لانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة 51-57

لانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (51)

العدو ينسف ويدمر والأمة تبني وتعمر

إنه واجب الأمة العربية والإسلامية، والأمانة الملقاة على عاتقهم، وأمل الشعب الفلسطيني فيهم، فلا يقصروا فيه، ولا يتأخروا عنه، ولا يمتنعوا عن القيام به، فهو جهادٌ بالمال لا يقل عن الجهاد بالنفس، ولعله ضرورة أكبر حتى تستمر المقاومة ويتواصل الجهاد، وإنه من قبيل تبادل الأدوار وتوزيع المهام، كمن يقاتل على الجبهة في الصفوف الأمامية، وغيره خلف خطوط النار، أو يداوي الجراح ويسقي المصابين، أو يرعى الأهل ويبقي على بيوتهم مفتوحة، فالكل في مربع المقاومة وعلى أرض المعركة وفي سوح الجهاد، وعلى كلٍ القيام بواجبه، والنهوض بما يقوى عليه، والأداء بقدر الاستطاعة وحسب الحاجة، وكأننا جميعاً على ثغرٍ، وعلى الجميع أن يحمي الثغر الذي يقف فيه ويتواجد عليه، وألا يكون وجوده فيه ضعيفاً وأداؤه بسيطاً.

تضحيات الشعب الفلسطيني في انتفاضته الثالثة ليست فقط ما يربو على المائة وعشر شهداء، وما يزيد عن 13500 جريحاً، فهؤلاء وإن كانوا كثير وعددهم كبير، فإن الشعب الفلسطيني يحتسب شهداءه عند الله سبحانه وتعالى، ويرجو لهم الرحمة والمغفرة والقبول الحسن، والرضوان ونيل رضى الرحمن، ويسأله سبحانه الشفاء للجرحى والمعافاة الدائمة والعاجلة مما أصابهم، وهم يعلمون أن هذا هو حال الحرب وديدن القتال، والسابقون من الأمم أصابهم ما أصابنا، وحل بهم مثلما حل بنا، لكنهم يعرفون أن هذا هو الدرب، وأن ثمن عبوره واجتيازه دمٌ مهراقٌ وأرواحٌ نفيسةٌ عزيزةٌ تفقد.

لكن المصيبة الكبيرة والمعاناة الشديدة، والجرح المفتوح أبداً والألم الباقي دوماً، ذلك الذي يتمثل في هدم البيوت وتشريد المواطنين، وتخريب ممتلكات السكان، وتقويض ما بنوه على مدى عمرهم، وتبديد ما وفروه طوال حياتهم، إذ في دقائق معدوداتٍ لا أكثر تنفذ قوات الاحتلال الإسرائيلي قرار سلطاته العسكرية، القاضية بهدم البيوت ونسفها على ما فيها من أثاثٍ ومتاعٍ، وملابسٍ وفراشٍ وبقايا طعام، ودفاتر وأوراق وكتب مدرسية، وألعاب أطفالٍ وعرائس بناتٍ، وذكريات عمرٍ  وحكايا الجدود والآباء.

مئات البيوت الفلسطينية اليوم مهددة بالنسف والتدمير، إنها سياسة حكومة نتنياهو المتشددة المتطرفة، التي أعلنت أنها ستكون أشد تطرفاً وأكثر قسوة، فقررت الضرب بيدٍ من حديدٍ على كل المتورطين في الانتفاضة، والمشاركين في فعالياتها، صغاراً كانوا أم كباراً، ورجالاً أو نساءً، فكانت سياسة هدم البيوت التي هي سياسة قديمة، تنفذها وتطبقها كل الحكومات الإسرائيلية السابقة، وتؤيدها محكمة الاحتلال الإسرائيلية العليا في مدينة القدس، التي اعتادت على تأييد قرارات الهدم، والمصادقة على مشارع النسف، عقاباً لذوي الاستشهاديين، وتأديباً لأسر منفذي عمليات الطعن والدهس والقنص.

وقد ظن نتنياهو أنه بقراره هذا مع جملة القرارات المتشددة الأخرى، أنه سيكون قادراً على كبح جماع الانتفاضة وإخماد فعالياتها، وإسكات أصوات المنادين بها والمؤيدين لها، علماً أن أغلب قرارات حكومته ردعيةٌ وزجرية، وهي أحد أشكال العقاب الجماعي، الذي يطال أسراً بأكملها، وقرىً وبلداتٍ ينتمي إليها المقاومون ويعيشون فيها، ولكنه رغم شدته يبدو مهزوزاً وخائفاً، ولا يدري أين ستذهب به هذه الانتفاضة.

بيت إبراهيم العكاري الذي نسف في مخيم شعفاط في مدينة القدس المحتلة، ليس هو البيت الأول الذي يهدم، ولن يكون الأخير الذي ينسف، وهو كما لحق بمن سبقه من البيوت التي نسفت، سيكون أيضاً سابقاً لغيره، وممهداً لسواه، فهذه هي سياسة العدو وهذه طريقته في التعامل معنا، وهو لن يغير من نهجه، ولن يبدل في سياسته، فهذه حال المستكبرين في الأرض، الظالمين من البشر، المتعالين من الخلق، والمعتدين من الأمم، فما يقومون به ليس بالأمر المستغرب عنهم، ولا المستنكر فيهم، ولكن ما أصاب غيرهم من المستعمرين سيصيبهم، فما بقي في الأرض مستعمرٌ، ولا غلب محتلٌ أمةً، وكما انتصر المقاومون الأولون على البغاة العتاة المحتلين لأرضهم، فإن مقاومتنا ستنتصر، وشعبنا سيغلب، وسيعود إلى طنه ودياره، عزيزاً كما كان، وأبياً كما يريد أن يكون.

هدم البيوت موجعٌ ومؤلم، وقاهرٌ ومؤذي، ولا عيب إن شكونا منه وعبرنا عن إحساسنا بالأسى بسببه، فالتشرد صعب، واللجوء مذل، والمبيت في العراء مهينٌ، فهل يقبل العرب والمسلمون على الفلسطينيين هذا الضيم والألم، وهذا الشظف والحرمان، وهل يحققوا للعدو ما يريد منا وما يأمل من سياسته معنا، وهو الذي بدا اليوم فرحاً وهو يهدم بيت الشهيد العكاري، وقد صور عملية النسف من الجو، ومن مكان ارتكابه لجريمته، ونشر صور النسف وكأنه يهدي فرحة التدمير إلى شعبه، ويشرب نخب النسف مع مستوطنيه، في الوقت الذي يقول فيه للفلسطينيين والعرب أنظروا ماذا فعلنا بكم وفي بيوتكم، فقد خربناها بأيدينا، ودمرناها بآلياتنا، ولم نبق لكم فيها على شئٍ، فلا سقف ولا جدران، ولا أبواب ولا نوافذ، ولا شئ من أثاثكم بقي ولا ذكرياتٍ لكم فيها تركنا، فهل تتعظون مما نفعل، وتتعلمون مما نعمل.

