الطريق إلى هرمجدون

عبد السلام السلامة

كم ستحتاج سوريا لكي تعود بلداً صالحاً للحياة السويّة المستقرّة؟ هذا على افتراض أن بشّار الأسد سقط، في هذه الليلة؟، وكم ستحتاج اليمن، على افتراض أن الحوثيين لن يصبح عليهم صباح غد؟. وكم ستحتاج العراق، وليبيا؟

الإجابة عن هذه التساؤلات، رغم ما فيها من رعب، هي أقرب لأحلام اليقظة منها إلى التفكير المنطقي السّوي.

عندما مات حافظ أسد، كانت مادلين أولبرايت، وزيرة خارجية الولايات المتحدة، في مقدّمة السائرين في موكب الجنازة. لم يكن هذا غريباً في عالم الدبلوماسية، وإنما الغريب العجيب أنها اجتمعت مع ابن المقبور، بشّار الأسد، ولم تكلّف خاطرها بإلقاء كلمة مجاملة في وجه عبد الحليم خدام نائب الرئيس آنذاك. وعندما سألها الصحفيون عن السّر في هذا الخروج عن البروتوكولات الدبلوماسية أجابت بأن بشار الأسد يعرف ما الذي يجب عليه يفعله!.

لم تمرّ سوى ساعات قليلة حتى كان بشار الأسد هو رئيس الجمهورية العربية السورية.  

ليس بشّار الأسد هو الذي يعرف واجباته، وإنما صالح يعرفها أيضاً، والسيسي يعرفها، وحفتر يعرفها، ويعرفها الكثيرون في الدول العربية.  أما الخطورة، فتأتي ممّن لا يعرف هذه الواجبات.

كانت الأنظمة المصنوعة على عيني مادلين أولبرايت، أو أعين من سبقوها، أومن لحقوها، تشكّل السّياج الأول الذين تحتمي به (إسرائيل). والسّياج الثاني هو الحماية الأمريكية والأوروبية لهذا الكيان، والسّياج الثالث هو القوّة العسكرية التي يمتلكها. الربيع العربي أظهر أن هذه السياجات الثلاثة أوهى من بيوت العنكبوت. فالأنظمة بدى عجزها مكشوفاً، ليس في الدفاع عن (كيان) إسرائيل، وإنما ظهرت عاجزة على البقاء بدون حماية خارجية. والتعهّدات الغربية بالحماية، اهتزّت مصداقيتها عندما سكتت حكومات تلك الدول حين سقط بن علي ومبارك، وبدأت صيحات الحرية تجتاح العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه. وترسانة الأسلحة الفتاك التي يمتلكها هذا الكيان أصبحت، رغم قدرتها العالية على التدمير، عاجزة على حمايته. فالذي يخيفها أنها لم تعد تواجه جيوشاً يقودها عملاء خونة، وإنما هي شعوب تتقرّب إلى الله في الموت دفاعاً عن مقدساتها، التي يقف المسجد الأقصى في ذروتها.

هنا كان لابد من تدمير وتمزيق الدول التي يمكن أن يأتي منها الخطر في يوم من الأيام. وهذا ما يجري على الساحة.

الذين صدّقوا أن بوتين أرسل قواته إلى سوريا رغم إرادة أوباما سوف يكتشفون أن الأمر تم باتفاق وترتيب. والذين صدّقوا أن دولة العلويين التي يراد لها أن تمتد من دمشق إلى اللاذقية مروراً بحمص وحماة، إنما هي للدفاع عن مصالح روسيا في الساحل السوري، سوف يجدون أنها لإبعاد الخطر عن كيان إسرائيل، ومن يظن أن ثمة من يعمل على طرد قوات علي صالح والحوثيين من صنعاء لإعادة توحيد اليمن سوف يخيب ظنّه.

الشيء الوحيد الذي كان يقلق زعماء الكيان الصهيوني هو إرادة الشعوب التي تتمنى أن تموت من أجل تحرير فلسطين. واليوم أصبح هذا القلق كابوساً مرعباً، وكل ما يجري في البلاد العربية هو للتخلص من هذا الكابوس، فهل سيكون ذلك ممكناً؟ الجواب اليقيني هو: لا.

ولكنّ تبعات ذلك دمار ومجازر ربما لم يعرف له التاريخ مثيلاً. هذه هي إحدى التفسيرات لما تؤمن به مادلين أولبرايت بأنه "حرب هرمجدون التي سيُدمَّر فيها نظام الشيطان على الأرض". والشيطان هنا هم المسلمون.

ثمّة من يَدفع العالم نحو دمار مقدّس، وثمّة من يرى أن الثورة السورية يمكن أن تنتصر بالمشاركة في مؤتمر يديره الصهيوني الإسرائيلي برنارد ليفي، أو بزيارة إلى مستوطنة هرتزليا لإقناع زعماء (إسرائيل) بالتخلّي عن بشار الأسد. وبين هؤلاء وأولئك ، يكمن الأمل فيمن يسفكون دماءهم دفاعاً عن هذا العالم.

وسوم: 639