المئزر سلوك حضاري

كتبت منذ سنوات مقالا حول لبس المئزر في المدارس الجزائرية، وكيف أن التلميذ يهين المئزر ويتعامل معه باحتقار شديد، وأبدينا حينها الانعكاسات السلبية لمثل هذه التصرفات.

واليوم صباحا وأنا متجه إلى العمل رفقة أبنائي، أفرض عليهم أن يلبسوا المئزر انطلاقا من البيت، دون أن يسلك السلوك السيئ المتبع عادة لدى التلاميذ، المتمثل في لبس المئزر حين يهم بالدخول إلى مؤسسته التعليمية.

يجيبني أكبر الأبناء، ولماذا الأساتذة لا يلبسون المئزر إنطلاقا من بيوتهم؟. إلتزمت الصمت، وقلت في نفسي سؤال التلميذ المراهق يجيب عنه الأستاذ، بما يراه صالحا من توبيخ وتصحيح.

لكن السؤال أثار في الأب جملة من الأسئلة والملاحظات، يريد أن يطرحها لعلّه يجد إجابة شافية ترضي الأستاذ الفاضل والتلميذ والوالدين.

من الملاحظات التي لفتت انتباهي وأنا في قسم العلوم والتكنولوجيا، دخول طلبة الجامعة وأساتذة الجامعة لمخابر الفيزياء والكيمياء دون مئزر، رغم أنهم يقومون بتجارب خطيرة أحيانا على اللباس الثمين الذي يرتدونه، فتراه يفسد لباسه الغالي بسبب بقعة صغيرة من المواد الكيميائية التي يستعملها في تجاربه العلمية، سقطت سهوا على لباسه دون أن يلتفت إليها.

إن لبس المئزر أثناء تأدية المهام، يجعل صاحبه يؤدي مهنته على أكمل وجه وفي أحسن صورة وبتوقيت حسن، لأنه لا يتحرج من وسخ يصيبه أو مادة  سيّئة تمسّه، أو ضرر يلحقه. بينما آداء المهمة دون مئزر، يجعل صاحبه يتحرج من أن يصيبه وسخ أو مادة أو ضرر، فيكون عمله ناقصا مشوها غير مكتمل.

وللدلالة على أهمية المئزر، يكفي أن ينظر المرء إلى الجندي وهو يؤدي مهامه بملابسه العسكرية على أكمل وجه وأحسن صورة وبانضباط تام مطلق، وما كان له أن يؤدي عمله بإتقان لو كان بغير ملابسه العسكرية الخاصة بالمعركة أو التدريب أو المهام الرسمية، لأن في هذه الحالة يعتبر اللباس العسكري بمثابة المئزر الذي يرتديه الطالب أو الأستاذ أو الموظف في وظيفته التي تتطلب لبس المئزر.

حين يرى الطالب أستاذه يسبقه إلى لبس المئزر، يقتدي به وبما يقوله ويمليه عليه، ويعامله باحترام شديد، يزيد في شغفه بالعلم والأستاذ، ويحترم كل صاحب مهنة يؤديها، وكل مهنة تخدم المجتمع وترفعه، لأنه يحترم أستاذه الذي يلبس مئزره، ويحترم المئزر الذي يلبسه أستاذه.

وبعد لبس المئزر وتعميمه على الطلبة والأساتذة، ينتقل المجتمع إلى تعميم اللباس الرسمي الجزائري على شرائح المجتمع، كأن يلبس الإمام البرنوس الجزائري في صلاته وخطبته، ويستقبل الأجنبي بلباس جزائري، ويمثل الجزائري مجتمعه بلباس جزائري، يضم الأصالة في جوهرها والمعاصرة في مظهرها.

إن التلميذ الذي يرى أستاذه يترفع عن لبس المئزر، لا يمكنه بحال أن يتخذ أستاذه قدوة في العلم والمعرفة. والتلميذ الذي يهين المئزر ويعتبر لبسه مسّا بشخصه وكبريائه، لهو عامل من عوامل العنف وإثارة الفوضى وعدم الإنضباط داخل مؤسسته التعليمية وبين أفراد المجتمع.

يعتبر لبس المئزر من مظاهر الانضباط والتفاني في أداء حق المهنة وحق المجتمع، ويخفّف إلى أبعد الحدود من مظاهر العنف عبر المؤسسات العلمية والمهنية المنتشرة.

يبدو أن المئزر هيّن إذا ما قورن بالمشاكل الكبيرة التي يعيشها المجتمع الجزائري وغيره من المجتمعات، لكن مواجهة ما يبدو للعيان أنها صغيرة كلبس المئزر، سيساهم في التخفيف من بعض المشاكل، ونشر بعض الإيجابيات التي يتمناها الكل من وراء لبس المئزر.

وسوم: 641