فليخجل المثبطون والمعوّقون
هنالك مثبطون ومعوّقون في أوساط الشعب الفلسطيني أشد فتكاً في الانتفاضة من رصاص العدو وقنابل الغاز، وأعمال القمع والبطش.
فبعضهم يصوّر الانتفاضة بأنها "كفٌ يلاطم مخرزاً" يعني لا أمل في ما تفعله، ومصيرها الفشل. وهذا التشبيه الذي يبدو كأنه حجّة قوية لا علاقة له في عالم الصراع الدائر بين الشعب الفلسطيني والعدو الصهيوني. فلا الشعب بالكف العارية، ولا العدو الصهيوني بالمخرز الذي يلاطم كفاً.
فهنالك من جهة الشعب قوّة الجماهير حين تنزل إلى الشوارع وتغلق المدن والقرى، فلا يستطيع جيش العدو دخولها إلاّ اقتحاماً وبتكلفة عالية جداً. وهنالك قوّة الإرادة والتصميم التي يتحلى بها الشباب والشابات وهم يواجهون العدو بالحجارة والسلاح الأبيض، أو حتى بالصدور العارية.
ثم هنالك عدالة القضية الفلسطينية في مقابل وضع العدو المغتصب والمعتدي ومرتكب الجرائم. الأمر الذي يجعل التشبيه بين المخرز والكف معكوسة في غير مصلحة العدو الصهيوني. فالعدالة أقوى من الظلم.
ثم هنالك الفارق الشاسع بين أمس واليوم. ففي السابق كان العدو أكثر قدرة على تحقيق أهدافه. وكانت كل موازين القوى المحلية والعربية تميل إلى مصلحته. ولكن اليوم فالمأزق يحيط به من كل مكان. فالدول الكبرى التي اعتمد عليها لم تعد متحكمة في العالم ومصائره، ولم تعد متحكمة في الأوضاع العربية حتى في حالة الفوضى الراهنة، ولم يعد جيشه قادراً على مواجهة المقاومة الإسلامية بقيادة حزب الله في لبنان. وقد هُزِمَ أمامها في حرب 2006، ولم يعد قادراً على مواجهة المقاومة الفلسطينية التي تحوّلت إلى قاعدة عسكرية جبّارة في قطاع غزة بقيادة كتائب عز الدين القسّام (حماس)، وسرايا القدس (حركة الجهاد الإسلامي)، وعدد من فصائل المقاومة المسلحة الأخرى.
فكيف يمكن أن ينطبق مَثَل الكف والمخرز على حالة الانتفاضة الراهنة. ومن ثم فإن كل من يقول لأبناء الضفة الغربية والقدس أو قطاع غزة أو الـ48 الكف لا يلاطم المخرز، إنما يلعبون دور الطابور الخامس حتى لو قالوها عن حسن نيّة من خلال الانقياد لتجارب مريرة سابقة عاشوها وعاشها الصراع ضدّ العدو.
ثم هنالك نمط آخر من المثبطين والمعوّقين، الذين يردّدون ما يدّعيه محمود عباس بأن المقاومة والانتفاضة ستقودان الضفة الغربية إلى الخراب، ودمار ما عمّرته السلطة الفلسطينية وساد من استقرار ومظاهر رفاه.
فهؤلاء لا يرون حولهم ما فعله الاستيطان ويفعله المستوطنون في الضفة الغربية في ظل مسار اتفاق أوسلو، ولا سيما في عهد المفاوضات وحكم محمود عباس وسلام فياض، وهو أشدّ تدميراً وتخريباً، فكيف يمكن أن يُغطّى من خلال ما أسموه استقراراً أو بعضاً من ترف كاذب بُنِيَ على القروض والرواتب الحرام، التي جاءت عبر مساعدات أمريكية وأوروبية لتبيع قضية فلسطين. وتستكين للاحتلال وتقبل، عملياً، بتآكل الضفة الغربية من خلال استشراء الاستيطان. ناهيك عن تهويد القدس وما يجري من انتهاكات للمسجد الأقصى تهدّد بتقسيمه وهدمه، أو اعتداءات على المقدّسات الأخرى الإسلامية والمسيحية.
ثم كيف يتحدث هؤلاء عن استقرار ورفاه يخافون عليهما فيما قطاع غزة يعاني من الحصار والدمار، لكأن الضفة الغربية ليست هي والقدس وقطاع غزة شعباً واحداً وداراً واحدة، وحالاً واحداً.
أما من جهة أخرى، فمن هذا الذي يحق له أن يتحدث عن استقرار ورفاه تحت الاحتلال ناهيك عن الاستيطان والتهويد والتهجير. لأن هذا الحديث بدعة تصل إلى حد التفريط والكارثية عندما تكون البلاد مبتلاة باحتلال. فالاحتلال لا حلّ له إلاّ بالمقاومة والانتفاضة، وهذه شرعة الشعوب التي رزحت تحت احتلال، وسنّة رب العالمين في التدافع بين الناس.
وبالمناسبة بعض هؤلاء يستشهدون باستراتيجية اللاعنف الذي استخدمها غاندي ضدّ الاحتلال البريطاني للهند. ولكنهم يجهلون أن هذه السياسة ولّدت الكثير الكثير من اللااستقرار والاضطرابات. وأسالت الكثير من الدماء وحتى أدّت إلى مجازر، ناهيك عن السجون ومواجهات الشوارع بين الشعب والقوات البريطانية. فاستراتيجية غاندي كانت العصيان المدني، وجعل العدو لا ينام الليل، وخرق كل ما يضع من قوانين، وإجباره على اللجوء إلى العنف. وكان كل ذلك استراتيجية انتفاضية ناجحة في ظل الظروف التي عاشتها الهند. فالمَثَل الهندي هو في مصلحة الانتفاضة الشاملة وأقرب إليها.
فليخجل المثبطون والمعوّقون. فكل حجّة يتقدمون بها تفضح جبنهم وتقاعسهم وقلة حيلتهم. وهذا أخف ما يستحقون من رد.
وسوم: 638