كيفَ تُصبحُ داعشيَّاًّ

منذُ أنْ خلقَ الله البسيطةَ وأسكنَ فيها أدمَ عليهِ السّلامَ مع عائلتهِ بدأتْ فكرةُ التّمرّدِ والتّعصبِ والاعتداءِ على الآخر تحتَ دعوى " بأنَّ فكري وعملي هو الصّواب وغيري على خطأ" فكانتْ قصّةُ وَلَدَيْ أدمَ "قابيلَ وهابيل".

ففكرةُ الخروجِ على الجَّماعةِ وتكفيرِ المُجتمعاتِ والجَماعاتِ لم تكنْ وليدةَ عصرِ عُثمانَ رضيَ الله عنهُ بل كانتْ صرخةً تكفيريّةً إقصائيّة من السّماءِ وفي حضرةِ الخالقِ مالكِ المُلكِ فقالَ إبليس:" أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ" وعلى سَنَنِهِ سارَ كلُّ من جاءَ بعده بتكفيرِ المُجتمعاتِ والقياداتِ واستحلالِ دمائهم وكأنَّ اللهَ بعثهم لإدخالِ النّاسِ النّارَ ولمْ يبعثهم لهدايةِ البشرِ للجنان؟!

الأسبابُ وراءَ ولادة الدّاعشيّ:

1- التربية المُتشدّدة: تبدأ نواةُ الدّاعشيِّ بالغالبِ منَ الأسرةِ والمجتمعِ المحيطِ بهِ، تلكَ الأسرةُ التي تكونُ غالباً تتمتعُ بتربيةٍ يتخللها الكثيرُ من الكبتِ والتضييقِ البعيدِ كلَّ البُعدِ عن روحِ الإسلامِ الرحيمةِ ولكنّهُ يخضع للعُرفِ والتقاليدِ والعاداتِ الاجتماعية، هذا الكبتُ يُولِّد في المستقبلِ الانفجارَ الدّاعشيَّ الحاقدَ على كلِّ ماحولهُ منْ تصرّفاتِ المجتمعِ التي يراها منْ منظورهِ الضّيّقِ مُحرّمةً ويجبُ القضاءُ عليها.

2- من أقصى الشّمال إلى أقصى اليمين: بعضُ الشّبابِ يمرّ بمرحلةٍ يكون فيها غارقاً في البُعدِ عن اللهِ مُستمتعاً بالحياة "وفقَ منظوره"يعيشُ على هواه لا يُحلل ولا يُحرّم، ثمَّ وفي لحظةٍ حاسمةٍ يُقررُ الانصرافَ عنِ اللهوِ والمُتعِ إلى الزُّهدِ والورعِ رافعاً شعارَ التّوبة فيغدو كالظّمآنِ الّذي حصّل نهراً عذباً نظيفاً يُريدُ أن يشربهُ بأكمله، وهذا ما يدفعُ ذلك التائبَ إلى التَّعويضِ عمّا اقترفهُ من ذنوبٍ فيلتحقُ بالفكرِ الدّاعشيِّ ظنّاً منه أنَّه أقصرُ طريقٍ للتَّكفيرِ عمّا مضى.

3- غيابُ العلماء: وينقسم هذا الغيابُ لقسمين، الأوّل: تغييبُ العلماءِ المحاربينَ للفكرِ التكفيريِّ من قبلِ القياداتِ السّياسيةِ وقد يكون ذلكَ عنْ قصدٍ أو لجهل، ممّا يعني إخلاء السّاحةِ لعلماءِ داعشَ وأمثالها لكي تلعبَ بأفكارِ الشَّبابِ المراهقِ وتزرعَ في عقولهم أنّ الإسلامَ هو السّيفُ وقطعُ الرؤوسِ وجلدُ الظّهورِ ورجمُ الجماجمِ وغيرهُ كُفرٌ وردّة.

الثّاني: انشغالُ العلماءِ بتوافهِ الأمورِ وبُعدهم عن الواقعِ، فترى حوله التّكفيرَ والاعتداءَ على العبادِ تحتَ رايةِ الإسلامِ وهو يُحدّثُ النّاسَ عن أحكامِ الوضوءِ والمسحِ على الخُفّ في حين أنَّ الظّلمةَ تُلقي رداءها الأسود على الكونِ وشبابُ الأمّة يسيرُ نحو الهاوية وهو بعيدٌ عمّا يُحيطُ بنا من فتنٍ وكوارث.

