الاغتيالات حين تدخل الأراضي التركية

اغتيل صباح الأربعاء 26 آب الحالي المقدم المنشق جميل رعدون، وذلك بزرع عبوة ناسفة أسفل سيارته في مدينة إنطاكيا داخل الأراضي التركية، لتسجل بذلك سابقة هي الأولى من نوعها، باستهداف نشطاء الثورة السورية في تركيا، وبعملية تفجير تحمل كل الدلائل على فاعلها، فالمستفيد الوحيد من تغييب قائد تجمع صقور الشام عن الساحة السورية هو النظام السوري، ومن خلفه داعموه، وعلى رأسهم إيران...

مما لا شك فيه أنّ الثورة السورية بعامها الخامس شهدت تحولات كبيرة في آلية تعامل النظام مع الثوار والنشطاء ولا سيما قادة الكتائب والعسكريون إجمالاً، فقد تحول العمل من مجرد استهداف لتجمعات عسكرية للثوار عبر الطائرات أو الصواريخ، إلى عمليات اغتيال ممنهجة، تناوب فيها النظام وداعش على تنفيذ هذه المهام القذرة، فحين يفشل النظام في استهداف فرد ما، يستعين بانتحاريين من داعش ليقوموا بالمهمة، في تناسق بات لا يخفى على متابع...

وقد تمكّن النظام بهذه الطريقة من تغييب الكثير من نشطاء الثورة وقادتها، مما أربك صفوف الثوار بادئ الأمر، لكن سرعان ما تدارك الثوار الأمر، فكانت الاحتياطات الأمنية عائقاً لكثير من عمليات الاغتيال الفاشلة في الداخل السوري، لكن ذلك لم يعد كافياً الآن بعد أن انتقلت يد الإجرام إلى دولة قوية مستقرة مثل تركيا..

وإذا كانت عملية اغتيال أحد كوادر الثورة السورية على الأراضي التركية تشير إلى وقاحة النظام وحلفائه من جهة، فمن جهة ثانية وأهم، تشير إلى ضيق الخيارات أمام هذا النظام، وتخبطه نتيجة هزائمه الأخيرة في البلاد، فهو ما كان ليجرؤ على الإقدام على مثل هذه العملية في مثل ذلك البلد لولا شعوره بقرب نهايته، وبالتالي فهو يرمي بكل أوراقه المتبقية لعله يجد فيها نجاته..

ومما لا شك فيه أن النظام استغل انشغال تركيا بأزماتها الداخلية واستعداداتها لانتخابات مبكرة، وانشغال السياسيين بترتيبات البيت الداخلي للبلاد، وقد جاء استغلاله لذلك بالقيام بالعمليات القذرة في تلك البلاد، وربما كانت عملية الاغتيال هذه بداية مرحلة جديدة من توسيع قاعدة الإرهاب الأسدي، تحت مرأى ومسمع العالم، دون أن يحركوا ساكناً، ودون حتى توصيف مثل هذه الجريمة تحت بند الإرهاب..

إنّ صمت العالم إزاء جرائم الأسد المتتالية في الداخل السوري، كانت دافعاً مهماً للنظام للاستمرار في نهج القتل والتعذيب والتدمير، فالعالم غير موحد ضده، بل حتى أغلب من يزعمون صداقة الشعب السوري تبين أنهم داعمون للنظام بطرق مختلفة، وهذا ما أعطى النظام مزيداً من الوقاحة في نقل عملياته إلى الخارج...

لقد كان للمقدم المنشق جميل رعدون أسباب إضافية لاغتياله، فقد كان له دور مهم في العمليات العسكرية في منطقة سهل الغاب بحماة، قرب المناطق "المهمة" للنظام السوري، وربما كان تنسيقه مع جيش الفتح في تلك العمليات مثيراً للرفض من جهات داخلية وخارجية، فهو غير محسوب على أطراف إسلامية، وهذا ربما أثار انزعاج بعض الأطراف الخارجية، وهذه إن صحت فهي تشير إلى وطنية هذا الرجل، وتشير بالوقت ذاته إلى مدى الانحطاط الذي وصل إليه الغرب عموماً في التعامل مع الأصدقاء والأعداء، وهذه نقطة إضافية سهلت للمجرم حساباته، ودفعته لجريمته دون خوف من إدانة أو تنديد..

كل ما سبق يدفعنا للحديث عن ضرورة اتخاذ نشطاء الثورة الحيطة والحذر، فليس العسكريون فقط مستهدفين، بل حتى السياسيون والإعلاميون، وربما العاملون في الإغاثة، فإجرام نظام الأسد ليس له حدود، والصمت العالمي أيضاً بلا حدود، فقد تعرض رعدون لمحاولة اغتيال فاشلة في تركيا في نيسان الماضي، فكانت ردود الفعل الضعيفة حافزاً لتكرار الجريمة وتحقيق هدفها في المرة الثانية...

بعد نجاح عملية الاغتيال الأخيرة، سيظن النظام السوري، أنه سيبدأ بتحقيق أحلامه في القضاء على الثورة، لكنّ همة وعزيمة الثوار في الداخل، ستبقي أحلام النظام أحلاماً ولن يتمكن من ترجمتها على أرض الواقع، وسيندحر داعموه، لتكون أموالهم التي أسالوها في الشام حسرة عليهم، لذا لن يكون الرد على الاغتيالات عموماً إلا بالمزيد من التوحد ومزيد من التحرر، وهذا الطريق بدأنا نرى معالمه، وسيكون الضاحك الأخير هو الشعب السوري بإذن الله..

27-08-2015

وسوم: العدد 631