قراءة في معايير النضج النفسي
عندما قلتِ لي ذات يوم "أبي أنا لا أومن إلا بذاتي" رأيتك زهرة متوحدة في صحراء ضمائر أشباه بشر يتناسلون بجهلهم في البحر إلى البحر
إليك أنت ابنتي وأنيستي أهدي خلاصة عن بعض ما قرأت
القناطر
ربيع سنة 2011
التفرد ومقاومة الإمتثال
"إن الانسان وحيداً طالما أنه ذات منفردة وهويعي ذاته لنراته منفصلة، وهو يجب عليه أن يكون وحيداً حين يكون عليه أن يحكم أو يتخذ القرارات منفرداً بقوة عقله"
أريك فروم
التفرد بمعناه إنقطاع النظير، والأنفراد أن يكون الإنسان منفرداً بنفسه، أي أن التفرد هو أن يحتفظ الشخص بهويته مستقلة ومتمايزة عن كل ما هو غيره أي أن يكون له لونه وبصمته الخاصة المختلفة عن الآخرين وأن يقاوم التقولب ومحاكات الآخرين والنعبان فيهم والتشكل بهم أي مقاومة الإمتثال وليس من السهل ذلك إذ سيلاقي الشخص ضغوطات كثيرة في مجتمعه تجبره على الشتكل في شالكتهم وتفقده تفرده.
فأنت مثلاً أن خالفت عادة من عادات مجتمعك، كمثل الاعتكاف أيام الأعياد ورفض الاختلاط بالآخرين لأنك تشعر برغبة بذلك عندها ستلاحقك نظرتهم وأقوالهم تضغط عليك للإنصياع لتلك العادات واستشهد بقول نوال السعداوي في أحد كتبها:
"إن حفظ المجتمع على الفرد الواحد يشبه الضغط الجوي، قد يحسه الفرد وقولاً يحسه، لكنه موجود دائماً وله آثار التي تستد أو تقل حسب قوة شخصيته ونضجها وحسب نوع المجتمع".
والسؤال ـ ما الذي يعطي المجتمع قوة الضغط على الشخص لإجباره على الانصهار بقوالبه وأعرافه.
إن الشخص الذي يفتقر للإحساس بالكفاية ولإمان ولا يجدها في داخله رغم وجودها أصلاً يشعر بالتهديد وعدم الثقة بنفسه حتى يصل لمرحلة الشك في هويته لأنه لا يعرف من هو ولا يتلامس مع ما يحدث في داخله، فهو لا يجد السلام والتوافق والإنسجام في داخل نفسه لأن هذه النفس غريبة عنه لا يعرفها فهو إذن ليس في علاقة صحبته معها ولذا فهو لا يحتمل اختباره للتوحد والانفراد وهي أساس اختلافه عن الآخرين لأنه نفسياً ليس له أقدم يستطيع الوقوف عليها بمفرده وهذا أمر مرعب لا يطيق احتماله واستشهد بقول أنطوني ستور الطبيب الإنجليزي في كتابه المشهير الاعتكاف:
"إن القدرة على التوحد هي أحد جوانب النضج الوجداني، تشير إلى الطمأنيية الداخلية التي تثبت شيئاً فشيئاً خلال السنوات الأولى من نالعمر".
ومن ثم نجد مثل هذا الشخص المفتقر للطمأنيية الداخلية يلجأ إلى التماثل والانصار بمجتمعه يسايرهم لكي يحصل على الطمأنية من جهة ذاته المبهمة لأنها تعطيه القبول والموافقة لهذا المجتمع تعطيه احساساً خارجياً بالأمان الذي فشل في الحصول عليه داخلياً ولكن هذه المعملية تعرضه لفقدانه لتفرده فعلى سبيل المثال بماذا تشعر من زملائك في عمل جديد يسود فيه العرف بالتغطية على تأخير بعضهم البعض عن طريق توقيع أي زميل بالنيابة عن زميله المتأخر وأنت الوحيد في هذا العمل الذي يرفض هذا الأسلوب؟ كيف تشعر عندئذ؟
وهذا ما يشرح لنا قوة ضغط البنية والمجتمع في مقابل حالة الفرد الداخلية من الشعور بالقيمة والثبات أو العكس.
وأستشهد أيضاً بقول عالم النفس والفيلسوف الأميركي إريك فروم عن هذه الحالة "يمكن مقاربة هذا الميكانيزم بالطريقة التي تلون بعض الحيوانات جسمها طلباً للحماية أنها تبدد مماثلة لمحيطها حتى أنه يصعب تمييزها والشخص الذي يتنازل عن نفسه الفردية ويصبح آلة متطابقة مع ملايين الآخرين من الآلات المحيطة به لا يحتاج إلى أن يشعر بأنه في وحدة وقلق بعد هذا، وعلى اي حال فأن الثمن الذي يدفعه غال جداً، أنه فقدان نفسه".
