( سنّةُ الله في الدعوات )
د. فوّاز القاسم / سوريا
( حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) يوسف 110
إن سنّة الله الثابتة في الرسالات والدعوات هي الابتلاء والفتنة ، فلا بد من الشدائد , ولا بد من الكروب , حتى لا تبقى بقية من جهد ، ولا بقية من طاقة لدى الأنبياء وأتباعهم ، ثم يجيء النصر من عند الله ، بعد اليأس من كل أسبابه الظاهرة التي يتعلق بها الناس ، فينجو الذين يستحقون النجاة ، ويحل بأس الله بالمجرمين , مدمرا ماحقا لا يقفون له , ولا يصده عنهم ولي ولا نصير .
ذلك كي لا يكون النصر رخيصا فتكون الدعوات هزلاً .
فلو كان النصر رخيصاً لقام في كل يوم دعيٌّ بدعوة لا تكلفه شيئاً . أو تكلفه القليل . ودعوات الحق لا يجوز أن تكون عبثاً ولا لعباً . فإنما هي قواعد للحياة البشرية ومناهج , ينبغي صيانتها وحراستها من الأدعياء .
إن الدعوة إلى الله ليست تجارة قصيرة الأجل ; إما أن تربح ربحاً معيناً محدداً في هذه الأرض , وإما أن يتخلى عنها أصحابها إلى تجارة أخرى أقرب ربحاً وأيسر حصيلة !
والذي ينهض بالدعوة إلى الله في المجتمعات الجاهلية ، يجب أن يوطن نفسه على أنه لا يقوم برحلة مريحة , ولا يقوم بتجارة مادية مربحة !
إنما ينبغي له أن يستيقن أنه يواجه طواغيت يملكون القوة والمال والإعلام ، ولديهم القدرة على استخفاف الجماهير حتى ترى الأسود أبيضاً ، والأبيض أسودا !
ولديهم القدرة كذلك على تأليب هذه الجماهير ذاتها على أصحاب الدعوة إلى الله , باستثارة شهواتها ومصالحها ، وتهديدها بأن أصحاب الدعوة إلى الله يريدون حرمانها من هذه الشهوات والمصالح ! . .
ويجب أن يستيقنوا أن الدعوة إلى الله كثيرة التكاليف , وأن الانضمام إليها في وجه المقاومة الجاهلية كثير التكاليف أيضا .
وأنه من ثم لا تنضم إليها - في أول الأمر – إلا الصفوة المختارة في الجيل كله , التي تؤثر حقيقة هذا الدين على الراحة والسلامة , وعلى كل متاع هذه الحياة الدنيا وهؤلاء يكونون قلّة في البداية ، ثم يفتح الله بينهم وبين قومهم بالحق , بعد جهاد يطول أو يقصر ، وعندئذ فقط تدخل الجماهير في دين الله أفواجا .
(ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله )