تحرير باب المندب ضربة ستراتيجية للاستعمار الفارسي
اليوم اعلن عن تحرير مضيق باب المندب من قبضة نغول الفرس في اليمن بعد اقل من عام على احتلاله ، وبذلك وجهت ضربة ستراتيجية موجعة للاهداف الستراتيجية لاسرائيل الشرقية ستخل بتوازنها حتما وتمهد لتلقي ضربات اكثر وجعا لها . فاحتلال اسرائيل الشرقية لباب المندب جاء في سياق مسار ستراتيجي مرسوم بدقة وتفصيليا لاجل احكام قبضتها على الجزيرة العربية كلها من جنوبها وشمالها ومن شرقها ليكون ممكنا احتلالها كلها .
ولكي نفهم بدقة ووضوح ما يجري اليمن علينا تذكر اهمية المضايق الستراتيجية فمضيق باب المندب احد اهم الممرات البحرية الستراتيجية في المنطقة والذي يقع في جنوب غرب الجزيرة العربية بينما تحتل اسرائيل الشرقية مضيق هرمز والذي يشكل المدخل الستراتيجي الاخر للجزيرة العربية من شرقها الجنوبي . والخطة الفارسية كانت تستهدف فرض طوق محكم على الجزيرة العربية من العراق بعد احتلاله ولهذا فان اول خطوة قامت بها اسرائيل الشرقية بعد تسليم امريكا العراق لها هي تاسيس قواعد عسكرية على حدود الجزيرة العربية من جهتها الشرقية خصوصا في النخيب وضمها الى كريلاء وفصلها عن محافظتها الاصلية وهي الانبار لتسهيل اكمال بناء القواعد ووصول قوات ايرانية دون اكتشاف ذلك .
وفي اطار هذا المخطط قامت اسرائيل الشرقية بتنفيذ هدفين حساسينالهدف الاول تدريب الاف العرب من نغولها في الخليج العربي على حرب العصابات والتخريب وشن عمليات ارهابية وتم ذلك على يد حزب الله في لبنان وفي جزر ارتيرية استأجرتها طهران وفي اماكن اخرى . اما الهدف الثانيفكان اقامة مخازن اسلحة ضخمة في كافة دول الخليج العربي ووضعها تحت يد نغولها هناك لاجل استخدامها في ساعة الصفر للقيام باحتلال كافة دول الخليج العربي تدريجيا او مرة واحدة وحسب الظروف ، وما اكتشف في الكويت والبحرين من اسلحة بكميات هائلة ليس الا جزء من المخازن الستراتيجة في كل دول الخليج العربية بما في ذلك سلطنة عمان . كما ان القاء القبض على بعض الارهابيين من نغول اسرائيل الشرقية واعترافهم باعدادهم عسكريا من لاجل احتلال دول الخليج يؤكد ان المخطط الفارسي كان تفصيليا وشاملا .
وانشاء مخازن السلاح واعداد الارهابيين ليس سوى اكمال لهدف اقامة جدار ناري على طول الجهة الشرقية للجزيرة العربية اكمالا للقواعد في شمالها في العراق . وبما ان مضيق هرمز اصلا محتل من قبل اسرائيل الشرقية بدعم بريطاني فان ما تبقى لاحكام الطوق الناري والبشري حول مداخل الجزيرة العربية الستراتيجية هو احتلال مضيق باب المندب وهو ما حصل على يد الحوثيين .
هذه الخطة واضحة جدا ومعلنة تقريبا بكافة تفاصيلها ولم يتردد قادة الفرس عن الاعلان عن نيتهم غزو مكة والمدينة وكل جزيرة العرب ، ولهذا فان الاقدام على اقامة قواعد في العراق على حدود الجزيرة العربية وقرب عرعر كان جرس انذار خطير للعربية السعودية وكافة دول الخليج العربي ، وتحول جرس الانذار الى طلقات مدافع تهز جبال الجزيرة العربية باحتلال مضيق باب المندب واكتمال صورة الخطة الايرانية في تطبيقها على الارض ، مما جعل العرب خصوصا في العربية السعودية يتيقنون ليس فقط بان غزو اقطارهم قادم لامحالة بل ان هذا الغزو مدعوم من قبل امريكا بالذات خصوصا وانها لم تحرك ساكنا لمنع ممهدات غزو الجزيرة العربية سواء في العراق او شرق الجزيرة العربية او جنوبها بل باالعكس فان الموقف الامريكي كان داعما مباشرا لنشر قواعد ايرانية في العراق وانشاء مخازن اسلحة ضخمة في دول الخليج العربي ثم داعما قويا للحوثيين في انقلابهم العسكري في اليمن .