وعندما يتشكل الفرد بمجتمعه ويتجلى عن تفرده فأنه يصبح:
1. لا يستطيع بل يشعر بالخوف من الانفراد بنفسه الأمر الموجود بالضرورة في بني التفرد.
2. يحاول أن يرضي الآخرين دائماً وأن تشبه بهم ونجش مخالفتهم.
3. يصح اتكالياً يعتمد كثيراً على الناس كما لو كان لا يستطيع أن يعيش بدونهم.
4. يرتبط بالآخرين ارتباط زائد وغير صحي حتى أنه لا يشعر بوجوده دونهم باختصار يصير نسخة ووحدة طيه متكررة في بنيان المجتمع وتفقد أصالته.
أن القدرة على الأنعزال والأنفراد في ذاتها تساعد الفرد على اكتشاف نفسه وإقامة علاقة صحيحة معها هو المر الذي من شأنه أن يكسب الفرد القدرة على الاحتفاظ بهويته ولكن هذا الانفراد يصيبا بالرهاب وتفضل انقه صحبحه أو حتى أبفضها واكثر النشاطات خلواً من المعنى على أن منفرد بأنفسنا.
وهنا لا بد لنا نذكر أن معظم الرسالات السماوية بدئاً من بوذا انتهاءاً بآخر الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم أتت من خلال تفردهم وأنفرادهم بأنفسهم لفترات طويلة عرفوا من خلال أعماق أنفسهم وتجلت لهم رؤاً تتيح لغيرهم وكأنوا متفردين لهم شخصيتهم التي لا تشبه أي كان من أبناء جيلهم أو عصرهم ولن يكن قيل في عصور قادمة.
ومن البديهي أن عم الامتثال وفقد التفرد فالنتجية أن يختق تطبعاً متشابهاً ومتماثلاص من البشر المعاقين المجردين من أنسابتهم وليس مجتمع مكون من أفراد متفردين مستقلين ومسئولين ولعل الأمثلة لانهائية ولا حصر لها من حولنا مثل مسايرة الآخرين في الحديث عن السياسة أو كرة القدم أو ارتفاع الأسعار إذا كان هذا هو حديث المجموعة حتى أن كان لا يعنيني كثيراً أو المسايرة في خطوط الموضة ومسايرة الأعراف في تقاليد الزواج وحفلات الزواج حتى وأن كانت متعارضة بشدة مع قدرات الفرد أو معتقداته كل هذه الأمور لا تجري لا لسبب ولا لأن "الجميع يفعلون ذلك" "لا يصلح هكذا" مما يكشف مرضى فقدان الدافع مسايرة والامتثال لتلك المعادان والأعراف الا وهو موضوع الزواج الذي يعتبر الأهم في بناء المجتمع فهناك عرف المسوسة ا لذي يدفع النساء في مجتمعاتنا خاصة أن يطرحوا مفهوم مساند "ظل راجل ولا ظل حيطة" هذا مام يدفعهم لقبول أي رجل كزوج دون النظر إلى متطلعات نفوسهم لذلك الرجل خوفاً من شبح العنوسة وهذا ما ينتج عنه اسر متفككة وأجيال تحمل ما تحمله من أمراض نفسية نتيجة علاقة غير صحيحة بين الزوجين.
وهذا كله فقط من أجل مسايرة المجتمع لأنه يرى بذلك المنظور الخاطئ فليس كل ما يجمع عليه الأكثرية يعتبر صحيحاً ولنرد مثالاً على ذلك من خلال التجربة التي قام بها سولمون آش التي توضع لننا طغيان الامتثال وخطورته في المجتمع ففي هذه التجربة وضع آش ثمانية طلال متطوعين في غرفة ثم أعلن للطلاب أن التجربة سيشتركن فيها تدور حول فحص الرية البصرية (ما تراه العين) وضع آش على اللوح بطاقتين تبعد الواحدة عن الثانية
متراً واحداً. رسم على البطاقة (أ) مسقيماً واحد وعلى البطاقة (ب) رسمن ثلاث مستقيمات مختلفة الطول (كما هو موضح في الرسم) كان المستقيم الأوسط بين الثلاثة هو الوحيد المساوي في طوله للمستقيم على البطاقة (أ).
جلس الطلاب على بعد من الصور وطلب منهم الإجابة على السؤال التالي:
- أي مستقيم في البطاقة (ب) مساوْ في البطاقة (أ).