هذه هو لسان العدو الفرح المختال المزهو المغرور، الذي يرقص على جراحنا ويغني، ويقف على ركام بيوتنا ويتصور، فهل نتركه يتيه ويفرح، ويغني بما يرتكب ويصدح، أم نغيظه ونكيده، ونرد كيده إلى نحره، ونقف إلى جانب شعبنا الفلسطيني الذي يهدم بيته، ويدمر مسكنه، ونمد له يد العون والمساعدة، فنبني ما هدم العدوان، ونصلح ما أفسد الاحتلال، ونجعل من الحجر سكناً للرجال، وموئلاً للأبطال الذين لا يطالبون العرب والمسلمين بأكثر من دعم صمودهم، وتثبيت وجودهم، وإعلاء راية حقهم، وترسيخ جذورهم في الأرض، لأنهم الصبغة والهوية، والعنوان والجوهر.


الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (52)

أحمد المناصرة علمٌ جديدٌ واسمٌ لن ينسى

كثيرون هم الأطفال الفلسطينيون الذين علقوا في الذاكرة، وسكنوا القلوب، وبقيت أسماؤهم ترددها الألسن وتحفظها العقول، وتستعصي على النسيان، وترفض أن تغيب عن الوجدان، حتى غدت أسماؤهم أعلاماً عربية، ذائعة الصيت وواسعة الانتشار، ومعروفة عند العامة والخاصة، ومألوفة لدى الكثيرين في الوطن والشتات، وسمى العرب أبناءهم بأسمائهم، وأطلقوها على شوارعهم، وذكروها في كتبهم، وكتبوا عنها في صحفهم، وتبرعوا لذويهم بالكثير من المال، وأغدقوا عليهم بالرعاية والاهتمام، واستضافوا أهلهم ورحبوا بأسرهم، واستقبلوهم كما الأبطال، ورحبوا بهم واحتفوا بقدومهم، وعقدوا لهم الحلقات والندوات، والاحتفالات والمهرجانات، تكريماً لأبنائهم الشهداء وعرفاناً بعظمتهم رغم طفولتهم.

لم يكن محمد الدرة هو الأول وإن كان هو الأشهر والأكثر نجوميةً بين أطفال فلسطين المقاومين، فهو أولهم في الانتفاضة الأولى، وأسبقهم في الشهادة، وقد شهد العالم كله مقتله، وسمع استغاثته ومناشدته، وشاهده وهو يحتمي بأبيه من رشقات الرصاص المتوالية، ولكن جنود الاحتلال لم يحترموا طفولته، ولم يسكتوا عن ضعفه، ولم يصغوا إلى توسلاته، رغم أنه كان متوارياً وأبوه خلف حاجزٍ صغيرٍ، إلا أنهم انهالوا عليه بطلقات بنادقهم الحاقدة كالمطر، فنالت من جسده الصغير النحيل حتى سكت وخمد، وارتقى عند الله شهيداً أمام عدسات المصورين وعلى شاشات الفضائيات الدولية، وقد مضى على استشهاده سنواتٌ، إلا أننا ما زلنا نذكره، وسنبقى ما حيينا نذكره ولا ننساه.

أما طفل الانتفاضة الثانية بلا منازعٍ فقد كان فارس عودة، هذا العملاق الفلسطيني البطل، الشامخ في وقفته، الثابت على أرضه، المرفوع الرأس عزةً وكبرياءً، والمندفع الصدر جرأة وتحدياً وشجاعة، فما زالت صوره وهو يتحدى بجسده النحيل دبابة الميركافا الإسرائيلية الضخمة، التي لا يستحي العدو من نفسه وهو يواجه بها طفلاً صغيراً يقبض بأصابعه الغضة الطرية على حجارةٍ طينيةٍ لا تجرح ولا تؤذي، ولكنه الخبيث في أصله، والمريض في نفسه، والجبان في طبعه، لا يستطيع أن يواجه فلسطينياً ولو كان طفلاً صغيراً إلا من وراء جدرٍ، خوفاً على نفسه، ويقيناً بضعفه أمامه، ولو كان خلواً من السلاح، وعزلاً من أي أداةٍ قاتلة.

أما إيمان حجو الطفلة الرضيعة البريئة التي لم تعرف طعم الحياة، إلا شظف عيش أهلها وبؤس حياة شعبها، فقد اخترق الرصاص صدرها ومزق جسدها، ولم تكن يومها أكثر من قطعة لحمٍ تنبض بالحياة، ويجري في عروقها دمٌ صافي، لكنها لا تحسن الحراك ولم تتعلم النطق بعد، فإن صورتها لا تغيب عن الذاكرة، ولا تنساها العيون التي تغمض خجلاً وحياءً، وعجزاً وقهراً، أمام الطفولة البريئة التي يغتالها العدو بأبشع أسلحته.

إيمان حجو ستبقى مع الأيام شاهدةً على الهمجية الإسرائيلية، والحقد المسكون في صدروهم على أطفال فلسطين، رغم أنها ليست الوحيدة ولا الأولى، ولن تكون الأخيرة ما بقي العدو يحتل أرضنا، ويعتدي على شعبنا، إذ سبقها كثيرون، واستشهد معها وفي الحروب آخرون، ولعل الطفل علي سعد الدوابشة التي قتله المستوطنون ووالديه حرقاً، لهو دليلٌ آخر على حقدهم، وعلامةٌ أكيدة على خبث طباعهم وفحش أخلاقهم.

لا يستطيع البيان أن يحصي الأطفال الشهداء، ولا أن يحيطهم بعلمه وذكره، فهم أكثر من أن يحصيهم عادٌ، أو يذكرهم في مقاله كاتبٌ، ولكن منهم أعلاماً لا يستطيع أن يطويهم الزمن، ولا أن ينساهم الشعب، ومنهم محمد أبو خضير الذي قضى حرقاً، واستشهد غيلةً بطريقةٍ وحشيةٍ وهمجيةٍ لا تقوم بمثلها الوحوش الضواري في الغابات، بعد أن اختطفه مستوطنون لاهون ومجرمون عابثون، لا يشعرون بالخوف لأن القانون معهم، والعقوبة لا تطالهم، والسجن لا يبنى عليهم، فارتكبوا جريمتهم غيلةً وغدراً، فحلت عليهم اللعنة، ونزل بهم وبكيانهم الغضب، وبقي أبو خضير اسماً نذكره، وشهيداً نجله ونحيي ذكراه.

أما إسماعيل عبد ربه فهو من أعلام الانتفاضة الثالثة وإن لم يكن شهيداً، ولم يسمع عنه الناس كثيراً، فهو طفلٌ صغيرٌ لم يتم عامه الحادي عشر، اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي من بين يدي والديه، بعد أن قامت بمداهمة منزله في بلدة حزما شمال مدينة القدس، واتهمته وهو ابن الأحد عشر عاماً بالتخطيط لطعن مواطنين إسرائيليين، وصدقت نفسها بما توهمت، واقتادته إلى السجن وهي منه خائفة، وعلى نفسها وجلة، أو هكذا حدثت نفسها، وتريد من العالم أن يصدقها أن إسماعيل خطرٌ عليها.

