كيف تدعُو إلى القرآن أديباً!

صلينا المغرب، ثم نزلنا إلى قاعة العقد، فلما استقر بي مكانٌ دعاني الأستاذ محمود إلى كلمة العقد، وكان من قبلُ ذكر لي رغبته في أن أُلقيها، فقلت له: في كم يمكنني أن أتكلم؟ فقال: في خمس دقائق أو سبع أو عشر!

فتقدمت إلى المنصة، واستأذنت الشيخ مجدي المأذون، بما ورطني فيه الأستاذ محمود، فأسرع إليَّ بالمكبر وكأنه يعينه عليّ!

وقفت، فقلت:

سلام عليكم طبتم مساء – يا إخوان – وطاب مسعاكم إلينا!

بسم الله – سبحانه، وتعالى -! وبحمده، وصلاةً على رسوله وسلاماً، ورضواناً على صحابته وتابعيهم، حتى نلقاهم! قال الحق – سبحانه، وتعالى!- في الآية الحادية والعشرين من سورة الروم: "ومن آياتِهِ أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكُنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمة إن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون".

لقد جعل الحق – سبحانه، وتعالى! – الزواج آية ظاهرة من آيات حكمته العظيمة وعلمه المحيط، وأشار في آخر كلامه إلى اشتمال آية الزواج في نفسها، على آيات باطنة يستنبطها من فكر فيها؛ فلنعد معاً إلى كلامه – سبحانه، وتعالى! – عسى أن نقف منه على آيات الزواج الباطنة.

لقد جعل الحق – سبحانه، وتعالى!- الزواج من آياته المُحلاة بالإضافة إلى نفسه، لا الآيات المُخْلاة من هذه الإضافة، ففضله مثلما فضل الصيام حين قال فيه: ".. إلا الصيام، فهو لي، وأنا أجزي به" – على رغم أننا نتعبده بالعبادات كلها! ثم نبهنا بقوله: لكُم"، على أنه لمصلحتنا – وبقوله: "من أنفُسكم"، على أنه بين المتكافئين، ولا سيما أن كلمة أزواج جمع زوج، والزوج من له امرأة من الرجال ومن لها رجل من النساء، كلمة دالة على مساواة العربية بين الرجل والمرأة في هذا المقام الخطير – وبقوله: "لتسكنوا إليها"، على أن تحري المصلحة وتحري الكفاءة مفضيان إلى سكون الزوجين كل منهما إلى الآخر، وارتياحه له – وبقوله: "وجعل بينكم مودةً ورحمة"، على إفضاء ذلك السكون إلى المودة، بما في السكون من اطمئنان ومن متعة، ولن تصح مودة من غير رحمة.

لقد دعاني الأستاذ محمود زكي تلميذي النجيب، إلى كلمة عقده، فعجبت له: يختارني أنا الأديب اللغوي، على أساتذته وأساتذتي الأجلاء العلماء الفقهاء الدعاة!

ثم خطر لي أنه ربما عملت فيه عملها قصيدتي "وثيقة زواج مصرية"، فظنني مأذون الناحية لا الشيخ مجدي، فاسمعوها واحكموا بيني وبينه:

"وثيقةُ زواجٍ مصريةٌ

هيا يا ميدان التحرير

هيا يا ذكرى الخامس والعشرين

قُولا وليشهدْ كلُّ المصريين

زوِّجني نفسك يا ميدان

أقبلُ يا ذكرى

بُورك في الذكرى للميدانِ

وللذكرى في الميدان

للشعب المصري الولهان".

والقِصَرُ كما تعرفون من شيم الوثائق! فلما اطلع عليها بعض كبار الكتاب، دعاني إلى أُزوج الميدان من الحرية لا من الذكرى الأليمة!

فقلت: كيف أزوجه الحرية دون العدالة، أم يحرم عليه الجمع بين الأختين!

فقال: زوجه الحرية والعدالة إذن، وليكن عرساً تاريخياً بديعاً!

وجدت دهشة بعض الحاضرين؛ فملت إلى المأذون عن يساري:

هل أطلت؟ فما نَفَى ولا أثبت! ونظرت في ساعتي، ثم أكملت!

