رؤية الإخوان المسلمين للعلاقات بين الشعوب

مقدمة

احتلت العلاقات بين الشعوب والصلات بين الامم في نظم الإسلام المكانة اللائقة باعتباره الدين الخاتم والرسالة السماوية التي ارتضاها رب الناس سبحانه وتعالى للعالمين كافة..

وقد أدركت جماعة الإخوان المسلمين من خلال ما قامت عليه من فهم شامل للإسلام أهمية هذه الحقيقة الخالدة وهذا الركن الحيوي من أركان الفهم الصحبح للإسلام فنصت عليه مبكرا في كتابات مؤسسها الأول الإمام الشهيد حسن البنا ـ

حيث قال رضي الله عنه: " إن نظم الإسلام فيما يتعلق بالفرد أو الأسرة أو الأمة حكومتها وشعبها، أو صلة الأمم بعضها ببعض، نظم الإسلام في ذلك كله قد جمعت بين الاستيعاب والدقة وإيثار المصلحة وإيضاحها، وإنها أكمل وأنفع ما عرف الناس من النظم قديما أو حديثا.

هذا حكم يؤيده التاريخ ويثبته البحث الدقيق في كل مظاهر حياة الأمة.

ولقد كان هذا الحكم يشهد به كل منصف، وكلما تغلغل الباحثون في بحوثهم كشفوا من نواحي الجمال في هذه النظم الخالدة ما لم يكن قد خطر ببال سلفهم، وصدق الله القائل:(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (فصلت:53).

رسالة نحو النور

ومن هنا حرص الإمام الشهيد على التأكيد في البناء الفكري للجماعة على المعالم الرئيسية المحددة لفهم أبنائها في هذا الخصوص.

فالإخوان المسلمون يعتبرون الناس في حكم دعوتهم ( إخوة) : أصلهم واحد، وأبوهم واحد، ونسبهم واحد، لا يتفاضلون إلا بالتقوى وبما يقدم أحدهم للمجموع من خير سابغ وفضل شامل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1).

          فنحن لا نؤمن بالعنصرية الجنسية ولا نشجع عصبية الأجناس والألوان، ولكن ندعو إلى الأخوة العادلة بين بنى الإنسان.

          كما أنهم يعدون ما عدا ذاك من مقاييس تفاضل تقوم على عنصرية بغيضة أو تمايز مصطنع بين يني البشر " مزاعم باطلة " و"نزوات من غرور الإنسان وطيش الوجدان لا يمكن أن تستقر علي أساسها نهضات أو تقوم على قاعدتها مدنيات، وما دام في الناس من يشعر بمثل هذا الشعور لأخيه الإنسان فلا أمن ولا سلام ولا اطمئنان حتى يعود الناس إلى علم الأخوة فيرفعونه خفاقاً، ويستظلون بظله الوارف الأمين، ولن يجدوا طريقاً معبدة إلى ذلك كطريق الإسلام الذي يقول كتابه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات:13).

          ويقول نبيه صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من دعا إلى عصيبة، وليس منا من مات علي عصيبة) رواه أحمد من حديث جبير بن مطعم.

          ولهذا كانت دعوة الإخوان المسلمين ربانية إنسانية ".

رسالة " دعوتنا في طور جديد "

          ولعله من يمن الله على هذه الدعوة المباركة، ومن بصيرة إمامنا الشهيد، أن وفقه الله سبحانه وتعالى للحديث عما أسماه رضي الله عنه " العالمية " منذ أكثر من خمسين عاما..

          وهي القضية التي اضحت تشغل عالم اليوم تحت مسيات شتى من " عولمة - قرية كونية واحدة... "

          حيث قال رحمه الله " :

          أما العالمية: أو الإنسانية فهي هدفنا الأسمى وغايتنا العظمي وختام الحلقات في سلسلة الإصلاح.

          والدنيا صائرة إلى ذلك لا محالة فهذا التجمع في الأمم، والتكتل في الأجناس والشعوب، وتداخل الضعفاء بعضهم في بعض ليكتسبوا بهذا التداخل قوة، وانضمام المتفرقين ليجدوا في هذا الانضمام أنس الوحدة، كل ذلك ممهد لسيادة الفكرة العالمية وحلولها محل الفكرة الشعوبية القومية التي آمن بها الناس من قبل، وكان لا بد أن يؤمنوا هذا الإيمان لتتجمع الخلايا الأصلية، ثم كان لا بد أن يتخلوا عنها لتتألف المجموعات الكبيرة، ولتحقق بهذا التآلف الوحدة الأخيرة.

          وهي خطوات إن أبطأ بها الزمن فلا بد أن تكون، وحسبنا أن نتخذ منها هدفاً، وأن نضعها نصب أعيننا مثلاً، وأن نقيم هذا البناء الإنساني لبناته، وليس علينا أن يتم البناء، فلكل أجل كتاب ".

رسالة " دعوتنا في طور جديد "

          ولم تقف الجماعة عند حد تقرير هذه المبادئ العامة الجامعة فقط بل فصلت في مواضع كثيرة وعبر سنين طويلة موقفها الواضح والصريح من كثير من القضايا التي تتصل بهذه المبادي الجامعة وتلك الأسس الكلية.

          فحول " موقف الإسلام من الأقليات والأجانب يقول الإمام البنا:

          " يظن الناس أن التمسك بالإسلام وجعله أساساً لنظام الحياة ينافي وجود أقليات غير مسلمة في الأمة المسلمة، وينافي الوحدة بين عناصر الأمة، وهي دعامة قوية من دعائم النهوض في هذا العصر، ولكن الحق غير ذلك تماماً، فإن الإسلام الذي وضعه الحكيم الخبير الذي يعلم ماضي الأمم وحاضرها ومستقبلها قد احتاط لتلك العقبة وذللها من قبل، فلم يصدر دستوره المقدس الحكيم إلا وقد اشتمل على النص الصريح الذي لا يحتمل لبساً ولا غموضاً في حماية الأقليات، وهل يريد الناس أصرح من هذا النص: (لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)...

          فهذا نص لم يشتمل على الحماية فقط، بل أوصى بالبر والإحسان إليهم ".

          ولم يقف فهم الجماعة كما حدده الإمام البنا عند هذا الحد، بل امتد ليشمل تقديس الوحدة الإنسانية.

          وفي هذا يقول الإمام البنا رحمه الله:

          " إن الإسلام الذي قدّس الوحدة الإنسانية العامة في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات:13).

          ثم قدس الوحدة الدينية العامة كذلك فقضى على التعصب وفرض على أبنائه الإيمان بالرسالات السماوية جميعا في قوله: (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) (البقرة:136-138).

          ثم قدس بعد ذلك الوحدة الدينية الخاصة في غير صلف ولا عدوان فقال تبارك وتعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات:10).

          هذا الإسلام الذي بني على هذا المزاج المعتدل والإنصاف البالغ لا يمكن أن يكون أتباعه سببا في تمزيق وحدة متصلة، بل بالعكس إنه أكسب هذه الوحدة صفة القداسة الدينية بعد أن كانت تستمد قوتها من نص مدني فقط.

          وقد حدد الإسلام تحديدا دقيقا من يحق لنا أن نناوئهم ونقاطعهم ولا نتصل بهم فقال تعالى بعد الآية السابقة:(إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة:9).

          أما موقف الجماعة من الأجانب عموما فقد بينه الإمام البنا بقوله:

          " وموقفنا من الأجانب موقف سلم ورفق ما استقاموا وأخلصوا، فإن فسدت ضمائرهم وكثرت جرائمهم فقد حدد القرآن موقفنا منهم بقوله:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ، هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ) (آل عمران:118-119).

          وبذلك يكون الإسلام قد عالج هذه النواحي جميعا أدق العلاج وأنجحه وأصفاه.

( رسالة " نحو النور ")

          وحول موقف الإسلام من العلاقة مع الغرب خصوصا، كان فهم الجماعة الذي حدده الإمام الشهيد:

          "قد يظن الناس كذلك أن نظم الإسلام في حياتنا الجديدة تباعد بيننا وبين الدول الغربية، وتعكر صفو العلائق السياسية بيننا وبينها بعد أن كادت تستقر، وهو أيضاً ظن عريق في الوهم، فإن هذه الدول إن كانت تسيء بنا الظنون فهي لا ترضى عنا سواء تبعنا الإسلام أم غيره، وإن كانت صادقتنا بإخلاص وتبودلت الثقة بينها وبيننا فقد صرح خطباؤها وساستها بأن كل دولة حرة في النظام الذي تسلكه في داخل أرضها، مادام لا يمس حقوق الآخرين فعلى ساسة هذه الدول جميعاً:

          أن يفهموا أن شرف الإسلام الدولي هو أقدس شرف عرفه التاريخ، وأن القواعد التي وضعها الإسلام الدولي لصيانة هذا الشرف وحفظه أرسخ القواعد وأثبتها.

           فالإسلام الذي يقول في المحافظة على التعهدات وأداء الالتزامات: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) (الاسراء:34)، ويقول: (إِلا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:4)، ويقول: (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) (التوبة:7)،

          ويقول في إكرام اللاجئين وحسن جوار المستجير: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) (التوبة:6)، وهذا بالمشركين فكيف بالكتابيين؟

          فالإسلام الذي يضع هذه القواعد ويسلك بأتباعه هذه الأساليب: يجب أن يعتبره الغربيون ضمانة أخرى، تضمن لهم.

          نقول إنه من خير أوروبا نفسها أن تسودها هذه النظريات السديدة في معاملات دولها بعضها لبعض، فذلك خير لهم وأبقى ".

رسالة " نحو النور "

وفي خضم الحرب العالمية الثانية، حيث ادعى كل طرف فى هذه الحرب المأساوية أن له رؤاه وتصوره للحياة على هذه الأرض التي يسعى لتحقيقها بخوضه لغمار هذه المأساة البشرية..

كان لجماعة الإخوان المسلمين رؤيتها الخاصة وتصورها المحدد تجاه ما يجري، لاعتبارها حاملة قارورة الشفاء لآلام الإنسانية المعذبة، والذى حدده الإمام الشهيد حسن البنا فى رسالة المؤتمر السادس ( يناير 1941 ).. 

          تقول رسالة المؤتمر السادس:

          " لقد ردد الساسة جميعا كلمة " النظام الجديد "... فهتلر يريد أن يتقدم للناس بنظام جديد، وتشرشل يقول إن إنجلترا المنتصرة ستحمل الناس على نظام جديد، وروزفلت يتنبأ ويشيد بهذا النظام الجديد، والجميع يشيرون الى أن هذا النظام الجديد سينظم أوروبا ويعيد اليها الأمن والطمأنينة والسلام، فأين حظ الشرق والمسلمين من هذا النظام المنشود ؟

          نريد هنا أن نلفت أنظار الساسة الغربيين الى أن الفكرة الاستعمارية إن كانت قد أفلست فى الماضى مرة، فهى فى المستقبل أشد فشلاً لا محالة، وقد تنبهت المشاعر وتيقظت حواس الشعوب، وان سياسة القهر والضغط والجبروت لم تات فى الماضى إلا بعكس المقصود منه، وقد عجزت عن قيادة القلوب والشعوب، وهى فى المستقبل أشد عجزاً.

          وأن سياسة الخداع والدهاء والمرونة السياسية إن هدأ بها الجو حينا فلا تلبث أن تهب العاصفة قوية عنيفة.

وقد تكشفت هذه السياسة عن كثير من الأخطاء والمشكلات والمنازعات، وهى فى المستقبل أضعف من أن توصل الى المقصود.

          وإذن فلا بد من سياسة جديدة، وهى سياسة التعاون والتحالف الصادق البرىء، المبنى على التآخى والتقدير، وتبادل المنافع والمصالح المادية والأدبية بين أفراد الأسرة الإنسانية فى الشرق والغرب، لا بين دول أوروبا فقط، وبهذه السياسة وحدها يستقر النظام الجديد وينتشر فى ظله الأمن والسلام.

          ان حكم الجبروت والقهر قد فات، ولن تستطيع أوروبا بعد اليوم أن تحكم الشرق بالحديد والنار.

          وأن هذه النظريات السياسية البالية لن تتفق مع تطور الحوادث ورقى الشعوب ونهضة الأمم الإسلامية، ولا مع المبادىء والمشاعر التى ستطلع بها هذه الحرب الضروس على الناس.

          ولسنا وحدنا الذين نقول هذا، بل هم الساسة الأوروبيون أنفسهم، ونحن نضع هذه النظريات أمام أعين الساسة البريطانيين والساسة الفرنسيين وغيرهم من ساسة الدول الاستعمارية، على أنها نصائح تنفعهم أكثر مما هى مطالب تنفعنا، فليأخذوا أو ليدعوا، وقد وطَنًا أنفسنا على ان نعيش أحراراً عظماء أو نموت أطهاراً كرماء.

          ونحن لا نطمع فى حق سوانا، ولا يستطيع أحد أن ينكر علينا حقنا.

          وان خيراً لكل أمة أن تعيش متعاونة مع غيرها، من أن تعيش متنافسة مع سواها حينا من الدهر، يندلع بعده لهيب الثورة فى البلاد المغصوبة، وجحيم الحرب بين الدول المتنافسة ".

رسالة المؤتمر السادس

          وبعد أن وضعت هذه الحرب المأساوية أوزارها، وقبل أن تبرد نيرانها التي اكتوت بها البشرية عامة والشعوب الأوروبية خاصة، خاطب الإمام الشهيد في إبريل من عام 1945 المؤتمر العالمي الذي انعقد في واشنطن وسان فرنسيسكو وضم الفحول من أقطاب الأمم وزعماء العالم للبحث في شئون أمم العالم المختلفة بمقال تحت عنوان " الإسلام شريعة الحضارة الإنسانية "، قال فيه:

          "... إن عدة آلاف من من زعماء الشعوب والدول قد احتشدت في هذه البقاع الآن تفكر في مستقبل الإنسانية وتتلمس سبل السلام والهداية والخير والطمأنينه للناس.