أحمد المناصرة هو الاسم الجديد وعلم الانتفاضة الثالثة، الذي سنسمع عنه الكثير وسنتعود عليه جميعاً، وسنذكره أكثر ولن ننساه، وحوله ستنسج القصص والحكايات، وسنتناقل أخباره وقصصه، وسيلهم الكتاب والمفكرين والشعراء إبداعاً، وسيكتبون عنه الكثير نثراً وشعراً، وسيخلدون كلمته البسيطة البريئة "ما بأذكرش"، التي أصبحت أيقونةً ورمزاً، وشعاراً يرفع ويردد، وستبقى صورته وهو أمام جمع المحققين الإسرائيليين يصرخ فيهم "ما بأذكرش"، لينظم بذلك إلى ثلة الأطفال الشامخين، الأطفال الرجال، الصغار الأبطال، الذين نعتز بهم ونفخر، ونتيه ونفرح، لكنه مختلفٌ عن غيره وإن لم يكن شهيداً، فقد شهد الطعن ورافق الشهيد، وكان قدره الأسر والاعتقال، وإن في السجون والمعتقلاتٌ رجالٌ لا يقلون قدراً عن الشهداء، ولا تنتقص الجدران من رجولتهم، ولا تخدش القضبان بطولتهم.

حريٌ بشعبٍ هؤلاء أطفاله، وأولئك رجاله، يقاومون كلواءٍ، ويناورون كالفرسان، ويصمدون كجبهةٍ، ويتشامخون كالجبال، ويزأرون كالأسود، ويصرخون كالرعد، ويسارعون إلى المواجهة والمقاومة كما البرق، لا يخافون العدو ولا يخشون بأسه، ولا يترددون عن مواجهته والتصدي له، ولا تذلهم القيود، ولا تحبسهم الجدران، ولا تمنع حريتهم القضبان، أن يكون له دولةٌ ووطنٌ، وعلمٌ ونشيدٌ وجيشٌ، وأن تكون له قيادةٌ رشيدة ورئاسة صادقةٌ مخلصة، وحكومة عادلةٌ حكيمةٌ، وحريٌ به بعد هذا كله أن ينتصر ويغلب، وأن يفوز ويحقق ما تصبو إليه نفسه، فهذا جيلٌ آخرٌ مختلفٌ ومميزٌ، حياته ملحمة، ومقاومته أسطورة، وعينه بصيرة، وعقله راشد، يتطلع إلى المعالي لأنها النصر، ويتوق إلى الحرية لأنها الكرامة.


الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (53)

بيت لحم مهد المسيح وموطن الفدائي الأول

يحار المرء في ظل فعاليات الانتفاضة الثالثة المتدحرجة يوماً بعد آخر نحو القمة، عن أي مدينةٍ أو محافظةٍ فلسطينيةٍ يكتب أو يتحدث، إذ تتداخل أمامه البلدات التي يجب أن يقف لها احتراماً، وأن يؤدي لها التحية تقديراً، وأن يحني لها الرأس تواضعاً واعترافاً، فما عادت مدينةٌ فلسطينية متأخرة عن اللحاق، أو تسير في آخر الركب، بل باتت كلها رائدةٌ وتقود، ومتقدمةٌ وتسير، تسبق الجميع، وتقود الكل، ويتبعها الآخرون، ويمضي على دربها الباقون، وفي كل يومٍ تسمو مدينة، وتعلو أرصدة مقاوميها وشهدائها، وتبدو كأنها هي الأولى وغيرها لها تابعٌ أو بعدها ثاني، وفي اليوم التالي يسمو نجم مدينةٍ أخرى، وتفرض حضورها بالقوة والدم، وتجبر الجميع على التسليم لها بأنها الأولى بحق، والمثال النموذج بجدارة.

بيت لحم واحدةٌ من بين هذه المدن المتنافسة على المكانة الأولى والدرجة العالية الرفيعة، التي تتقدم كل يومٍ ويبزغ نجمها مع كل حدثٍ، وقد ظن العدو أنها لن تكون كغيرها، ولن تنخرط في المقاومة كسواها، ونسوا أن مدينة بيت لحم حاضرة المسيحية الأولى، ومهد المسيح عليه السلام، الذي كان يوماً هو المقاوم الأول، داعياً كل صاحبِ حقٍ أن يثور ليستعيد حقه، وأن يستخدم السلاح في استعادة حقه ومقاومة عدوه، وأن يشتري بما عنده من مالٍ سلاحاً ليقاتل به، ولو أدى الأمر إلى أن يبيع رداءه الذي يلبس ليشتري به سيفاً وبه يقاتل.

ولبيت لحم وجودٌ فاعلٌ وتاريخٌ حاضرٌ، ومشاركة دائمة في الانتفاضات الفلسطينية السابقة، وفي كل المناسبات الوطنية، ولعل كنيسة المهد في المدينة، والدور الوطني الكبير الذي لعبته في حماية المحاصرين فيها، واللاجئين إليها، وصمودها الرائع في وجه سلطات الاحتلال، وتحديها لإرادته، ورفضها الاستجابة إلى تعليماته، واحتضانها رغم الخطر للمقاومين الفلسطينيين، يؤكد دوماً أن بيت لحم مقدامة، وأنها تنافح وتزاحم، وتنافس وتقاتل، ولا تقبل إلا أن تكون في الصفوف الأولى أو على القمة، ورجالها وشبانها من القادة والرواد.

وفيها ومنها سقط شهداءٌ عديدون، وخرج مقاومون كثيرون، من الجنسين كانوا ومن كل الأعمار تميزوا، خرجوا مدافعين عن مدينتهم، ومشاركين لشعبهم في انتفاضتهم المجيدة، فما أضعف مقاومتهم حقد الاحتلال عليهم، وقسوته في التعامل معهم، وكان من شهداء بيت لحم أطفالٌ نذكرهم، وصغارٌ نحفظ أسماءهم، وكأنهم يذكرون بطهرهم بما ورد في كتب العهد القديم عن مذبحة آلاف الأطفال من بيت لحم حقداً على يدي هيرودوس.

سياسة الاحتلال الإسرائيلي كانت تتعمد دوماً فصل سكان بيت لحم وعزلهم، وإظهارهم بأنهم يختلفون عن بقية الفلسطينيين، ولا ينتمون أو ينتسبون إليهم، فهم يريدون رغم عداوتهم التاريخية للمسيحيين، أن يطغى الطابع المسيحي على المدينة، فتشكل هويتها ووجهها العام، كي تتميز عن الوجود المسلم للمجتمع الفلسطيني، وما علم الإسرائيليون أن مسيحيي فلسطين ينتمون إلى وطنهم كما المسلمين وأكثر، ويتمسكون بها ويلتصقون بترابها، ويحافظون على مقدساتها، ولا يفرطون فيها، ولا يقبلون بالتنازل عنها أو المساومة عليها، فالمسيحية الفلسطينية هويةُ وطنيةٌ وانتماءٌ صادق لفلسطين التاريخية، فهم فيها أسبق وأعمق، ووجودهم فيها أقدمُ وأعرق، ولهم فيها تاريخٌ ومقدسات، وبقايا وآثار، وقبورٌ وأجداد، يجعل من جذورهم فيها عميقة، ومن أغصانهم في سمائها عظيمة.

