زيارة الأسد لروسيا والتحذير الإيراني المبطن لموسكو

هل يؤدي استدعاء رئيس النظام السوري بشار الأسد  إلى موسكو إلى نشوب أزمة سياسية غير معلنة بين طهران وموسكو؟ هل أدرك بوتين ضرورة تبني مقاربة جديدة مستندة لإستراتيجية  فاعلة وعاجلة تضمن خروج روسيا بشكل عاجل من بوابة الأزمة السورية بعد أن  اقتنعت بحجم الفشل الذريع الذي اقترفته، وإخفاقها  العسكري الكبير نتيجة صمود الشعب السوري البطولي؟

لا شك أن المفاجأة الروسية بسرعة استدعاء الأسد على عجل  مستقلاً طائرة شحن عسكرية، سوف تتسبب في إحداث بيئة صدامية بين موسكو وطهران، على ضوء ما تحمله المواقف الإيرانية التي بدأت تتسرب، وبشكل باتت تعلم فيه أن موسكو قد توصلت إلى قناعة بأن استمرارها في التورط بالمستنقع السوري سيستنزف قدراتها، ويجعلها  تدفع ثمناً كبيراً على مختلف الصعد السياسية، والعسكرية، والاقتصادية.

نتيجة لذلك وعلى الفور تحركت إيران بالمقابل بكامل مؤسساتها، لتدرك خطورة مستجدات الموقف الروسي على مصالحها وأمنها القومي، وبدأت بإطلاق مواقف تكاد تكون متضاربة، وتعكس هاجس وكابوس تركها وحيدة مع مليشياتها الدموية، لمحاربة ما اصطلحت على تسميته  دوماً بالإرهاب التكفيري في سورية .

بداية وصفت طهران لقاء بوتين وبشار الأسد بالقمة الفاصلة  لأعداء سورية، ورأت أن العنوان الرئيسي لهدف هذه القمة هو القضاء على الإرهاب، معتبرة أن الزيارة تعكس تحولاً استراتيجياً في مسار العلاقات بين دول الممانعة وروسيا خاصة بعد دخول موسكو وبقوة غير معهودة على خط الأزمة السورية، بطلب من الحكومة السورية لمكافحة الإرهاب الذي بات يشكل تهديداً لإيران وأمنها بالدرجة الأولى.

تقول طهران إن زيارة الأسد تأتي بناءً على دعوة من الرئيس بوتين، وأنها أحدثت صدمة من العيار الثقيل في الوسطين الإقليمي والدولي, نتيجة لما حظيت به من اهتمام، وتركت أصداء كبيرة  للبحث في دوافعها وأبعادها، واعتبرت أن سفر الأسد في مثل هذه الظروف يعتبر تحدياً لكسر العزلة التي حاولت أوروبا وبعض الدول العربية فرضها على سورية، وأنها ستفتح الباب أمام صفحة جدیدة فی ملف الأزمة السوریة والعلاقات الإقليمية .

لكن سرعان  ما انقلب الموقف الإيراني، وبدأ يثير الكثير من الهواجس والتخوفات من زيارة الأسد، وما سينجم عنها من تسويات قد تعرض مصالح طهران  في سورية والمنطقة للخطر، وهذا ما سوف نبحثه لاحقاً . 

أسباب الزيارة .. رؤية إيرانية

التمهيد للهجوم البري الكاسح

تدعي طهران أن زيارة بشار لموسكو جاءت بعد التطورات الملحوظة في الميدان السوري نتيجة للتنسيق الخماسي بين طهران وموسكو ودمشق وبغداد إضافة  لحزب الله، وكذلك بعد الضربات الجوية الروسية الفعالة ضد التنظيمات الإرهابية، لذا لابد من لقاء قمة وبهذا المستوى لتقييم الموقف في الميدان، واستباق التطورات للتحضير لحل الأزمة السورية سياسيا، بعد  تحقيق نصر كاسح على الأرض، وبشرت طهران بأن القادم من الأيام يخفى الكثير من المفاجآت لما ستتمخض عن الزيارة في الميدانين العسكري أو السياسي،  وما ستحققه من نتائج كبيرة ومذهلة تدفع بالعالم ليقف إجلالاً لما حققه التحالف الخماسي!