          .. هذه فرصة لنا نحن العرب، ونحن المصريين لنقول للعالم: هاؤم أقرءوا كتابيه.. إننا لسنا كما يظن الناس همجا ولا متأخرين، ولكنا منذ القديم وقبل أن تتفتح عين أوروبا على النور، أو تكتشف أمريكا في العالم المتمدين المعروف.. كنا نتعامل بشريعة سامية المبادئ عالية المقاصد خصبة فصيحة تماشي العصور والأجيال وتسد حاجة من شاء من الأمم والشعوب.

          .. هذه فرصة لنا وللعالم، نريد أن نقول فيها للناس عامة وللمؤتمربن خاصة بملء أفواهنا.. إنكم تنشدون السلام وقد اجتمعتم هنا للناس، وهذه الأمم كلها ترقب على أيديكم الطمأنينه والسلام.

          ونحن العرب، ونحن المسلمين ونحن الشرقيين قد ورثنا السلام في فلسفاتنا وفي أدياننا وفي كتنبا وفي تاريخنا الطويل العريض الزاهي المشرق، حتى صار قطعة من أرواحنا ومعنى من معاني وجودنا وكياننا فقرآننا هدى ورجمة ونور وشفاء يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ".. وإنجيلنا يعلن في الناس ´المسرة وعلى الأرض السلام..

          وليس في الدنيا كلها دين ولا نظام اجتماعي جعل السلام تدريبا عمليا يطبع به أنصاره ومعتنقيه كما جعل ذلك الإسلام في شريعته " الحج " وهي شريعة السلام.. فمنذ يحرم الحاج فقد صار سلاما لنفسه، فلا يقص ظفرا ولا يحلق شعرال.. وصار سلاما لغيره من بني الإنسان فلا يجادل أحدا ولا يعلن حربا ولا يثأر من خصم حتى ولو لقي قاتل أبيه لما استطاع أن يبسط له بالقول لسانا ولا بالأذى يدا " فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ".. بل إنه ليكون سلاما لغيره من من الحيوان والنبات فلا يصطاد حيوانا ولا يعلم طائرا ولا يعضد شجرا ولا يقطع نباتا.

          وهكذا يظل الحاج في هذا الميدان من السلام حتى يتحلل.. فهل في الدنيا شريعة فرضت على أبنائها السلام كما فرضه على الحاج، الإسلام ؟.

          نريد أن نقول للناس في هذه الفرصة، ونصيح في أذن الدول القوية والشعوب القادرة المتحكمة.. هذه عناوين حياتنا... سلام في سلام، فمم تخافون !!؟.

          لا تقفوا في طريق حريتنا ولا تحولوا بيننا وبين أن نستكمل قوتنا ولا تتهيبوا العدوان في وحدتنا بل ساعدونا على ذلك واعينونا عليه، وسترون من هذه النفوس التي طبعت بالسلام سدا منيعا يقف دون المبادئ الهدامة والأفكار المدمرة والثورات المخربة والمطامع الفاسدة، ويشيع في الدنيا كلها معنى الطمأنينة الحقة والسلام الدائم الصحيح.

          نريد أن نقول لهؤلاء المؤتمرين ولغيرهم.. إنكم تريدون أن تعلنوا فكرة الإخاء والمساواة، وهذه من مواريثنا وذخائر كنوزنا نحن المسلمين.. فإنما جاء ديننا ليقضي على نعرة الأجناس والألوان، ويعلن المساواة بين بني الإنسانية " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ".

          .. نريد أن نقول لهؤلاء المؤتمرين ولغيرهم إنكم اجتمعتم هنا لتقروا فكرة العدل لتكون دعامة السلام ومبدأ العقوبة لمن أبي إلا سبيل الإجرام، وهذا بعض ما يحفظه صبياننا في المكاتب ويدرسه علماؤنا في المساجد، ونعلنه في مجتمعاتنا في الصباح وفي المساء، لأن القرآن يقول:

          في العدل المقرون بالرحمة " إن الله يأمر بالعدل والإحسان ".

          وفي العدل في الحكم " وإذا حكمتم بين الناس فاحكموا بالعدل ".

          وفي العدل مع الخصوم " ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى ".

          وفي العدل مع الأقارب والأصدقاء " كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا "

          ثم يقول في حماية العدل بالقوة حين لا يجدي إلا العقاب " فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله، فإن فاءت فاصلحوا بينهم بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين ".

          ... نريد أن نقول كل هذا، وأن نؤدي بهذا القول واجبنا نحو أنفسنا وميراثنا وديننا ووطننا، ونحو العالم كله.. فنحن مطالبون ولا شك بأن نضع لبنة في هذا البناء الإنساني الجديد، والعجيب أن عندنا نحن أفضل اللبنات.. بل إننا لنستطيع أن نقيم على دعائم حضارتنا، للناس لو أرادوا، بناء على أمتن القواعد وأحدث النظم والمبتكرات وصدق الله العظيم: " قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم ".

          فإلى الذين يستطيعون القول ويكون لقولهم أثره وخطره، وإلى الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنة.. نتقدم بهذه الكلمات.

وإذا كان العالم يجتاز هذه الأيام مرحلة غير مسبوقة في تاريخه، تتمثل في السرعة الكبيرة التي تحدث بها التغيرات الكبرى في الأفكار والنظم والقيم، وفي موازين القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية، والمسلمون وهم جزء من هذا العالم لا يقفون بعيدا عن ذلك كله ... ولا يملكون أن يديروا أمورهم كما لو كانوا أصحاب جزيرة نائية يستطيع أصحابها أن يعفوا أنفسهم من تبعات هذه المرحلة التاريخية ومن مخاطرها وتحدياتها.

وإن من أخطر الظواهر التي صاحبت، ولا تزال تصاحب هذه المرحلة التاريخية عند ملتقى مسارات الإنسانية المختلفة، اختلاط المفاهيم، وتشابك الخيوط والخطوط، وذيوع الانطباعات الخاطئة عن الآخرين، وكلها أمور لعب الإعلام العالمي في خلقها وتزكيتها دوراً بالغ الخطورة، جسيم الضرر.

وقد أصاب المسلمين من ذلك كله سهام طائشة مسمومة صورتهم كما لو كانوا شعوبا بدائية همجية مجردة من الحس الإنساني، والوعي العقلي، والتجربة العملية لسنة التطور والتقدم، منكرة لحقوق الآخرين في الحياة وفي الحرية وفي اختلاف الرأي وتباين النظر .. حتى أوشكت الدنيا أن تسئ الظن بكل ما هو إسلامي وكل من هو مسلم.

ومن الأمانة أن نعترف -جميعا- بأن جزءا  من المسئولية من هذا الخلط الظالم يقع على عاتق المسلمين لما يقدمه بعضنا من أفكار ورؤى، وما يمارسونه من مواقف عملية تشهد لهذا الظن السيئ وتفتح أبواب التوجس المشروع وغير المشروع وتنسب إلى الإسلام - وسط ذلك كله - أمورا  لا أصل لها فيه، ولا شاهد لها من مبادئه وقواعده ونصوصه، فضلا  عن قيمه العليا ومقاصده الكبرى.

وإذا كان الإخوان المسلمون قد رأوا أن من حق الناس عليهم وحقهم علي أنفسهم أن يعلنوا - بنبرة عالية وصوت جهير وحسم لا تردد فيه - عن موقفهم الواضح من عدد من القضايا الكبرى التي هي موضع الحوار القائم بين أصحاب الحضارات المختلفة ... فإن استمرار محاولات التشكيك وسوء الظن المتعمد، واختلاق الأقاويل والأراجيف، إضراراً بالتيار الحضاري الإسلامي في عمومه، ورداً على من يحاربونه ويحرصون على إزاحته من الطريق، يجعلنا نعود من جديد لنعلن في وضوح كامل موقفنا من:

قضية الموقف العام من الناس جميعا

مسلمين وغير مسلمين

وهنا نبادر فنقول: إن موقفنا من هذه القضايا ومن غيرها ليس مجرد موقف انتقالي واختياري قائم على الاستحسان، وإنما هو موقف منتسب إلى الإسلام ملتزم بمبادئه صادر عن مصادره ... وعلى رأسها كتاب الله تعالى والسنة الصحيحة الثابتة عن نبيه صلى الله عليه وسلم، والإخوان المسلمون يرون الناس جميعا حملة خير، مؤهلين لحمل الأمانة والاستقامة علي طريق الحق، وهم لا يشغلون أنفسهم بتكفير أحد إنما يقبلون من الناس ظواهرهم وعلانيتهم ولا يقولون بتكفير مسلم مهما أوغل في المعصية، فالقلوب بين يدي الرحمن، وهو الذي يؤتي النفوس تقواها، ويحاسبها على مسعاها.

ونحن الإخوان نقول دائما أننا دعاة ولسنا قضاة، ولذا لا نفكر ساعة من زمان في إكراه أحد على غير معتقده أو ما يدين به، ونحن نتلوا قوله تعالى: (لا إكراه في الدين).

          وقد أعاد الإخوان التأكيد على موقفهم الثابت من إخوانهم المواطنين المسيحين في العالم العربي:

          " وموقفنا من إخواننا المسيحيين في مصر والعالم العربي موقف واضح وقديم ومعروف... لهم مالنا وعليهم ماعلينا، وهم شركاء في الوطن، وأخوة في الكفاح الوطني الطويل، لهم كل حقوق المواطن، المادي منها والمعنوي، المدني منها والسياسي، والبر يهم والتعاون معهم علي الخير فرائض إسلامية لا يملك المسلم أن يستخف بها أو يتهاون في أخذ نفسه بأحكامها، ومن قال غير ذلك أو فعل غير ذلك فنحن برءاء منه ومما يقول ويفعل...

"بيان للناس" إبريل 1994

          أما مفهوم الجماعة للمواطنة فقد حددته بالدقة التي لا تسمح بالمزايدة عليه، حيث قالت:

          "يري الاخوان ان المواطنة أو الجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها قد حلت محل مفهوم ( أهل الذمة )، وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات، مع بقاء مسألة الاحوال الشخصية من " زواج وطلاق ومواريث..." طبقا لعقيدة كل مواطن.

          وبمقتضي هذه المواطنة وحتي لا يحرم المجتمع من قدرات وكفاءات أفراده - يري الاخوان ان للنصاري حق في أن يتولوا - باستثناء منصب وئيس الدولة - كافة المناصب الاخري من مستشارين ومدراء ووزراء.

          ويمثل النصاري مع المسلمين في مصر نسيجا اجتماعيا وثقافيا وحضاريا واحدا تداخلت خيوطه وتآلفت الوانه وتماسكت عناصره".

"الإخوان وقضايا معاصرة"

إن ساسة العالم وأصحاب الرأي فيه يرفعون هذه الأيام شعار "التعددية" وضرورة التسليم باختلاف رؤى الناس ومذاهبهم في الفكر والعمل.

والإسلام، منذ بدأ الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتبر اختلاف الناس حقيقة كونية وإنسانية، ويقيم نظامه السياسي والاجتماعي والثقافي على أساس هذا الاختلاف والتنوع (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) والتعددية في منطق الإسلام تقتضي الاعتراف بالآخر، كما تقتضي الاستعداد النفسي والعقلي للأخذ عن هذا الآخر فيما يجري على يديه من حق وخير ومصلحة ... ذلك أن (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها).

لذلك يظلم الإسلام والمسلمين أشد الظلم من يصورهم جماعة مغلقة منحازة وراء ستار يعزلها عن العالم، ويحول بينها وبين تبادل الأخذ والعطاء مع شعوبه ... والإخوان المسلمون يؤكدون - من جديد - التزامهم بهذا النظر الإسلامي السديد الرشيد ... ويذكرون أتباعهم والآخذين عنهم، بأن علي كل واحد منهم أن يكون - فيما يقول ويعقل - عنوانا صادقا على هذا المنهج ... يألف ويؤلف ... ويفتح قلبه وعقله للناس جميعا ... لا يستكبر علي أحد ... ولا يمن علي أحد ... ولا يضيق بأحد ... وأن تكون يده مبسوطة إلى الجميع بالخير والحب والصفاء، وأن يبدأ الدنيا كلها بالسلام ... قولا وعملا  ... فبهذا كان رسولنا صلى الله عليه وسلم إمام رحمة ومهداة إلى العالمين ... وبهذا وحده يصدق الانتساب إليه صلى الله عليه وسلم وإلى الحق الذي جاء به (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) ... (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون).

الإسلام وحقوق الإنسان:

وإذا كان البعض يرفع راية حقوق الإنسان في الوقت الحاضر مدعيا أنه المدافع عنها وحامل لوائها الأول .. فإن جماعة الإخوان المسلمين قبل هؤلاء جميعا قد ارتقت بهذا الحق ورفعته إلى مصاف الفريضة الدينية معلنة: "أن الإسلام كان ولا يزال النموذج الفكري والسياسي الوحيد الذي كرّم الإنسان والإنسانية مرتفعا بهذا التكريم فوق اختلاف الألسنة والألوان والأجناس، وأنه منذ اللحظة الأولى لمجيئه قد عصم الدماء والحرمات والأموال والأعراض وجعلها حراما، جاعلا من الالتزام المطلق بهذه الحرمات فريضة دينية وشعيرة إسلامية لا يسقطها عن المسلمين إخلال الآخرين (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى).

