حروب عالمية، وحروب طواحين
لم يكن غريبا أن تقاتل روسيا إلى جانب بشار الأسد، وهي التي أعلنت مسؤوليتها عن الدفاع عنه. وليس غريباً أن تراوغ الولايات المتحدة الأمريكية في دعمها للشعب السوري الذي أعلنت صداقتها له.
المعلَن في السياسة العالمية أن بوتين، القيصر الروسي الجديد، له مصالحه الحيوية في سوريا. وهو مستعد للدفاع عنها بكل قوّته. وأوباما، الحائز على جائزة نوبل للسلام، حريص على استمرار السياسة العالمية (السلمية) للولايات المتحدة، للحفاظ على استحقاق هذه الجائزة.
هذه السياسيات أصبح الكلام فيها مكروراً ممجوجاً، ولو كانت صادقةً لما كان ثمة ما يدفع للحديث فيها وعنها، إلاّ أنها لا تمثّل من الحقيقة سوى غطاءها الزائف المراوغ.
ركيزتان أساسيتان تقوم عليهما السّياسة الدوليّة المعاصرة، بل يقوم عليهما السّلوك البشري، منذ عهد ابني آدم عليه السلام، وإلى أن ينتهي وجود الجنس البشري بفعل إفساده في الأرض. هاتان الركيزتان هما المبدأ والمصلحة. أمّا المبدأ، الذي يتّفق عليه أوباما وبوتين، ومن جاؤوا قبلهما، ومن سيأتون بعدهما، فهو أنّهم جميعاً سَدَنَه لدولة (إسرائيل)، وليسوا مجرّد أصدقاء أو حلفاء أو شركاء. والتصريحات العلنيّة منهما دليل، والواقع العملي في سياسيات روسيا وأمريكا دليل آخر. هذه السّدانة تستوجب منهما التضحية (المقدّسة) تعبّداً مرغوباً أو التزاماً واجباً. فكيف عندما يصاحب هذه السدانة تحقيق مصالح استراتيجية هائلة بدلاً من التضحية؟ هنا يصبح من الغباء أن نفترض غير ما نراه في واقع الحال.
أمن دولة (إسرائيل) كان يقوم على ثلاث ركائز أساسية: الأولى هي الفارق الكبير في السلاح وكفاءة الجهاز العسكري بينها وبين الدول العربية، الأمر الذي جعلها تطلق على جيشها صفة (الجيش الذي لا يُقهَر)، والثانية هي الهيمنة على القرار العالمي، وتوجيهه لدعمها، من خلال الهيمنة على السّدنة الملتزمين -المستفيدين من هذا الالتزام، والركيزة الثالثة هي انعدام إرادة القتال عند الحكام العرب الذين صار حالهم كما قال الفرزدق:
ولو كان عبد الله مولى هَجَوتُهُ** ولكنّ عبد الله مولى مواليا.
وكيف يقاتل عبدُ العبدِ سيّدَ سيّده؟
عندما جاء الربيع العربي تزعزعت إحدى هذه الركائز، ركيزة الحكّام عبيد العبيد. والتقنيات المتطورة التي أتاحتها ثورة الاتصالات والمعلومات لكّل من يهتم بها، جعلت ركيزة فارق الإمكانات العسكرية يتضاءل. ولم يبق سوى ركيزة السّدنة العالميين، وهذا ما ينبغي استثماره بأقصى ما يمكن، وبأسرع ما يمكن قبل فوات الأوان.
من هنا ندرك أن الهدف من مجيء طائرات بوتين قبل مجيء جنوده الذي يبدو أنه لن يتأخر كثيراً، إنّما هو لتدمير ما عجزت عن تدميره براميل بشار الأسد في سوريا، وهذا هو بالضّبط ما يحتاجه أمن (إسرائيل). ثم بعد ذلك، يتم التفاهم بين بوتين وأوباما على تقاسم المصالح الكبيرة التي أتاحها التدمير الهائل ليس في سوريا وحدها، وإنما في كل الدول التي سقطت دكتاتورياتها، أو التي لم تسقط بعد
هذه هي استراتيجية بوتين وأوباما. فما الذي تفعله المعارضة السورية لمواجهة هذه الاستراتيجية؟ هنا لا يحتاج الأمر إلى إسهاب في التحليل، وإنما يكفي مثال واحد لنعرف نحن السوريين كم يجب علينا من التضحيات وكم يلزمنا من الوعي والإخلاص حتى نتمكن من التخلّص من براميل بشار الأسد وطائرات بوتين: أحد الأصدقاء الخبثاء نصحني أن أقدّم أوراقي للترشّح لمنصب وزير في إحدى الوزارات التي لا وزير لها في حكومة المعارضة المؤقتة. أعجبتني الفكرة، ولكنّ صديقي اشترط عليّ شرطين أساسيين للمنصب العظيم: أن أكون من كتلة سياسية محدّدة، وأن أغيّر ديني، لأن الوزير يجب أن يكون من كتلة سياسية محددة، ومن أتباع ديانة محدّدة !!.
استراتيجيات عالمية تدمّر البلاد وتشرّد العباد خدمة لمبادئ دينيّة وتحقيقاً لمصالح عالمية، تقابلها استراتيجيات (وطنية) تشترط إخراج الناس من دينهم للوصول إلى المناصب (الوطنيّة) التافهة.
وسوم: 639