ثم خطر لي أنه ربما كان الأستاذ محمود زكي أقوى ذاكرة وأوسع اطلاعاً، فعثر على قصيدة لي، كنت أرقي بها الأعزاب قديماً – والأعزاب جمع عزبِ، والعزبُ من لا امرأة له من الرجال ومن لا رجل لها من النساء، فهو ضد الزوج – زاعماً أنه من كررها مراراً خالياً ليلاً أوشك أن يتزوج أو أن يُجن، فاستدفع بها عن الأعزاب مثل ما كان فيه من بلوى، فاسمعوها واحكموا بيني وبينه:

"رُقيةُ العَزَبِ

وبعدُ يا مملكة الأزواج

نرميكمُ اليوم بزوجٍ يُسقطُ النظام

يُعيدكم إلى الفعال

يُبعدكم عن الكلام

قد ضاق ذرعاً أن تضلوا تسمعون

كيف كان الأولون يفعلون

وتعجبون

فإن أراد واحدٌ أن يترُك الكلام

هبَّ لِتوِّهِ مُصفقاً

وقال يا سلام

فيا سلام

قد صار من مُجاهِدِي الأزواج

بيا سلام

أنجبَ أعلامَ الرجال والنساء

بيا سلام

عَذّرتُهُ في هذه الأيام

فقد رأيتُ قادة الكلام

يرون أنَّ مخرجَ الإنسان

من حبائل الشيطان

هو السلام

وبعدُ يا شرذمة الأعزاب

فما لكم مُستضعفين هكذا بدولة الأزواج

قد يجلسُ الواحد منكم بينهُم

بلا سلامٍ أو كلام

يخافُ غضبةً تجيء بعد مزحةٍ لا يرتضونها

كأنما الواحدُ منكم لم يزل بروضة الأطفال

كأنما الواحدُ منهم ناظرٌ لروضة الأطفال

ما هذه الأحوال

أأن رأوكُم في شقاءٍ دائمٍ

وأنكم في وحدةٍ ووحشةٍ

عُزُوبةٍ مُزمنةٍ

يُؤنِّبُونكم

يستعبدُونكم

أما ترون أنكُم أصلحُ للزواج

عهداً

لأرجُزَنَّ رجزاً يُخيف داخلية الأزواج

يثُورُ بالأعزاب

ليُسقطوا النظام

في دولة الأزواج

دولة الكلام

يا من يدُلُّ عزباً على عزب

تَقلَّبت حياتهُ بل انقلب

تراه تحسبُ الذي يأتي ذهب

فكلُّ شيءٍ عندهُ محضُ تعب

يا ربِّ ما يبدو لما ألقى سبب

يا من يدُلُّ عزباً على عزب

قد زُرتُ بيتهُ فألفيتُ العجب

هذي كراسي فوق بعضها كُتُب

وذي مُلاءةٌ سريرُها هرب

ستارةٌ تلعبُ ما أحلى اللعب

يا من يدُلُّ عزباً على عزب

وعدتني ولم تجئ فما السبب

أحببتُ أن أطبخ يوماً ما يجب

قلوتُ لم يُفِد سلقتُ لم يطِبْ

ما لي وقد صنعتُ كُلَّ ما كُتب

يا مَنْ يدُلُّ عزباً على عزب

هذا السكونُ فتنةٌ لذي الأَرَبْ

 لا طفل يبكي يبتغي بعض لُعبْ

لا زوجةٌ تشكوك من غير سبب

فترتضي شكاتها جمَّ الأدب

يا من يدُلُّ عزباً على عزب

على التي تسُرُّه إذا رَغِب

تصُونُهُ في عرضها إذا ذهب

على التي تُريحهُ إذا تعب

تقبلهُ دوماً وإن قلَّ النَّشب

يا من يدُلُّ عزباً على عزب

على التي يُكرمُها وإن غضب

فلا تخافُ عندهُ عسف النُّوب

ولا تضلُّ تصطلي نار الرِّيب

حياتها حياتُهُ فلا عجب

يا من يدُلُّ عزباً على عزب"!

قد استدل عزب على عزب! قد استدل عزبنا على عزبه! ولقد ثبت لديَّ أن الأستاذ محمود زكي تلميذي النجيب، إنما أراد أن يُكرِّم فيَّ حرصي وإلحاحي الدائمين على زواجه! وإنه لأكرم تكريم أن يهتدي إلى ذات الدين والحسب والنسب، التي يكتمل بها وتكتمل به؛ فتنشأ باكتمالها أسرة ناجحة، تشارك في نهضة مجتمعنا وشعبنا وأمتنا.

بارك الله لهما، وبارك عليهما، وجمع بينهما في خيرٍ!

وشكر الله لكم، والسلام عليكم!

وسوم: 639