"وبقي - هنا كذلك - أن نقول لأنفسنا ولكل الآخذين عنا وللدنيا من حولنا، أننا في مقدمة ركب الداعين إلى احترام حقوق الإنسان وتأمين تلك الحقوق للناس جميعا، وتيسير سبل ممارسة الحرية في إطار النظم الأخلاقية والقانونية، إيمانا بأن حرية الإنسان هي سبيله إلى كل خير، وإلى كل نهضة وكل إبداع.

إن العدوان على الحقوق والحريات تحت أي شعار ولو كان شعار الإسلام نفسه يمتهن إنسانية الإنسان، ويرده إلى مقام دون المقام الذي وضعه الله فيه، ويحول بين طاقاته ومواهبه وبين النضج والازدهار، ولكننا ونحن نعلن هذا كله نسجل أمام الضمير العالمي، أن المظالم الكبرى التي يشهدها هذا العصر إنما تقع على المسلمين ولا تقع من المسلمين، وأن على العقلاء والمؤمنين في كل مكان أن يرفعوا أصواتهم بالدعوة إلى المساواة في التمتع بالحرية وحقوق الإنسان، فهذه المساواة هي الطريق الحقيقي إلى السلام الدولي والاجتماعي وإلى نظام عالمي جديد يقوم الظلم والأذى والعدوان".

(بيان للناس) إبريل 1994

الإخوان وقضية العنف والإرهاب:

وسبق أن أوضحت الجماعة مرات قد لاتحصى وفي أزمنة متعددة وتعقيبا على أحداث شتى، موقفهم من قضية العنف والإرهاب بكل الصراحة والوضوح وهو:

أنهم يدينون العنف ويستنكرونه ويرفضون كل أشكاله وصوره وأيا كانت مصادره وبواعثه، وذلك على أساس فهمهم لقيم الإسلام ومبادئه وتعاليمه .. كما سبق وأكد الإخوان مرارا على ضرورة إيقاف أعمال العنف والعنف المضاد من منطلق وقاية البلاد من نزيف الدم الذي حرّمه الله والحفاظ على المجتمع من الانهيار الاجتماعي والخراب الاقتصادي والذي لن يستفيد من ورائه إلا أعداء الإسلام وخصوم المسلمين.

وقد أدى الإخوان المسلمون دورهم بالنسبة لهذه القضية على أكمل وجه ممكن، وبما تتيحه طاقاتهم وإمكاناتهم، فعقدوا لذلك العديد من الندوات والمحاضرات والمؤتمرات واللقاءات العامة، وأصدروا البيانات والنشرات والكتيبات لتوعية المواطنين (وبخاصة الشباب) وتنبيه الرأي العام لمخاطر العنف والعنف المضاد وأثره السلبي على أمن واستقرار مصر، فضلا عن دورها الريادي تجاه أمتها العربية والإسلامية، كما أن الإخوان حالوا - من خلال التربية المستمرة والتوجيه المباشر للشباب - دون وقوع عشرات الآلاف منهم في براثن أعمال العنف، وكان لهذا آثاره وانعكاساته البعيدة المدى على تحجيم هذه الأعمال وعدم تناميها وانتشارها.

بيان الإخوان بتاريخ 18 يونيو 1994م

وقد تعددت البيانات الصادرة عن الجماعة والتي تدين العنف وتعبر فيها عن رأيها في هذا الخصوص .. وقد قامت كل الصحف في العالم بنشرها في حينها إما كاملة أو مقتطفات منها، بحيث لم يعد أحد يجهل رأي الإخوان في هذه القضية، وكان من أبرز البيانات التي صدرت، ذلك البيان الجامع الصادر في 30 من ذي القعددة 1415 هـ /30 من إبريل 1995مـ، والذي جاء فيه:

"لقد أعلن الإخوان المسلمون عشرات المرات خلال السنوات الماضية أنهم يخوضون الحياة السياسية ملتزمين بالوسائل الشرعية والأساليب السلمية وحدها، مسلحين بالكلمة الحرة الصادقة، والبذل السخي في جميع ميادين العمل الاجتماعي ... مؤمنين بأن ضمير الأمة ووعي أبنائها هما في نهاية الأمر الحكم العادل بين التيارات الفكرية والسياسية التي تتنافس تنافسا شريفا في ظل الدستور والقانون، وهم لذلك يجددون الإعلان عن رفضهم لأساليب العنف والقسر لجميع صور العمل الانقلابي الذي يمزق وحدة الأمة، والذي قد يتيح لأصحابه فرصة القفز على الحقائق السياسية والمجتمعية، ولكنه لا يتيح لهم أبداً فرصة للتوافق مع الإرادة الحرة لجماهير الأمة ... كما أنه يمثل شرخا هائلا في جدار الاستقرار السياسي، وانقضاضا غير مقبول على الشرعية الحقيقية في المجتمع.

وإذا كان جو الكبت والقلق والاضطراب الذي يسيطر على الأمة قد ورط فريقا من أبنائها في ممارسة إرهابية روعت الأبرياء وهزت أمن البلاد، وهددت مسيرتها الاقتصادية والسلمية، فإن الإخوان المسلمين يعلنون - في غير تردد ولا مداراة - أنهم برءاء من شتى أشكال ومصادر العنف، مستنكرون لشتى أشكال ومصادر الإرهاب، وأن الذين يسفكون الدم الحرام أو يعينون على سفكه شركاء في الإثم، واقعون في المعصية، وأنهم مطالبون في غير حزم وبغير إبطاء أن يفيئوا إلى الحق، فإن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، وليذكروا - وهم في غمرة ما هم فيه - وصية الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة وداعه: (أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم إلى يوم القيامة كحرمة يومكم هذا في عامكم هذا في بلدكم هذا).

والأمر في ذلك كله ليس أمر سياسة أو مناورة، ولكنه أمر دين وعقيدة، يلقى الإخوان المسلمون عليهما ربهم (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).

الإخوان المسلمون 

 30 من ذي القعدة 1415 هـ / 30 من إبريل 1995م.

         

          وبالرغم من الظلم  البين الذي وقع على الجماعة في مصر من جراء الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، وما أعقبه من مجازر أدانتها كل القوى المحبة للخير والسلام في العالم أجمع، وما قامت به السلطات الإنقلابية من هجمة أمنية مستمرة على كافة القوى المعارضة للانقلاب وفي القلب منها الجماعة، كان موقف الجماعة واضحا بالرغم من كل هذا:

مرة أخرى

الاخوان المسلمون

نصاعة  الموقف وثبات المبادئ

          انطلقت مع الهجمة الأمنية التي تشنها سلطة الإنقلاب العسكري في مصر على الجماعة، حملة إعلامية تحاول شيطنة الجماعة والصاق التهم الباطلة والزائفة بها، تزدا وتيرتها مع تنامي الرفض الشعبي المستمر لسلطة الإنقلاب واستمرار الشعب المصري في ثورته السلمية لاسترداد حقوقه المهدرة وشرعيته الملغاة بالرغم من كل ما تواجه به من إجراءات بطش وإرهاب وقتل واعتقال.

          إن الجماعة وقد أقض مضاجعها حال الأمة وما هي فيه من تردي دفعها للاهتمام بالعمل الدؤوب الذي من خلاله تغير هذا الواقع متحملة كل ما يصيب أفرادها من اتهامات وتضييق في الأموال والأرزاق والأنفس والأولاد ، واثقة من وعي ونضج شعوب أمتها في إدراك بهتان وكذب هذه الحملة وخصوصا لو تم العودة بالذاكرة  لما كتبه هؤلاء أو قالوه عن الجماعة في فترات سابقة.

          ومما تعلمناه في مدرسة الإخوان المسلمين وسلوك رجالها الاوفياء وقادتها المخلصين، عدم الخوض في مساجلات ليس من ورائها إلا هدر الأوقات فيما هو غير نافع أو مفيد.

          ووفاء لهذا المنهج ولرمز الجماعة الصابرة وإعذار إلى الله عز وجل وإيفاء لحق شعوبنا في الوقوف على الحقائق بلا لبس أو غموض أو تشويه نود أن نعيد الـتأكيد على القيم والمفاهيم الأساسية التالية، مع دعائنا للجميع بالتوفيق والهدى والسداد ( رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون )...

          - بداية نحن جماعة نستمد أفكارنا ومبادئنا ومنهاج حياتنا هو الإسلام الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونعتمد على التربية التي تحيي الضمائر، وتقوي مراقبة الله تعالى، وتزكي النفوس، وتدفعها للتعاون على البر والتقوى، وتدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وترفض الإكراه والعنف.

          - أن عقيدة الجماعة ومنهجها يقوم على أن استعادة كمال الإسلام وشموله وتحقيق رفاهية شعوب دوله يقوم على بناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة وتربيته على الفهم الصحيح والشامل للإسلام منهجا ووسلوكا وإكسابة الخلق القويم  والذي عماده قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما بعثت لاتمم مكارم الأخلاق" .. وقوله " ما دام الرفق في شئ الا زانه" .. فكان ومازال طريقهم الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

          ان منهج الجماعة هو إصلاح النفس أولا ثم إصلاح الأسرة ثم المجتمع بدعوته الى الخير في كل جوانبه ولعل الجميع يعلم ماذا قدم شباب ونساء الاخوان في هذا المجال سواء في مجال إنشاء المدارس والمستشفيات والأسواق الخيرية .... الخ مما يشهد به العدو قبل الصديق، وماذا قدم الاخوان أيضاً في مجال الخدمات أثناء تواجدهم في النقابات والمحليات والبرلمان وغير ذلك ولم يستطع أحد ان يقدم دليلا واحدا على إدانة أي عضو من الاخوان بالتكسب أو الاستفادة من هذه المجالات لا لشخصه ولا لاحد من أقربائه .

          ١- إن منهج الإصلاح والتغيير لدي الجماعة يقوم على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة  " ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"  وقوله " ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كانه ولي حميم "

          وان نشاطها ونضالها ضد الفساد والاستبداد يقوم على السلمية المطلقة ونبذ العنف بكل صوره، وتحمل كل ما يصيبها من من إيذاء واعتقال وقتل وتعذيب واضطهاد، في سبيل ذلك ...

          والجماعة تربى أبناؤها دوما على حرمة الحياة الإنسانية وحرمة الدم، فالله تعالى قضى ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِنَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَافَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾، وقال سبحانه ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًامُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾، وقال الرسول صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، حَرَامٌ عَلَيْكُمْ»، وقال: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ»، ونعتقد أن الْمُؤْمِنَ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الكَعْبةِ.

           ومن كانت هذه عقيدته فإن من المستحيل عليه أن تمتد يده بالسوء لأحد، ولو امتدت يد الأخير إليه بالسوء، وشعارنا مع من ظلمنا من إخواننا ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾،

          ولقد تعرض الإخوان في السجون سنة 1954 وسنة 1965 لتعذيب وحشي، ذهب بحياة عدد منهم، وبعد خروجهم من السجون كان معذبوهم يسيرون أمامهم في الشوارع والطرقات ولم يتعرضوا لهم بقول أو فعل يسوؤهم،

          ولعل صفحات التاريخ تذكر الكلمة التي كانت دائماً على لسان المرشد العام الثالث للجماعة الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله حين كان يذكر الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر - الذي نعلم انه قد سجن وعذب في عهده - كان دائماً يتبع اسمه بطلب الرحمة له.

          وكذلك المرشد العام الخامس الأستاذ مصطفى مشهور رحمه الله والذي حاول بعض إخوانه ان يطلبوا منه أن يتقدم بدعوى تعويض على ما أصابه من تعذيب وسجن لسنوات طوال الا انه كان يرفض ويؤكد أننا ما تحملنا ذلك الا احتسابا لله ولا نريد أجرا أو تعويضا الا منه وحده .. وكان هذا دأب المئات  من الإخوان كذلك.

          وهكذا كان وما زال كل الاخوان .. ولعل الجميع يتذكر الحملات الإعلامية الظالمة التي شنت على الرئيس الأسير الدكتور محمد مرسي وهو في موقع السلطة وطالت شخصة واسرته إفتراء وكذبا وتدليسا وتحملها صابرا محتسبا ، ولسان حالة يستلهم الأدب القرأني " رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " .

          ومؤخرا وقد قتل آلاف من المصريين، وفي القلب منهم الإخوان المسلمون،في مذابح رابعة والنهضة وغيرهما، فلم يرفع أحد منهم سلاحا في وجه قاتليهم، واعتقل آلاف من قادتهم واعتدي عليهم بكل أنواع العدوان، فلم يدافع أحد منهم عن نفسه.

          - تحاول الحملات الإعلامية الظالمة حينما تعوزها دلائل وحقائق الواقع، استدعاء أحداث من الماضي ، شهد بعدم صحتها وصحة دلالاتها وزيف وافتراء نسبتها للجماعة، المخالف قبل المؤيد، والمتحامل قبل المنصف .. فضلا عن شهادات من هم في السلطة في ذلك الوقت ومواقف الجماعة في حينها سواء في فترة الأربعينات أو الخمسينات...

          وحينما خرج بعض من أعضاء الجماعة، حينما ضاقت عليهم الارض بما رحبت نتيجة حملات الإيذاء والاضطهاد والتعدذيب في الخمسينات والستينيات وساحوا في ارض الله الواسعة ، كانوا ومازالوا نماذج للإخلاص والاجتهاد في الإعمار وبناء نهضة تلك الدول في مختلف المجالات، دون تدخل في شؤونها الداخلية، وهو ما يزال عليه الإخوان إلى الآن، وسيبقون عليه.

         

وحينما تعرضت الجماعة لحملات اعتقال كبيرة في عهد الرئيس حسني مبارك طالت حوالي خمسين ألفا منهم، وحوكم بعضهم محاكمات عسكرية، وتعرض بعضهم لتعذيب وقتل ومصادرة أموال، ولم ينجروا إلى عنف، ولم يحرزوا قطعة سلاح واحدة، وإنما ظلوا على سلميتهم.