اصبح الزحف على الجزيرة العربية محدد المراكز فمن الشمال ومن الشرق ومن الجنوب هناك قوات ايرانية او من نغول ايران تمركزوا وتدربوا وتسلحوا واعدوا نفسيا وفكريا لغزو الجزيرة العربية ، وكان اصرار الحوثيين على التفرد بالقرار اليمني ورفض الحل الوطني احد اخطر المؤشرات على ان اسرائيل الشرقية قد قررت غزو الجزيرة العربية كلها بكافة دولها ومن كافة الجبهات وبكافة الوسائل العسكرية والارهابية وتحت رعاية امريكية واضحة الملامح والاهداف . فما العمل ؟ هل تنتظر دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية الذبح دون اي محاولة للانقاذ ومنع الكوارث غير المسبوقة فيها ؟
ان عاصفة الحزم كانت الرد الطبيعي والصحيح ستراتيجيا وقوميا ولو لم تتم لكانت القوات الفارسية الان في مكة والمدينة والبحرين والكويت والامارات وعمان وقطر دون ادنى شك ، فكل شروط الغزو الناجح امنت ولم يبق الا التنفيذ ولكن وقبل التنفيذ الكامل جاءت ضربة استباقية تأخرت قليلا لكنها حدثت وكان لحدوثها اثر كبير جدا في خلخلة توازن اسرائيل الشرقية ووضعها على صفيح من نار لاول مرة منذ غزو العراق . فبدلا من تواصل خطوات اسرائيل الشرقية لاحتلال الجزيرة العربية كلها انطلاقا من اقوى مراكزها وهي السعودية فان السعودية وبدعم عربي قامت بقطع سلسلة الخطوات الفارسية ومنع تواصلها .
ومن يظن بان ايقاف خطوات اسرائيل الشرقية في اليمن كان الانجاز الوحيد لعاصفة الحزم لم يرى بعد كامل الصورة فضرب الحوثيين في اليمن اقترن بعدة خطوات ذكية جدا اولها ان السعودية اثبتت انها ليست مجرد ثراء واسلحة كثيرة وجيش بلا قدرات قتالية وبلا خبرات عسكرية ، كما كان كثيرون يعتقدون ، بل اثبتت انها تتمع باقتدار ادهش حكام اسرائيل الشرقية والعرب وامريكا في ان واحد ، وما الضربات الجوية الموفقة والدقيقة الا احد مظاهر الاقتدار العسكري السعودي ، اما الظاهرة الاخرى فهي ان كثيرين توقعوا ان تقدم السعودية على تدخل بري في اليمن لاجل دعم الضربات الجوية لكن هذا لم يحدث لان السعودية تعرف من خلال تجارب كافة الدول التي تدخلت عسكريا في بلدان اخرى ان التدخل البري محفوف بالمخاطر خصوصا وان اليمن قطر صعب التكوين البشري والجغرافي لهذا فان الاقتدار السعودي المخابراتي والسياسي تجلى في تجنب خوض حرب برية والاكتفاء بالضربات الجوية مع دعم المقاومة الشعبية اليمنية عسكريا وبحدود لا تسمح باستنزافها عسكريا وماديا كما خططت امريكا اصلا .
والمباغتة السعودية الاخرى كانت المناورات الاقليمية والدولية الناجحة حيث كسرت حواجز الاتصالات واتصلت بكافة الاطراف ومارست كل انواع العمل العسكري والدبلوماسي والتجاري لاجل خلخلة او اضعاف روابط اسرائيل الشرقية مع دول اخرى وكان اللقاءات مع الروس والفرنسيين في مقدمة تلك الخطوات التي نبهت امريكا قبل اسرائيل الشرقية الى اصرار سعودي على حماية الوطن والمصالح وبغض النظر عن رد الفعل الامريكي .
اما الخطوة الاكثر اهمية في نهج السعودية الجديد فكانت تحدي اسرائيل الشرقية وتهديدها بانها ستضرب في عقر دارها ان تجاوزت حدودا معينة وان الرياض مستعدة لخوض حرب شاملة معها . وكان هذا الاعلان جديا لانه اقترن بخطوات سعودية غير مسبوقة عسكريا وسياسيا شاهدها العالم بذهول نتيجة ما عرف عن دول الخليج من اعتماد على اطراف دولية عسكريا .