لقد سبق وتحدث آش مع 7 طلاب من بين الثمانية واتفق معهم على إجابة خطائة وفقط طالب واحد لم يشترك في المؤامرة.
دخل الطلاب إلى الغرفة في الساعة المتفق عليها وعندما سألتهم آس أي مستقيم في البطاقة (ب) مساو للمستقيم في البطاقة (أ) أجاب السبعة الواحد تلو الآخر وبصوت ماضح وواثق أن المستقيم في البطاقة (أ) تشير لنتائج إلى أنه عندما أجاب الطلاب السبعة بصوت واثق ومقنع أن المستقيم في الجهة اليمنى من البطاقة (ب) هو المساوي للمستقيم في البطاقة (أ) ظهر أن الطالب الثامن في حالة ارتباك فقد بدأ يهز رأسه ثم تجكه بأصابعه ويحرك رجليه بعصبية وعندما وصل دوره في الإجابة تردد لوقت طويل وفي النهاية أصدر قراره بصوت متردد ومرتجف لقد اختار كباقي المشتركين في التجربة نفسه المستقيم (من الجهة اليمنى من البطاقة ب) على الرغم من أنه كان واضحاً بأن الإجابة خاطئة. أثبتتتجربة آش التي أجريت مرات عديدة على مئات المشتركين أن للبنية الاجتماعية تأثير قوي جداً على عملية اتخاذ القرار وعلى التصرفات المنبثقة عنها وبقول أحد الأساتذة الجامعيين العرب الدكتور فلاح الفندي معلقاً على هذه التجربة.
(وفي تجارب آش اتخذ الفرد قرار مسايرة رأي الأغلبية الخاطئ لأنه ربما يشخى الأزدراء لكونه مختلف عن الأغلبية، فهذا التغير من قبيل حفظ الجماقة هو مثال على الإذعان وهذا ما يرينا خطورة التدمير الذاتي الذي يقوم به الإنسان حين يخدع نفسه ويحرق الحقيقة في مقبل إلا يخسر قبول الوسط الاجتماعي له ويتعرض للرفض أو لما يقولها إربك فورم بأسلوبه القوي الناقد.
"يميل الإنسان إلى قبول الحقيقة التي تقرها الغالبية العظمى من الجماعة، وما يصدره من أحكام تحدده حاجته إلى الاتصال بالقطيع وخوفه من الأنعزال عنه وقليل من الأفراد هم الذين يستطيعون احتمال هذا الانعزال، وقول الحق على ما فيه من خطر فقدان الصلة بالقطيع، وهؤلاء هم الأبطال الحقيقين للجنس البشري ولولاهم لكنا الآن نعيش في الكهوف".
وهنا أود أقتباس مقطعين من مقال الكاتبة المصرية د. منى حلمي تشير لها في مجلة روز اليوسف تحت عنوان "الخوف من الاختلاف".
"نعم لكل إنسان ذاته المتفردة التي لا تشبهها ذات أخرى، تماماً مثل بصمة الأصبع غير قابلة للتكرار، كل إنسان يولد متفرداً ولكن ليس كل إنسان يموت متفرداً ترى ما الذي يحدث لنا بين الولادة والموت؟
ترى ما الذي يسمح أو يقتل فينا فطرة التفرد؟ أنه "الخوف من الاختلاف" نخاف أن نفكر وتحس ونغضب ونحلم ونتكلم ونتحرك خارج الخطوط والمدارات المألوفة المرضي عنها منذ الصغر في الأسرة يزرع الأهل سلطة الأب أو سلطة الأم أو الاثنين معاً بدأيات هذا الخوف وتتعاون كل ثقافة المجتمع الأكبر من تدعيم ما أرسلته سلطة الأسرة في خلق أناس متشابهين التفكير والأحساس والأحلام"
"والشيء الغريب أن البشر يوجهون الكثير من الوقت والجهد والاهتمام لتنمية أشياء خارجة عنهم مثل النجاح والفلوس والشهرة لكسب الأصدقاء والعلاقات الاجتماعية كل ذلك في أطار من استحسان الآخرين ورضاهم ومرحهم لكنه ينجلون بالوقت والجهد والاهتتمام للاستماع إلى صوتهم الداخلي وإنهاء الذات المتفردة داخل كل منهم.
أن الأنشغال بالعالم الخارجي وإهمال العالم الداخلي يضع أسس اغتراب الإنسان من ذاته الحقيقية وطالما اغتراب الإنسان عن ذاته، فإنه يظل غير سعيد مهما وصل إلى نجاح مادي أو مركز مرموق أو شهرة أو فلوس ومعاً أحاط نفسه بالعديد من "الصداقات والعلاقات".