          بل وشهد الرئيس حسني مبارك نفسه بذلك ..

          فقد صرح الرئيس محمد حسنى مبارك لجريدة " لوموند " الفرنسية أثناء زيارة له لفرنسا سنه 1993 ، بتصريح نشرته الصحف المصرية وفى مقدمتها جريدة الأهرام بتاريخ 1 / 11 / 1993 قال فيه :

          " إن هناك حركة إسلامية فى مصر تفضل النضال السياسى على العنف ، وقد دخلت هذه الحركة بعض المؤسسات الاجتماعية واستطاعوا النجاح فى انتخابات النقابات المهنية مثل الاطباء والمهندسين والمحامين " .

شهادة وزير الداخلية المصرى

          ولم يكن رئيس الجمهورية هو الوحيد من رجال السلطة الذى أكد إنقطاع أى صلة للإخوان بالعنف والإرهاب ، بل إن وزير الداخلية السابق اللواء حسن الألفى فى مؤتمره الصحفى الذى عقده ، ونشرت وقائعه بتاريخ 14 من أبريل سنة 1994 ، سٌئل عن علاقة الاخوان بتنظيم الجهاد أو الجماعة الإسلامية - وهما المنظمتان اللتان يتهمهما النظام باستخدام العنف - فكان رده :

" الإخوان جماعة لا يرتكب أفرادها أعمال عنف ، بعكس تلك التنظيمات الارهابية "

جريدة الجمهورية ، وجريدة الاهرام ، عدد 14 / 4 / 1994 م .

شهادة خبير الأمم المتحدة

          كما أكد ذلك الخبراء والمختصين فى هذا المجال وعلى رأسهم خبير الإرهاب الدولي المصرى بالأمم المتحدة اللواء أحمد جلال عز الدين - والذى قام الرئيس مبارك بتعيينه عضوا بالبرلمان عام 1995  ضمن العشرة الذين يحق لرئيس الجمهورية تعيينهم - حيث صرح فى مقابلة موسعة له عن " الإرهاب والتطرف " مع جريدة " الأنباء " الكويتية :

          " أن الإخوان المسلمون حركة دينية سياسية ليس لها صلة بالإرهاب والتطرف " ، " وأن الاخوان فى نظر عدد كبير من تنظيمات العنف يعتبرونهم متخاذلين وموالين للسلطة ومتصالحين معها ... "

العدد 6560 من جريدة الأنباء الكويتية الصادر فى13/8/1994

          وعندما انتشرت أعمال عنف في مصر في التسعينيات فإن الإخوان أدانوا ذلك بمنتهى الصراحة والوضوح.

          وتعددت البيانات الصادرة عن الجماعة والتى تدين العنف وتعبر فيها عن رأيها فى هذا الخصوص . وقد قامت كل الصحف فى مصر الحكومية والحزبية بنشرها فى حينها إما كاملة أو مقتطفات منها ، بحيث لم يعد فى مصر أحد يجهل رأى الإخوان فى هذه القضية . وكان من ابرز البيانات التى صدرت ، ذلك البيان الجامع الصادر فى 30 من ذى القعددة 1415 هـ /30 من ابريل   1995مـ ، والذى جاء فيه :

          " لقد أعلن الإخوان المسلمون عشرات المرات خلال السنوات الماضية أنهم يخوضون الحياة السياسية ملتزمين بالوسائل الشرعية والأساليب السلمية وحدها ، مسلحين بالكلمة الحرة الصادقة ، والبذل السخى فىجميع ميادين العمل الاجتماعى ...مؤمنين بأن ضمير الأمة ووعى ابنائها هما فى نهاية الامر الحكم العادل بين التيارات الفكرية والسياسية التى تتنافس تنافسا شريفا فى ظل الدستور والقانون ، وهم لذلك يجددون الإعلان عن رفضهم لأساليب العنف والقسر لجميع صور العمل الإنقلابى الذى يمزق وحدة الأمة ، والذى قد يتيح لأصحابه فرصة القفز على الحقائق السياسية والمجتمعية ، ولكنه لا يتيح لهم أبداً فرصة التوافق مع الإرادة الحرة لجماهير الأمة ... كما أنه يمثل شرخا هائلا فى جدار الاستقرار السياسى ، وإنقضاضا غير مقبول على الشرعية الحقيقية فى المجتمع .

          وإذا كان جو الكبت والقلق والإضطراب الذى يسيطر على الأمة قد ورط فريقا من أبنائها فى ممارسة إرهابية روعت الأبرياء وهزت امن البلاد ، وهددت مسيرتها الاقتصادية والسلمية ، فإن الاخوان المسلمين يعلنون - فى غير تردد ولا مداراه - أنهم برءاء من شتى أشكال ومصادر العنف ، مستنكرون لشتى أشكال ومصادر الإرهاب ، وأن الذين يسفكون الدم الحرام أو يعينون على سفكه شركاء فى الاثم ، واقعون فى المعصية ، وأنهم مطالبون فى غير حزم وبغير إبطاء أن يفيئوا الى الحق ، فإن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده ، وليذكروا - وهم فى غمرة ماهم فيه - وصية الرسول صلى الله عليه وسلم فى حجة وداعه " أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم الى يوم القيامة كحرمة يومكم هذا فى عامكم هذا فى بلدكم هذا " .

          أما الذين يخلطون الأوراق عامدين ، ويتهمون الاخون ظالمين ، بالمشاركة فى هذا العنف والتورط فى ذلك الارهاب ، متعللين فى ذلك ، بإصرار الإخوان على مطالبة الحكومة بألا تقابل العنف بالعنف ، وأن تلتزم بأحكام القانون والقضاء ، وأن تستوعب دراستها ومعالجتها لظاهرة العنف جميع الأسباب والملابسات ولا تكتفى بالمواجهة الأمنية - فإن إدعاءاتهم مردودة عليهم بسجل الإخوان الناصع كرابعة النهار على إمتداد سنين طويلة شارك الإخوان خلال بعضها فى المجالس والنيابية والانتخابات التشريعية ، واستبعدوا خلال بعضها الآخر عن تلك المشاركة ، ولكنهم ظلوا على الدوام ملتزمين بأحكام الدستور والقانون ، حريصين على أن تظل الكلمة الحرة الصادقة سلاحهم الذى لا سلاح غيره ، يجاهدون به فى سبيل الله ( لا يخافون لومة لائم ) .

والأمر فى ذلك كله ليس أمر سياسة أو مناورة ، ولكنه أمر دين وعقيدة ، يلقى الاخوان المسلمون عليهما ربهم ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم "

الإخوان المسلمون  - 30 من ذى القعدة 1415 ه / 30 من أبريل 1995 .

          وعلى المستوى الخارجي .. عندما وقعت عملية تدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك أدان الإخوان العدوان في نفس اليوم.

بيان من الإخوان المسلمين بشأن

الاعتداءات التي تعرضت إليها الولايات المتحدة الأمريكية

          إن الإخوان المسلمين وقد راعهم ما حدث بالأمس فى الولايات المتحدة الأمريكية من قتل ونسف وتدمير ، واعتداء على مدنيين أبرياء .

ليعربون عن عميق أسفهم وحزنهم ، ويستنكرون بكل حزم وشدة هذه الحوادث التي تتعارض مع كل القيم الإنسانية والإسلامية ، ويعلنون استنكارهم ومعارضتهم لكل عدوان على حياة البشر وحرية الشعوب وكرامة الإنسان في جميع أنحاء العالم .

 الإخوان المسلمون

          بيان الجماعة في 24 من جمادى الآخرة 1422هـ - 12 من سبتمـــبر 2001م

          - وتستمر الحملة الظالمة في الزيف والإفتراء فيتحدث بعض السائرين فيها عن اتهام الاخوان بتكفير الآخر بدون أي دليل أو برهان أو أن يكلف نفسه بالعودة إلى حقائق التاريخ القريبة والبعيدة

          إن الإمام المؤسس رحمه الله وضع أركانا عشرة للبيعة اولها ركن الفهم ووضع له أصولا عشرين منها " ولا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض ـ برأي أو بمعصية ـ إلا إن أقر بكلمة الكفر، أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر".

          وطوال أكثر من 86 عاما هي عمر دعوة الاخوان لم يتهم أحدا الاخوان بالتكفير أو يأتي بواقعة تدل على ذلك .. بل حين لجأ البعض لطرح الفكرة بعد التعذيب والايذاء الشديد الذين لاقوه في السجون تصدى لها المرشد العام الثاني للجماعة الأستاذ حسن الهضيبي رحمه الله واصدر معلما في فكر الحماعة والدعوة إلى الله بعنوان " دعاة لا قضاة" ، وخير هؤلاء الأفراد أما بالالتزام بمنهج الاخوان أو ترك الجماعة وظل الاخوان وسيبقون باذن الله على هذا المنهج لا ينحرفون عنه ولا يبدلون.

          - وتستمر الحملة في إلقاء آخر أحابيلها بالقول " بأن المنهج الذي جاء به الإمام البنا رحمه الله صحيح ولكن قيادات الاخوان في العصر الحديث خرجت عن هذا المنهج ..

          ولهؤلاء نقول بكل ود .. إن الجماعة التي استمرت لأكثر من 86 عاما وحتى اليوم وهي تسعى لأن تكون غايتها هو الله ، لا يمكن إلا أن تربي أعضائها جميعا دوما أفرادا أو قادة على الالتزام بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم بوسطيته واعتداله ووفق فهم علماء الأمة الثقات عبر التاريخ والذين حفظوا هذا الدين بنقائه وصفائه والذين كان الإمام البنا واحدا منهم ولن نحيد عنه حتى نلقى الله عز وجل، داعين الله له أن يثبتنا غير مضيعين ولا مبدلين .

          – وأخيرا، إن من القواعد الإساسية التي قام ويقوم عليها عمل الجماعة ويحكم طريقها منذ بداية تأسيسها وحتى اليوم وإلى ما شاء الله أن هناك مبادئ محددة وثوابت حاكمة ومفاهيم واضحة يقوم عليها فهم ونشاط الجماعة، فمن ابتعد عنها فقد اختط لنفسه طريقا غير طريق الإخوان المسلمين .

          وإن من ينسب نفسه للجماعة يجب أن يكون هذا نهجه وتلك سيرته، فإن دعا إلى ذلك أو اختط لنفسه نهجا غير نعج الجماعة فهوة ليس من الجماعة وليست الجماعة منه مهما أدى أو قال .

" ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين

وحفظ الله مصر من كل سوء

والله أكبر ولله الحمد

انتهى           أما تصريحات قادة الجماعة ومسئوليها التي تؤكد هذه المواقف عبر تاريحها الممتد وخاصة منذ بدء فترة التسعينات فلا يعد ولا يحصى.. وفي السطور التالية نعرض لنماذج من هذه التصريحات وتلك المواقف.

 

الأستاذ عمر التلمساني:

الناس جميعا في شريعة الاسلام

يجب ان يعيشوا عيشة كريمة ايا كانت معتقداتهم

          س - يقال كثيرا ان المسلمين اليمينين يعارضون ( التغريب ) وعند كثير من العقول الغربية يعادل هذا رفض (التحديث ) فهل لكم ان توضحوا لماذا يرفض التغريب ؟ وما هي فكرتكم عن التحديث داخل اطار الاسلام ؟

          الاستاذ عمر التلمساني - اننا نرفض الانحراف السلوكي في الاخلاق والاسرة والاجتماع، والخداع السياسي، ومحاولة امتصاص دماء الناس، والتعاون علي الاثم والعدوان..

          اما المخترعات والكشف والتكنولوجيا وغيرها من وسائل التقدم العلمي، فان ديننا يحضنا علي الاخذ منها باوفر نصيب، والتاريخ زاخر بنمو الحضارة الانسانية يوم ان كان المسلمون متمسكين بدينهم تماما وليس معني التمسك بديننا اننا نرغم الغير علي الدخول فيه، ولا ان نمس مقدساتهم بسوء لان ديننا ينهانا عن هذا ولكننا نؤمن كل الايمان انه لا خلاص للعالم كله من ازماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية الا اذا اخذ بتعاليم الاسلام. فالاسلام يحض علي التحضر، ويحث علي طلب العلم ويمتع كل الناس بحرياتهم ويحرم المطامع الاستعمارية او الاستغلالية، والناس جميعا في شريعة الاسلام يجب ان يعيشوا عيشة كريمة ايا كانت معتقداتهم.

         

في لقاء الاستاذ مصطفي مشهور بالسكرتير الثاني للسفارة الامريكية

 الإسلام دين العدل والسلام

          استقبل الاستاذ مصطفي مشهور نائب المرشد العام للاخوان المسلمين السيد / السكرتير الثاني للسفارة الامريمية بالقاهرة حيث طرح الاخير عدة تساؤلات احاب عنها فضيلة الاستاذ نائب المرشد العام.

          ففي سؤال حول الرأي في اتفاق غزة اريحا اولا:

          قال الاستاذ مصطفي مشهور:

          الاسلام لا يقر العدو علي احتلال اي جزء، ولا يصح ان نقره علي احتلال اي شبر، وهذا ميدؤنا، اعلناه كثيرا حتي ايام كامب ديفيد، واذا كنا لم نستطع ان نوقف معاهدة كامب ديفيد الا اننا اعلنا رأينا فيها.

          س - انتم تنكرون وجود اسرائيل ككيان سياسي ؟

          ج- نعم، وهل انتم كامريكان توافقون علي اخراج الفلسطينين من ديارهم والاتيان باليهود من كل اماكن العالم ليسكنوا مكانهم، وهل تقبل ان بعض المسلمين يذهبوا ويحتلوا احدي ولايات امريكا ويخرجوا منها اهلها ؟

          لذلك نحن يسيئنا ان تقف امريكا مع العدو ضد الاسلام والمسلمين، العدو يريد ان يقول ان هذا حق تاريخي لليهود وان التلمود يعطيهم هذا الحق. وهذا غير صحيح فالمسلمون موجودون في فلسطين من 0041 سنة ومن قبل لم تكن فلسطين ملكا لليهود.

