حزب العمال الكردستاني إذ يلعب بالنار

الحياة:26/7/2015

تطورات الأيام والساعات الأخيرة في تركيا، على حدودهاالجنوبية بخاصة، كانت مفاجئة في تسارعها على الأقل،وإن كانت مقدماتها الموضوعية تتراكم منذ سنوات. جزاردمشق سبق أن هدّد في مناسبات عدة، ومنذ السنة الأولىللثورة على حكمه، بـ «زلازل» ستضرب المنطقة إذا حاولأحد زعزعة نظامه.

تسارعت الأحداث ككرة الثلج منذ مجزرة سروج، التي راحضحيّتها 32 من النشطاء اليساريين الشبان ممن قدموا مناسطنبول وأنقرة، في إطار حملة تضامن لإعادة إعمار بلدةكوباني الكردية، الواقعة على الطرف الآخر من الحدود فيمواجهة سروج المنكوبة.

أدت هذه المجزرة إلى تحوّل حاد في موقف حزب العمالالكردستاني، وجد صداه أيضاً في الأداء الإعلامي لحزبالشعوب الديموقراطي، الذي أخذ خطابه يتشدّد. ففي حيندعا جميل بايك، أحد أهم القادة الميدانيين للكردستاني،جميع الكرد في تركيا إلى حمل السلاح «دفاعاً عنالنفس»!، دعا نظيره السياسي، وعضو البرلمان، صلاحالدين دمرتاش إلى الاستعداد لتحقيق «الأمن الذاتي»!.

نعم، بعد دعوتين من عبدالله أوجلان، في 2013 و2015 علىالتوالي، لحزب العمال الكردستاني إلى التخلّي عن السلاحفي صورة نهائية والانخراط في الحياة السياسية، وبعدوقف إطلاق نار مديد التزم به الحزب أكثر من الحكومة،يأتي بايك ليدعو من لم يتسلّّحوا بعد من كرد تركيا إلى حملالسلاح! وبعدما انخرط «الأبوجيون» في الحياة السياسيةفعلاً، وحققوا إنجازاً تاريخياً بتجاوز حاجز العشرة فيالمئة، ودخلوا البرلمان بثمانين نائباً منتخبين من الشعب، بمنفيهم بعض الناخبين الأتراك، يتحدث دمرتاش عن «الأمنالذاتي»! (ترى هل يشمل ذلك وضع دشم وحفر خنادقداخل البرلمان لحماية الكتلة الكردية فيه؟).

لا يمكن ردّ هذا التصعيد المفاجئ إلى «فورة دم» أو ردةفعل غير محسوبة بعد مجزرة سروج. فقد واجه حزبأوجلان، بجناحيه السياسي والعسكري، مواقف أصعبببرودة أعصاب و «ضبط نفس» يُحسد عليهما. حتى فيحمأة ردة الفعل الغاضبة على موقف الحكومة من معركةكوباني، حين نزل الكرد إلى الشارع متظاهرين وقُتل منهمنحو أربعين شخصاً من نشطاء الكردستاني – الشعوبالديموقراطي، في تشرين الأول (أكتوبر) 2014، انتهىالأمر إلى وقف التظاهرات بدعوة صريحة من دمرتاش، ولميجرِ الحديث عن أمن ذاتي أو حمل السلاح. فما باله اليوم لايكتفي بالدعوات المذكورة، بل يتجاوزها إلى إطلاق سلسلةاغتيالات بحق الشرطة التركية ومدنيين بدعوى «تعاونهم معداعش»؟! ويتبنى حزب قنديل رسمياً قتل أول اثنين منهمافي مدينة أورفة! ليس هذا وحسب، بل يقطع مسلّحوالكردستاني الطرق العامة الواصلة بين المدن، فيوقفونالسيارات العابرة، تحت تهديد السلاح، ويطلبون الهويات منالركاب ويحرقون بعض السيارات الشاحنة.