 وضمن هذا السياق أکد القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية اللواء محمد علي جعفري أن سوريه ستشهد خلال الأيام القادمة انتصارات مصيرية كبرى، وأن أمن منطقة غرب آسيا، ومنها إيران يعتبر مركزا لانطلاق الثورة الإسلامية، والذي بات يرتبط بشكل  مصيري وأساسي بسورية ومحور المقاومة في هذه الجبهة، وأن إيران لن تسمح مطلقاً بإسقاط  الدولة السورية، انسجاماً مع أوامر خامنئي بأن سورية باتت الخط الأمامي لجبهة الثورة الإسلامية، وأنه ينبغي دعم هذه الجبهة بكل قوة. وعلى هذا الأساس فإن إيران ستدافع حتى آخر قطره من دمها عن الثورة الإسلامية وحرية شعوب المنطقة.

إيران نسقت زيارة بشار لموسكو

تدعي طهران أن هذه الزیارة تم التنسيق لها مسبقاً من خلال  لقاءات مستمرة، بمشارکة الطرف المحوري فی الأزمة  السوریة، المتمثل بإيران وحزب الله، وأن الأيام القليلة القادمة ستشهد تطورات عسكرية، سيكون لإيران دور محوري في التخطيط والتنفيذ لها بعد أن قرر بوتين تعديل إستراتيجيات التعامل مع الأزمة السورية، لتوفیر کل ما تحتاجه المعرکة ضد الإرهاب  العابر للمنطقة من سوریة،  إذ تعتبر طهران أن ذلک یعنی أننا سنکون أمام مرحلة  عسكرية جديدة من حيث تعزیز عمليات سلاح الجو الروسي، وآليات عمله الميدانية، التی یفترض أن تلعب دوراً أساسیاً فی مواکبة مباشرة للعملیات البریة، والعمليات التي ستخوضها قوات خاصة ستتبنى استراتيجيات جدیدة أكثر نجاعة من أي  وقت مضى.

كذلك تدعي طهران أن القیادة الروسیة، تأكدت من صحة التقدیرات التی تشارکتها مع ایران، حول عجز المحور الآخر الذي يقاتل ضد نظام بشار عن القیام بأي عمل فعال على الأرض من شأنه رفع مستوی تنسیق المجموعات المسلحة ضد  التحالف الخماسي، وتوقعت طهران أن یزور دمشق قریباً، مسئولون عسكريون واستخباريون روس, مهمتهم إنجاح العملية البریة والجوية الروسية بشكل أكثر فعالية، وقد بشرت طهران بجاهزیة وحدات جدیدة جری تجهیزها خلال الشهرین الماضیین، لتولی مهمات عسکریة هجومیة نوعية سيكون لها دور مؤثر، بعد النجاح بإعادة هیکلیة الجیش السوري التی تتناسب وطبیعة المعارك المقبلة.

تعزيز فرص الحل السياسي بما ينسجم مع مصلحة إيران

 التركيز على خطاب الحفاظ على الدولة والنظام وليس شخص بشار. تحاول طهران كذلك الترويج بأن زيارة رئيس النظام السوري إلى موسكو تصب فی سیاق تعزیز فرص الحل السیاسی، ولمحت إلى أن إيران ترصد هاجس دول الإقليم التي فشلت سياسياً واستخبارتياً في إدراك أبعاد ونتائج دخول روسيا على خط الأزمة السوریة،  وهؤلاء- حسب الفهم الإيراني – لا یسعهم حتى اللحظة الإحاطة بکل الخطوات الروسیة، مع ما تحمله من مفاجآت فی المجال العسكري والسياسي، والتي ستظهر بوادرها خلال الأيام القليلة القادمة، وبما ينسجم مع مصلحة إيران، وتعزيز نفوذها في المنطقة، والتي ستبرز  معالمه من خلال العرض الروسی لبشار  باختبار عملیة سیاسیة جدیة، تجيء بعد ثلاثة أسابیع من انطلاق العملیات العسکریة، التی لا تزال بحاجة إلی المزید من الوقت لإحداث تغییر نوعی على خلاف ما طرحته إيران مسبقاً، من أن العمليات العسكرية الروسية كانت فعالة ومؤثرة .

 في رأي طهران فإن ما حدث من تطورات على مسار الوصول لتسوية سياسية يعکس قرار تثبیت التحالف بین دمشق وحلفائها الإقلیمیین والدولیین، وهو تحالف یستهدف أساساً حمایة الدولة السوریة والنظام ومساعدة جیشها، ثم یستهدف خلق مناخات جدیدة تتیح الذهاب نحو حل سیاسی واقعي، یقوم علی حقائق الأرض بعد دخول روسيا على الخط بقوة .

هذا عدا عن ترقب إيران لأهمية  الدور العراقي المرتقب لمحاربة العصابات الإرهابية في سورية، حيث ركزت إيران على عملية مصادقة  البرلمان العراقي للتوقيع على معاهدة للتعاون مع سوريه للقضاء على العصابات الإرهابية، مما سيزيد الأمل في القضاء على هذه العصابات في العراق وسوريه في القريب العاجل، من خلال التعاون مع طهران . 

