الفعلَ الفعلَ
الذي أعلمه ويعلمه الراسخون في العلم، أن الرجل بقوله وفعله، فلا مجال للفصل بين القول والفعل، ومتى كان الفصل كان الانفصال عن الكينونة التي هي ذات الرجل في الجميل مما يملك، والجليل مما لا يملك، ويسعى إلى ملكه بالذات الفاعلة التي لا راد لها حين يكون ما يكون من المواجهة، تحقيقا للذي يتعين أن يتحقق في الوجود الفعال، ونفيا لما يجب أن ينفى من الارتداد عن المناضلة التي بدونها لا يكون وجود، ولا تستقيم وجهة في هذا الوجود.
ولقد علم الواعون لذواتهم في المعمعان الوجودي أن لا حقيقة إلا ما يكون بالفعل من الفعل وفي الفعل، وأن لا فعل إلا ما يتبع القول بالإرادة التي لا راد لها حين يكون من العزم ما وجوده في الحسم، وحين يكون الحسم ملكا للذات، وامتلاكا للوعي، وتملكا للوجود، فيما لا دافع له من القدرة القادرة المقتدرة. فكيف بعد أن ظهرت قوة القول في الفعل، وقوة الفعل في القول، كيف بعد هذا وذاك يمعن من لا وجهة له في الحق، ولا اتجاه في الصدق، كيف يمعن فيما لا طائل تحته من الوعود، ولا نفع معه من ،العهود، فلا يعود إلى مراجعة الذات لعله يجد على هذه المراجعة طريقه في الاستقامة بالاستقامة.
وبئست الهيئات التي هذا ديدن القائمين عليها، والمقيمين فيها، في علوق لا ينفك، وتعلق لا يزول. ألست ترى، والحال هي الحال، أن هؤلاء المقيمين، وأولائك القائمين، في خواء من الخواء يدورون، وفي عبث من العبث يسلكون، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما كان في الأيام الخالية يرفعون عقائرهم باستنكاره، ويخطبون، وما أكثر خطبهم، ويضجون، وما أكبر ضجاتهم، حتى إذا كان ما كان من وجوب تحقيق الذي وعدوا به الناس من تغيير الحال والمآل، نكصوا وخاضوا في التماس الأعذار، حفاظا على على ما بلغوا من المراتب، وتسنموا من المناصب. وليت أمرهم لزم هذا النوع من السلوك المردود، ليتهم أبانوا عن عجزهم أمام الملأ، وعادوا إلى ما كانوا عليه قبل أن يصلوا إلى ما هم فيه من الفخفخة، والجعجعة، ليتهم فعلوا ويفعلون، ولكنهم يصرون على ما فعلوا، من إضاعة الوقت، وتضييع الفرص، ويخوضون فيما لم يعلنوا عنه في وعودهم السابقة، فيطلعون على الناس كل الناس، بالعجيب من الأقوال، والغريب من البرامج، فيدوخون الناس كل الناس، ولا يترددون في نعت من خالف عنهم بالجهل، وينسون أو يتناسون أن ما هم فيه من الخوض في الماء العكر، مضر بالبلاد والعباد، فمتى ينتهون عن الاستخفاف بعقول الناس كل الناس، ومتى يستغفرون الله من قول بلا عمل، ويتوبون إليه توبة نصوحا عسى ما هم فيه من الخلط والخبط يكون وراءه نهج لا يزل ولا يضل، ولا يشقى. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وصلى الله على محمد وعلى أبويه إبراهيم وإسماعيل وسائر النبيئين وسلم تسليما.
وسوم: العدد649