مراجعة حساب
مصطفى العلي
أما آن لنا بعد كل هذه المفاجئات وتوالي الضربات والصفعات التي تتلقاها ثورتنا الميمونة من حيث نحتسب ومن حيث لا نحتسب أن يبادر أولوا الألباب منّا والنهى إلى مراجعة الحساب وأن يمد كل واحد يده يتحسس من بجواره ... يعرف من على يمينه ومن على شماله!؟ تماما كما فعل جنود المشركين في موقعة الأحزاب يوم طلب منهم قائد جيشهم آنذاك أبو سفيان , ذكاء منه ,أن يفعلوا ... الأمر الذي فاجأ سيدنا حذيفة ابن اليمان المتسلل إلى صفوفهم بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا للاستطلاع واستطاع الإفلات بذكائه ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم له بأعجوبة.
طبعاً ! ومن غير المنطقي أن لا نتوقع أن يفعل مخترقوا صفوفنا من أعداء ثورتنا المنتصرة بإذن الله- ما فعله سيدنا حذيفة رضي الله عنه ويبادروننا بالسؤال:
- "من أنتم؟"
بل علينا والحالة ما ذكرنا أن نلتفت قليلا إلى الوراء نجري مراجعة شاملة وجردا لحساباتنا نتأمل جيدا في الوجوه التي حولنا نتفرس في الملامح ... نميز الصادق من الكاذب والصالح من الطالح ... نتحرى وجود شبيحة يلبسون ثوب الثورة الأخضر هم بمثابة قنابل موقوتة وخلايا نائمة تستيقظ في الوقت المناسب لنقض بنيان الثورة بالكامل ... ربما تكون وراء غالبية إخفاقاتنا..... حمص وقبلها القصير ويبرود والسفيرة واليوم كسب وقبلها مسرحية إدلب عندما أعطي بلاغ إخلاء المدينة في غضون ثمان وأربعين ساعة حفاظا على الأرواح لأن القوس أصبح في النشاب وعملية الاقتحام والتحرير باتت على الأبواب بينما راح الشبيحة يحزمون أمتعتهم في انتظار أن يقولوا ما قاله هرقل يوم غادر دمشق لآخر مرة "وداعا يا إدلب وداعا لا لقاء بعده ..
استنفر الناس وحبسوا الأنفاس .... انتظروا طويلا حتى تكون الولادة وتنقضي فترة النفاس....
تمخض الجمل فولد دجاجة .. بل لم يلد شيئا على الإطلاق فلقد تبين أن الحمل كان وهميا.... ليست هذه هي المرة الأولى التي يتناقض فيها القول مع الفعل! ... - لماذا!!؟ ...- من المسؤول !؟؟
كم تتراجع ثقة الناس في مصداقية الثورة وكم ترتفع بذلك معنويات أهل الباطل !!؟؟
لقد جعلنا تتالي خيبات الأمل والمفاجئات الغير سارة نحس بشبه بيننا وبين التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا أو سيزيف مصارع المحال الذي كان يقوم بدحرجة صخرة عظيمة من أسفل الجبل إلى أعلاه حتى إذا شارف الوصول إلى القمة في آخر النهار تتدحرج الصخرة إلى أسفل الجبل ليبدأ رفعها من جديد صباح اليوم التالي وهكذا إلى ما لا نهاية... عقوبة له من كبير الآلهة لأنه خدع إله الموت ووضع يديه في القيد كما تقول الأسطورة الإغريقية
بات يتعين علينا أن نبدأ بهذه العملية بدءا من الصفوف الأمامية نعيد التدقيق والتحقيق لا نستثني بسطة من بسطات الثورة المنتشرة هنا وهناك مهما علا صوت صاحبها وكبر شعاره وارتفعت رايته لأن البلّ قد وصل إلى الذقون والداء قد وصل فيما يبدو إلى الجهاز العصبي للثورة وربما إلى جهازها المناعي فنكون قد أصبحنا بذلك أمام حالة من حالات الإيدز السياسي والأمني ينهك الثورة من الداخل بعد أن عجزت قوى الشر مجتمعة عن الوقوف أمام سيلها الجارف وجها لوجه.....
