لكم فقهكم ولنا فقهنا

د. حامد بن أحمد الرفاعي

الحقيقةُ المطلقة لإلوهيِّة وربوبيِّة الله جلَّ شأنه واحدة لا تتعدد..وتبعاً لها فإنَّ الحقيقة الدينية التي تعبِّرُ عنها وعن حقيقة دلالاتها ومقتضياتها لا تتعدد كذلك..لكن الذي يتعدد فهو فهم البشر لثوابت هذه الحقيقة ومنطلقاتها..المبيّنة بالنصوص الربانية المحكمة في كتبه سبحانه..وبما وضحته أقوال الأنبياء والرسل وتمامها وكمالها بما جاء به سيدنا المصطفى المبعوث رحمة للعالمين رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وتعدد فهم البشر واعتقاداتهم بشأن هذه الحقيقة الخالدة..هو مصدر تعدد الأديان والملل والمذاهب والفرق..والله تباركت أسماؤه وصفاته بعلمه الأزلي"إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَات وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ"يعلم ما سيكون من اختلاف بين عباده بشأن دينه وتعاليمه الربانية الخالدة..لذا قرر قاعدته الخالدة المحكمة:"لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"وأعلن للناس أن الخلاف بينهم لن يحسم في الدنيا لقوله تعالى:"وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبّك وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ"وأنه سبحانه يفصل بينهم في الآخرة لقوله تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ"وذلك لينهي جدلية الاختلاف والصراع بينهم..مما يشغلهم ويصرفهم عن إنجاز مهام الكليات والجوامع التي كلفهم بها وهي:التعارف لقوله تعالى:"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"والتفاهم لقوله تعالى:"تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ"والتنافس لقوله تعالى:"لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا"والتسابق بالخير بقوله تعالى:"لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ"والتعاون والتدافع في صرف الفساد لقوله تعالى:"وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ"وذلك للنهوض بأمانة مسؤوليات الاستخلاف في الأرض لقوله تعالى:"إنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً"وعمارتها لقوله تعالى:"هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا"أجل للنهوض بهذه المهام الكبرى الجليلة لصالح قدسية حياة الإنسان وحريته وكرامته وممتلكاته وبيئته..ولإقامة التعايش العادل الآمن بين الناس..كان التوجيه الرباني الجليل"لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"وبعد..فتأسيساً على هذا الفهم لمقاصد تعاليم رب العباد للعباد..اقترح من قلب يتفطر ألماً لحال الأمة المسلمة اليوم قاعدة نلتزمها:(لكم فقهكم..ولنا فقهنا)فحسبنا أننا نعبدُ إلهاً واحداً لا إله إلا هو..وعلى أساس من هذا المقترح أقول للجميع:تعالوا إلى كلمة سواء بيننا..نتفاهم ونتعاون ونتنافس من أجل بناء أوطاننا..وتحقيق طموحات أجيالنا..ولنواجه معاً وبعزم تحديات الحياة..لتشمخ من بعد صروح أمننا وسيادة بلداننا..ولنعيش برغد وأمن وسلام..فهل من مجيب..؟آمل وأرجو ذلك..والله المستعان وهو سبحانه الهادي إلى سواء السبيل.

وسوم: العدد 623