لا يصد جرائم اليهود
بعد الجريمة البشعة التي ارتكبتها عصابة يهودية وقيام قطعان المستوطنين بإشعال النار في بيوت الآمنين في قرية دوما في نابلس، وقتل الرضيع الدوابشة حرقا، أعلنت السلطة الفلسطينية أنها ستتوجه لمحكمة الجنايات الدولية. وشدد رئيسها على أن "القيادة الفلسطينية ستتوجه مجددا للأمم المتحدة لطلب توفير الحماية لشعب فلسطين"، وجاءت تلك الجريمة النكراء مع تصاعد الهجمة اليهودية على المسجد الأقصى.
إن ما تشهده فلسطين من جرائم يهودية متتابعة هو تصعيد لمستوى التحدي للمسلمين، وهو انعكاس طبيعي للنفس التلمودي المتطرف الذي تمثل في تشكيل الحكومة اليهودية الحالية، وهي حكومة ضمت حاخامات يستهدفون تهويد المسجد الأقصى، وضمّت وزراء يدعون إلى طرد المسلمين منه، وقامت على تحالف يهودي عزز التوجهات العدائية ضد المسلمين وغلّب الرؤى التوراتية على النظرات السياسية. وتلك العدائية هي تجسيد واقعي للحقيقة القرآنية: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾.
وهي حكومة إجرام لا تحسب حسابا للمحاسبة الدولية ولا للغضبة الأمريكية، بل هي حاليا في مشاحنة مستمرة مع إدارة أوباما، وينطبق عليها أنها حكومة "تفخيخ سياسي"، وتحمل "متفجرات" سياسية قابلة لتصعيد المسرح السياسي، وتدفع لمزيد من التوتير مع الإدارة الأمريكية. وهذه الهجمات والجرائم ما هي إلا محطات ضمن برنامج هذه الحكومة. وإن تأزم العلاقات اليهودية-الأمريكية مستمر بسبب تباين الرؤى السياسية حول مستقبل الحل السياسي، حيث أن هذه الحكومة اليهودية أكثر انحيازا نحو التمسك التلمودي بالسيطرة اليهودية على كامل فلسطين، وبالتالي أشد رفضا للسير في مشروع حل الدولتين الأمريكي.
ورغم هذه المشاكسة إلا أن أمريكا لن تحرم اليهود من عباءتها السياسية التي تغطي عوراتهم في المحافل الدولية، ولذلك فإن تلويح رئيس السلطة الفلسطينية باللجوء للمحاكم الدولية هو من الكفاح الرخيص الذي يدغدغ عبره مشاعر الغاضبين من أبناء فلسطين ويفرغ غضبهم في مسار فارغ من المضمون، ويسهم في ممارسة نوع من الضغط الأمريكي على الحكومة اليهودية المشاكسة. وإن مطلب توفير الحماية (الدولية) يعني سياسيا استجلاب قوات احتلال دولية فوق الاحتلال اليهودي، وهو ما يعمل رئيس السلطة على تحريكه بين الفينة والأخرى.
إن قضية فلسطين هي قضية عسكرية بامتياز، وكل محاولة سلطوية لحشرها في المحاججات القانونية هو تضليل وحرف للقضية عن مسارها المنتج، ولذلك يجب على أهل فلسطين التنبه لهذا الكفاح الرخيص وفضح القائمين عليه، وفي الوقت نفسه يجب عليهم أن يتصدوا سياسيا لمشاريع تصفية قضية فلسطين، بغض النظر عن عناوينها السياسية، سواء أكانت حاليا تحت عنوان المشروع الفرنسي أم مشروع الهدنة طويلة الأمد، وإن هذه الجريمة النكراء يجب أن تكون دافعا لقلب الطاولة على مشروع الهدنة في غزة قبل المشروع الفرنسي في الضفة.
ولا شك أن التوجهات الوحيدة المنتجة مختصرة في شطر جملة: العمل على تحريك الجيوش للجهاد، وهو ما يتطلب تحريرها من القبضة الاستبدادية للأنظمة العربية في ثورة حتى الخلافة على منهاج النبوة، وكل ما يطرح خارج هذا السياق الثوري هو تمرير للمشاريع الغربية وهو ضد مشروع التحرير الحقيقي.
وسوم: العدد 627