاً في زمن أصبح فيه الشرف يُباع ويُشرى ، فيكِ الرجولةُ والعزةُ والكرامةُ تجسدتْ وتناسلتْ وتكاثرتْ ، وعند غيرك كانت رداءً و درءً لِعوراتٍ وسوءات ، وقناعاً قابلاً للتغيير والتبديل حسبما تقتضي رياح التغيير والتدويل .!!!
كأنكِ اعتدتِ على عداوة الأعداء والأقرباء والأصدقاء ، كأنكِ اعتدتِ على العدو وهو يأتيك بكلِّ وجهٍ وفي كل طريق ، فما أضعفَكِ ضربٌ ولا أسعفك شجبٌ !!
نساؤك الحسناواتُ خنساوات ..تُودع ابنها شهيداً .. ومن أحشائها لا يَخرجُ الوليدُ إلا شاهداً ولا يمضي إلا على الطريق التي سار عليها أخوه شهيدا !!
رجالك يحملون النعش رايةً ، ولم تسقط لهم غايةٌ ، مرابطون على حماك مترابطون ، يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر والنصر ، يَرثون الشجاعة ويُورثون ، ولا يَقبلون بالشهيد رثاءً ولا يحزنون ، هم الرجال الرجال ، هم السهام والنبال ، هم أهلٌ للنزال ، يتسابقون إيثاراً على درب التحرير والنصر ، فمنهم من قضى حيث ارتضى ، ومنهم من ينتظر ... فرحين .. فرحين .. مستبشرين بنصر الله ... ونصرُ الله وعد ٌ... ووعدُ الله آتٍ آت!!
لأطفالكِ لغةٌ لا يفهمها إلا الرجال ... ولعبةٌ لا يعرفون بها إلا مضاربَ العدو مضرباً وملعباً ، يُغيرون عليها ويغارون على وطنٍ نبضت به قلوبهم مع نبض الحياة ، لا يعرفون الخوف ، ولا يرتضون الحيف ، يُقبلون ولا يُدبرون ،لا يَعترفون بِحدٍّ ولا بِقيد ولا بِند ، ينسجون من آلامهم آمالَهم ، يحملون أحلامُهم ويحلمون ، يشتهون النصر وهم للنصر رجالٌ سائرون ومُسيرون !!!
أحياؤك أحياء ... وشهداؤك أحياء..... والشجرُ.. والحجرُ.. والبشرُ.. تحيا واقفةً راسخةً ..... تُغازل السماء .. يتساقطون واقفين .... ويَخرجون ثانيةً براعمَ و فسائلَ حياة ... وحجارةً سجيلا ً... و بَشراً من الأجداث يتناسلون- إذ يتناسلون- ملائكةً ،و يرمون- إذ يرمون -رميةَ الله التي لا غالب لها ، وكان أمر الله ونصره مفعولا !!
ما هزتك يا غزة هِزةٌ إلا وكانت لك عِزةً .... بل ولكلِّ العرب كانت ، وإنْ لم تكن لهم هِزة ... فلا تنتظري منهم مدداً ... ولا تصدقي وعداً ، كوني كما كنتِ.. وكما أنتِ ...معلمةً ورائدة ً..صُدي و رُدي ، قاومي وانتفضي ، كوني كما كنت ، قادرةً على الصبر والاصطبار ، حاصروك وما حُوصرت ، قطعوا عنك كلَّ أسباب الحياة وما حادتْ الحياة عنك ، لم تقتلك فاقةٌ ، ولم تنلْ من عزتك حاجةٌ ، هِمتك هامةٌ لم تنلْ منها دُولٌ ، وصوتك بالحق صداحٌ كان أعلى من طبول الحرب والدجل ، وعبيرك عبير مسك وعنبر ، فلم يقوَ عليك عدوٌ ولا عرٌب وكلُّ من تآمر وتجبر ، سلامٌ عليك أيتها الحبيبةُ النديةُ وأنت تشهدين ما لم نشهد ، وتصدين عنا ومنا ، وأنت تعيشين وحيدةُ فريدةُ ، وترين النصر - رغماً عنا وعنهم – قابَ عينين وأقرب .