ردا على دعاة العامية مرة أخرى

تحتاج اللغة العربية إلى حب وعشق يلازم صاحبها ودفاع مستميت طيلة حياته، ومواقف تشهد له بالذود عن اللغة والاعتزاز بها، بالإضافة إلى كونها علم له أدواته وتاريخه ورجالاته. ومن هذه الأمثلة الواقعية التي عاشها صاحب الأسطر، ويعتز بها ويريد من وراءها أن تكون نبراسا في الاعتزاز باللغة العربية وتجسيدها عملا طيلة حياته، هي..

الاستمارة العربية.. دخلت جامعة الجزائر سنة 1986، ومن يومها وأنا أملء إستمارة سحب المنحة الدراسية باللغة العربية الفصحى، بمراكز البريد بالعاصمة وولايتي الشلف وولايات أخرى. واستمر السحب وكتابة المبلغ باللغة العربية الفصحى إلى يومنا هذا مع المصرف الوطني الجزائري، الذي أتقاضى من خلاله راتبي الشهري.

طيلة حياتي الدراسية والمهنية، أملء دائما الاستمارات باللغة العربية الفصحى، حين تكون الاستمارة باللغتين الفرنسية والعربية، وكانت عبر عقود من الزمن قصص، تستوجب الذكر والاستحضار..

كنت يومها طالبا بجامعة الجزائر، حين قدمت استمارة السحب باللغة العربية للمشرف على شباك البريد والمواصلات، فنظر إلي نظرة تعجب وأطال النظر، وكاد أن يطلب مني إعادة كتابتها باللغة الفرنسية، لولا أني أعلمته أني أتقن اللغة الفرنسية، وأتعمّد كتابة الاستمارة باللّغة العربية، فكان إصراري ودفاعي عن موقفي هو الذي دفعه ليقبل الاستمارة باللغة العربية.

أتذكر جيدا الأشخاص الذين لايحسنون القراءة ولا الكتابة ويطلبون مني ملء إستمارات سحب راتبهم الشهري، فأكتب باللغة العربية الفصحى، فيتعجب بعضهم ويتساءل البعض الآخر..

وهل يقبلون الاستمارة المكتوبة باللغة العربية !؟. ويرفض الثالث لأنها مكتوبة باللغة العربية الفصحى، وتكررت هذه المشاهد عدة مرات عبر عقود من الزمن.

وما يجب التأكيد عليه في مثل هذه المناسبات، أن الإصرار على كتابة الاستمارات والوثائق باللغة العربية والتحدث بها، ظل يرافق المعني ومازال يفتخر بما يقوم به تجاه صون لغته والاعتزاز بها بالفعل وفي معترك الحياة.

لاتكتب بالعامية.. في بداية عمل صاحب الأسطر بالصحافة المكتوبة، كان يؤكد دوما على مدراء النشر ورؤساء التحرير، أنه لايقبل إطلاقا الكتابة بالعامية أو تحويل عناوين مقالاته إلى العامية. وقد سبق أن غضب من رئيس تحرير أسبوعية الصح - آفة، الأستاذ عمار يزلي في بداية التسعينات من القرن الماضي، لأنه وضع عنوانا بالعامية على إحدى مقالاته، ولم يقبل بذلك وهو الصغير المبتدئ، فكيف به وقد شارف على الخمسين من عمري.

يفتخر المرء طيلة حياته، بكونه يتحدث بالعربية الفصحى في حياته اليومية ومع أهله وأولاده وجيرانه وأحبابه، وفي مواضيع مختلفة وأماكن متعددة ومع عرب من دول عربية مختلفة.

حب اللغة العربية يبدأ من تجسديها والتمكين لها، عبر التحدث بها، والكتابة عبرها، وتفضيلها، والاستماع إليها، والإبداع بها ولها، والافتخار والاعتزاز بحروفها وأصحابها، ونقلها للتلاميذ والأولاد بأمثلة مشجعة وصوت يدفع لعشقها، وعدم الاستهانة بأثرها، فإن الحرف العربي الذي يسمعه الإبن من والديه وهو الصغير يلعب ويعبث، سينجب رجلا يعيش لذاك الحرف، يقيم بها علما ويحي به أمة.

وسوم: العدد 628