التلميع الغربي لصورة إيران البشعة

صورة إيران السلبية جداً على الصعيد الدولي وسلوكها الأسوء على الصعيد الإقليمي لاسيما فيما يتعلق باستخدامها الإرهاب والميليشيات المسلحة كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية تعكس أطماعاً قوميّة توسعيّة، من أبرز التحديّات التي تواجه الخطاب الترويجي الذي تعتمده ادارة أوباما للتسويق للاتفاق النووي الذي توصلت إليه مع إيران في يوليو الماضي.

لذلك نستطيع أن نلاحظ بشكل جلي مؤخراً أنّه وموازاة حملة الترويج للاتفاق النووي، هناك حملة أخرى لتلميع صورة إيران. ولا تقوم هذه الحملة على مجرّد تجاهل حقيقة استمرار الإرهاب الإيراني في المنطقة فحسب، بل تأخذ اتجاهاً أكثر راديكالية عبر تصوير كبار مجرمي الحرب التابعين لها سواء في الحرس الثورة أو في ميليشياتها الطائفية المنتشرة كالفطر في عدد من الدول العربية على أنّهم أبطال. وبموازاة ذلك يجري اختيار دول أخرى على ما يبدو لتحل محلّ إيران في صورتها السوداء وتصبح هدفاً للإعلام الغربي.

خلال الأسبوعين الماضيين على سبيل المثال، حصلّت عدّة تطورات إقليمية مرتبطة بسياسة الإرهاب التي تمارسها إيران ضد البلدان الإقليمية، ورغم ضخامة حجم هذه التطورات ورغم الأهميّة البالغة لها، بالكاد سمعنا عنها أي شيء في الإعلام الأمريكي أو الغربي، وفي بعض الأحيان كأنّها لم تكن من الأصل!

على سبيل المثال، تمّ إكتشاف خليّة حزب الله في الكويت والتي تبيّن أنّها تمتلك من الأسلحة والمتفجرات والذخائر ما يكفي لتسليح سريّة مشاة من حوالي 100 مقاتل بشكل كامل، بلاضافة الى متفجرات كافية لقتل الآلاف من المدنيين في قضيّة هي الأكبر من نوعها في تاريخ هذا البلد. كما تمّ أيضاً الكشف عن سياسة التغيير الديمغرافي الذي تتّبعه إيران في المنطقة عبر المفاوضات التي جرت بخصوص الزبداني، وبالتوازي مع ذلك وقعت مجزرة دوما المروّعة في سوريا، وتمّ بعدها إلقاء القبض على المتورط في عملية الخبر  الإرهابية في المملكة العربية السعودية عام 1996 قائد ما يسمى “حزب الله فرع الحجاز ” إبراهيم المغسل، كما نشرت صور قيل إنّها لوزير الداخلية الإيرانية في حضرة مقاتلين من حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في دلالة على الدعم الإيراني للحزب المذكور، ونشر فيديو  لما يسمى “أبو عزرائيل الشيعي” وهو قائد من قيادات الحشد الشعبي الطائفي الذي ارتكب جرائم لا تقل بشاعة عما فعلته “داعش”، وهو يحرق شاباً سنّيا ويقطّع أوصاله، وغيرها من الأحداث التي جرت على هذا النمط والتي ترتبط بإيران والسياسات الإيرانية في المنطقة بشكل وثيق.

كيف تعامل الإعلام الأمريكي والغربي مع هذه الأحداث؟ بعض هذه الأحداث تمّ تجاهله بشكل كبير وربما تام كموضوع خلية حزب الله في الكويت، والتغيير الديمغرافي، ولم تنل مواضيع أخرى الا الجزء اليسير من الاهتمام وبما يفرضه الحدث نفسه على الإعلام وليس العكس كموضوع إلقاء القبض على إبراهيم المغسل. وفي مقابل ذلك، كان يتم نشر تقارير “تلميع” للسياسات الإيرانية، إذ نشرت بعض التقارير التي تشير إلى أنّ المفاوضات بخصوص الزبداني هي في حقيقة الأمر دليل على الانفتاح الإيراني وعلى التغير الإيجابي الحاصل في موقفها من الوضع في سوريا!  كما نشر موقع راديو أوروبا الحرة على سبيل المثال تقريراً عن مقابلة أجريت مع شقيق الجنرال قاسم سليماني يكيل فيها الأول المديح للثاني، وفحواها أن الجنرال الإيراني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري ومهندس جيش الميليشيات الشيعية في المنطقة بأسرها قاسم سليماني (المسؤول عن مقتل عشرات ومئات الآلاف من الأبرياء في المنطقة) قد أسيء فهمه وأنّه طيّب جداً وعاطفي. وقد أعيد نشر هذا التقرير بشكل ترويجي في العديد من المواقع الهامة من بينها “الفورين بوليسي” دون أن يكون هناك تعليق على ما جاء فيه أو نقد أو شرح وإنما مجرّد ترويج!

في تقرير يتناول هذاالموضوع بالتحديد تحت عنوان “الدبلوماسية العامة الأمريكية تروج الآن لقاسم سليماني”، أشار التقرير المذكور إلى أنّ راديو أوروبا الحرّة الأمريكي والذي تمّ إنشاؤه أصلاً من أجل مواجهة البروبغندا السوفياتيّة، يتم تمويله من قبل مجلس حكام البث الاذاعي الأمريكي (BBG) وإنّ أحد أعضاء هذا المجلس يعتبر المهندس الاساسي والرئيسي للاتفاق النووي مع إيران وهو وزير الخارجية جون كيري!، إذا القصّة أصبحت مفهومة بشكل أكبر الآن.

أكثر من ذلك، رغم كل ما تمّ ذكره أعلاه خلال الاسبوع الماضي، إلا أنّ القصص الأكثر رواجاً ربما في الإعلام الغربي كانت تتعلّق بتركيا وليس بإيران! خبر مختلق عن أنّ تركيا قد وشت بالعناصر المعتدلة من الجيش السوري السوري الذين يتم تدريبهم من قبل الأمريكيين إلى جبهة النصرة، وآخر يعيد اجترار نفس الأكاذيب عن دعم تركيا لـ”داعش”، وثالث يؤكد على أنّ الهدف الأساسي من ضرب حزب العمال الكردستاني هو تحقيق أهداف سياسية داخلية، وغيرها من الأخبار التي ترافق على ما يبدو سياسة تلميع الصورة الإيراني بتشويه الصورة التركية، فيما يبدو أنّها محاولة لقلب الآية بعدما أصبحت إيران أقرب إلى الغرب باتفاقها النووي، وتركيا أبعد عنه بموقفها من الأزمة السورية.

أ. علي حسين باكير                                       

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 631