ماذا إذا خرج أحدهم إلينا اليوم قائلاً بأن الأرض مسطحة، وليست كروية، الا تتهمه بالجنون والمروق؟ أن هذا تماماً كان وضع العالم الفلكي جاليلو في ذلك الوقت حين خرج في مواجهة الجميع بما هو جنوناً ومروقاً منه آنذاك إذ قال بأن الأرض كروية وتدور حول الشمس وليس العكس وهكذا واجه جاليلو المجتمع بأسره متهماً بالجنوب والهرطقة فهل كان جاليلو كذلك؟
إذن هناك قاعدة هامة لابد وأن نتخلص إليها بعد هذا التصعيد وهي أن (إتفاق المجموع على شيء لا يعني بالضرورة صحته، وكذلك رفض المجموع لشيء لا يعني بالضرورة خطأه) وذلك على عكس العبارة الخاطئة والسائدة (الكل قالوا هكذا الكل يفعلون ذلك، هل ستفهم أكثر من كل هؤلاء) فالانتشار أن كان عرفاً أو عادة أ و دين ليس بالضرورة صدق الفكرة وهذا أشد ما نحتاج إليه في مجتمع كمجتمعنا المعاصر لكي ينمو ويتقدم.
إذ أننا مجتمع يبعيش على مورثات عتيقة من الأعراف والعادات والتقاليد والأديان البالية لمئات السنين دون أن يجرؤا أحد على فحصها أو حتى مناقشتها خوفاً من التعرض لمحاكم التفتتيش المعاصرة الممثلة برجال الدين وشيوخ القبائل.
وتذكر قول الكاتب روجز بالمز:
"أما ما يقوله الآخرون فلا يمكن أن نتخذه مقياساً لما هو صواب، أو حق، أو أخلاقي حتى لو كان شيئاً شرعياً لاعتبار عليه، فرأي الغالبية ليس هو بالضرورة رأي الله".
ونستخلص أن التفرد حتمية لنضوج المجتمع، إن إدراك الإنسان لهويته الداخلية (اليقين في هو يكون) وإيمانه بتفرده هو الأمر الوحيد الذي يجعل منه صاحب وجود خاص وفكر خاص يستطيع أن يسهم بها في المجتمع، ولكن أن ضاعت هوية الإنسان الخاصة وفقد التفرد واختلاف إنحل المجتمع واضطرب، فاختلاف الأفراد واحد من أهم حيثيات نضج المجتمع كما يخبرنا د. زكي نجيب محمود حين يقول:
"أن المثل الأعلى لحياة المجتمع هو أن يكون لكل فرد طابعه الخاص الذي يتميز به دون سائر الأفراد، وأن يختلف برأيه ما شاء له، لأنه إذا تشابه إثنان من البشر تشابهاً كاملاً كان أحدهما زائدة لا مبرر لها، ولكن شريطة أن يجيء اختلاف الأفراد مماثلاً لاختلاف الالات الموسيقية مع مختلف العازفين في سيفونية واحدة".
وهنا نرى أن تماثل الفرد للمجتمع ومشاكلتهم بعضهم للبعض، بخلاف أنه تعبير عن فقدان الهوية والأمان الداخلي فإنه يضيع تشوهاً ومرضاً خطيراً في الإنسان وبالتالي في المجتمع، وهذا المرض هو فقدان الأصالة، أي أنه يصير الشخص نسخة مكررة في تطابق رتيب، مما يفقد الحياة سمة الخلق والإبداع أو بالأخرى بفقد الوجود معناه ترى كيف يكون وضعك، خاصة ولو كنت فتاة من مجتمعنا الشرقي إذا خالفت أحد تقاليد المجتمع المقدسة في مسألة الارتباط والزواج، ماذا لو رفضت الزواج رغم بلوغك الثلاثين من العمر ورغم تقدم أكثر من شاب جيد، لا لسبب إلا لعدم التوافق في بعض الطباع ووجهات النظر؟ ماذا أذا أصرت على دراسة شخصية المتقدم للإرتباط بك لمدة عامين، كما يقول العلماء قبل الارتباط للتأكد من قبل وتوافق شخصياتكم؟ هل تستطيعي أن تتمسكي بقرارتك الفردية في مواجهة الأعراف أو تقبلي بالطريق السهل ومسايرة المجتمع وتخسري التفرد والأصالة؟! إن حدث هذا فسوف يكون بعده سلسلة من التنازلات التي لا حصر لها لتكوين أما فاشله وزوجه بخيبة ترى هل نستطيع نحن اليوم أن نقول عن أنفسنان أننا نمتلك هذه الروح الحرة المتفردة في مواجهة تقاليد المجموع؟! أننا للأسف لا نستطيع في كثير من الأحوال مخالفة تقاليد بالية وضعها المجتمع الديني أو المجتمع القبلي من الآف السنين ولا زلنا نمتثل إليها اليوم جيلاً بعد جيل خوفاً من الرفض والنبذ من الآخرين، يا لنا من مجتمع مكون من أفراد بلا هوية وبلا أمان داخلي.
