عصمت نصار مفكر مسكون بأوجاع الوطن

د. غيضان السيد علي

 بين من يركبون الموجات والذين يقيمون التوازنات ويحسبون الحسابات يظل د. عصمت نصار بعيداً عن مثل هؤلاء وهؤلاء، عندما يمسك بالقلم فإنه يكتب ما يفيض به الخاطر وينتهي إليه التأمل للواقع المعيش غير مبالٍ بمن يجلس على كرسي العرش أومن يكون في صفوف المعارضة .

تمثل كتبه العديدة ومقالاته التي تتشابه مع أوجاع الوطن في غزارتها وكثرتها زاداً للمثقفين والمصلحين ومحبي أوطانهم على حد سواء.. وكأنه جراح ماهر يمسك  بالمشرط ليخلص الجسد المريض من التقيحات التي تؤلمه وتمنعه من التقدم واللحاق بالركب. فلنعش مع بعض مقالاته قليلاً لنبرهن على ما نقول من معايشته لأوجاع الوطن.

 حيث يتناول في " مستقبل الفكر الديني في مصر " إشكالية سيطرة الجماعات المتطرفة عقب ثورة يناير على واقعنا المعيش في كل المجالات، الحالة التي وصفها بالعبثية، حيث كانت الخطابات مشوشة والرؤى مشوهة والمنابر مُسيسة والفكر الديني يحتكره المتعالمون ...الخ، فينتقد بشدة تلك الجماعات التي تدعى احتكار فصل الخطاب في الأمور الدينية، أو تشمخ بأنوفها وتتعالى عن المجتمع بحجة أنهم يمثلون الفرقة الناجية، أو يتخذون من إمامهم ولي ومرشد، ومن تعاليمه ديناً ومنهاجاً، طاعته واجبة والخروج عليه إثم وردة. فيرد على ذلك في مقالته الساخرة    " ترياق حكيم اليهود وطاعون ملعب القرود" بأن النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة هي ما يجب إتباعه، وإتباع ما دون ذلك يندرج في أبواب الشطح والتنطع في الدين .. كما إنه لا يدعي أحد مهما كان أنه يملك الحقيقة المطلقة ..فمُلاك الحقيقة المطلقة دائما واهمون. ثم يقيِّم التجربة الإخوانية في الحكم في مقاله " ماذا ربحت مصر من حكم الإخوان" ليعكس مدى الهوان التي صارت إليه مصر من ضياع للأمن وانهيار للاقتصاد.

ثم يتوجه إلى الجانب الآخر، جانب النخبة والمثقفين، ليتناولهم أيضا بالنقد بغية تصحيح المسار، وتفعيل الأدوار، فيعكس الفارق الجماهيري بين النخبة المتعالية والواقع المغيب بين ثقافة المُكيفات وبؤس العشوائيات في " خطاب النخبة وأزمة التواصل الجماهيري". وإن كان في بعض المقالات تشتد اللهجة في الخطاب النقدي للنخب كما في مقالاته المشهورة مثل :" فلسفة الكذب والمسرح السياسي في مصر" و" فلسفة اللعب وثقافة الساسة في مصر"و أكذوبة الثورة وتضليل الرأي العام"        و"فلسفة الملابس والنخب الثورية".

وفي خضم  مواصلة النقد لجماعات الإسلام السياسي والتي لا تنتهي حتى ساعتنا هذه، وأيضاً النخب التي ما زالت تعيش في أبراجها العاجية لم ينس عصمت نصار أن يقدم نظرته الإصلاحية ورؤيته العلاجية لأوجاع هذا الوطن فيتناول في مقال      " التلوث الثقافي وغيبة سبل الوقاية وآليات العلاج" تلك الأوجاع والظواهر الدخيلة على الثقافة المصرية ومشكلة تدني الذوق العام ، فيحاول تصحيح الأوضاع في     " ثورتنا المصرية من عثرات الانكسار إلى انطلاقات الانتصار" وفي " المشروع الثقافي وإعادة بناء العقل المصري" و" مقاومة ثقافة الإجماع وصفاقة الصراع".

لتتواصل المقالات التي تتخذ من النقد اللاذع أحيانا والسخرية والتهكم أحياناً أخرى  منهاجاً من أجل كشف مشكلات المجتمع وتقديم الحلول قدر الإمكان، ليعكس أن مشكلتنا في الأساس مشكلة فكرية، وأننا في أمس الحاجة لمفكرين حقيقيين يعيشون مشكلات واقعهم الحقيقي، ويتركون الأبراج العاجية، مثلما فعل نصار باقتدار في مقالته الثورية " المقدس والمدنس وحاجتنا إلى علم كلام جديد " هي دعوة للإبداع وللتحديث الثقافي وإن لم ينس التضامن الاجتماعي في " بر الباشاوات وكتاب العبر" لنقول في النهاية أن عصمت نصار مفكر مسكون بأوجاع الوطن وعلامة ذلك تلك الآهات التي تصدر في مقالات تشريحية معالجة .

وسوم: العدد 628