علينا أن نفتش بين أكداس المنشقين والملتحقين الذين حملوا اسم الثورة بطاقة خضراء تجبُّ ما قبلها وما بعدها ومن قفزوا من مركبة الطاغوت التي بان هلاكها وآخرون أتوا من غامض علم الله ليصبحوا بين عشية وضحاها من السابقين الأولين ومن شاهدي بيعة العقبة الأولى والثانية وبيعة الرضوان بل وممن شهدوا "بدر" الثورة وأُحُدَها وأحزابها...قطرات من ماء الثورة كافية لتحويل أي قاطع طريق إلى مانديلا عصره وشبران من لحية إلى ابن حنبل زمانه بينما تتوجه أصابع الغمز واللمز إلى من أنبتهم الله في هذه الأرض الطيبة نباتا حسنا .... ورووا شجرة الحرية بدموعهم ودماءهم يوم كان الكثير من هؤلاء مستغرقين في تمسيح الجوخ والتسبيح بحمد فرعون....
ثمة من طال بهم الانتظار لكسب الجولة وقطف الثمار فراحوا سرا يغازلون النظام وينشقون بالإتجاه المعاكس حاملين معهم أسرار الثورة وكل ما من شأنه أن يفتح فيها أكبر ثغرة وارتدوا على أدبارهم كالذي استهوته الشياطين بعدما ضيّع عليهم شبيحة الثورة الفرصة وأخرجوهم من المولد دون حمص ...
انتكاسات تتوالى وتراجعات تتلاحق (انقطاع الإمداد ...!! انسحاب الفصيل الفلاني ...تخاذل الفصيل العلاني ......إيقاف العملية في آخر لحظة.... "بيعت".... كلمة أصبحت تتردد كثيرا ليس بالضرورة أن تكون صحيحة ولكن الدخان غالبا ما ينبيء عن وجود ولو بعض نار !!..)
لقد غدونا بحاجة ماسة إلى جهاز كشف شبيحة ومندسين حقيقة وواقعا هذه المرة وليس مجرد نكتة سمجة أو سحبة سخيفة من سحبات بشار وأنظمة لها القدرة على التقاط ترددات الخوازيق الموجهة لاسلكيا عن بعد... وبحاجة أيضا إلى تمييز الصادقين وأولي الخبرة والشرف والالتفاف حولهم في معركة "نحيا أو نموت"
" من أين لك هذا...؟" من أهم أنظمة الكشف عن الأنفس الدنيئة وأصحاب الغايات الرديئة...... لا يمكن للص أن يكون مجاهدا ولو كان له إقدام عنترة بن شداد العبسي ..فمهما قدم للثورة أمثال هؤلاء لن يعادل ما ستخسره من ثقة الناس ومن شرف الاسم الذي شرفت به "ثورة الحرية والعدل والكرامة"... قامت الثورة لتزيح ظالما لا لتستبدله بظُلاّم ...تحطّم صنما لا تأتي بدلا عنه بآلاف الأصنام ...حتى سهل على كل ناظر بالعين المجردة أن يقول (وهذا ما يراد لنا الوصول إليه أخيرا ) الله يرحم أيام بشار...
ما عاد الجرح الغائر الذي ملأ الدنيا نزفا يقوى على انتظار مغامرات المغامرين وتجريب المجربين وتسلق المتسلقين أكثر من ذلك...
وأخيرا.......
مهما برّح بالثورة الداء ومهما كانت العقبات صعبة كأداء ستتجاوزها ثورة "الشام المباركة" كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (أهل الشام سوط الله في أرضه ينتقم بهم ممن يشاء من عباده وحرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم ولا يموتوا إلا همّا وغمّا)
وإنها لثورة حرون ربما امتطى ظهرها لبعض الوقت الممتطون إلا أنها ستلقي بهم لا محالة تحت حوافرها يتخبطون... ذلك يوم قادم لا محالة ولكل شيء أوانه فلا يستعجلون ...
حرية لابد من بلوغها مهما غلا مهرها ... حسابا مفتوحا من دماءهم قد رصده لأجلها الصادقون...