مدخل للصراع العرقي، أم مخرج من فتنة عمياء

عبد السلام السلامة

بوابة تل أبيض..

تقع تل أبيض في قلب المنطقة التي تلتقي فيها القوميات الثلاث الأكبر في شمال سوريا، بل في سوريا كلها، العرب والأكراد والتركمان. وهذه القوميات، الموجودة في هذه المنطقة كلّها من أهل السنّة. بمعنى آخر فإن الخلافات بينها هي خلافات عرقية خالصة. ومن هنا تأتي الخطورة:

تأتي الخطورة أولاً من كون لهيب الصراع الدموي للسيطرة على تل أبيض، إن نشب ، لا قدّر الله، فإنه سيحرق مسلمين سنة، هم المكوّن الأساسي الضامن لوحدة الأرض وتماسك المجتمع. وبالتالي هنا فإن تأجيج الاقتتال في هذه المنطقة يعني تكريس تمزيق سوريا أرضاً ومجتمعاً

وتأتي الخطورة ثانية من أن لا أحد سوف يذرف دمعة على أي من العرب ولا الأكراد ولا التركمان الذين سوف يقتلون أو يشردون على أيدي بعضهم. بل إن الاقتتال إن نشب فسوف يحقق للآخرين مكاسب سياسية  استراتيجية وهم حريصون على تحقيق تلك المكاسب

وتأتي الخطورة ثالثاً في تكريس مفهوم الاقتتال المذهبي والطائفي، من منطلق أن هؤلاء هم أهل يفعلون ببعضهم هكذا، فماذا سيفعلون بغيرهم إن تمكنوا

المخاطر الثلاث السابقة  تقف وراءها حسابات أكبر  تديرها قوى وجهات دولية وإقليمية لا تريد أن يبقى في سوريا حجر على حجر، وتتحرك في دهاليزها حسابات أصغر لمكاسب قذرة تسعى لتحقيقها مجموعات وأفراد لا وازع لهم لا من دين ولا وطن ولا أخلاق، بل ولا حتى ولاء للعرق والقومية .

الذين يظنّون أن  تل أبيض سوف تكون ركيزة لدولة كردية واهمون. لأن المطلوب ألا تبقى دولة قوية ، بل ولا مقومات دولة في المنطقة كلها، لأن أمن (إسرائيل) يستوجب تحطيم الدول وتدمير مقومات الدول. وتاريخ الأكراد يشهد لهم، أو يشهد عليهم ، أنهم لن يكونوا في يوم من الأيام عامل أمان لإسرائيل، رغم ما يظهر هنا وهناك ، من فقاقيع ، تقول غير هذا. ولقد ظهر من بين العرب السنّة من أمثال هذه الفقاقيع الكثير.

والذين يظّنون أن تل أبيض سوف تكون عربية عاربة ، أو عربية مستعربة، إنما يعيشون بعيداً عن اللحظة التاريخية التي تمر بها المنطقة كلها، بل خارج هذه المنطقة الحافل بروح التفاهم والتعايش والتمازج بين الدماء حتى لم يعد أحد يجرؤ على الزعم أنه عربي خالص أو كردي خالص أو تركماني خالص. أقف هنا لأطرح سؤالاً بسيطاً له دلالته: من أي العرقيات الثلاث كان ألب أرسلان؟.. ومن أي العرقيات الثلاث كان جنوده؟.. معركة ألب أرسلان نعيشها اليوم يا سادة بكل معانيها الكبرى. أما الجزئيات الصغيرة، فلا يقف عندها إلا الصغار.

ثمّة مأزق.. وثمّة فرصة سانحة في تل أبيض: المأزق أن يحفر كل واحد لنفسه خندقاً يدافع فيه عن أوهامه الخرقاء في السيطرة العرقية على هذه المنطقة

والفرصة السانحة أن تلتقي الأطراف الثلاثة ، أو العقلاء من الأطراف الثلاثة ليفكّروا معاً في المخططات الخبيثة التي يراد إدخالها من بوابة تل أبيض، ويفكّروا أيضاً في إيجاد الحلول العملية الناس ويلات مآسٍ جدية من دماء ودماء وتشرد، وويلات مستقبلية أخطر على الجميع. وما أكثر تلك الحلول عندما تصدق النوايا.

وسوم: العدد 632