أننا نشبه دودة القز التي يظل أفرادها يتبعون بعضهم البعض في حلقة مفرغة وبلا نهاية بحثاً عن الغذاء حتى تهلك جميعاً والغذاء أقرب ما يكون في منتصف الدائرة، ذلك لأن أي منها للأسف لم يستطيع أن يكسر الدائرة وتخرج من القطيع، وهذا أريد أن أختم مع قتباس من وقال للكاتبة المصرية المتميزة الدكتورة منى حلمي بما نشر لها في مجلة روز اليوسف تحت عنوان "الخوف من كلام الناس" حيث تقول:
"إن المجتمعات الإنسانية تتميز بمدى قدرتها على قهر وكسور الخوف وهذا ينطبق أيضاً على الأفراد، مما يميز إنساناً عن آخر رجلاً أو أمراءه هو عدد المخاوف التي انتصر عليها؟
نستطيع أن نتكب تاريخ الشعوب بالتعرف على المخاوف المهزومةم، نستطيع أن نتابع التقدم في حياة النساء والرجال بمتابعة المخلوق التي قضى عليها وفي مجتمعاتنا يحتل (الخوف) مكاناً كبيراً على خريطة وجودنا وأحلامنا وحركتنا ولهذا السبب فإن وجودنا متعثر وأحلامنا مجهضة وحركتا مكبلة، في مجتمعاتنا يحتل (الخوف) مكاناً كبيراً على خريطة وجودنا وأحلامنا وحركتنا ولهذا السبب فإن وجودنا متعثر وأحلامنا مجهضة وحركتا مكبلة، في مجتمعاتنا تخاف الناس من المجهول ومن المعلوم تشاركنا فيه مجتمعات أخرى، لكن هذا النوع المتفرد من الخوف يكاد يكون أحدى السمات المميزة لمجتمعاتنا أنه الخوف من كلام الناس، ربما نفهم قليلاً الخوف من المغامرة والمخاطرة أو الخوف الوحده والترقي ولكن ليقل لي أحد لماذا نخاف كلام الناس؟! ليقل أحد لماذا وكيف يكون كلام الناس أهم من كلام العقل أو كلام المنطقة لماذا وكيف يكون كلام الناس مانعاً لأخذ القرار السليم أو السلوك العادل أو القول الحق أو حتى مجرد الحلم بالتغيير.
لماذا يهمنا كلام الناس ولا يهمنا تحقيق رغباتنا لماذا نعطي كلام الناس أولوية على راحتنا وسعادتنا وصدقنا وحريتنا، لماذا وكيف رأيتنا المقدرة على إسكات ضمائرنا ولا تأتينا القدرة على إسكات كلام الناس، البعض يبالي بعقاب الناس أكثر بكثير مما يبالي بعقاب الله.
لماذ وكيف تورقنا نظرة الناس لنا ولا تؤرقنا نظرتنا إلى أنفسنا؟!.
لماذا وكيف يشغلنا احترام الناس لنا ولا يشغلنا احترامنا لأنفسنا يسعدنا جداً رضاء الناس علينا.
من تأملاتي والحكايات العديدة التي أسمعها من أصدقائي وصديقاتي ومعارفي أقول أن كلام الناس كرباج على أرواحنا وأجسادنا أقول أن الخفو من كلام الناس يفوق كل خوفٍ وأن المعركة معه شائكة وشرسة.
المراجع
1. د. نوال السعداوي، الرجل والجنس.
2. انطوني ستور، الاعتكاف عودة إلى الذات.
3. إريك فروم، الخوف من الحرية.
4. د. فلاح الغنذي، علم النفس الاجتماعي.
5. د. نوال السعداوي، المرأة والجنس.
6. إريك مزوم، الدين والتحليل النفسي.
7. كارل بسونج، الإلة اليهودي.
8. إرفين ماي وبالوم، مدخل إلى العلاج النفسي الوجودي.
9. د. منى حلمي، مجلة روز اليوسف العدد 3931 تاريخ 27/10/2003
وسوم: العدد 644