يوتوبيا الاصطفاف!!

بعض الناس يعشقون الوهم ... يتنفسون الوهم ... يقتاتون الوهم ... لا يتعلمون أبدا من تجارب الزمن ولا من دروس التاريخ ...  صدقا لا أفهم لماذا؟!!

لا أتمنى أن تظل مصر ممزقة ... لا نجاة لأحد في مصر ما دمنا ممزقين تسكننا الكراهية وتأكل قلوبنا الأحقاد ... والقادم أسوأ للجميع إن بقينا هكذا ... فلابد من أن نفيق ... لابد من الاصطفاف المجتمعي لكن حول ماذا؟!! ... نعم مطلوب أن نصطف حول ماذا؟!

العجيب أن الجميع يصرخون في الضحية ويوجهون إليها أصابع الاتهام ... وكأن الإخوان هم من حرض على القتل ... كأن الإخوان هم من انقلب وخان ... كأن الإخوان هم من نزلوا 30/6 وكانوا أداة العسكر في الانقضاض على ثورة يناير ... كأن الإخوان هم من قتل واغتصب وأحرق واعتقل وشرد عشرات الآلاف من الأبرياء ...!!

يقول بعضهم: إن نفرا من هؤلاء المتآمرين في 30/6 أفاقوا وعرفوا خطأهم ورجعوا عنه ... الأفضل أن نستقبلهم في صفوف مؤيدي الشرعية بدلا من طردهم والقطيعة معهم وسوف يقفون مع الثورة ضد السيسي وضد العسكر ... لابد من الاصطفاف ... دون ذلك لن تنتصر الثورة ... إلى آخر هذا الوهم ... فما أفقر خيالهم!! وما أتعس أوهامهم!!

الاصطفاف الذي يقصده هؤلاء هو الاتفاق على أن يحكم العسكر مصر بشكل خفي ... نعم سيرحل السيسي الفاشل ... نعم ستعود القوات العسكرية إلى ثكناتها لتهدأ البلد ... نعم سيطلق سراح المعتقلين (ظلما وعدوانا ...) ... نعم سيعوض أهالي الشهداء ببعض المال ... نعم سيسمح للإخوان بالتواجد على هامش السياسة كمعارضة هشة ... كل هذا لكن تبقى الدولة كلها في أيدي العسكر يحكمونها بالشكل الذي يريدونه فهم أسياد البلد يسخرون الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والجهاز البيروقراطي العتيق في السيطرة على الدولة وكل مفاصلها ... ولا مانع من ديكور ديمقراطي ومعارضة شكلية وانتخابات يفوز فيها الإخوان فيما لا يسمح لهم بتجاوز الخط المرسوم ..

هذا هو الاصطفاف المطلوب في حقيقته ... وهذه هي حقيقة المصالحة التي يريدها العسكر وأمروا مندوبيهم بالدعوة إليها فخرج علينا د/ عبدالحليم قنديل ... ود/ سعد الدين إبراهيم ودعاة الاصطفاف من بعض أنصار الشرعية في داخل وخارج مصر ... فهل سنقبل هذا الاصطفاف المزعوم؟! هل على الجميع أن ينصاعوا للأمر الواقع ويرضخوا لحكم العسكر بشكل مباشر أو غير مباشر؟!!

والسؤال لهؤلاء الواهمين: على ماذا سنصطف؟!! ... ولو حدث الاصطفاف فمن يضمن لكم ألا يأكلكم العسكر ويسحقونكم مجددا تحت أية ضغوط داخلية أو خارجية أو حتى لغرور القوة؟!! ... ثم من يضمن ألا يبيعكم المتآمرون التائبون هؤلاء من أنصار 30/6 عند أول نقطة خلاف قادمة ؟! ...  من يضمن لكم ألا يتآمرون عليكم ثانية؟! في الحقيقة لا مانع لدى معظم هؤلاء أن يتحالف مع الصهاينة أو حتى مع إبليس اللعين نفسه لقتل كل من يحمل الفكرة الإسلامية ... وسوف يبيعونكم ويغدرون بكم في كل مرة ...!!

وأخيرا من حق أنصار الشرعية أن يتساءلوا: هل يستسلم الإخوان لهذا الابتزاز وهم العمود الفقري للمعارضة الحالية للانقلاب الذي يفشل ويزداد فشلا مع الوقت؟ .. هل ينساقون وراء هذا الهراء؟ .. أتراهم يعشقون الوهم؟ .. هل الإخوان أساتذة الفرص الضائعة ولا يستمعون لأحد؟ .. هل تغرهم كثرتهم وتخدعهم دائما ثقتهم الزائدة بأنفسهم؟ هل يرفضون تصديق الواقع؟ .. ألن ينصتوا لمن يقول لهم: على رسلكم يا قوم..  تريثوا ولا تنجذبوا لهذا الوهم مهما كانت حجج البعض مقنعة؟ أيستمعون  لمن يقول لهم رأيا يخالفهم؟

سيقول البعض: إن تجربتنا مريرة مع الإخوان فهم لا يتعلمون أبدا من دروس التاريخ .. ولا يستمعون إلا لأنفسهم .. ودائما يسفهون غيرهم حتى ولو كانوا يؤمنون بالمشروع الإسلامي, وللأسف هم أول من يدفعون الثمن .. ويتحمله معهم كل صاحب مبدأ يساند الحق.

حذرهم كثيرون من برهامي وحزبه لكن دون جدوى .. وحذرهم كثيرون أيضا قبل الانقلاب بأشهر من وجود نية لدى العسكر للانقلاب لكنهم صموا آذانهم.

والآن يحذرهم البعض مجددا من وهم الاصطفاف وضرورة حساب الأمور جيدا هذه المرة محليا وإقليميا ودوليا, فهل يستجيب (الإخوان المسلمون) لناصح؟

وسوم: 640