قراءةٌ في القرار ( 2254 ) حول سورية

في خطوة شبه متوقعة أعلن مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة ( 18/ 12/ 2015 ) موافقة أعضاء المجلس الخمسة عشر على القرار ( 2254 ) الخاص بسورية.

و قد كان ملاحظًا في نصوص فقراته الستة عشر أنه كان توافقيًا بين الدول صاحبة النفوذ في هذا الملف، فهو لم يتجنب الإشارة إلى مرجعية جنيف، أو إلى مؤتمر الرياض كما أرادت روسيا، و بالمقابل لم يشر إلى مصير الأسد كما أرادت مجموعة دول أصدقاء الثورة، و لعلّ أهم ما فيه الأمور الآتية:

1ـ أنه و لأول مرة يتمّ التعاطي فيها مع الملف السوري، في أروقة مجلس الأمن بهذه التوافقية، و الجدولة الزمنية.

2ـ أنه جعل من أطراف المعارضة السورية المنضوية في مؤتمر الرياض طرفًا معترفًا به من النظام و حلفائه على حدٍّ سواء، وبموجب قرار صادر من مجلس الأمن، الأمر الذي يجعل منها طرفًا في أية تسوية سياسية محتملة، و ضمن بعض سقوف مطالبهم، و هو ما أفلح فيه حلف ( الرياض، قطر، تركيا ) في مؤتمر باريس التمهيدي لمؤتمر نيويورك، على الرغم من الضغط الأمريكي الرامي إلى توسيع الهيئة التفاوضية لتشمل أطرافًا غير التي حضرت في الرياض ( صالح مسلم، و هيثم مناع )، و لتليين اللهجة تجاه الأسد.

3ـ أنه تمّ ترحيل الحديث في تصنيف الفصائل إلى مرحلة لاحقة، عندما تبدأ المرحلة الانتقالية، و هو ما سيحمل عددًا من الفصائل إلى إعادة التموضع، ما قد يخفف عن الدول الحليفة للثورة بعض العناء في إقناعها بذلك في الوقت الراهن.

و عليه فإنّ الأمور قد سارت ضمن العملية التفاوضية التي خاضتها أطراف النفوذ في هذا الملف، وصولاً إلى لحظة صدور هذا القرار، إذْ من المعلوم أنه في ظل حالة شدٍّ و جذب كالتي يشهدها الملف السوري، ألاَّ يحصل كل طرف على مبتغاه كاملاً، و لابدّ من الالتقاء في منطقة وسطٍ، أو أقرب إلى الوسط بحسب القدرات التفاوضية التي يمتلكها كلّ طرف منهم.

و لذلك فإنّ ما تبديه بعض الأطراف، و لاسيّما في فصائل المعارضة، من النظرة التشاؤمية تجاه مضامين هذا القرار، أمرٌ لا يعني حلفاءهم كثيرًا؛ لأنهم أدرى بكواليس اللقاءات الدولية، و مدى مراعاة المصالح بين الدول في مثل هذه الحالة.

فمن غير المقبول أن تذهب أمريكا و الدول الأوروبية في حالة العناد مع روسيا، إلى اللحظة التي يرونها تغرق في المستنقع السوري؛ ما يجعل بوتين يقدم على اتخاذ قرارات لا يحبذونه، فتكون نتائجها مضرة لجميع الأطراف.

و كذلك ليست دول حليفة جدًّا للثورة  مثل ( الرياض، و قطر، و تركيا )، في وارد أن تفرّط بمصالحها الاستراتيجية من أجل قضية تباينت مشارب اللاعبين فيها كثيرًا، إلى حدٍّ التناقض المؤدي للصدام في أية لحظة.

فلكلٍّ منها حساباتها في هذا الملف، و لذلك لا غرابة أن تتجه أنظار أنقرة إلى تبريد العلاقة مع روسيا، و طي صفحة الخلاف مع إسرائيل في ملف قافلة الحرية ( مرمرة ) في ( أيار/ 2010م ).

 و كذلك الرياض ليست بوارد أن تصل مع روسيا إلى حدّ القطيعة الكاملة، و هي التي تحتاجها في الملف اليمني في إطار أية تسوية سياسية قادمة فيه.

 و حتى في علاقتها مع إيران فإنّ العلاقة معها لن تصل إلى ذروة التصعيد، لأنّ الملفات العالقة بينهما في لبنان، و العراق، و سورية، فضلاً على اليمن لا تحتمل شدّ الحبل إلى حدّ القطع.

و حتى الحواضن الشعبية لفصائل المعارضة السورية، بحاجة إلى هدنة إنسانية بعد خمس سنوات عجاف أتت فيها على كلّ ما ادخرته على الرغم من قلّته.

 ناهيك عن أنّ حجم التباينات بين أطرافها تشكّل عامل فرملة في الاندفاعة نحو غاياتها الكبرى، و لا أدلّ على ذلك ما كان بينها في مؤتمر الرياض في بعض المنطلقات الآيديولوجية، إذْ لولا الضغوط الخارجية التي مورست على بعض الأطراف لكانت الحال على غير ما ظهرت عليه في البيان الختامي، وليس بخاف على المراقبين استمرار آثار هذه التباينات إلى مراحل لاحقة بعده، و هو ما تمّت مناشدة هذه الفصائل بشأنه؛ حتى لا تلقي على عواتق السوريين ( حيثما كانوا ) مزيدًا من الأثقال، لا بلْ أن يراعوا حتى مصالحهم هُمْ، و هم في أتون مواجهة ضروس مع حلفاء النظام، و ما زالوا بحاجة إلى الدعم اللوجستي من تلك الدول.

وسوم: العدد 647