حَابِسُ الْفِيلِ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

في شهر ذي القعدة من العام السادس للهجرة..قرر رسول الله سيدنا محمد  صلى الله عليه وسلم التوجه إلى مكة المكرمة لأداء العمرة..وكان معه من الصحابة رضوان الله عليهم ألف وأربع مئة من المهاجرين والأنصار..وفي الطريقِ مِنَ المَدينةِ المنَّورةِ إلى مَكةَ المُكرَّمةَ..بَركت ناقةُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ النَّاسُ:خَلأت القصواءُ..فقالَ صلى الله عليه وسلم:"ما خَلأت..وما هو لها بِخُلقٍ..وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ عَنْ مَكَّةَ"تأملتُ هذه العبارةَ طويلاً وأخذت أتساءل مع نفسي فقلتُ:ما هذا الاستدعاء لِذكرِ حَملَةِ الفيلِ..؟تلك الحملةُ العَسكريِّةُ العَاديةُ الظالمةُ..التي جَاءت لِتَهدمَ الكعبةِ وتُدنِّسُ البيتَ الحرامَ..وقد منعَ اللهُ الكعبةَ ومكة المكرمة من أن تَصلَ إليها تلك الحملةُ المجرمةُ..وما هي مُبرراتُ ربطِ  حَبسِ الفيلِ عنْ مكةَ بحَبسِ ناقةِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن مكة المكرمة..؟وما هو وجهُ الشبَهِ بينَ زيارةٍ مُباركٍ يقوم بها سيد الخلق ورسول الهدى صلى الله عليه وسلم قَصدُها تَعّظيمُ الكعبَةِ وتقّديسُها..وبينَ حَملةِ عسكرية عادية مُجرمةٍ تُريدُ تَدّنيسَها وهدمَها ..؟وبعدَ طُولِ تَدبُّرٍ وتأملٍ..وجدتُ أنَّ عِلة َالربط ِبينَ هاتين الحالتين المتناقضتين بالغايةِ والهدفِ..إنمِّا هو بفهمي اشتراكُهما بِحُرمَةِ سَفكِ الدماءِ في البيتِ الحرامِ..فيما لو تَرتَّبَ على أداءِ عمرةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم اندلاع حربٍ بينَ المسلمين وقريشٍ..وهو ما يَمقُتُه اللهُ تعالى ويَكرَهُ أنْ يكون تَصرُّفُ المسلمين سببًا لوقوعه..وهذا ما يُؤكدُه تَصريحُ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"وَاللَّهِ لَا تَدْعُونِي قُرَيْشٌ الْيَوْمَ إِلَى خُطَّةٍ يَسْأَلُونِي فِيهَا صِلَةَ الرَّحِمِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا"التصريحُ الذي جَاءَ مُباشرةً بَعدَ قولِه صلى الله عليه وسلم:"وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ عَنْ مَكَّةَ"أي حَبسَها عنْ أنْ تكون العمرةُ سَبباً للحربِ وسفكِ الدماءِ في البيتِ الحرامِ وفي الشهرِ الحرامِ..ولِمَ العجبُ ..؟إنِّها رسالة الإسلام رِسَالةُ الأمْنِ والسلامِ..رسالة تعظيم بيت الله الحرام..رسالة تعظيم قدسية حياة الإنسان..رسالة تأصيل مقاصد عبادة الله تعالى..ومن أبرزها أن تكون فيما يرضي الله سبحانه لا فيما يغضب الله تباركت أسماؤه..رسالة حقن دماء الناس لقوله https://encrypted-tbn0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcRvugMMybxofI34cEtIqbIl8g1RcMKkXDAkKstvi7lLqMRnYHjXRw:"فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا"ولقوله تعالى:"مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا"وصون مصالح الناس..وتعايش الناس لقوله تعالى:"ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"رسالة دفع الحروب والدمار والفساد والكراهية بالسلم والبناء والإصلاح والمودة لقوله تعالى:"وَاَللَّه يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام"وبعد..فهلا أدرك من يذبحون ويقتلون ويشعلون الحروب باسم الله..؟! أن السلام اسم الله.

وسوم: العدد 623