          س - اعتقد ان السياسة الامريكية لا تقف موقف العداء من الاسلام والمسلمين، وقد اوضح هذا مسئول كبير للشئون الدولية في البيت الابيض عندما القي محاضرة عن موقفنا من الاسلام والمسلمين والدول العربية ؟

          ج- نحن كنا ننظر الي امريكا كأهل كتاب والي اليهود كذلك، ولكن موقفنا من الصهيونية والشيوعية مختلف.. القرآن الكريم يقول " لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا، ولتجدن اقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصاري... "..

          السياسة لها اوضاعها وتغيراتها، وما نلمسه الآن من موقف امريكا والغرب تجاه الصرب والكروات في البوسنة والهرسك، والصهاينة في فلسطين، والهندوس في كشمير، وعدم الانصاف، وعدم اتخاذ موقف العدل الذي يرفع الظلم في فلسطين وكشمير، هذه السياسة تسئ الي امريكا والغرب خاصة عند الشعوب الاسلامية، ثم هل هناك بلد اسلامي يؤذي غير المسلمين بمثل ما يتعرض له المسلمون في اماكن مختلفة؟

          اننا نود من امريكا كما وقفت في قضية الكويت ضد صدام، ان تقف في قضية البوسنة وقضية فلسطين وقضية كشمير، ولكن يبدو ان الذي يحرك امريكا هو المصلحة، وهو البترول في الخلية والتحكم في سعره وحجم انتاجه، اما البوسنة فليس بها بترول.

          واذا كانت امريكا تتعامل مع الحكام فهم زائلون والشعوب باقية، وهي بسياستها هذه تكسب عداوة الشعوب، رغم ان الشعوب باقية وارادتها غالبة، وقد لمسنا ان شعب ارتيريا ظل يجاهد اكثر من عشرين سنة حتي حصل علي استقلاله ان من مصلحة امريكا ان تتعامل مع المسلمين بغير هذا الاسلوب، اعرف ان اليهود لهم تأثير علي السياسة الامريكية والانتخابات الرئاسية واحهزة الاعلام، وقد شوهوا صورة الاسلام.. واتوقع ان امريكا ستتبين مع مرور الزمن ان مساندتها لليهود اضرت بها ولم تنفعها.

          وحبذا وانتم تمثلون السفارة هنا ان توضحوا الصورة الحقيقية للاسلام فهو دين العدل والسلام ولا يثير عداوة مع احد، والاخوان يتمسكون بالاسلام الذي هو دين السلام والذي يريد الهداية للبشرية كلها. فنرجوا ان تصحح الصورة عن الاسلام وعن الاخوان.

          س -نحن نؤيد حقوق الانسان في اي مكان، وربما قرأتم مقالة مساعد وزير الخارجية في الاخبار، اذ قال اننا نسعي الي اقصي تعاون من المسلمين ونحن نتعاون مع الحكومات في الخليج ومصر ؟

          ج- لكن الصهاينة يفسدون هذه العلاقة، قبل ان يأتي اليهود الي فلسطين كان المسلمون والمسيحيون واليهود يعيشون في سلام وهدوء، ولكن لما جاءت العصابات الصهيونية تبقر بطون النساء وتقتل الاطفال والشيوخ تغيرت الحال، هم بدأو هذه المشاكل.

          عزيز علي اي انسان ان يطرد من بلده وياتي غيره، وان ياتي حل ويفرض علي الشعوب فهذا ليس سلاما وانما استسلاما، وليس من حق عرفات ان يوقع علي اتفاق ويفرضه علي الفلسطينين بل وعلي المسلمين جميعا.

          س - الحكومة الامريكية تسعي الي الحوار مع كل القوي السياسية ؟

          ج- ونحن نرحب بذلك.

          س -- ولكن هناك جماعات تستخدم العنف فلا نحاورها ؟

          ج- نحن جماعة عقيدية ولكن ليس معنا اننا جماعة عقيدية لادخل لنا بالسياسة كما قال السادات لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين .. وانما الاسلام دين وعقيدة وسياسة، ونريد ان تسود الشريعة وتطبق، لان الله هو الذي خلقنا واوضح لنا كل صغيرة وكبيرة، ويعلم ما ينفعنا ويضرنا وما يصلحنا وما يفسدنا.

          ووضع لنا النظام الكامل الصحيح، اما الشيوعية والرأسمالية من وضع البشر، ولكن الله هو الذي وضع لنا النظام الكامل. وقد جرب الاسلام في الماضي واسعد الناس. نحن نسعي الي تطبيق الشريعة ولكن لا نسلك مسلك العنف والقوة.. وانما نستخدم المنهج الذي استخدمه الرسول صلي الله عليه وسلم عندما جاء الي امة جاهلية استخدم الدعوة الي الله بالحكمة والموعظة الحسنة ونجحت الدعوة.

          كان ضعيفا في مكة ويعذب المسلمون ويقتلون، ولكنه لم يستعمل العنف وانما كان يقول صبرا آل ياسر ان موعدكم الجنة.

          هذه المحنة التي يتعرض لها المسلمون ليست قاضية وانما تصقل وتنقي صف الجماعة.. وتسير علي نهج الرسول صلي الله عليه وسلم ولا نؤمن بالعنف فهو طريق غير صحيح.

          ولا نسعي كما يقول البعض الي اقامة حكومة دينية ذات تفويض الهي.. وانما حكومة تطبق الحلال وتحرم الحرام، حكومة اسلامية تطبق الشريعة مكونة من متخصصين في كل فروع الحكم، دستور مصر فيه جوانب متفقة مع الاسلام وجوانب غير متفقة، ونسعي بالطرق الدستورية لاستكمال النقص.

أكتوبر 1993

الأستاذ مصطفى مشهور يوضح موقف الجماعة من قضايا

العلاقات الدولية والتعامل مع الولايات المتحدة والعلاقة مع الأقباط

          بالنسبة إلى العلاقات لدولية ماذا ستفعلون ؟

          الأستاذ مصطفى مشهور- المفروض ان الإسلام أتى للناس جميعاً، وليس للعرب أو المسلمين فقط، لذا سندعو هؤلاء الناس إلى الإسلام، ولن نعادى إلا من يعادينا، عندها نرد عدوانه، وخلافا لذلك سنحاول توصيل الإسلام إليهم.

          ما الخط الذى ستتبعونه مع الولايات المتحدة ؟

          الأستاذ مصطفى مشهور - سنحاول دعوتهم إلى الإسلام وتنبيههم إلى أن موقفهم الحالى الداعم للصهيونية من شأنه ان يضر بمصالحهم المستقبلية فى المنطقة ويكسبهم عداوة الشعوب الإسلامية، وهذا ليس فى صالحهم وعليهم ان يراجعوا مواقفهم من العدو الصهيونى وان يكفوا عن استخدام المعايير المزدوجة.

          ماذا حول ما اثير عن موقفكم من الاقباط وضرورة دفع الجزية وعدم دخولهم الى الجيش ؟

الأستاذ مصطفى مشهور - الاخوان المسلمون يصدرون فى مواقفهم إزاء القضايا المختلفة فى إطار ضوابط ومعالم واصول واضحة فى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن بين ذلك موقفهم من الإخوة الأقباط كمواطنين لهم حقوق وواجبات المواطنة.إضافة إلى ان مواقف الإخوان من قضايا العصر قد أكدتها ادبياتهم منذ عام 1928 وحتى اليوم.. أى انها مسجلة.. واضحة.. لا غموض فيها.. ويهمنا فى هذا الإطار ان نوضح:

ان تفسير الآية القرأنية الواردة فى سورة التوبة بخصوص الجزية مستقر على انه خاص بمن حارب الإسلام والمسلمين، والإخوة المواطنون الاقباط فى مصر خارجون عن نطاق هذا الامر بالكلية، وقد حارب المصريون جميعهم أعداء الوطن والغزاة والاسثعمار دون تمييز بين عقيدة وعقيدة....

إن دفاع المواطن غير المسلم عن وطنه " مصر " مماثل لدفاع المواطن المسلم. وقد اصدر الاخوان المسلمون نصا واضحا فى مشروع ميثاق الوفاق الوطنى أكد على النقاط التالية:

          - تاكيد حرية الاعتقاد

          - تأكيد حرية إقامة الشعانرالدينية للجميع...

          - تأكيد حرية الرأى والجهر به والدعوة السلمية إليه فى نطاق النظام العام والآداب العامة والمقومات الأساسية المنصوص عليها فى الباب الاول من الدستور.

          إن ما سبق أن أعلنه الإخوان يؤكد ان ابناء الوطن مسلمين ومسيحيين، هم مواطنون متساوون فى الحقوق والواجبات، وعلى وجه الخصوص هم متساوون فى تولى الوظانف العامة وفى حق كل مواطن ومواطنة فى المشاركة فى الانتخابات، تصويتا وترشيحا، وتولى عضوية المجالس النيابية..

          إن الإخوان المسلمين اللذين أكدوا المعانى والمبادى السابقة فى ادبياتهم منذ عام 1928 وحتى الآن، واستنكروا ويستنكرون أى عدوان على اى فريق من ابناء الوطن، أو اى انتقاص لحقوق اى من ابنانه، يهمهم ان يهمهم أن يؤكدوا هذه المعالم والأصول المستندة إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وانهم يرفضون ما يخالفها.

الاسبوع المصرية - 4 ابريل 1997 - 6 ذى الحجة 1417

الأستاذ مصطفى مشهور:

يرفض المسلمون ويستنكرون استخدام السلاح

لنسف العمران، واحتلال واستعمار الأرض، وسلب الموارد

          * وقع الأزهر أخيراً اتفاقاً مع الفاتيكان حول الحوار الإسلامي المسيحي، هل تؤيدون فكرة الحوار مع الآخر ؟ أم ترون أن هناك أولويات أخرى؟

          الأستاذ مصطفى مشهور- كنا ومازلنا نود أن تتكرم مشيخة الأزهر الشريف بطرح رؤياها مع الفاتيكان ولاسيما على صعيد أصل ومنبت الفكرة، وأيضاً على صعيد القضايا التي ستطرح، وعلى صعيد الأهداف والغايات، وعلى صعيد الفريق الذي سيكون من مهمته النهوض بهذا الحوار، كما كنا وما زلنا نود أن تسعى الجهات الإسلامية المسؤولة كلها إلى التأكيد على الحوار كأسلوب حضاري على مستوى دول العالمين الإسلامي والعربي، بين الحكومات والحكومات، وبين الحكومات والشعوب، أو بين المؤسسات وأهل العلم والرأي وبين الفرق والمذاهب الإسلامية.

          * امتلكت باكستان أخيراً أول قنبلة نووية، فهل أنتم كفصيل من الحركة الإسلامية ترونها انتصاراً إسلامياً، وما هي رؤيتكم لأهمية هذه القنبلة للأمة الإسلامية؟ وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه من مصير قضايا المسلمين على الساحة الدولية اليوم؟

          الأستاذ مصطفى مشهور- لا ينظر المسلمون إلى السلاح على اعتبار أنه أداة للتدمير والقتل وبسط النفوذ والسلطان ومصادرة حقوق الشعوب في الحرية والاستقلال أو إرهاب العباد حتى يذعنوا لطغيان القوى الكبرى، كما يرفض المسلمون ويستنكرون استخدام السلاح من قبل أي قوة لنسف العمران، وتخريب ديار الغير، واحتلال واستعمار الأرض، وسلب الموارد، لكنهم يعتبرون السلاح وسيلة لرد العدوان واقتلاع جذور المعتدين، ودعم الاستقلال وتأكيد حرية الأوطان، ورد غي وظلم وطغيان القوى الكبرى، وشتى أشكال الاستعمار والاحتلال.

          ومنذ وقت مبكر والكيان الصهيوني يمتلك السلاح النووي والعرب العزل يفرض عليهم التزام معاهدات الحظر والتفتيش بل وإضافة إلى الأسلحة النووية التي تملأ ترسانة العدو تصر أمريكا على تفوقه عسكرياً على مستوى الأسلحة التقليدية كلها، وأسلحة الدمار الشامل.

          ومنذ وقت مبكر أيضاً والهند تمتلك سلاحها النووي وتواصل تجاربها الذرية ولا تفتأ تعلن وتؤكد أنها عازمة على اجتياح باكستان، وابتلاع كل كشمير الأمر الذي يحتم على المسؤولين في باكستان السعي إلى امتلاك النووي، والاستعداد للدفاع عن أرضهم، واستقلالهم ورد عدوان الهند وتهديداتها.

          ما فعله الباكستانيون حق من حقوقهم، ومطلوب من العرب كلهم أن يسعوا إلى امتلاك السلاح النووي للدفاع عن أنفسهم ومصيرهم وأيضاً مطلوب منهم دعم باكستان لمواجهة أي عدوان هندي أو يهودي.

          إن الإسلام لا يحض المسلمين على إهلاك الحرث والنسل، لكنه يلزمهم الدفاع عن أنفسهم، ورد أي عدوان يبيت لهم والإعداد المتواصل والمستمر لإثبات وجودهم، وممارسة دورهم الحضاري على المستوى العالمي.

* الهند وباكستان تتصارعان على كشمير ذات الغالبية المسلمة الساحقة، هل تعتقدون أن التطورات الأخيرة ستكون في مصلحة شعب كشمير أم العكس ؟ولماذا ؟

          - التطورات الأخيرة على الساحة الباكستانية والمتمثلة في دعم باكستان لنفسها بالسلاح النووي بعدما أعلنت الهند إجراء تجاربها ووجهت تهديداتها إلى باكستان، وكشمير بالاجتياح هو في مصلحة باكستان وكشمير، ومن الواجب الباكستانيون أن تظل اليقظة مع دوام الاستعداد للتعامل مع ساعات المواجهة.

