عِشْقُ التَارِيخِ
التَارِيخُ وَثيقَةُ الأحداثِ إيجاباً وسلباً..لِمسيرةِ مُجتَمعٍ مَا أو أمة ما..قِراءةُ التَاريخِ وَتأمُلُ مَلفاتهِ واستخلاصُ العِبرَ مَنْها..أمرٌ مُهمٌ وَمُلِّحٌ لِلتّعامُلِ معَ أحداثِ الحَاضرِ..واستشراف ملامح المستقبل..هذه حقيقةٌ تُؤمنُ بها المُجتمعاتُ ويَعملُ بها العُقلاءُ..والصلة بالتاريخ وتأمل مخزوناته..شَأنُها شَأنُ كُلِّ صلة بمسائلِ المَعرِفَةِ..يَنتابُها اختِلالاتُ تَتراوحُ ما بينَ الإهمالِ والمُبالغةِ..وفي هذا الشأنُ قالَ لي زَميلٌ غَربيٌّ ونحنُ نتحاورُ:أنتمُ العربُ تَعشقون تَاريخَكُم عشقاً شَديداً..وتُبالِغون في عِشقِكُم إلى درجة الانحباس في أحضانِه..فَتنسونَ حَاضِرَكُم وبالطبعِ تغفلون عن مُستَقبَلكُم..والدليلُ أنَّكُم تَفّتّقِرون اليومَ إلى أنموذجٍ حضاريٍّ تَتحدثُون عنَه في حاضركم..فلا نَسمعُ منْكُم إلا عنْ رَمزَّيتِّكُم التَاريخيِّةِ أليسَ كَذلك..؟ قلتُ: لا..الأمرُ ليسَ كَذلك..فَرمزيِّتُنا الحضاريِّةُ لمْ تَنقطِع قَطُ..ولمْ تَتغيِّب عنْ مُواكَبَةِ التاريخِ وصِناعِةِ أحداثه..فاستمرارُ رمزيِّتُنا لا يُنكِرُهَا إلا جاحدٌ لَها أو جَاهلٌ بها..ففي بلاد الشامِ لنا رمزيِّتنا..وفي المَغربِ العربيِّ لنا ما نعتز به اليوم..وفي الجَزيرَةِ العربيِّةِ لنا صروحٌ وشُموخٌ وتألق..مما يرفع رؤوسنا ونعتز به ونفتخر..وفي اليمنِ ومِصرَ والسودان..وفي تُركيَّا وفي باكستان..وفي اندونيسيا ومَاليزيا..وفي كثيرٍ منْ بُلدانِ العَالمِ مثل ذلك..بِكُلِّ تأكيدٍ هي ليست سواءَ..وليست على المستوى الذي يليق بعظمة الإسلام ورسالته السامية..ولكنْ حسبُها أنَّها موجودةٌ..وحسبها أنها تسعى للتطوير والارتقاء ولِبلوغ أفضَلِ ممَّا هي علَيهِ..ألمْ تَسمَع وتُقرأ عنْ شيخِ الرَمزيَّةِ العَربيِّةِ المُسلِمَةِ الحضاريِّة وإمامها المعاصر..الملكِ عبدِ العزيزِ ابنِ عبدِ الرحمنِ آلِ سعودِ..؟إنَّه المُؤسِسُ المُجدِّدُ لِدولةِ الإسلامِ في تاريخها المعاصرِ..أليست المَمّلَكَةَ العَرَبِيَّةَ السعُودِيَّةَ اليومَ قُطباً عالميٌّاً فاعلاً في حَرَكةِ التَاريخِ البشريِّ المُعاصرِ ..؟ أليست عاملاً مؤثراً في سير تَحَارُكِ المُوازناتِ الدوليِّةِ..؟منْ أجلِ بناءِ ثَقافَةِ العَدْلِ والأمْنِ والسلامِ ..؟لو أنصفتَ لقلتَ مَثلَ هذا وأكثرَ..بكل تأكيد نحن أمة من الأمم..تحكم سيرها وأدءها الحضاري قواعد ونواميس الحياة..ولسنا استثناءً من ذلك ولا ندعيه..فتاريخنا فيه ثغرات وهنات..وحافل بالإبداعات والتألقات والمفاخر..ونواجه مثل غيرنا من الأمم تحديات الحياة ومستجداتها..فنخفق في مكان وزمان..ونفلح ونتألق في أماكن وأزمنة أخرى..ولا نبخس الناس أشياءهم..ونأمل أن تتعامل الأمم معنا بنفس الروح وعلى مستوى ما نعاملها..فذاك أجدى وأنفع للتعاون والتنافس في ميادين الخير والبناء..فقال:إنني أوافقك وأؤيدك.
وسوم: العدد 626