المستعربون الإسرائيليون لا يغيبون عن مدينة بيت لحم، بل يستهدفونها ويحقدون عليها، فهم يتواجدون فيها دائماً، يبحثون عن طرائدهم، ويفتشون عن صيدٍ ثمينٍ ينالون منه، يجوبون في شوارعها مستغلين سماحة المدينة وأهلها، التي ترحب بالضيوف، وتبش في وجوه الزائرين، وتكرم وفادتهم، وتحسن معاملتهم، فهم في ضيافتها وقد دخلوا بيتها، لكن المحتل الإسرائيلي يأبى دوماً إلا أن يكون قذراً، فيأتي بأفعال دنيئةٍ من شأنها أن تفسد كل صالح، وتدنس كل طاهر، ويصر على محاربة الخير بين الناس، والقضاء على الفضائل الإنسانية الباقية بينهم، كما نالوا قديماً من أربعة رجالٍ معاً كانوا في سيارتهم، لكن التلحميين عرفوا كيف يكتشفون المستعربين ويلاحقونهم، ويقضون على أحلامهم الخبيثةٍ المريضةِ في مدينتهم. 

العدو الإسرائيلي يغتاظ جداً من دور مدينة بيت لحم في المقاومة الفلسطينية، فهي ليست مدينة عادية، وليست بلدة فلسطينية وحسب، إنما هي مدينة رمزيةٌ وروحيةٌ، لها مكانتها وقداستها، إنها عاصمة المسيحية كلها، وإليها تهوي قلوبهم وتهفو نفوسهم، ويحج آلاف المؤمنين إليها سنوياً، ويتمنى أضعافهم زيارتها والتبرك فيها، فهي مدينةٌ عالميةٌ، تلفت الأنظار، وتسلط الأضواء، وتجبر قادة العالم أن يصغوا إليها، وأن يسمعوا إلى سكانها، وأن ينادوا بالاستجابة إلى مطالبهم، والالتزام بحقوقهم، ولعل قداسها عشية الميلاد يضاهي قداس الفاتيكان واحتفالات المسيحيين في ساحتها، حيث يؤمها في ليالي الميلاد عشرات آلاف المسيحيين من كل مكانٍ في العالم، فيقيد وجودهم حركة الاحتلال، ويمنعهم من المداهمة والاجتياح، ومن التوغل والانتهاك، ويشعرون في ظل وجودهم أن يدهم مغلولة، وسلاحهم قاصر، وقدرتهم على الفعل محدودة.

اليوم بيت لحم تتميز وتتقدم، وتزهو برجالها وتتيه بأبطالها، وتقول بعالي صوتها أننا هنا نقاوم ونقاتل، ونفدي فلسطين وشعبها بفلذات أكبادنا وعيون رجالنا، فحوسان تدهس، والخضر تدهم، وقرية تقوع تلقي قنابل حارقة، وأبناء مخيم عايدة يطعنون، وبيت فجار تواجه، وطلاب جامعة بيت لحم يتظاهرون، وسياراتٌ تلحميةٌ كثيرة تحاول اقتحام حواجز عسكرية، وتنجح في دهس بعض جنودها وتلوذ بالفرار، وتنجح بالتواري عن الأنظار، وكثيرون يلقون على الدوريات الإسرائيلية حجارةً، ويرشقون الجنود بكل ما في أيديهم، ويردون عليهم قنابل الغاز المسيل للدموع، وتتكامل صورة بيت لحم في لوحةٍ ملحميةٍ رائعةٍ، يشترك في رسم تفاصيلها كل السكان، ويتبارى المواطنون في إبراز الملامح وإيضاح الصورة كأعظم ما تكون قوةً وعزماً.


الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (54)

تساؤلات مشروعة عن شبهاتٍ حول السلطة

لا أريد أن أفتح ملف علاقة السلطة الفلسطينية بالكيان الصهيوني، والتنسيق الأمني المشترك بين أجهزة مخابرات الطرفين، فهذا أمرٌ بات معروفاً للجميع، ولا تنكره السلطة بكل مستوياتها القيادية، بل إن بعضهم يفاخر به علناً ويعترف جهاراً، وتطالب الحكومة الإسرائيلية بتنفيذه وضمان الالتزام به، وتصر على الإدارة الأمريكية ضمان نفاذه واستمراره،  وتحذر المخابرات الإسرائيلية حكومتها من مغبة تعليقه، أو الإضرار به وتعريضه لخطر التوقف، ذلك أنها تستفيد منه أيما استفادة، فهو يخفف من أعبائها كثيراً، ويساعدها في فك طلاسم الكثير من القضايا، وتفكيك الشبكات المسلحة، واعتقال الخلايا النشطة، وتعطيل العمليات المتوقعة، وإفشال المخططات الفاعلة، وتبادل المعلومات الأمنية، وغير ذلك من المهام السرية التي لا يمكن الإفصاح عنها أو كشفها للعامة، مما نصت عليه الاتفاقيات والتفاهمات الأمنية بين الطرفين.

الحديث عن هذا الموضوع الشائن القبيح المخزي أصبح ممجوجاً، نكرره وكأننا نجلد به ذواتنا، ونلعن أنفسنا، وبات المواطنون يكرهون الحديث فيه والنقاش حوله، ذلك أنه يسيئ إلى الشعب الفلسطيني وقضيته، ويضر بالفلسطينيين كثيراً، ويظهر مؤسسات سلطتهم الوطنية أمام العرب والرأي العام الشعبي كمخبرين متعاونين مع العدو، ولا يبالون به وبما يتعرض له، ولا يهتمون بجراحاته وعذاباته، وكل ما يهمهم هو العدو وسلامته، وأمنه ومصالحه، في الوقت الذي يمضي فيه العدو في سياساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني قتلاً وتشريداً واعتقالاً ومحاصرةً ومصادرةً وحرماناً وغير ذلك، ولا يردعه عن جرائمه تنسيقٌ، ولا تصده اتفاقياتٌ ومعاهداتٌ، إذ لا يحترم السلطة ولا يقدر جهودها ولا يحرص على عدم إحراجها.

لا يبدو أن السلطة الفلسطينية تريد أن توقف التنسيق الأمني وإن كانت قد هددت بوقفه فعلياً أكثر من مرة، وأعلنت عن نيتها تجميده وعدم العمل به، أو أنها غير قادرةٍ فعلاً على وقفه ومنعه إن رغبت وأرادت، فالقرار بشأنه قد لا يكون بيدها، وهي ليست صاحبة سلطة سيادية فيه، وكأن الذين يشرفون عليه ليسوا فلسطينيين، أو أن رؤساءهم والمسؤولين عنهم الذين يصدرون لهم الأوامر والتعليمات أمريكيون أو إسرائيليون، وهم الذين يملكون فعلاً ناصية القرار، والأجهزة الأمنية الفلسطينية تتلقى منهم الأوامر والتعليمات مباشرة، عجزاً وخنوعاً وعدم قدرة على الرفض والاعتراض، أو أنها متساوقة مع الاحتلال ومتعاونة معه، وأنها تخدمه وتعمل معه، وكأنها أحد فروعه الأمنية، إذ هكذا تفهم الأمور، ولا يوجد فهمٌ آخر يناقضه أو ينفيه.

