حاشية ترجمة معاني القرآن للعلامة عبد الله يوسف علي
من العجم _ بلغة أسلافنا _ من أتقن العربية إتقانا جاوز به فصحاء العرب وبلغاءهم ، وهذه الظاهرة اللغوية الاجتماعية قديمة ، ولم تتوقف يوما حتى زمان الناس هذا ، ولن تتوقف إلى يوم يبعثون . في القديم ، أسهم العجم من الفرس بالنصيب الأكبر في وضع علوم العربية ؛ فسيبويه إمام مدرسة البصرة النحوية فارسي ، والكسائي والفراء إماما مدرسة الكوفة النحوية فارسيان . وعبد القاهر الجرجاني واضع نظرية النظم في البلاغة فارسي ، وابن جني مؤسس علم الصرف العربي يوناني ، ولا نتحدث عن فحول الشعراء من الفرس واليونانيين في العصر العباسي مثل بشار بن برد وأبي نواس الفارسيين ، وأبي تمام ( المنسوب إلى طيء العربية) وابن الرومي ذوي الأصل اليوناني . وللمستشرقين الأوروبيين دور كبير رائد في بعث التراث الأدبي العربي تحقيقا وطبعا ونشرا . وفي الوقت الحاضر لا حصر ولا حاصر لمتقني العربية الأجانب . ومن الأسماء النابغة الكبيرة في هذا الحقل العلامة الهندي المسلم عبد الله يوسف علي ( 1872 _ 1953) الذي فقه العربية فقها مكنه من ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الإنجليزية في 1934 ، ولا تزال ترجمته تلك أوسع الترجمات الانجليزية انتشارا لما فيها من دقة وصحة فهم للنص القرآني الكريم _ وإن لم تخلُ بداهة من هنات ؛ فليس بالمهمة العادية أن يقدم أحد على ترجمة معاني القرآن _ ، وللحاشية التفسيرية التي رافق بها سور الكتاب العزيز شرحا لآياتها وتبيانا للقضايا والمسائل التي تتناولها واضعا في محور انشغاله أنه يستهدف قارئا غريبا عن الإسلام والبيئة والثقافة العربيتين . وتؤلف حاشيته تفسيرا كاملا للقرآن نادر النوعية في التفاسير المعروفة لانطلاقه فيها من ثلاث ثقافات هي الهندية والعربية والأوروبية ؛ فلا مغضة عنده مثلا من أن يستشهد في تفسيره ببيت لشكسبير . ويسرت له معرفته بالكتب الدينية اليهودية والمسيحية أن يضيء تفسيره بما تذكره تلك الكتب مثلا عن يوسف وموسى وعيسى عليهم السلام إضاءة لا تغاير جوهر ما في الكتاب العزيز . نحن هنا مع مسلم يعرف عظمة كتاب عقيدته الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . وبسعة هذه الحاشية وارتقائها إلى منزلة تفسير وافٍ مستقل يتميز عبد الله عن مترجمي معاني القرآن الآخرين الذين يكتفون بتوضيحات قليلة في حواشي ترجمتهم لا تعين قارىء الترجمة الأجنبي على فهم معقول للنص القرآني ، وتخلص حركات عبدو في ترجمته الفرنسية من مشكلة التفسير بأن أرفق معها ترجمة تفسير ابن كثير . نتمنى أن تقدم جهة عربية قادرة ماليا وعلميا على ترجمة حاشية العلامة عبد الله إلى العربية لعظم قيمتها ، ولما في ذلك من تكملة لرسالته التي اضطلع بها في همة العالم الحقيقي، وحماسة المؤمن المحب لعقيدته ، والعامل بقول المصطفى _ عليه أفضل الصلاة والسلام _ : " بلغوا عني ولو آية " . رحم الله عبد الله وأجزل له الثواب، بلغ كل الآيات . ولننظر في ترجمة بعض تفسيره للآية الحادية والسبعين من سورة القصص " قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تذكرون " ، يقول : " الليل والنهار في الكون نعمتان جليلتان من نعم الله _ سبحانه _ ، نعمة الليل لراحة أبداننا وأذهاننا ، ونعمة النهار لكسب معاشنا . وتعاقب النعمتين من معجزات الله في خلقه ، وما من أحد غيره بقادر على منحنا هاتين النعمتين . ولو كتب لراحتنا أن تكون سرمدية ، أو قدر للنور أن يحجب عن أبصارنا لكلت قدرتنا عن فعل أي شيء ، ولكانت حالنا من حال الموتى أسوأ . ومن ناحية أخرى ، لو قدر لعملنا أن يتسرمد لأدركنا اللغوب ، ولمتنا نوعا آخر من الموت ( يقصد الموت الروحي والعجز عن عبادة الله . المترجم ) . إن معجزة اختلاف ( تعاقب ) الليل والنهار الدائبين تبقينا أحياء ، وتهيئنا في دنيانا الزائلة هذه إلى مآلنا النهائي في الحياة الآخرة ... " .
وسوم: العدد 643