رؤية إيران للحل السياسي .. وتحذير مبطن لموسكو

ترى إيران أن أي حل سیاسی في سورية، یجب أن ینطلق من ثوابت، أبرزها إقرار الطرف الآخر بأولویة مکافحة الإرهاب في سوريه علی أی أمر آخر، وهو ما سیجعل البحث فی تفاصیل الملف السیاسی غیر ممکنة الآن في حال عدم اجتثاث الإرهاب، من خلال تدمير التنظيمات “التكفيرية ” الذي قد يهدد إيران وأمنها القومي.

    تؤكد طهران أنه لا یجب توقع حل سیاسی سحري، بمعزل عن تعزيز الجهود العسكرية على الأرض، حیث للمیدان الکلمة الفصل، ولا سیما أن إيران کانت صریحة بما أعلنته من أن التسویة السیاسیة تنطلق بعد الانتهاء من مکافحة الإرهاب، لأن خلاف ذلك معناه أن الإرهاب سوف يصل لحدود إيران، ويهدد مصالحها في المنطقة خاصة في العراق، ولبنان، وأن إيران ستدفع ثمن ذلك، وبالتالي  على الروس إدراك مخاطر أية تسوية في سورية، وتداعيات أثرها على إيران.

الرسالة التي ينبغي أن تصل للروس أن البحث فی التسویة السیاسیة ينبغي أن یترکّز حسب رؤية إيران، علی عدد من  البنود المحورية:

رؤية إيران المحورية تقوم على تقديم ضمانات حقيقية لبقاء النظام السوري، مع ملاحظة عدم تأكيد طهران على بقاء شخص بشار، بل النظام .

وبقاء ملف مواجهة موحدة لتنظیم «داعش» والتظيمات التكفيرية فی سوریا والعراق على سلم الأولويات، واستمرار المضي في  المعرکة الفعالة ضدهم، حتى بعد التسوية السياسية؛ لأن الوقائع المیدانیة أثبتت خطورة الموقف، الأمر الذي يتطلب عملیات منسقة علی جانبی الحدود بین العراق وسوریه بالتعاون مع روسيا، وهنا يجب الانتباه إلى أن واشنطن وحلفاءها يظهرون عدم الجدية والتردد في محاربة هذه التنظيمات، بذریعة أن النظام السوري هو المسئول عن وجودها، وبالتالي فإن إيران ستحصد أي تبعات تترتب على المماطلة في ضرب الإرهاب في سورية، وبالتالي فإن مصالحها في المنطقة ستكون في مهب الريح، خصوصاً بعد هجرة المزيد من العناصر الإرهابية، بعد التدخل الروسي في الأزمة السورية، والتي من السهولة أن تصل للحدود الإيرانية، وللعراق ولبنان .

وضعت إيران إستراتیجیة مستقلة لمواجهة الإرهاب فی العراق وسوریة، إلا أنها لا تمانع في قیام شراکة مع التحالف الدولی، ومع روسيا تحديداً لاستمرار تحقيق هذا الهدف المهم والمحوري.

الحديث عن الحل السياسي والجدول الزمنی، والضمانات الضروریة العربیة والدولیة للمرحلة الانتقالیة، لها تداعياتها  الخطيرة إذا لم تراعي مصلحة إيران، لأن دخول سوریة فی المرحلة الانتقالیة سیفتح الباب أمام حلول ومشاريع جديدة سيتم اقتراحها فی لبنان، العراق، اليمن…. ، لهذا يجب الوقوف على كل التفاصيل الدقيقة بعناية، وتعزيز قدرات إيران الدبلوماسية والاستخباراتية على رصد المواقف تجاه ما يجري في سورية، وتحليلها.

النتيجة أن دولة "ولي الفقيه" باتت متأكدة أنه ينبغي عليها التفكير، ووضع مختلف السيناريوهات ليس فقط لمرحلة ما بعد الأسد، بل لما بعد ترك روسيا لإيران وحلفائها يواجهون مصيرهم المحتوم  بأنفسهم، بعد قرار بوتين  المرتقب بقرب الانسحاب من الأزمة السورية، ووقف عملية استنزاف قواته هناك، لكن بعد الوصول إلى تسوية سياسية تضمن له حفظ ماء وجهه الملطخ بدماء الشعب السوري.

............

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية - مركز أمية للبحوث والدراسات الإستراتيجية

وسوم: 639