لن نتحدث عن الماضي ولن نفتح الملفات السابقة، ولن نحاسب السلطة عما التزمت به ونفذته قبل الانتفاضة الثالثة، وسنسلم أنها لا تملك القرار، وأنها كانت عاجزة عن الفعل، لكن أليس من حقنا أن نسألها اليوم، وأن نشدد عليها في ظل انتفاضة شعبنا المجيدة، وفي الوقت الذي يمضي فيه العدو فينا تقتيلاً واعتقالاً، إذ أن عليها أن تقدم ما يثبت أنها فلسطينية ووطنية، وأنها من هذا الشعب، تنتمي إليه وتنتسب، وتعمل له وتتعب من أجله، فالانتساب إلى فلسطين لا يكون بغير الوطنية الصادقة، والمقاومة الجادة، والولاء للمقاومين، والبراءة من الأعداء المحتلين، والانسلاخ عن كل حلفٍ يعادي شعبنا ويضر بقضيتنا، والابتعاد عن كل شبهةٍ فيها مظنة التعاون والتخابر والعمالة والجاسوسية.

العدو يقول عبر إذاعته العامة أن أجهزة أمن السلطة الفلسطينية اعتقلت خلال الانتفاضة خلية مسلحة في منطقة طوباس تنتمي إلى حركة الجهاد الإسلامي، وأن هذه الخلية المكونة من ستة عناصر كانت تجمع السلاح وتنظم نفسها وتخطط للقيام بعملياتٍ عسكريةٍ ضد أهدافٍ إسرائيلية تابعة للجيش والمستوطنين في القدس والضفة الغربية، إلا أن أجهزة أمن السلطة التي بادرت باعتقالها، أحبطت عملياتها وأفشلت مخططاتها، وأضافت مصادر العدو أن أجهزة أمن السلطة صادرت من هذه المجموعة كمياتٍ كبيرة من المتفجرات كانت بحوزتها، بالإضافة إلى أسلحة وقنابل يدوية ومواد أولية تستخدم في صناعة المتفجرات، وأنه ما كان للمخابرات الإسرائيلية أن تفككها لولا الجهود التي بذلتها أجهزة أمن السلطة.

وتعليقاً على هذه العملية التي وصفتها إذاعة العدو العامة بأنها ناجحة، فقد نقلت عن مصادر عسكرية إسرائيلية أن التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية وجهاز الشاباك مستمر ولم يتراجع.

وأضافت الإذاعة العبرية العامة في نفس الخبر أن قوات الأمن الفلسطينية سلمت نظيرتها الإسرائيلية جنديين إسرائيليين دخلا إلى منطقة طولكرم شمال الضفة الغربية عن طريق الخطأ يوم الأحد الماضي.

وأضافت " أن السلطة الفلسطينية سلمت السلطات الإسرائيلية في الأشهر الماضية أكثر من خمسة وعشرين مرة، أسلحة وأجهزة اتصال عسكرية ومعداتٍ أخرى تم سرقتها وتهريبها من معسكرات الجيش، ووقعت في أيدي مجموعاتٍ عسكرية فلسطينية اشترتها أو حصلت عليها بطرقٍ مختلفة".

هذه أقوالٌ إسرائيلية ننقلها كما هي، ونطرحها على السلطة الفلسطينية، ونطلب منها الرد عليها، وبيان موقفها منها، أهي حقيقة أنها في ظل الانتفاضة تتعاون وتنسق، وتقدم المعلومات وتعيد إليها المتسللين من جنودها، والمندسين من عملائها، والمستعربين من أجهزتها.

من حقنا اليوم في ظل انتفاضة شعبنا المجيدة، التي يقدم فيها زهرة شبابه وأعز أبنائه، أن نحاسب السلطة الفلسطينية ونسألها، وأن نحقق معها ونستجوبها، لكننا سنمنحها الفرصة للدفاع عن نفسها، ودحض الاتهامات الموجهة إليها، ونفي ما يشاع عنها، خاصةً أننا ننقل ما أورده العدو بنفسه، وما اعترف به من تلقاء ذاته، وكله يدينها ويشوه صورتها ويفضح مهمتها، فهل ما يشيعه العدو صحيحٌ، وما ينسبه إليهم من نجاحاتٍ دقيق، أم أنه محض كذبٍ وافتراء، وأن المقصود منه إثارة الفتنة وتعميق الانقسام، وبث الروح في النعرات الجاهلية التي تفسد الحياة بيننا.


الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (55)

نجاحٌ موعودٌ ووأدٌ مأمولٌ

الانتفاضةُ الفلسطينية الثالثة حدثٌ كبيرٌ، وفعلٌ مقاومٌ لها أثرٌ عظيمٌ، وسيكون لها نتائج ملموسة، وآثارٌ في المستقبل مرصودة، وهي وقد دخلت شهرها الثالث، فلن تكون حدثاً عابراً، ولا هبةً وتخبو، ورياحاً هوجاء وستسكن، أو عاصفة شديدة وستهدأ، وهي ليست ظاهرة لها عمرٌ محدودٌ وستذوي أو ستموت، وإن كان هذا هو قدرها ومصيرها في نهاية المطاف، ولكن بالتأكيد ليس قبل تحقيق الأهداف وقطف الثمار المرجوة منها، فهي أحد الأدوات والوسائل النضالية الإبداعية التي يلجأ إليها الفلسطينيون من وقتٍ لآخرٍ، تماشياً مع الظروف، أو تحدياً للواقع، وتصدياً للإجراءات الأمنية والعسكرية القاسية التي تتخذها حكومة العدو.

لن يقبل الفلسطينيون وهم الأقوى بإرادتهم، والأصدق في مقاومتهم، والأكثر عدالةً في قضيتهم، بالعودة من الانتفاضة خاوي الوفاض، أو كما يقول المثل العربي "بخفي حنين"، فهم لن يرضوا بالخسارة، ولن يقبلوا بأن تذهب تضحياتهم سدىً أو هباءً أدراج الرياح، بل إنهم يحسبون جيداً ويعون أكثر، ويعرفون أن ثمرة انتفاضاتهم السابقة كانت نصراً، وأنها رغم حجم التضحيات فقد كانت فتحاً، ولم يبدُ الشعب من خسائره فيها وإن كانت كبيرة تذمراً، ولم يبخل في عطائه وقد كان غزيراً وهو يستشرف المستقبل، ويتطلع إلى الأفضل، ولهذا فليس في قاموس الفلسطينيين مكانٌ لما يسمى بإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الانتفاضة، فما كان الفلسطينيون ليثوروا وينتفضوا، ويقدموا كل ما قدموا، لو كانوا يريدون الحفاظ على الأوضاع كما هي دون تغييرٍ يذكر.

الإسرائيليون وغيرهم يعرفون هذا تمام المعرفة، ويدركون أن الفلسطينيين ما نزلوا إلى الميدان ليعودوا منه قتلى أو جرحى ومعتقلين، بل نزلوا إلى الميدان ليغيروا الواقع، ويبدلوا الحال، ويرفضوا ما يفرض عليهم أو يراد لهم، وقد حار العدو من إرادة الفلسطينيين وهمتهم، فهم يذهبون إلى الشهادة التي يسميها موتاً بفرحٍ وأملٍ واستبشارٍ ويقين، لا يأس فيه ولا قنوط، ولا إحباط ولا تشاؤم، فما من منفذٍ لعملية طعنٍ إلا واستشهد، وقليلٌ منهم من أُصيب بجراحٍ وأُعتقل، بل جميعهم يقدمون على المقاومة بروح الاستشهاد المسكونة بالأمل، والتي لا مكان فيها ليأسٍ أو قنوطٍ، أو انعدام رؤيةٍ وانسداد أفق، ولهذا فإن قادة العدو السياسيين والأمنيين والعسكريين يجدون أنفسهم عاجزين بالقوة والسياسة، وبالأمن والخدعة والحيلة والتنسيق والتعاون، عن إيجاد حلٍ أو غلبة الفلسطينيين وإخماد انتفاضتهم.