كأننا نتحدث عن حواجز النظام أو حواجز «داعش»وأشباهه من الميليشيات المسلّحة على الأراضي السوريةالغارقة في الفوضى. حتى حواجز قوات حماية الشعب(الميليشيا العسكرية للفرع السوري لحزب العمالالكردستاني)، لا تتصرف في مناطق سيطرتها بهذهالطريقة. فما بال الحزب الأصلي وواجهته السياسية فيالبرلمان التركي، يدفعان بلدهما إلى المجهول؟ وهل يمكنالبحث عن تفسير ما في التوقيت؟ أقرب ما يتبادر إلىالذهن، التحوّل الجديد في موقف الحكومة التركية من تنظيم«الدولة» (داعش)، في صورة متوازية مع تصعيد هذاالأخير ضد تركيا. أليس هذا ما كان يدعو إليه أصلاً الحزبالكردي؟ ألم يكن يتّهم الحكومة بالتساهل مع «داعش»، بلتقديم خدمات لوجستية له في حربه على كرد سورية؟ فكيفيقابل التغيير المرغوب بتصعيد من خارج السياق؟ ألا يبدوالمشهد اليوم، بالنسبة الى أي مراقب محايد، كما لو أنتصعيداً منسقاً يجري ضد الحكومة التركية من جبهتي«داعش» والعمال الكردستاني المفروض أنهما عدوانلدودان؟

لعلّ الجديد حقاً، إذا وسّعنا زاوية النظر، هو إنجاز الاتفاقالنووي بين إيران والدول العظمى، وما أوحى به ذلك منإطلاق يد نظام الملالي ليفعل، من خلال أدواته المحلية، مايريد في الصراع الإقليمي الدائر. فإذا أضفنا هذا إلىالتوافق الأميركي – التركي الذي تلا الاتفاق النووي المذكور،وفتحت تركيا، في إطاره، قاعدة إنجرليك الجوية أماماستخدام طيران التحالف الدولي ضد «داعش»، وحملةالاعتقالات التي تنفّذها السلطات الأمنية في تركيا ضدخلايا «داعش» التركية النائمة، ونجاحها في ضبط الحدودلمنع عبور الجهاديين المتعدّدي الجنسيات للالتحاق بقوات«داعش» في سورية...، ربما أصبح في إمكاننا فهم هذاالتصعيد الكردستاني – الداعشي المتزامن والمتّسق.

كلما كدنا ننسى الطبيعة الوظيفية والأداتية لـ «الظاهرةالأوجلانية»، أعاد حزب العمال الكردستاني التذكير بأنهمجرد منفِّذ لأجندات استخبارية لدول.

أردوغان الذي لا يريد إنجاح تشكيل حكومة ائتلافية تخرجبلاده من حالة اللااستقرار، ويفضّل الذهاب، بدل ذلك، إلىانتخابات مبكرة، هو أبرز الرابحين من تصعيد الكردستاني– الشعوب الديموقراطي. ففي حين كان من الصعب علىحزب العدالة والتنمية توقُّع نتيجة أفضل مما حققه فيانتخابات 7 حزيران (يونيو)، بات اليوم، بجهود خصمهالكردي اللدود، قادراً على تحقيق غالبية مطلقة تتيح لهمجدداً تشكيل حكومة بمفرده. فالأصوات التي اقتنصهاالحزب الكردي من خارج قاعدته الانتخابية التقليدية،سيخسرها، وربما يخسر غيرها أيضاً، بعدما بات متهماً،مع ظهيره المسلّح، بتصعيد أعمال إرهابية صريحة لا يمكنالدفاع عنها حتى بمنطق «التحرر الوطني» القديم لدىالكردستاني، فيسقط مجدداً تحت حاجز العشرة في المئةويصبح خارج البرلمان.

تُرى، هل نشهد، في الأيام المقبلة، إعلاناً صريحاً من«الكردستاني» بالانضمام إلى سلسلة الميليشيات التابعةلإيران، كما في العراق والبحرين وسورية ولبنان واليمن؟وهل كان أول ظهور تلفزيوني، خارج تركيا، لصلاح الديندمرتاش، عقب فوز حزبه في الانتخابات، على «قناةالميادين» الإيرانية الهوى، وتقريظه لـ «المقاومة» اللبنانية منعلى شاشتها، إيذاناً مبكراً بهذا الانضمام الصريح؟hone الخاص بي

وسوم: العدد 626