سرقةُ الكُتب

قال لي وكنتُ في غمرة تحقيق آلاف الأمثال العربية القديمة بمجمع الأمثال للميداني أهم كتبها جميعاً، قد استعرتُ طبعة بولاق منه غير المحققة؛ فلم أجد أمكن مما فيها:

خذها وضع مكانها نسختك من طبعته الأخرى؛ فأنت أحق بها وأهلها.

يختبر أمانتي – أم يفسدها – المسكين المنكر المعروف!

ثم وقفنا من بعد على كتب لم تبقَ منها غير أغلفتها؛ فأما أحشاؤها فقد أكلها شر أكلة هو أو مثله!

ودعاني آخر إلى بيته، وأطلعني في حاسوبه على مئات المخطوطات، ولم يمهلني حتى أقضي منها عجبي؛ فقص علي قصة زميله الذي زار دار الكتب ليطلع على مخطوط يعنيه، فرآه أحد العمال، فسأله عن منزله، ثم فاجأه مساء بالمخطوط نفسه لا بعضه ولا صورة منه، فكافأه بمئتي جنيه مُتأثماً من فعلته النكراء التي أنكرُ منها فعلتهُ!

ألا ما أقبح ذلك!

ولكن ما أحسن ما حَدَّثَناهُ محمود محمد شاكر أستاذنا أستاذ الدنيا، عن محمود زناتي محقق فصول المعري وغاياته، أمين مكتبة أحمد زكي باشا شيخ العروبة، التي أهداها إلى دار الكتب – أنه افتقد بعض كتب المكتبة على شدة بحثه، وأنه اتهم له أحمد زكي باشا نفسه، وأوصاه أن يراقبه؛ فعجب لخطور هذا الخاطر له أصلاً، ولكنه اضطر إلى اختباره.

لم يكن شيخ العروبة يصبر عن مكتبته بعدما أهداها؛ فكان يزورها، ويأنس إليها، ويختلط بها طرفاً من اليوم، ثم يمضي.

ومرة سأل محمود زناتي كأس ماء، ثم لما أحضرها شربها من فوره، وقام يخرج؛ فناداه محمود زناتي:

أمِنْ كأس الماء كلُّ هذه البِطنة يا باشا!

أخرِجِ الكتابَ!

وإذا أحمد زكي باشا قد أخفى في عِبه أحد كتب المكتبة التي أهداها هو نفسه إلى دار الكتب، طيبةً بها نفسه، حريصاً على خدمة طلاب العلم!

قلت لأستاذنا: كان عاشق كتب!

قال: نعم، كان عاشق كتب!

لقد أخبرنا الدكتور محمد بلتاجي حسن فقيهنا، أن الإمام مالك بن أنس أجاز سرقة الكتب، ثم رجع عما أجاز! ولربما لو حضرناهُ لوقفنا في تفصيل تلك الإجازة على أنها كانت للكتب المهجورة التي لم تعد تُقرأ، أو المكذوبة التي لم تشتر للقراءة!

ثم روينا عمن شهد أحد علمائنا المعاصرين يسأل في نَسْخِ الكتب بدل شرائها نسخاً إلكترونياً – وليس النسخُ الورقي منه ببعيدٍ – فيفتي بألا شيء فيه ما اقتصر على نسخها لنفسه انتفاعاً لا متاجرة معه، فلما حكيت ذلك في ملأ من زملائي تساخر منه بعضهم، وقد آبَ هو أو مثله من أوربة بما لا يتناهى من نسخ كتبهم! ثم لما أذعتُ في الناس كتباً ومكتبات إلكترونية راسلني صاحب مكتبة النيل والفرات:

أأنت الذي يفعل هذا!

وكيف لا أفعله وهو مبذول ينتفع به طلاب العلم في كل مكان.

بل وقد صرت أتيح كتبي إلكترونية من أصل نشأتها، والحمد لله رب العالمين!

وسوم: العدد 633