ظاهرة «الوحي» منبع يقين المسلمين

 

«لولا الوحي لظللنا عمياناً»

من كتابه يوميات مسلم ألمانى ص 45 أنظر قائمة المراجع   

مراد هوفمان

روى الإمام البخاري عن السيدة عائشة تصف كيفية بدء الوحي وتقول: «أول ما بدئ به رسول الله  الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤية إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينـزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها. حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال له: - اقرأ، فقال ما أنا بقارئ. قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، فرجع بها رسول الله e يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها: فقال زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر، لقد خشيت على نفسي فقالت: كلا والله لا يخزيك الله أبداً. إنك تصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به «ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى» وكان ابن عم خديجة وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل في العبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخاً كبيراً قد عمى. فقالت له خديجة: يا ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله e خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس (أي جبريل أو الوحي) الذي نزل على موسى يا ليتني فيها جذعاً (شاباً قوياً) ليتني أكون حياً إذا يخرجك قومك. فقال رسول الله e أو مخرجي هم؟ قال نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وأن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً. ثم لم يلبث ورقة أن توفى وفتر الوحي.

واختلف في الزمن الذي فتر فيه الوحي فقيل ثلاث سنوات وقيل أقل من ذلك. والراجح أن المدة كانت ستة أشهر ثم روى البخاري عن جابر ابن عبد الله قال وهو يحدث عن فترة الوحي. فقال في حديثه:

بينما أن أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء، فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه. فرجعت فقلت زملوني. زملوني فأنزل الله عز وجل: يا أيها المدثر قم فأنذر – إلى قوله والرجز فاهجر فحمي الوحي وتواتر(اختبارات غيبية.

-          أوامر تشريعية.

تأويل ظاهرة «الوحي»:

يظل الصراع بين الحق والباطل إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. ويومئذ يعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. ولنا أن نعلم الحقائق الآتية:

-          إن ظاهرة الوحي هي استقبال وتلقي لحقيقة خارجية لا علاقة لها بالنفس وداخل الذات كما يزعم الزاعمون أن الوحي إلهام داخلي وهاجس نفسي فريد.

-          إن ضم الملك للنبي صلوات الله عليه وسلامه ثم إرساله ثلاث مرات يعتبر تأكيداً لهذا التلقي الخارجي ومبالغة في نفي ما قد يتصور من أن لا يعدو عن كونه خيالاً داخلياً فقط.

انقطاع الوحـي :

لقد قضت الحكمة الإلهية أن يحتجب الملك الذي رآه النبي e لأول مرة في حراء مدة طويلة وأن يستبد به القلق ويتحول لديه إلى خوف في نفسه من أن يكون الله عز وجل قد قلاة بعد أن أراد تشريفه بالرسالة والوحي. لقد ضاقت عليه الدنيا، إلى أن رأى ذات يوم الملك الذي رآه في حراء وقد ملأ شكله ما بين السماء والأرض يقول:

- يا محمد أنت رسول الله إلى الناس.

فعاد مرة أخـرى إلى البيت وقد استبد به القلق والرعب فنـزل قولـه تعـالى: ?يا أيها المدثر قم فأنذر? [المدثر: 1، 2].

إن هذه الحالة التي مر بها رسول الله e تجعل مجرد التفكير في كون الوحي إلهاماً نفسياً ضرباً من الجنون إذ من البداهة بمكان إن صاحب الإلهامات النفسية والتأملات الفكرية لا يكون إلهامه أو تأمله بمثل هذه الأحوال.

هل إدركنا الحكمة الإلهية من أن تكون بداءة الوحي على النحو الذي أراده عز وجل – ثم إن استمرار الوحي بعد ذلك يحمل نفس الدلالة على حقيقة الوحي وإنما ليس كما زعم الزاعمون مجرد هاجس أو خاطر أو حالة هياج عاطفي أو نفسي أو ما شابه الصرع.

نقول إن المكاشفة النفسية التي يزعمها الزاعمون لا تعلم الحقائق التاريخية، ولا الإشراقات الروحية أو التأملات العلوية، كل هذا كلام أفرغ من الفراغ ولا يدل على شيء.

إن استمرار الوحي يحمل الدلالة على حقيقة الوحي وأنه ليس كما أراد المشككون (ظاهرة نفسية محضة) وهذه الدلالات هي:

1-      التمييز الواضح بين القرآن والسنة.

2-      كان النبي ÷ يُسأل عن بعض الأمور فلا يجيب عليها، وربما يمر على سكوته زمن طويل حتى إذا نزلت آية من القرآن طلب السائل وتلا عليه ما أنزل في شأن سؤاله.

3-      كان الرسول أمياً وليس من الممكن أن يعلم إنسان بواسطة المكاشفة النفسية حقائق تاريخية.

4-إن صدق النبي  أربعين سنة مع قومه واشتهاره فيهم بذلك يستدعي أن يكون  من قبل ذلك صادقاً مع نفسه(

([2])د. محمد سعيد رمضان البوطي، كبرى اليقينيات الكونية، دمشق، دار الفكر، 1985، ص186.