          ونحن نوجه نداء إلى الشعوب الحكومات كافة على المستويين العربي والإسلامي أن تمارس شتى أشكال الضغوط، وتتخذ شتى أشكال الإجراءات إزاء الهند حتى تستجيب لصوت الحق والمنطق، وتنفيذ القرارات الدولية الصادرة عام 1948م بإجراء استفتاء حر تحت إشراف الهيئات الدولية في كشمير حتى يحقق شعب كشمير مصيره بنفسه، وأيضاً حتى تلتزم الهند أسلوب حل المشاكل مع باكستان سلمياً، ومن خلال التفاوض ومع الاعتراف بحق الآخر من الاستقلال والحرية ونهوضه بخططه التنموية.

الرأي العام الكويتية 27 أغسطس 1997

الغربيون عندما يعلمون حقيقة الاسلام يطمئنون

          س - في عصر التفرد الغربي اصبحنا نتحدث لغته وقضاياه ولعل اهمها مسائل حقوق الانسان والمرأة والتعددية والاقليات، فكيف يرى الاخوان هذه المسائل؟

          الأستاذ مصطفى مشهور: - الاخوان المسلمون يؤمنون ان الاسلام هو الحل لكل مشاكل البشرية لانه دين الله وهو اعلم بما ينفعنا وما يضرنا، الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير، والاسلام ليس عبادات فقط بل هو نظام حياة كامل روحياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً، والاسلام اعطى الانسان حقوقه كاملة حتى ان الغربيين عندما يعلمون حقيقة الاسلام يطمئنون، والاخوان المسلمون يؤمنون بصون حقوق الانسان في كل وضع لان هذا هو الوضع الطبيعي الذي يقره الاسلام ويطالب به.

          س - وكيف يرى الاخوان مسألة الاقليات؟

          الأستاذ مصطفى مشهور: - الاسلام يسمح لكل الاقليات بان تمارس حقوقها وواجباتها لقوله تعالى "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم"، "انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم.." فاذا لم يقاتلونا فلهم حقوقهم وندافع عنهم شريطة دفع الجزية.

          س - لكن تتهمون انكم تنظرون الى هذه الاقليات نظرة المواطن من الدرجة الثانية بحيث ليس لهم اي حقوق سياسية؟

          الأستاذ مصطفى مشهور: - هذا اتهام باطل، فالاقليات لها حقوقها السياسية في حدود القوانين والدستور، ونحن نتحدث هنا عن دولة اسلامية لان هذا ما يؤمن به الاخوان فللاقليات حقها في ممارسة حقوقها السياسية وغيرها ما دامت لا تخالف الدستور والقوانين.

          س - الغرب يبهرنا بتقدمه العلمي الهائل خصوصاً في بدايات هذا القرن كيف ينظر الاخوان لهذا التحدي؟

          الأستاذ مصطفى مشهور: - التقدم العلمي لا يتعارض مع الاسلام بل على العكس فالاسلام قام على معجزة القرآن، وهو في جانب منه اعجاز علمي، وكلما تعمقت البشرية في العلم واكتشفت اموراً حياتية جديدة زاد يقيننا بالقرآن الكريم مما سيزيد نسبة الداخلين والمقتنعين بالاسلام.

السبيل الأردنية 12 - 18 يوليو 2000

الحادي عشر من سبتمبر

ماذا وراءه

          عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، أضحت كلمة "إرهاب" Terrorism.. أكثر الكلمات إثارة للجدل واستخداما في مختلف وسائل الإعلام العالمية .. بل وأصبح هذا المصطلح بالرغم مما غلف به رافعيه، مفهومه من غموض، مقياس فارق في العلاقات، وأساس فاعل تبنى عليه السياسات المريبة وتتخذ به القرارات العادلة وغير العادلة، حتى قسم به البعض العالم إلى محورين للخير والشر ..

          فما هي جذور هذا المصطلح في الفكر الغربي الذي رفع به أبنائه لوائه وقسموا العالم بمقتضاه ؟.

الإرهاب في الثقافة الغربية

          تتكون كلمة "إرهاب" في اللغة الإنجليزية بإضافة اللاحقة ism إلى الاسمTerror بمعنى فزع ورعب وهول، كما يستعمل منها الفعل Terrorize بمعنى يرهب ويفزع.

          ويرجع استخدام مصطلح Terrorism في الثقافة الغربية الحديثة للدلالة على نوع الحكم الذي لجأت إليه الثورة الفرنسية إبان الجمهورية الجاكوبية في عامي [1973 – 1974] ضد تحالف الملكيين والبرجوازيين المناهضين للثورة.

وقد نتج عن إرهاب هذه المرحلة التي يطلق عليها Reign of Terror اعتقال ما يزيد عن 300 ألف مشتبه وإعدام حوالي 17 ألفا، بالإضافة إلى موت الآلاف في السجون بلا محاكمة.

وإن كان هناك من يرجع بالمصطلح والمفهوم إلى أقدم من هذا التاريخ كثيرا، حيث يفترض أن الإرهاب حدث ويحدث على مدار التاريخ الإنساني وفى جميع أنحاء العالم.

          وقد استخدم حكام رومان من أمثال "Tiberius " ( 14-37 ).. "Caligula" ( 37-41 ) العنف ومصادرة الممتلكات والإعدام كوسائل لإخضاع المعارضين لحكمهما.

         

محاولات إلصاق الإرهاب بالإسلام

بعد أن شهدت أغلب الدول الإسلامية، وبصفة خاصة منذ مطلع سبعينيات القرن العشرين، بروز وتنامي ظاهرة الإحياء الإسلامي أو الصحوة الإسلامية، واتخاذ هذه الظاهرة صورا وأشكالا متعددة، ثقافية وفكرية، اقتصادية واجتماعية، سياسية وسلوكية، لوحظ أن كثير من الكتابات والدراسات الغربية غير المنصفة أخذت في سبيل البحث عن وسائل للنيل من هذه الظاهرة؛ في وصفها بمجموعة ضخمة من المصطلحات ذات الإيحاء لتعريفها، منها على سبيل المثال:

الإسلام السياسي Political Islam ويقصد به توظيف الإسلام لتحقيق أهداف سياسية...

الإسلام التقدمي Progressive Islam وهو الذي يتضمن تطبيق الاشتراكية ولا يتعارض مع التحديث... الإسلام التقليدي Traditional Islam وهو الذي يتعارض مع العلمانية والتحديث..

والإحياء الإسلامي Islamic Revival.. والأصولية الإسلامية Islamic Fundamentalism.. وغيرها.

          ثم ذهبت هذه الكتابات خطوة أبعد بإنشاء مصطلحات وتعريفات ومفاهيم تربط بين الإسلام وأنماط من العنف والإرهاب مستغلة بعض المظاهر غير الصحيحة التي صاحبت هذه الصحوة الإسلامية نتيجة لفهم خاطئ ساد بعض قطاعات الشباب المسلم.. مثل:

          الإسلام الثوري Revolutionary Islam..

          والإسلام الراديكالي Radical Islam..

          والإسلام من أعلى Islam from Top..

          والإسلام المتشدد Rigidified Islam..

          والإسلام المسلّح Militant Islam..

          والعنف الإسلامي Islamic Violence..

          وأخيرا الإرهاب الإسلامي Islamic Terrorism.

          ثم جاءت المراحل الأخيرة والتي بدأت مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 والتي استخدمتها بعض القوى في محاولة وصم عمل فصائل وجماعات تنتمي إلى الإسلام كمرجعية سياسية تستخدم حق وقوة المقاومة المشروعة ضد الاحتلال كما في حالة حماس والجهاد في فلسطين، وحزب الله في جنوب لبنان، ومجاهدي كشمير في الهند، ومسلمي الشيشان ضد الروس، ومن قبلهم المجاهدون الأفغان في الثمانينيات، بالارهاب.

ولربما كان الخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة للاحتلال هو السبب الرئيسي لعدم وجود اتفاق يذكر حول مفهوم وتعريف الإرهاب..

موقف الجماعة

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر

          ووسط هذه الأجواء استمر موقف الجماعة المبدئي المنطلق من نفس المشكاة النورانية في التعبير عن نفسه، بالكلمة والتصريح والمقابلة الصحفية والرسالة المباشرة إلى أصحاب الشأن في الشرق والغرب، تؤكد على المبادئ الثابته والمقاييس الواضحة التي تعاملت وتتعامل بها الجماعة مع هذه القضايا.

          ولكن قبل الشروع في عرض بعض ملامح هذه المواقف، نقدم لهذه الرؤى وتلك المواقف، بمثل ما قدمته الجماعة لها.

توضيح لازم من الإخوان المسلمون

يعتقد بعض الناس أن بعض مواقفنا المعلنة أو بياناتنا المصدرة أو تصريحاتنا الصحفية إنما هى من باب السياسة بمعناها الشائع لدى السياسيين، وهذا خطأ فادح نربأ بالجميع أن يظنوه، ونربأ بأنفسنا أن نمارسه، فالسياسة عندنا دين، ومن ثم فهى ملتزمة بمبادئه وأخلاقه، فنحن نلتزم بسياسة الأخلاق، وليس بأخلاق السياسة، ونحن ليس لنا ظاهر وباطن " قل إن تبدوا ما فى صدوركم أو تخفوه يعلمه الله ويعلم ما فى السماوات وما فى الأرض والله على كل شئ قدير" ...

فنحن لا نقر مقولة أن الغاية تبرر الوسيلة، فلابد عندنا من سمو الغاية ونبل الوسيلة ومشروعيتهما، وليعلم الجميع أن بياناتنا ومواقفنا وتصريحاتنا إنما تصدر وتتحدد بمقاييس الشرع، فما أحله فهو الحلال، وما حرمه فهو الحرام بغض النظر عن الحب والبغض، والقرب والبعد، فالعواطف ليست هى التى تقودنا، ولكنه العقل المقيد بأحكام الشرع "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى" أى لا يدفعنكم كره قوم على أن تظلموهم أو تمنعوهم حقا هو لهم، بل إن الله تعالى يأمرنا أن نقوم بالقسط ونشهد بالحق، ولو ضد مصالحنا أو والدينا، أو الأقربين "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا، فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا، وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا"

ومن الوصايا الخمس التى أخبرنا النبى صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أوصاه بهن: (العدل فى الرضا والغضب)

بيان من الإخوان المسلمين بشأن

الاعتداءات التي تعرضت إليها الولايات المتحدة الأمريكية

          إن الإخوان المسلمين وقد راعهم ما حدث بالأمس فى الولايات المتحدة الأمريكية من قتل ونسف وتدمير، واعتداء على مدنيين أبرياء. ليعربون عن عميق أسفهم وحزنهم، ويستنكرون بكل حزم وشدة هذه الحوادث التي تتعارض مع كل القيم الإنسانية والإسلامية، ويعلنون استنكارهم ومعارضتهم لكل عدوان على حياة البشر وحرية الشعوب وكرامة الإنسان في جميع أنحاء العالم.

 الإخوان المسلمون

          بيان الجماعة في 24 من جمادى الآخرة 1422هـ - 12 من سبتمـــبر 2001م

الإخوان المسلمون يستنكرون أى عدوان

 يستهدف العرب والمسلمين

لقد أعلن الإخوان المسلمون استنكارهم وإدانتهم للعمل الإرهابى البشع الذى أودى بحياة ألوف الأبرياء ونشر الذعر والرعب والدمار على أكثر من ساحة فى الولايات المتحدة الأمريكية..

وجاء هذا الاستنكار والإدانة من منطلق ومنطق الالتزام بالعدل وواجب الاحترام لحق الحياة الذى منحه الله للبشر وهو حق لا تجوز مصادرته أو الافتئات عليه أو العدوان عليه.

إلا أن الإخوان المسلمين الذين رفضوا الإرهاب الذى صادر حياة الأبرياء وأشاع الدمار والذعر في أمريكا، هالهم ما حملته الأنباء من تصريحات للمسئولين الأمريكيين مصحوبة بخطوات سياسية وعسكرية تنبئ عن عدوان صار وشيكا ضد أقطار عربية وإسلامية قبل أن تصل التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمريكية المختصة إلى تحديد قاطع بالأدلة القاطعة للجهة أو الجهات التي ارتكبت الأعمال الإرهابية البشعة فى نيويورك وواشنطن.

لقد هال الإخوان المسلمين أن تصدر تصريحات أمريكية مسئولة وبشكل مبهم تعلن الحرب ضد الإرهاب، والاشتباه فى الإرهاب، الأمر الذى يفسح المجال أمام نوايا الانتقام أو محاولات تفريغ الغضب الشعبى الأمريكى بشن عدوان، يطال الأبرياء، على ساحات عالمنا العربى والإسلامى، وقد وضع الإسلام والمسلمين فى موضـع العدو الذى يجب النيل منه والقضاء عليه.

إن الإخوان المسلمين الذين استنكروا ويستنكرون الإرهاب بشتى صوره وأشكاله يستنكرون أى عدوان على الإسلام والمسلمين وأى تصريحات أو خطوات أو إجراءات ضد الأبرياء من العرب والمسلمين، على الساحة العربية والإسلامية، أو على الساحة الأوربية والأمريكية، ويطالبون بتحكيم العقول والضمائر فى رسم السياسات أو إطلاق التصريحات، وقبل اتخاذ خطوات أو إجراءات فى حق الأفراد أو الجماعات أو الشعوب العربية والإسلامية، ويذكرون الولايات المتحدة الأمريكية التى طالها الإرهاب، فأودى بحياة الألوف من الأبرياء، ودمر على أرضها أوجها للحياة والعمار، بالإرهاب الصهيوني الوقح والبشع الذي يجرى في رقاب وأرواح وديار الشعب الفلسطيني، مستبيحا الدماء مصادرا حق الحياة والحرية والأمن لشعب عربي مسلم أعزل، جدير بالحياة والأمن والحرية فوق أرضه، ووسط دياره.

