الثورة الجزائرية.. متى تظهر الحقيقة؟

أنا الآن قادم من مجلس جمعني بأحد الذين شاركوا في الثورة الجزائرية. حدّثته عن اليوم الدراسي الذي أقيم بالشلف حول الجيلالي بونعامة، ونقلت له بعض ماذكر حول الشهيد، إذ به يقاطعني بشدة، ويقول..

هذا خائن وصاحب فكرة سلام الشجعان التي نادى بها ديغول، وحين علمت فرنسا أن لافائدة منه، قتلته.

أقول له، لكن الأساتذة المتدخلين، والذين شاركوا في الثورات الجزائرية، أثنوا عليه ثناء حسنا، وذكروا خصاله ومناقبه، ودفعوا التهمة عنه، ووصفوه بالبطل الشهيد، وعاتبوا بشدة الذين ساهموا في تهميشه وعدم الإعلان عن موته إلا بعد شهر. وعلى الفور. ودون إنتظار تدخلت سائلا وموضحا..

لماذا تتركون جيلنا مضطربا؟. لماذا لاتعلنون له الحقيقة كاملة؟. ليسا عيبا أن يقول فريق منكم أن الجيلالي بونعامة مثلا خائن لأسباب يراها قوية. ووليس عيبا أن يرى آخر يرى أن الجيلالي بونعامة مثلا، شهيد وبطل، ويقدم الأسباب القوية التي يراها. ويترك الأمر بعدها لأهل البحث والتنقيب للدراسة ، يقفون على مااستطاعوا أن يقفوا عليه. أما التنابز والتراشق فيما بينكم، حول هل هذا شهيد أم خائن، فإنه يضر ولا ينفع، ويزيد الأمر تشويها وبعدا عن الحقيقة.

ثم عرّجت على نقطة أخرى، وأقول للذي شارك في الثورة الجزائرية، لايعني إطلاقا أنك من منطقة معيّنة، يسمح لك ذلك وصف الذين شاركوا في الثورة كلهم بالأبطال المميزين؟. فالحقيقة تفرض وصف الحقيقة ولو كان الأب وإبن المنطقة.

ثم أتطرق لموضوع كتابة تاريخ الثورة الجزائرية، وأقول.. كتابة التاريخ من الذين عاشوه صعب لايمكن إنكاره. ثم أستدرك وأقول، إن أصغر الذين عاشوا في الثورة الجزائرية، هم الآن في السبعين من عمرهم. ماذا ينتظرون ليدونوا أيامهم؟. يقول لي مازال هناك بعض الخوف. أجيبه قائلا..

هل من بلغ  السبعين والثمانين من عمره، مازال يخاف على ملك أو كرسي أو ما أو عقار؟. لماذا واجه فرنسا إذن؟.

أخفّف عن محدثي الذي شارك في الثورة الجزائرية، وأقول له.. إن بن نبي رحمة الله عليه، حين لم يستطع مواجهة الشهود، كتب كتابه "العفن"، ورفض نشره في حياته، لأنه يذكر الأسماء والأماكن والأحداث المريرة الأليمة بالتفصيل، ولم ينشر الكتاب إلا بعد 55 سنة، باعتبار أن الكتاب كتبه سنة 1951، ونشر سنة 2006.

واتجهت بعدها لمحدثي الذي شارك في الثورة الجزائرية، وأقول له.. مادمتم تخافون من كتابة الحقيقة، أكتبوا مذكراتكم ولا تنشروها في حياتكم، وأوصوا بنشرها بعد مماتكم، فإنه يومها لن يضيركم مدح ولا ذم. وأعترف أن محدثي أعجب كثيرا باقتراحي.

حدثته عن كتاب "شاهد على إغتيال الثورة" للعقيد بورقعة، الذي سحب من السوق، وكتاب "العفن" لمالك بن نبي، الذي سحب أيضا من السوق، وربما كتب أخرى لانعرفها.

إن سحب الكتاب الذي يتحدث عن تفاصيل الثورة الجزائرية، بغض النظر عن محتوى الكتاب والرؤية التي يحملها صاحبه، لايليق سحبه من السوق، وكان لابد من مواجهته بكتاب آخر يؤيد أو يعارض ماجاء في ثناياه. أما سحبه من السوق، فإنه لا يمنع من وصول ماجاء فيه، ولو كان تلفيقا وتدليسا، خاصة وأن وسائل النشر تعددت، ولم تعد الوصاية تسيطر عليها.

يحضرني الآن ماذكره أحد الذين عاشوا الثورة الجزائرية، أثناء اليوم الدراسي حول الجيلالي بونعامة، فقد طالب الأساتذة الحضور الإتصال به في أيّ وقت، لأن الصحة والتقدم في العمر لاتسمحان له ذلك كما قال.

فالمطلوب إذن من الأساتذة المهتمين بتدوين الثورة الجزائرية، أن يتصلوا فورا بالشهود، ويأخذوا منهم أقصى المعلومات، شاكرين لهم تعاونهم وداعين لهم بالصحة والعافية. وإذا وجدوا رفضا ونفورا من الذين شاركوا في الثورة الجزائرية، فليعلنوا ذلك، رفعا للتهم التي تلاحق الأساتذة حول عدم إتصالهم بالذين شاركوا في الثورة.

وسوم: العدد 631