جاء رمضان ، وجاء المسحراتي ...

جاء رمضان هذا العام في طقس حار و ما يترتب عن ذلك من معاناة للصائميين بسبب الجوع و العطش ألا ان الاجواء الروحانيه فيه تزيل هذا التعب، و تكاثف اجواء العبادات، ورؤية مأدبه الافطار وما فيها من ما طاب و لذ ، وتجمع الاقارب والعائله الواحدة ولم شمل الأسرة وكثرة الزيارات والعزائم وتداول الافطار بين الجيران وغيرها مما يجعل الشهر الكريم مميزا عن بقية الشهور، ومن العادات و التقاليد وجود " طبال رمضان " بوطبيلة أو المسحراتي بيننا في رمضان

هكذا نبدأ ايام الشهرالفضيل بصوت " بو طبيلة " الجميل، و هو يوجه نداءاته بلطف قصد ايقاظ الناس لتناول السحور لأن في السحور بركــــــة و يكفي القليل من الطعام ومن بعد ذلك صلاة الفجر

المسحّر هو الرجل المميز في شهر رمضان، ووظيفته ان يوقظ الناس وان يعيد لنا اجواء هذا الشهر الفضيل، وقديما كان يرافق طبال رمضان فتى يحمل فانوسا من اجل اضاءة الشوارع و الأنهج و الأزقة

بوطبيلة أو طبال رمضان هو رجل المهمات الصعبة ، قديما كان يجر وراءه جريدة نخل خضراء بكل همة فتحدث هذه " الجريدة " خربشة على الأرض مما تخيف الكلاب السائبة فيفرون بعيدا ويتركون أبو طبيلة يطبل و يهتف مناديا : قم يا صائم قم تسحر، ففي السحور بركة... اصحي يا نايم و حد الدايم ....

طبال رمضان يمشي فخورا بعمله هذا الذي ورثه عن جده و أبيه ، ينقر على الطبلة : دق - دق - دق : يا نائم قم اتسحر ، وحد الدايم .... اصحى يا نايم

تسمع نقرات على الطبلة ، نقرات محببة إلى النفوس فنشعر بحق أنك في شهر فضيل، تشعر بالطمأنينة و الأمان و الفرح يغمر القلوب المؤمنة

 كنا و نحن صغار نتخيل كيف تكون هيئة الرجل - كيف هو ؟ و نحن نستعد للنهوض إلى مائدة السحور ، فنشعر بالسعادة و بكرم الشهر المبارك " أبو طبيلة " صورة لا تكتمل الا بشهر رمضان ، وهو يرتبط ارتباطا وثيقا بتقاليدنا الشّعبية الرّمضانيّة، بل قل حتى بتراثنا الثقافي العربي و ان هذه الظاهرة موجودة منذ القدم فطبال رمضان او أبو طبيلة أو المسحراتي موجود في الثقافة التراثية العربية .و لكن للأسف مع تطور العصر الحديث بدأت هاته الظاهرة تتقلص و تنقص ... فقبل الإمساك بساعتين يبدأ " المسحراتي " جولته الّليلية في الأحياء الشّعبية موقظاً الأهالي للنهوض على نقرات طبلتهالساحر وصوته الجميل يصدع بأجمل الكلمات ما يضفي سحرا خاصّا على المكان، ومن العبارات المشهورة للمسحّراتي قوله : يا نايم وحّد الدّايم ، يـا غافي وحّـد الله.. قوموا اتسحروا - جاءكم رمضان بالخير يزوركم، يا نايم وحّد مولاك اللي خلقك ما ينساك - كل عام و انتم حيين

بخير.... كلمات رنانة و شعارات صادقة تزرع البسمة على الشفاه و الأمل في القلوب.

أبوطبيلة في المغرب العربي الكبير، أو كما يحلو للغير تسميته المسحراتي في الشرق إنسان كأي إنسان مسلم أمين ، يقوم به متحديا أي خطر من أخطار الطريق وخاصة الكلاب السائبة و اللصوص قطاع الطرق ! 

قلت في نفسي - قد لا يكون بوطبيلة هذا ، رجلا عاديا ، وقد يكون رجلا ثابتا شجاعا صاحب مبدأ و عزيمة لا تقهر، فعمله هذا فيه مجازفة و تحد و رمضان هذا العام ليس كرمضان العام الفائت و هكذا ، بوطبيلة يمسك الطبلة و ينقرعلى جلدها بعصا رقيقة و هي تحدث لحنا جميلا يدخل الطمأنينة في قلوب الصائمين و القائمين ، انه يخرج في رمضان كل ليلة سواء جاءنا رمضان في الشتاء أو في الصيف أو في الربيع أو حتى في الخريف موسم الأمطار فالرجل على ما يبدو لا يخاف الأمطار و لا الرياح و لا الحر و لا البرد و مع ذلك لا يفارقنا طيلة ليالي رمضان و لا تفارق نقرات طبلته مسامعنا لآخر وقت من الفجر فيدغدغ آذاننا ويجعلنا نحلم بالمستقبل الباهر و في كل ليلة ننتظر مجيئه بفارغ الصبر لأننا اكتشفنا أنها عادة من عادات الشهر الكريم و هي عادة جميلة ، فحتى الأطفال الصغار يحبذون سماع طبلته و يشتاقون لرؤيته .

وسوم: العدد 623