اليوم على الأرض الفلسطينية إرادتان متعارضتان ومتناقضتان، فلسطينيةٌ شعبيةٌ ومعها جموعٌ عربيةٌ وإسلاميةٍ شعبيةٌ، تؤيد الانتفاضة، وتريد أن تستمر فيها، وألا تتراجع عنها، وتعتبر أن التراجع انتحار، وبعضهم يراه خيانة، إذ لا يجوز أن نقابل تضحيات الشباب وهم الأكثر، بانكسارٍ أو تخاذل، ولعل الشعب قادرٌ على الاستمرار فيما قرر ومضى فيه، وإن كانت هناك أصواتٌ تعلو وترتفع، وتقول بأن على الفلسطينيين أن يوقفوا شلال الدم المتدفق، وأن ينهوا المعاناة المتزايدة، فالعدو الإسرائيلي نهمٌ وجشعٌ، ولا يشبع من القتل، وهو ماضٍ في سياسته، وغير مكترثٍ بما يسمع ويرى من انتقاداتٍ واستنكارات، ويرون أنه من الخطأ الجسيم احتساب النصر والصمود والثبات بحجم التضحيات وأعداد الشهداء.

في الجهة المقابلة يقف العدو الصهيوني داخل فلسطين المحتلة كسلطة احتلال ومعه المؤيدون والمناصرون والمساندون الدوليون حائرين مضطربين، يريدون أن ينهوا الانتفاضة بأي شكلٍ كان، بالقوة أو بالتفاوض، بالوساطة أو بالتنسيق، وبالضغط أو بالإكراه، فهذه الانتفاضة لا تخدم مصالحهم، ولا تفيد مشروعهم، ولا تتفق مع أهدافهم، وهي تحيي لدى الفلسطينيين إرادة المقاومة، وتبعث الحياة في معاني وطنية جميلة، تروق للشعب، وتتغنى بها الأمة، ومن شأن استنهاضها إدامة المقاومة وتعميق الصراع، والإضرار بالمصالح الإسرائيلية وتعريض أمن الكيان ومستوطنيه إلى أخطارٍ حقيقية.

كل طرفٍ يستخدم أدواته وإمكانياته، ويراهن على ما عنده أو ما يمكن أن يستخدمه بنفسه وما يستطيع توفيره من حلفائه وأنصاره، وهو يدرك أن هذه المعركة تتطلب نفساً طويلاً، وعضاً على الجراح شديداً، والغلبة تكون لمن يصبر ويعض على جرحه أكثر، ولعل قدرة الفلسطينيين على الصبر أكبر، وكل التجارب التي سبقت تدل على أنه الأصبر والأكثر احتمالاً، إذ أن ما تعرض له على مدى سبعة عقودٍ من شدةٍ وضيقٍ وضنك وقسوة معاملة، وآلاف الشهداء ومئات آلاف الجرحى والمعتقلين، ليؤكد أن هذا الشعب المسلح بالصبر، والمتسربل بالإيمان، لهو المؤهل بالنصر في نهاية المطاف.

أما العدو فعلام يراهن وبماذا يغامر، وما هي عوامل الفوز والكسب عنده، فهو لم يدخر سلاحاً ولا وسيلةً إلا واستخدمها، فإن كان يراهن على المزيد من القوة فإن الشعب ينتظرها ويتوقعها، لكنه لن يستجيب إلى نتائجها المرجوة، وإن كان يتطلع إلى التركيع والإخضاع بمزيدٍ من القتل والتضييق، ليصل بالشعب إلى درجةٍ لا يقوى فيها على الصمود والمواصلة، فإنه وغيره يعرف أن هذه المعادلة خاطئة، وهذا الرهان فاشل، فالفلسطينيون ذاقوا المر ألوناً على مدى كل السنين، فلن يزيدهم مر العدو الجديد مراً آخراً، لكن العدو ينسى أنه بات وشعبه يذوق من نفس الكأس، ويتجرع المر نفسه، ويدفع ضريبة سياسته دماً، فهل يصبر وشعبه، وهل يصمد واقتصاده، وهل يقوى على الاستمرار ومؤسساته تخسر وتنهار.

الانتفاضة إن صمدت فقد انتصرت، وإن بقت فقد حققت أهدافها، وإن اشتد ساعدها وقوي عودها فقد آذنت بنصرٍ مرتقبٍ، وتغييرٍ حقيقيٍ آتٍ، والفلسطينيون يعلمون أن الأوضاع صعبة، والظروف قاسية، والعدو مستوحشٌ جداً وخائف، فبات كحيوانٍ مفترسٍ جريحٍ أو يشعر بالخطر من حوله، فيريد أن ينجو بنفسه بمزيدٍ من القتل والاعتداء، والبطش والافتراس، وهو يرى جموع الفلسطينيين ينتفضون، وشبابهم وشاباتهم يخرجون، لا يلوون على شئٍ غير العزة، ولا يبحثون عن شئٍ غير الحرية، ولا يتطلعون لغير النصر أو الشهادة، فاللهم اجعل انتفاضتنا خيراً، مآلها نصراً، وخانتها عزةً وفخراً.


الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (56)

الإسرائيليون بين عمليات الطعن الجنائية والقومية

بات المواطنون الإسرائيليون بين فكي كماشة، أو كأنهم قد ابتلعوا الموسي الحاد الشفرتين، فبات من الصعب عليهم إخراجه أو ابتلاعه، فضلاً عن أنه يمزقهم ويقطع أحشاءهم، فهم يواجهون الموت من كل جانبٍ، ويتعرضون للخطر من أنفسهم ومن خصومهم، ولا يستطيعون صده أو منعه لأكثر من عاملٍ وسببٍ، بل إنهم يقتلون أنفسهم أحياناً بسبب الاشتباه ببعضهم، أو أثناء محاولاتهم صد المهاجم ومنعه، فيقتلون أنفسهم فيما يسمى بـ"النيران الصديقة"، ولا يستدركون خطأهم إلا بعد وقوع المحظور وقتل من اشتبهوا فيه وهو منهم، كما أنهم لا يتعلمون من خطأهم، فتراهم يكررونه دائماً في العديد من عمليات الطعن والدهس، التي تتسبب غالباً في حالة بلبلةٍ واضطرابٍ وفوضى في جموع المواطنين المتواجدين في المكان، إذ يفر أغلبهم مذعوراً خائفاً، ويظهر عليهم الارتباك والحيرة، الأمر الذي يجعل الاشتباه بذوي السحنة السمراء سهلاً وممكناً، فضلاً عن غيرهم من اليهود الملتحين من ذوي الملامح العربية اللافتة.