إن الإخوان المسلمين يطالبون الحكومات والشعوب العربية والإسلامية، وقد استنكرت الإرهاب الذى لحق بألوف الأبرياء الأمريكيين أن تقف فى وجه أى عدوان يستهدفها وأى اتهامات تكال لها، وأى تآمر يحاك لقضاياها وحقوقها وأمنها وحرماتها، وأن تعتصم بحبل ربها، وتستجيب لما فرضه عليه دينها، وأن تضع نصب الأعين وفى أعماق القلوب قول ربها عز وجل "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" وقوله سبحانه "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل"

الإخوان المسلمون

بيان الجماعة فى: 27 من جمادى الآخرة 1422هـ - 15 من سبتمــــبر 2001م

بيان من الإخوان المسلمين بشأن العدوان الأمريكي على الشعب الأفغاني

إن موقف الإخوان المسلمين الثابت هو إدانة العنف والعدوان على الأبرياء أيا كان مصدره: فردا أو جماعة أو دولة أو تحالفا عدوانيا.

وانطلاقا من هذا الموقف الثابت، وكما أدان الإخوان من قبل تفجيرات الثلاثاء 11/9/2001 في أمريكا فإننا ندين العدوان الأمريكي على الشعب الأفغاني الشقيق ونطالبها فورا بكف العدوان واتخاذ خطوات وإجراءات دولية قانونية تستند إلى ميثاق الأمم المتحدة ومحاكمة المتهمين محاكمة عادلة بدلا من الحرب والتخريب وقتل الأبرياء وتدمير بلد بأكمله.

إن الحرب الأمريكية المعلنة لن تؤدى إلا إلى مزيد من الغضب في الشعوب الإسلامية وستؤجج مزيدا من العدوات ضد السياسة الأمريكية المنحازة الباطشة المتحيزة.

إن أمريكا تتصرف منفردة دون قرار دولي ولا تستند إلا إلى شرعية القوة والغابة وهى نفس الشرعية التي استند إليها مرتكبوا أحداث الثلاثاء.

إننا ننادى بصوت العقل أمريكا كلها شعبا وحكومة وأفرادا أن يراجعوا سياستهم مع الآخرين وأن يتعاملوا بحكمة واعتدال حتى لا تتولد عداوات جديدة.

فالمسلمون يروْن الشعوب المسلمة في فلسطين والعراق وغيرها تحترق بنيران الأسلحة الأمريكية كل يوم ولا صوت في العالم يطالب أمريكا بالعدالة.

إننا نطالب أمريكا بالتوقف عن الانحياز الكامل للعدو الصهيوني وإعلان فك التحالف الإستراتيجي مع هذا الكيان المغتصب والاعتراف الكامل بحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه وموارده ومقدساته وإعلان دولته الحرة المستقلة.

كما أننا نطالب أمريكا برفع يدها عن مصائر الشعوب الأخرى والاعتراف بتعدد الحضارات وتوازن المصالح وإرساء قيم العدالة والمساواة والحرية.

يا شعوب العالم الحر أوقفوا هذا العدوان البشع على شعب أعزل لا يملك ما يرد به الاعتداء.

يا حكومات العالم العربي والإسلامي قدموا يد العون إلى الشعب الأفغاني المسلم، فمن العار أن تعلن أمريكا تقديم المساعدات وهى تضربه بالصواريخ والعالم الإسلامي يلفه الصمت.

ويا أمة الإسلام أعلني لأمريكا غضبك على سياستها الخرقاء المنحازة واعملوا لمساندة الشعب الأفغاني المظلوم لرد هذا العدوان، فالمسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا.

بيان الجماعة في 21 من رجب 1422هـ - 8 من أكتوبر 2001م

          علاوة على هذا فقد توجهت الجماعة وقد أضحت تمثل الضمير الجمعي لأمتها بالخطاب المباشر للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، الذي أصبح هو وبلاده رأس رمح الحملة المزعومة ومفجر شرارتها ومسعر أوارها.

 

رسالة مفتوحة من المرشد العام للإخوان المسلمين

إلى الرئيس الأمريكى جورج بوش

          السيد جورج بوش الابن                رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السلام على من اتبع الهدى وبعد ؛؛

سبق أن أرسلت لسيادتكم خطابا يوم انتخابكم مسئولا عن أمريكا وأوضحت لك فيه أن الإسلام دين سلام وحرية وكرامة وقلت أن اليهود شوهوا صورة الإسلام فى الغرب وأمريكا بأنه دين عنف وإرهاب وطلبت منكم أن تتصرف بحقيقة الإسلام عسى أن يشرح الله لك صدرك.. وأعود بأن أرسل لك هذا الخطاب فى الظروف القائمة عسى أن تتفهم حقيقة الإسلام ومن يعادونه وخاصة الصهيونيون.

فإن موقف الإخوان المسلمين الثابت والمؤسس على مبادئ وقيم ديننا الحنيف هو إدانة العدوان على الأبرياء أيا كان مصدره: فردا أو جماعة أو دولة أو تحالفا.. ومن هذا المنطلق أدنا نحن الإخوان المسلمين أحداث الثلاثاء 11 من شهر سبتمبر الماضى.. وناديناكم أن تتحلوا بصوت العقل والحكمة تجاه هذه الأحداث.. ونحن أمام العدوان الغاشم على الشعب الأفغانى.. وبالقوة نفسها ندين العدوان الأمريكى على الشعب الأفغانى الشقيق.. ونطالبكم بالكف فورا عن هذا العدوان.. واتخاذ خطوات وإجراءات دولية وفقا للشرعية الدولية التى تستند إلى ميثاق الأمم المتحدة للكشف عن المتهمين فى أحداث واشنطن ونيويورك ؟.. وتقديمهم إلى محاكمة عادلة بدلا من الحرب والتخريب وقتل الأبرياء ؟ وتدمير بلد بأكمله.

إن الحرب الأمريكية على أفغانستان لن تؤدى إلا إلى مزيد من غضب الشعوب الإسلامية، وتأجيج مزيد من العداوات ضد السياسات والمصالح الأمريكية المنحازة والمتحيزة.

والأولى بكم بدلا من إثارة الشعوب وإشعال الحروب وإذكاء صراع الحضارات أن تعيدوا النظر الجاد والمسئول فى سياساتكم المنحازة حيال شعوبنا فى العراق وفلسطين، حتى يعم عالمنا المضطرب العدل والحق والسلام، وحتى تتعايش الشعوب على أساس من تلاقح وتحاور الحضارات ووفقا للمصالح المشتركة لخير البشرية جمعاء.

إننا نطالبكم برفع الحصار الظالم على شعبنا فى العراق، كما نطالبكم بالتوقف عن الانحياز الكامل للعدو الصهيونى الغاضب، وإعلان فك التحالف الإستراتيجى مع هذا الكيان العدوانى والوجود الإرهابى، والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى فى أرضه وموارده ومقدساته ودولته الحرة المستقلة، والكف على مد هذا العدو بالمال والسلاح والمواقف المنحازة انحيازا كاملا له.

وإننا إذ نؤكد لكم على حقيقة أن ديننا الحنيف ينبذ العنف ويرفض العدوان على الأبرياء وينادى بالتعايش السلمى بين الشعوب، لتشدد فى الوقت نفسه على ضرورة وقف العدوان على الشعب الأفغانى المسلم، حتى ننقذ العالم من صراع شامل مدمر لا يبقى ولا يذر.

والله سبحانه يقول الحق ويهدى إلى سواء السبيل

مصطفى مشهور - المرشد العام للإخوان المسلمين

القاهرة 23 من رجب 1422هـ /10 من أكتوبر 2001

          ولم يقتصر الأمر على البيانات الرسمية، بل كان في مثل وضوحها، المقابلات الصحفية وتصريحات قادة الجماعة.

          ففي حديث أصحفي أجرته وكالة "قدس برس" للأنباء في 2 يناير 2002 مع فضيلة المرشد العام الأستاذ مصطفى مشهور، قال فضيلته:

          * تبدو العلاقة بين الإسلام والغرب في أشد التوتر بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الماضي.. هل نحن في أجواء حرب بين الإسلام والغرب؟

          الأستاذ مصطفى مشهور - لقد حرص المسلمون من خلال إيمانهم بالإسلام، وفهمهم لمعالم وأركان وأبعاد عقائده وتشريعاته ونظمه، على التواصل مع الغير، من أجل خير ونفع البشرية وتقدمها، ومن ثم كان تعاونهم مع الآخر، وتبادلهم للمصالح والمنافع على أساس من الندية، وتبادل المنافع والمصالح، وفي إطار علاقات تنهض على دعم السلام والأمن، وتأكيد الحرية والعدالة.. والقرآن الكريم أكد على ذلك في قول الله عز وجل (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (سورة الممتحنة/ الآية 8).

          من أجل هذا، وعلى أساس من هذا، لم يقدم المسلمون على شن عدوان على الآخر، أو استعمار لأرض وديار الآخر، كما قدموا للعالم مثالا لحضارة تؤكد على نشر العلم والمعرفة والقيم والمثل والنور والعدالة والمساواة، إلا أن علاقة الغرب مع عالم العرب والمسلمين لم تكن سمنا على عسل، منذ أن امتلك الغرب أسباب القوة، وسخر العلم من أجل بسط النفوذ والسيطرة، وحركته دوافع التعصب والعنصرية.. لقد زرع الغرب في أرض الإسلام والمسلمين الأشواك حين حرك الجيوش الصليبية، وعمد إلى ترسيخ جذور الاستعمار، واستخدم سبل القمع والقهر، واتبع سياسة استنزاف الموارد، وأحكم الحصار العلمي والتكنولوجي حول المسلمين، وزرع الكيان الصهيوني في قلب أرضهم وديارهم، وعلى حساب وجود شعب عربي مسلم، وواجه سماحة الإسلام بالغطرسة والصلف، واستخدام كافة أسلحة الإبادة واقتلاع جذور وأسباب الحياة.

          وبعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر)، التي استنكرها العرب والمسلمون على مستوى الحكومات والشعوب، يتعرض العرب والمسلمون لأشد حملات التشويه والملاحقة والاعتقال، بل والإبادة، تحت شعار الحرب على الإرهاب، والتهديد بتوسيع رقعة تلك الحرب، لتشمل أقطارا جديدة، بل ولتشمل كافة العرب والمسلمين، ولا نحسب أن ثمة سلاحا يمتلكه العرب والمسلمون هو أمضى من سلاح الوحدة.. وحدة الصف والكلمة، وتوحيد الجهود، وحشد الإمكانات والطاقات، على أساس من الإيمان والالتزام بالهوية والأصالة، للذود عن الأرض والعرض، والوجود والمصير، والدور والحضارة.

          كما قال فضيلته في مقابلة صحفية أجرتها معه جريدة " الميدان " المصرية في 15 فبراير 2002:

          س- أيدت الرئيس مبارك في دعوته لأن يكون التحالف ضد الإرهاب ضمن إطار دولي ومفاهيم محددة.. فما هو تعريفك للإرهاب؟

          فضيلة المرشد: نحن ضد الإرهاب.. وضد قتل الأبرياء، وإن كنا نطالب بتعريف يلتقي عليه الجميع حول الإرهاب مع وجوب التفريق بين حركات وطنية تسعى لتحرير شعوبها وأرضها وأعمال تستهدف أرواح ودماء الأبرياء.

س- ماذا ترون في تجميد أمريكا والدول الأوروبية لأموال الجمعيات الخيرية الإسلامية بحجة أنها تمول الإرهاب؟

فضيلة المرشد: تجميد أموال الجمعيات الخيرية الإسلامية وأموال لجان الإغاثة والعمل الاجتماعي يعني قطع الطريق أمام تواصل وتكافل المسلمين، إنه إجراء يهدف لقطع أواصر وروابط التراحم وضرب جذور الانتماء للأمة الواحدة التي تسعى لنشر القيم وما فيه خير الناس.

          وحين يجري ذلك تحت شعار محاربة الإرهاب وإزاء جمعيات تنهض بعمل وتمارس أنشطة في مجالات إنسانية كعلاج المرضى وفتح المستشفيات أو فتح المدارس ونشر العلم والمعرفة أو كفالة اليتامى والمسارعة في نجدة ومساعدة الملهوف فإن ذلك إنما يدل على سوء القصد والحرص على إلحاق الأذى بالمسلمين خاصة وأن هذه الجمعيات تعمل في إطار قوانين تلتزم بها ولها حساباتها المسجلة والتي تخضع لإشراف ومراجعة جهات رسمية من قبل حكومات بلدانها وليس ثمة شك أن أمريكا لو كانت قد وجدت بالفعل صلة بينها وبين جماعات الإرهاب لكانت هناك إجراءات لا تغيب عن بال.. ومن الأهمية بمكان أن نشير هنا إلى مثال يتمثل بتجميد أمريكا لأموال بنك التقوى الذي أكد أصحابه كما أكدت الأجهزة الرسمية الأوروبية القانونية والأمنية أنه ليس ثمة أي صلة بينه وبين جهات إرهابية.. ورغم ذلك هناك إصرار على استمرار تجميد أمواله بل وصل الأمر إلى حرمان أصحابه من صرف الضروري من أموالهم لمواجهة نفقات وتكاليف المعيشة اليومية الضرورية والحياة.