4- الظُّلمُ والاعتداء: قد أودعَ الله في الخلقِ حتّى الضَّعيفَ منهم كالنّملةِ كُرهَ الظّلمِ وغريزةَ الدّفاعِ عن النّفس، فإنَّ النّفسَ الأبيةَ التي ربّى عليها الإسلامُ أتباعهُ تأبى أن يُعتدى عليها أو أنْ تُهانَ كرامتها، فحينما يعمدُ بعضُ القادةِ السّياسيينَ بالتنكيلِ والظّلم ِوالاعتداءِ على البعضِ من الإسلاميينَ يحوّلُ هؤلاء بدافعِ الغريزةِ إلى فكرِ الانتقامِ بأيِّ وسيلةٍ كانتْ وما أجملَ "الدّاعشيةَ" من وسيلةٍ في نظرِ المظلومِ المُعتدى عليه، بل إنَّه حتّى الغيرَ إسلاميينَ والبعيدينَ كلَّ البُعد عن اللهِ حينما يقعُ الظّلمُ عليهم تراهم يتراكضونَ للانضمام لدولةِ "الخلافة" لا لقناعةٍ منهم بل بدافعِ الانتقامِ والثّأر.

5- إِقصاءُ المُعتدل يحوّله للتطّرف: حينما يكونُ لدينا مجموعةٌ من الشّبابِ الإسلاميّ تؤمنُ بالعملِ المؤسساتيِّ المدنيّ الديمقراطيّ وتسيرُ فيه جنباً إلى جنبٍ مع شريكِ الوطنِ كائناً ماكانَ توجههُ الفكريّ أو العقدي ثمَّ توصلها أفكارها وقبولها لهذه الطَّريقة إلى سُدّةِ الحُكمِ فيعمدُ شريكها إلى التَّلاعبِ بها والتآمرِ عليها وإقصائها عن الحُكم، فلا ريبَ أنَّ هذه المجموعة ستقتنعُ تماماً أنَّ إيمانها بفكرةِ المُشاركةِ وقبولِ الآخرِ كانتْ ضرباً من الخيالِ وغباءً تستحقُّ عليهِ استهزاءَ داعش، التي ستفتحُ يديها لها مُستقبلةً شبابها المُحبطَ بالأحضان.

6- الفقرُ يولّدُ الكُفر: حينما تسوءُ الأوضاعُ الإقتصاديةُ بحيثُ لا يجدُ الأبُ لقمةً يضعها في فَمِ ولدهِ الذي يراهُ يموتُ بين يديهِ جوعاً فلا شكَّ أنَّ هذا الوالدَ سيكفرُ بالمُجتمعِ والدّولة، ومَنْ أفضلُ من داعشَ لكي تستقبلَ التكفيريين؟!.

7- ليكن داعشيَّاً بعيداً عنّي: تعمدُ الكثير من الدّولِ لتسهيلِ عبورِ الشَّباب التكفيريّ صاحبِ الفكرِ المُتطرفِ إلى ما يُسمّى "أرض الرّباط" ظنّاً منها أنَّها بذلك تُبعد الورمَ السّرطانيَّ عنها لكي يعيشَ في بيئةٍ مناسبةٍ له، وهذا قمّةُ الغباء في التّفكير، فالفكرُ الدّاعشيُّ يتغلغلُ في كلِّ مكانٍ وينشرُ سمومهُ بسرّية تامَّة ومن المُحالِ أنْ تتخلصَ منه، فخيرٌ من تسهيلِ عبورهم ليجتمعوا أنْ تُضيّقَ عليهم وتُفرّقهم مع محاورتهم بطريقةٍ غير مباشرةٍ ومباشرة لكي يتمّ تخليصهم من عفنِ أفكارهم.

هناكَ العديدُ من الأسبابِ الأخرى التي نعلمها ونجهلها عن طبيعةِ"الدّولة الإسلاميّة" وكيفَ نشأتْ وتقدمتْ وتطورتْ ولا ريبَ أنَّ للمخابراتِ المحليةِ والعالميةِ اليدَ الطُّولَى في هذا التّنظيم، لكن ما يهمّنا هو تحصينُ شبابنا من هذا الفكرِ الذي من الصّعبِ قتلهُ ودفنه فهو عبرَ التّاريخِ تَفَنَّنَ في قتلِ القياداتِ والعلماءِ وهدرِ الدّماءِ وانتهاكِ الحُرمات، ولا يكونُ تحصينُ الجيلِ من هذا السّمِّ إلاّ بتعليمهم إسلامهم الصحيحَ وفتحِ المجالِ بينهم وبين العلماءِ الصّادقين مع عدمِ التضييقِ عليهم أو ظُلمهم والتّنكيلِ بهم وألاَّ يؤدي خوفنا منَ التّطرفِ والتّكفيرِ إلى"فوبيا" رُهاب من الإسلامِ عينهِ والإسلاميينَ فبذلكَ نخدمُ الفكرَ الدّاعشيّ أعظمَ خدمة، وخيرُ ما قيل": أنَّ الفكر لا يحاورُ إلاّ بالفكر" وهناك شعرةٌ رقيقةٌ جداً بينَ الاعتدال والتّطرفِ فالحذرَ الحذرَ من قطعها.

وسوم: العدد 626