ربما سلم الإسرائيليون بقدرهم، ورضوا بحتمية المواجهة مع الفلسطينيين، ذلك أنهم يدركون في قرارة أنفسهم أنهم محتلون وغاصبون للأرض والحقوق والممتلكات، وأنهم يعتدون ويقتلون ويظلمون، فلا ينتظرون من أصحاب الحقوق إلا مقاومتهم وقتالهم بكل ما أوتوا من قوة، وبكل الأسباب والوسائل والأدوات الممكنة، وربما يستطيعون تكييف أنفسهم مع هذا الواقع، فطالما أنهم قد ارتضوا لأنفسهم أن يبقوا ظالمين ومعتدين، فإن عليهم أن يتحملوا ردات الفعل ومساعي استرداد الحقوق وتحرير الأرض، وأن يقبلوا بكل أشكال المقاومة ولو كانت موجعة ومؤلمة، وقاسية وخطيرة.

لكن الجديد الذي فاجأ الإسرائيليين وأربكهم، وأدخلهم في دوامةٍ جديدةٍ لا يعرفون كيف يخرجون منها، أو كيف يميزون مساراتها، ويفككون طلاسمها ويحلون ألغازها، فهم كمن كان ينتظر قدوم الخطر من الغرب، فجاءتهم الأخطار من تحتهم ومن فوقهم، ومن بين أيديهم ومن أسفل منهم، فلا يستطيعون صده، ولا يقوون على منعه، إذ أن مواجهة هذا الخطر الجديد تعني مواجهة الشعب الإسرائيلي كله، والتصدي للمواطنين أجمعين، ومراقبة أفعالهم وتفسير تصرفاتهم، وتعقب المجرمين فيهم، والمستغلين للظروف والأوضاع، ممن يحسنون الصيد في المياه العكرة، واستغلال الظروف لصالحهم، والاستفادة من الفوضى فيما يخدمهم ويحقق أهدافهم، والإسرائيليون بطبيعتهم أكثر من يتصفون بالانتهازية والاستغلال، فهم معروفون عبر التاريخ بأنهم يستغلون المحتاج، ويبتزون الخائف، ويذلون المسكين، وغير ذلك من أخلاقهم الدنيئة التي عرفوا بها واشتهروا.

فقد كثرت في الأشهر الثلاثة الماضية، التي هي أشهر الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، التي تميزت بعمليات الطعن والدهس انتقاماً للشهداء وثأراً من الأعداء، جرائمٌ إسرائيلية مدنية، يرتكبها مواطنون إسرائيليون ضد بعضهم البعض على خلفياتٍ جنائيةٍ، وبدلاً من أن ينفذوا جرائمهم كما هي عادتهم وغيرهم بإطلاق النار من مسدساتهم أو بنادقهم الآلية، فقد عمدوا إلى اعتماد الطعن وسيلةً لارتكاب جرائمهم وقتل خصومهم، كي يظهروا أن عمليات القتل التي تتم إنما تتم بأيدي الفلسطينيين، وعلى خلفيةٍ قوميةٍ معادية، وبذا يبعدون الشبهة عن أنفسهم، ولا ترقى الشبهات إليهم، إذ أنه لا يتبادر إلى ذهن المحققين أبداً أن مرتكب الجريمة هو إسرائيلي مثله، وأن دوافعه لارتكاب الجريمة دوافعٌ جنائية محضة، ولا علاقة لها بالدوافع الفلسطينية، ولا بالمنطلقات القومية العدائية التي تحكم العلاقة بين الطرفين.

الانتفاضة الفلسطينية الثالثة ساعدت على كشف حقيقة المجتمع الإسرائيلي، وعرته أكثر مما هو عاري، وأظهرت سوءته الاجتماعية، وأدواءه ومشاكله الداخلية، فطفت على السطح أخلاقهم الحقيقية، ومشاكلهم المخبوءة، وأحقادهم الدفينة على بعضهم، وبدا ذلك كله من خلال العديد من جرائم القتل التي تمت في أكثر من مدينةٍ إسرائيلية، وقد سجلت دوائر الشرطة الإسرائيلية بعض الحوادث التي تبين فيما بعد أنها جرائم مدنية جنائية، وأن مرتكبيها حاولوا الاستفادة من الأوضاع القائمة والظروف التي تشهدها المناطق الفلسطينية، في التغطية على جرائمهم، ونسبها إلى الفلسطينيين، كما سجلت حوادث تفجير لسياراتٍ مدينةٍ، تبين لهم فيما بعد أنها ليست عمليات مقاومة، وإنما هي عمليات على خلفية جنائية فقط، لكن منفذيها يعمدون إلى هذه الطريقة كونها الأقرب إلى اتهام المقاومة، والأبعد عن إثارة الشكوك حولهم.

أشارت تحقيقات الشرطة الإسرائيلية إلى جنوح بعض المواطنين الإسرائيليين إلى تسوية مشاكلهم الداخلية وتصفية حساباتهم فيما بينهم بالقتل، ذلك أن القتل دون إدانةٍ أو اتهامٍ لهم يريحهم من كثيرٍ من الأعباء والواجبات الملقاة على عاتق بعضهم، فالقتل الذي هو تغييب مادي لشهودٍ حقيقيين يمكن القاتل من تغييب الوقائع، وطمس الحقائق، والاستحواذ على بعض الحقوق التي قد يكون للضحية فيها نصيب بالشراكة مع القاتل، فضلاً عن أنه ينهي ديوناً ويسقط حقوقاً، وقد يصاحب عمليات الطعن والقتل سرقة أوراق ومستندات وأموال، مما لا تنتبه الشرطة الإسرائيلية إلى وقوعه لاستبعادها عمليات السرقة والسطو التي لا تصاحب في العادة عمليات المقاومة الفلسطينية.

إنه موسم الإسرائيليين الرائج، وفرصتهم الكبيرة التي باتت بين أيديهم سهلة، وكأنها دعوة واضحة وصريحة إليهم جميعاً لتصفية حساباتهم الداخلية بالدم، وإنهاء شراكاتهم الشائكة بالقتل، وهذا الأمر ليس بالغريب على الإسرائيليين اليوم ولا على اليهود بالأمس، فهذه هي أخلاقهم التي نشأوا عليها، وقيمهم التي تربوا في ظلها، الانتهازية والابتزاز والاحتكار والربا والتهديد والضغط، هي أدواتٌ إسرائيليةٌ يهوديةٌ قديمة، يستخدمونها ضد أعدائهم، لكنهم لا يتورعون عن استخدامها ضد بعضهم البعض في كل الأوقات وعلى مختلف العصور، والتاريخ على هذا يشهد بلسانهم وفي كتبهم المقدسة.


الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (57)

الانتفاضة اليتيمة والشعب العصامي

يوماً بعد آخر تتضح حقيقة يُتمِ الانتفاضة، فقد أظهرت الأيامُ التي قطعتها يتمها، وأنه لا أب لها، ولا من يحنو عليها، ولا من يهتم بها ويحرص عليها، ولا من يرعى شؤونها ويعني بفعالياتها ويتابع احتياجاتها، فغدت وحدها بلا أبٍ يدافع عنها، ولا كفيلٍ يعنى بها، وليس أشد على الإنسان من اليتم في مجتمعٍ لا يرحم، وعالمٍ قاسي لا يعرف الحنو ولا العطف، وليس فيه أمانة ولا صدق، ولا خير ولا بركة، بل تسوده قيم الشر ومفاهيم الكراهية، وتسيطر عليه شريعة الغاب ومنطق السوق والتجار، فيغدو فيه البشر كالحيوانات يتغولون على بعضهم، ويعتدون على الضعيف فيهم، ويستولون على حق المسكين بينهم، ويحتالون على أصحاب الحقوق ويخدعونهم، ويلتفون عليهم وينهبون أموالهم، ويتسلطون عليهم ويحرمونهم مما هو لهم.