وبعد، هذا كتابنا في يميننا، وهذه شهادتنا بالحق على أنفسنا، وهذه دعوتنا بالحكمة والموعظة الحسنة إلى صفحة جديدة في علاقات الناس والشعوب، تنتزع بها جذور الشر ويفئ بها الجميع إلى ساحة العدل والحرية والسلام.

والله أكبر ولله الحمد

 

من منطلق إسلامي ندين الإرهاب بدون تحفّظ

من دراسة بقلم: الشيخ فيصل المولوي الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان – رحمه الله -

لا يكاد يمرّ يوم إلاّ ويصدم العالم كلّه بأعمال عنف تطال الأبرياء من الناس، كان آخرها التفجيرات التي طالت السياح في شرم الشيخ فأصابت الكثير من المصريين، وقبلها تفجيرات لندن ومدريد والرياض والدار البيضاء، فضلاً عمّا يحدث في العراق المقاوم من أعمال تحصد المئات من الأبرياء في الشوارع وعلى أبواب المساجد في كثير من الأحيان.

من المؤكّد أنّ من أهمّ أسباب هذا العنف الأعمى، ما يجري في العالم من ظلم فاضح تمارسه القوى العالمية الكبرى وفي مقدّمتها الولايات المتّحدة الأمريكية ضدّ الشعوب المستضعفة في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها، وتسخّر في كثير من الأحيان المؤسسات الدولية (كمجلس الأمن) لتحقيق أطماعها ومصالحها وتبرير اعتداءاتها، ممّا يؤجج شعور الحقد عند المظلومين ضدّ العالم كلّه، ويجعلهم لا يميّزون بين المقاتلين والمدنيين، ولا يبيّن العدو والصديق فيوجهون أعمالهم ضدّ شعوبهم أيضاً ..

هذا الكلام الذي يكرّره كثيرون، ومنهم مسؤولون ورجال فكر وصحافيون في العالم الغربي نفسه، قدّ يفسّر بعض أسباب ما يجري من أعمال عنف، لكنّه لا يعني تبرير هذه الأعمال .. ونحن من منطلق إسلامي صرف ندين الإرهاب بدون تحفّظ .. ونرفض أن ينسب الإرهاب للإسلام والمسلمين.

من العجيب أن تسمى العمليات الإرهابية التي تنسب للمسلمين بغضّ النظر عن أسبابها وظروفها إرهاباً إسلامياً، وتوضع بسببها الخطط لمحاربة الإسلام كدين، وتبذل محاولات لتعديل مناهج التعليم، ولمحاصرة الأعمال الخيرية والدعوية، وتقام مؤسسات دولية لتزييف الفكر الإسلامي وتعديل الثوابت الإسلامية، بينما يقوم الصهاينة بجرائم إرهابية يومية، كان آخرها إطلاق الرصاص على ركاب فلسطينيين في حافلة من قبل جندي إسرائيلي، ولا يجرؤ أحد على تسمية هذه الأعمال إرهاباً يهودياً، وقد قام الصرب بمذابح مشهورة منها مذبحة سربرينيتسا التي ذهب ضحيتها أكثر من ثمانية آلاف مسلم، ولا يتحدّث بسببها أحد عن إرهاب مسيحي أو أرثوذكسي ..

ومن المعروف أنّ نمور التاميل في سيرلانكا قاموا بالكثير من العمليات الانتحارية الإرهابية، ولم يتحدّث أحد عن الإرهاب الماركسي.

لا بدّ من التمييز بين الإرهاب العدواني الابتدائي، الذي لا سبب له إلاّ العدوان على الآخرين، طمعاً بالتسلّط على بلادهم وثرواتها، وبين المقاومة المشروعة التي تقوم بها الشعوب المقهورة دفاعاً عن حقوقها وكرامتها ثمّ تتورّط ببعض الأعمال الإرهابية.

ولا بدّ لنا من مطالبة المقاومين بتنقية أعمال المقاومة من مثل هذه التجاوزات والاكتفاء بتوجيه السلاح إلى المقاتلين الأعداء، التزاماً بالقيم الإسلامية والإنسانية.       

ولأنّ أكثر هذه الجرائم منسوبة إلى المسلمين، وإن كنت أرجّح أنّ دوائر الاستخبارات المعادية ليست بعيدة عنها.

ولأنّ بعض المسلمين يحاولون أن يقدّموا لها تبريرات شرعية، مما يزيد في تأليب الرأي العام الإسلامي أولاً والعالمي ثانياً ضدّ الإسلام، وضدّ الحركات الإسلامية باعتبارها طليعة المقاومة ضدّ كلّ أنواع العدوان الأجنبي، وضدّ الدول والشعوب الإسلامية باعتبارها السوق الواسعة لنظام النهب العالمي.

ولأنّ جميع التبريرات التي تقدّم ممّن يبرّرون هذا العنف الأعمى، تدور حول فهم خاطئ لأحكام القتال في الإسلام، وأحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

لذلك أردت أن أشرح بعض الضوابط الشرعية في هاتين المسألتين، مقتصراً على ما يتعلّق منها بمثل هذه الأعمال فأقول:

بعض الضوابط الشرعية

لأحكام القتال في الإسلام:

الأول: أن القتال المشروع في الإسلام، وهو الجهاد في سبيل الله، لا يكون إلا ضد العدو الخارجي .. يفهم ذلك من السياق التاريخي لأحكام الجهاد، فالمسلمون في مكّة المكرّمة كانوا يتعرّضون لأبشع أنواع الاضطهاد والإيذاء حتى قتل بعضهم تحت التعذيب، ومع ذلك لم يأذن الله لهم بالقتال بل قال لهم: (كفّوا أيديكم وأقيموا الصلاة..) النساء 77 ..

حتى إذا هاجروا إلى المدينة وأقاموا فيها دولتهم بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لهم بالقتال دفاعاً عن أنفسهم: (إنّ الله يدافع عن الذين آمنوا، إنّ الله لا يحبّ كلّ خوّان كفور. أذن للذين يقاتلون بأنّهم ظلموا، وإنّ الله على نصرهم لقدير..) الحج: 38 ..

وقد ذكر القرطبي في تفسير هذه الآية أنّه لمّا كثر المؤمنون بمكّة: "وآذاهم الكفّار، وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة، أراد بعض مؤمني مكّة أن يقاتل من أمكنه من الكفّار، ويغتال ويغدر ويحتال، فنزلت هذه الآية وهي أفصح نهي عن الخيانة والغدر". ومعنى ذلك بوضوح أنّ القتال داخل المجتمع ليس مشروعاً سواء كان المسلمون فيه قليلاً أو كثيراً.

ومن يراجع آيات القرآن الكريم التي تبيح القتال يجدها كلّها تتناول العدو الخارجي، باستثناء آية واحدة تحدّثت عن وقوع قتال بين فئتين من المسلمين، وأمرت بالإصلاح بينهما، حتى إذا بغت إحداهما على الأخرى أمر المسلمين بقتال الفئة الباغية: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما، فإن بغت إحداهما على الأخرى، فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) الحجرات: 9 ..

ومثل ذلك الأحاديث النبويّة الصحيحة فهي أيضاً لا تخرج عن هذا النطاق ..

ومن هنا يتبيّن لنا أنّ ما يجري في البلاد العربية والإسلامية من أعمال قتالية ضدّ المدنيين لا تدخل في باب الجهاد المشروع.

الثاني: لا يجوز قتل المدنيين أثناء القتال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث المروية في الصحيحين، وسائر كتب السنّة عن قتل الأطفال والنساء غير المقاتلات والشيوخ غير المقاتلين والعسفاء (الأجراء الذين يعملون في غير شؤون القتال) والتجّار والرهبان في الصوامع، وقد قاس الفقهاء على هذه النصوص فمنعوا قتل الأعمى والمريض المزمن والمعتوه والفلاح وأمثالهم، وهؤلاء يسمون اليوم (المدنيون) وقد اتّفقت المواثيق الدولية على عدم جواز التعرّض لهم أثناء الحروب.

نعم، قد يقع أثناء احتدام المعارك أن يصاب بعض المدنيين بالأذى، وهذا يحصل عادة في جميع أنواع الحروب، ومن قبل كلّ الفرقاء، ولم يجزه الفقهاء إلاّ بشرط أن لا يكون هناك تقصّد لقتل غير المقاتلين، قد نقل الشوكاني عن ابن بطال: "أنّه اتّفق الجميع على المنع من القصد إلى قتل النساء والولدان" (نيل الأوطار: 7/211).

وتعتبر وصيّة أبي بكر رضي الله عنه لأوّل جيش إسلامي خرج من الجزيرة العربية لقتال الروم أعظم وثيقة في التاريخ لمنع العنف وحماية المدنيين أثناء القتال، وقد جمع فيها ما ذكر في أحاديث متفرّقة، قال: "لا تمثّلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً، ولا شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً (لا تقطعوه) ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلاّ لمأكلة، وسوف تمرّون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له" (تاريخ الطبري).

ومن هنا نعلم أنّ التفجيرات التي تتقصّد المدنيين كما حدث في لندن ومدريد وشرم الشيخ والرياض وغيرها تخالف أحكام الجهاد المعروفة.

الثالث: لا يجوز قتل الرسل: يقول ابن القيّم: "وكانت تقدم عليه أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم رسل أعدائه فلا يهيجهم ولا يقتلهم" زاد المعاد 3/139 .. وقد ورد في أكثر كتب السيرة خبر مجيء رسولي مسيلمة الكذّاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما ابن النواحة وابن أثال، وأنّهما أبلغا رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة مسيلمة، "ولما سألهما: أتشهدان أني رسول الله؟

قالا: نشهد أنّ مسيلمة رسول الله.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: آمنت بالله ورسوله: لو كنت قاتلاً رسولاً لقتلتكما" (رواه أحمد 3/487 وقد وردت مثل هذه الرواية بألفاظ مختلفة في سنن أبي داود 2/486 وفي سنن الدارمي 2/191 وفي سنن البيهقي 9/356 وفي مشكاة المصابيح).

بل إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يحبس الرسول عنده حتى ولو أعلن إسلامه.

ذكر ابن القيّم في زاد المعاد أنّ أبا رافع قال: "بعثتني قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلمّا أتيته وقع في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله، لا أرجع إليهم.

فقال: إني لا أخيس العهد، ولا أحبس البرد، إرجع إليهم، فإن كان في قلبك الذي فيه الآن فارجع" (رواه أحمد 6/8 وأبو داود 2/484) لا أخيس العهد: لا أنقض العهد، البرد: الرسل ..

ومن هنا نعلم الحكم الشرعي في قتل السفير المصري والمبعوثين الجزائريين في العراق، إذ هم سفراء لا يجوز قتلهم حتى لو كانوا كفاراً، فكيف وهم مسلمون، ودماؤهم معصومة بسبب إسلامهم أولاً وبسبب وظيفتهم ثانياً، فضلاً عن أنّ الشعبين المصري والجزائري يؤيدان بشكل مطلق المقاومة العراقية.

الرابع: خطف الأبرياء كرهائن:

1- إنّ خطف الرهائن واحتجازها يعتبر من الأعمال الحربية، ولذلك فهو غير جائز أصلاً إلاّ في حالة الحرب المعلنة، وقد خطف بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ناساً من أهل الحرم من المشركين وهم غافلون، وذلك عندما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكّة معتمراً، فأطلق سراحهم لأنّه لم يكن في حالة حرب بل خرج معتمراً (تفسير الطبري 26/59).

كما أطلق سراح الأربعة من المشركين الذين خطفهم سلمة بن الأكوع بعد صلح الحديبية لأنّه لم يكن في حالة حرب (صحيح مسلم غزوة ذي قرد).

2- ومن الطبيعي أن نقول: إنّ الذين لا يجوز أصلاً قتلهم في حالة الحرب، لا يجوز خطفهم وتهديدهم، فلا يجوز خطف النساء والأطفال والشيوخ والرهبان والأجراء وغيرهم من المدنيين غير المقاتلين ولا السفراء أو من في حكمهم، وإذا حصل ذلك فالواجب الشرعي يقتضي إطلاق سراحهم فوراً، إلاّ إذا كانوا متّهمين بالتجسس لحساب العدو ..

ومن هنا نعلم الحكم الشرعي في كثير من حوادث الخطف غير المبررة .. كما أننا نشيد بعملية إطلاق سراح المحتجزين عند بعض مجموعات المقاومة حين تبيّن من التحقيق معهم براءتهم من  تهمة التجسّس.

3- والمخطوفون كرهائن لهم بعد خطفهم أحكام الأسرى، ولذلك يجب إكرامهم التزاماً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى وأن يستوصوا بهم خيراً ..

أما مصيرهم فهو محصور في كتاب الله عزّ وجلّ بين إطلاق سراحهم منّاً عليهم بدون مقابل، وبين إطلاق سراحهم مقابل فدية معيّنة، قال تعالى: (... فإمّا مناً بعد وإما فداءً حتى تضع الحرب أوزارها) محمّد: 4 ..

وقد أجاز بعض الفقهاء قتل الأسير إذا رأى الأمير ذلك، وإذا كان قد ارتكب عملاً يستحقّ به القتل. هذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عدد قليل جداً من الأسرى الذين كانوا قد ارتكبوا جرائم أخرى يستحقّون عليها القتل، وإجماع العلماء منعقد على أنّه لا يجوز للخاطف أن يقتل أسراه، بل يعود ذلك لولي الأمر بناءً على حكم قضائي ..

من هذه الأحكام الشرعية المعتمدة يتبيّن لنا خطأ كثير من حوادث الخطف التي تجري اليوم.

رحم الله العالم الفاضل والشيخ الجليل

وثبتنا الله على طريقه غير مضيعين ولا مبدلين

وسوم: العدد 643