هذه الخطوات السعودية وجدت صداها الايجابي الشامل في الشارع العربي فالقوى الوطنية خصوصا التيار القومي العربي الاشتراكي الرئيس والاصلي والقوى التقدمية والثورية خصوصا المقاومة العراقية بكافة فصائلها وهي تاج راس كل عربي وطني وشريف ، لانها هي من هزمت امريكا وليس غيرها ، وقفت وبقوة الى جانب التحرك السعودي فاسقطت محاولات حثالات العرب خصوصا المتسترين بغطاء قومي عربي زائف توفير دعم مباشر او غير مباشر لخطوات الغزو الفارسي لاقطار عربية .
ولعل واحدة من اهم تطورات العقود الاخيرة في الوطن العربي هي دعم المقاومة العراقية للخطوات السعودية وهو الذي فر دعما عربيا شاملا من كافة الاطراف والايديولوجيات العربية الوطنية والاسلامية لعملية التصدي للغزو الفارسي للاقطار العربية بعد ان تحولت المقاومة العراقية الى قدوة لكافة العرب الاصلاء .
واليوم حينما يطرد نغول ايران من مضيق باب المندب ويحرر ويعود لاهل اليمن فان ضربة معاكسة ذات قيمة ستراتيجية قد وجهت لمخطط اسرائيل الشرقية العام وكسرت واحدة من اقوى حلقاته الخطيرة وهي حلقة تطويق الجزيرة العربية .
كل من يراقب ما يجري يدرك ان الهجوم الاستعماري الايراني على الامة العربية الذي اقترن بدعم حثالات العرب لاسرائيل الشرقية يتحول الى دفاع يائس والعرب يتقدمون في الجزيرة العربية وعرس الفرس بغزوهم اربعة اقطار عربية لم يستمر طويلا بعد ان كسرت شوكة الهجوم الايراني في اليمن . والمطلوب الان هو تذكر حقيقة بالغة الحساسية وهي ان اسرائيل الشرقية ومن يقف خلفها خصوصا امريكا واسرائيل الغربية المستفيدين الرئيسين مما يجري سوف لن يتوقفوا ابدا وسوف تستمر اسرائيل الشرقية بمحاولة تكرار خطة الغزو والهجوم ولن تيأس ابدا وهذه حقيقة نعرفها نحن في العراق من خلال تجاربنا المرة مع الفرس عبر الاف السنين .
وهذ الحقيقة تفرض خطوة استباقية حتمية تضمن امن الجزيرة العربية وكافة الاقطار العربية لعدة عقود وربما قرون وهي عدم الاكتفاء باعادة الحوثيين الى جحورهم في صعدة بل لابد من مطاردتهم بلا رحمة واجتثاثهم من جذورهم وانهاء وجودهم في اليمن مهما كلف ذلك ، فالحوثيون بذرة فاسدة لا يمكن اصلاحها وهي الان تحمل مشاعر الحقد المتطرف على كل ماهو عربي وتنتظر الثأر وستعيد بناء نفسها لو تركت كي تواصل خدمة الاستعمار الفارسي البغيض ، لهذا ليس هناك خيار سوى القضاء الحاسم على الحوثيين في اليمن مهما كلف ذلك .
اما الخطوة الاخرى الاهم فهي وكما اكدنا مرارا التعاون الخليجي مع المقاومة العراقية والقوى الوطنية العراقية لاجل تحرير العراق فبتحرير العراق يخطوا العرب الخطوة الثانية والحاسمة وهي اعادة بناء جبل النار بين العرب والفرس ، وعندما يتحقق هدف قيام حكومة وطنية عراقية قوية فان الهدف الاهم وهو عملية الانتقال الى الهجوم العربي المضاد والشامل والجذري لاجل اقتلاع شرور الفرس من جذورها سوف يتحقق .مهمة العرب الان بكافة ايديولوجياتهم ، وبعد تحرير مضيق باب المندب ، هي اجتثاث جذور القوة الفارسية وليس فقط ردها او تحييدها لانها اصل ومصدر بلاء امتنا العربية الحالي من خلال قيامها بدور اداة الفتن الطائفية والعرقية الرئيسة فان اكتفينا بردعها فسوف تعود غدا او بعد غد بحقد اقوى واندفاع اشد ولكن ان قمنا باجتثاث مصادر قوة اسرائيل الشرقية فانها سوف تتقلص لتعود مجرد قومية فارسية محاصرة وضعيفة .
وسوم: 636