كذا هو حال الانتفاضة والشعب الفلسطيني اليوم، فقد غدا الشعب يشعر بأنه وحيد ولا ناصر له غير الله، ولا يوجد من يلتف حوله، ولا من يؤيد حقه، ولا من يناصره في قضاياه، ولا من يقف في وجه العدو ويتحداه، وينتقد سياسته ويرفض مواقفه، ويستنكر أفعاله وجرائمه، بل العكس من ذلك فإن قوىً ودولاً تقف إلى جانب العدو وتناصره، وتؤيده في سياسته وتقف معه في جرائمه، وتتفهم ما يتعرض له من خطر، وتجيز له ما يتخذ من مواقف وما يمارس من سياساتٍ، بجحة أنه يصد بعملياته إرهاب الفلسطينيين، ويمنعهم من إلحاق الضرر بأمنه وبحياة مواطنيه وسلامة مصالحه ومرافقه.

الفلسطيني اليوم يتيمٌ بحقٍ، ومسكينٌ بلا شك، وهو واقعٌ بين براثنِ عدوٍ مفترسٍ، ماكرٍ خبيثٍ لعينٍ، يتربص به ويتآمر عليه، ويتحالف ضده ويتعاون مع غيره عليه، حتى صدق المثل فيه أنه كاليتيم على موائد اللئام، فهو اليوم كذلك ولا أشد لؤماً عليه من الصهاينة، وكل من حوله لئامٌ يتآمرون عليه ويتربصون به، ويحاولون خداعه والتضليل به، وحرمانه مما هو له، وسلب ما بقي بين يديه، ويتفننون في وضع الحيل ورسم الخطط ليخدعوا هذا الشعب ويخضعوه إلى ما يريدون، فتارةً يصارحونه بما يريدون دون حياءٍ ولا خجل، وتارةً يلتفون حوله ويحاولون خداعه، وأحياناً يزينون له أفعالهم ويزخرفون مقترحاتهم، ويغلفونها بما يظهرها صادقة وبريئة، وهي عكس ذلك تماماً، إذ أن فيها السم ولو كانت دسمةً، ولا تحقق الخير للفلسطينيين وإن بدا أصحابها ناصحون، صادقون ومخلصون.

هذا هو الواقع الذي لا نستطيع أن ننكره ولا أن نتجاوزه، فالفلسطينيون اليوم وحدهم، فلا حكوماتٍ عربية تناصرهم وتقف معهم، ولا أنظمة عالمية تتفهم قضيتهم وتؤيد نضالهم ولا تعارض مقاومتهم، رغم أن البعض يبدي حسن نيته ويقدم عذره، بأن بلاده مشغولة بهمومها، وقلقة على أوضاعها، وأن أمنها غير مستتب، وظروفها غير مستقرة، وأعداؤها في الداخل والخارج على السواء، بما يجعلهم غير قادرين على الالتفات إلى غيرهم، ومساعدة سواهم، والانشغال بهمومهم الخاصة عن العامة، وهذا أمرٌ طبيعي لا يعترض عليه أحد، ولا ينتقده عاقلٌ، إذ قبل أن تهب لمساعدة الآخرين حاول أن تطفئ النيران التي تشتعل في بيتك.

لكن الشعب الفلسطيني عصاميٌ في أصله، وعنيدٌ في طبعه، ومؤمنٌ في عقيدته، وصادقٌ في مقاومته، فلا يقلق كثيراً إذا بدا وحيداً وتخلى عنه الآخرون، ولا يفت في عضده انفضاض العالم من حوله، والتفافهم حول الظالم المعتدي، المحتل الإسرائيلي الغاشم، فهم لا يعتدون كثيراً بالمجتمع الدولي الذي صنع يتمهم، وكان السبب في كسر ظهرهم، ونكبة شعبهم، وضياع أرضهم وشتات أهلهم، فالمجتمع الدولي هو الذي يتحمل كامل المسؤولية عن جريمة القرن العشرين ونكبة الأمة فيه.

إلا أن الصورة ليست شديدة القتامة، والأرض ليست محلاً وقحطاً، بل يوجد من حينٍ إلى آخر من ينتصر إلى الشعب الفلسطيني ويثور من أجله، وينتفض تأييداً لحقوقه، ويرفع الصوت عالياً في وجه ظالميه والمعتدين عليه والمحتلين لأرضه، وهذا ما بدا واضحاً من خلال تصريحات وزيرة الخارجية السويدية، التي استنكرت عمليات القتل والإعدام التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، والتي أعطت الحق لمستوطنيها بقتل الفلسطينيين وإطلاق النار عليهم، دون خوفٍ من ملاحقةٍ قانونيةٍ أو إدانةٍ ومحاكمةٍ قضائيةٍ، وبذا تكون قد وسعت إطار الجريمة، وزادت من عمليات القتل العشوائي والإعدام الميداني.

رغم أن الغضبة السويدية كانت محقة، وكانت واضحة وصريحة، وكانت ضد عمليات القتل البشع الذي تمارسه سلطات الاحتلال، إلا أن حكومة الكيان الصهيوني انتفضت وغضبت، واستفزت واستنكرت، ولم تعجبها الغضبة السويدية، ولم ترضَ عن موقف وزيرة الخارجية، واعتبرت موقفها انحيازاً مع الإرهاب ضدها، وانتصاراً للظلم عليها، ودعا رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي رئيس الحكومة السودية ستيفان لوفين، إلى التراجع عن هذه التصريحات، وبل والاعتذار عنها، ذلك أنها منافية للالتزامات الأوروبية تجاه كيانهم، كما أنها تخالف الحقيقة والواقع، إذ يرى رئيس الحكومة الإسرائيلية أن وزيرة الخارجية السويدية قد عكست الواقع، فأيدت الفلسطينيين الذين يمارسون القتل والإرهاب ضد الإسرائيليين وهم الضحية الذين يقتلون ويطعنون، وكان حرياً بها أن تقف معهم وتحزن على ما أصابهم ولحق بهم، إلا أن رئيس الحكومة السويدية رفض اعتراضات نتنياهو، ورد عليه قائلاً "إن القانون الدولي لا يعتبر الهجمات التي ينفذها الشبان الفلسطينيون بالسكاكين إرهاباً".

ما أجمل أن يستيقظ الفلسطينيون ذات صباح فيجدون أن لهم أباً حياً، حراً عزيزاً أبياً قوياً، مهيباً ومهاباً، فارساً شجاعاً، صنديداً مقاتلاً، صاحب كلمةٍ وأنفة، وعنده عزة وكرامة والكثير من الشهامة، يقف إلى جانبهم ويساندهم، ويصد ويدافع عنهم، ويرد الصاع صاعين على من ظلمهم، ولا يقبل أن يستفرد بهم ويعتدي عليهم، ولا أن يتركهم ويغيب عنهم، بل يكون معهم وإلى جانبهم، سيفاً به يقاتلون، وترساً به يصدون، وقلعةً به يحتمون، وسوراً به يمتنعون.

وسوم: العدد 645