و...الحل السياسي ؟؟....

حركة واسعة وأقوال كثيرة، واستعدادات متنوعة استقبالاً للخامس والعشرين من هذا الشهر في جنيف ..

وما زال السؤال الكبير مطروحاً : هل هناك مناخ حقيقي لتجسيد حل سياسي ؟..

هل الشروط متوفرة للسير في سكته ..ومحطاته ؟؟

هل نظام الفجور الأمني يقبل فعلاً بأي حل سياسي أم يريد مضغ الوقت، وإدخالنا في متاهات التفاصيل، وقصة محاربة الإرهاب وأولوياتها، ونهش المطروح لتأكيد نهجه وجوهر تركيبته..حتى وهو فاقد للأهلية، والقرار، والفعل ؟؟...

****

أسئلة كثيرة متراكمة : واقعية تماماً تفرد تفاصيلها على كل مهتمّ، وتضع قبولنا المبدئي بالحل السياسي طريقاً لإنهاء المأساة السورية والبدء بعملية انتقالية جدّية تنهي نظام الاستبداد والفئوية والإجرام وتبدأ بمرحلة تجسيد النظام التعددي المغاير.. مرتبطاً بجملة العوامل الفعلية القابلة للتنفيذ وليس مجرد استهلاك الوقت، وتمييع الجوهر، وإدخالنا متاهات مسلسلات المباحثات والمشاورات والمماحكات.. ثم لا شيء في الواقع ..

ـ ثمة مجموعة وقائع واقعية نعيها جيدا، ونعرف كثير تفاصيلها تقف عوائق فعلية مانعة لتطبيق مسار حقيقي يلبي جوهر وروحية قرار جنيف واحد، وما نصّ عليه من بنود واضحة..وهي تتعلق بطبيعة النظام . وبالرؤية الروسية ـ الإيرانية، وجوهر تفاصيل القرار 2254 .. وتفسيره لدى ديمستورا وغيره .

ـ لا نقول جديداً حين نؤكد دوماً على أن هذا النظام المجرم، حتى وهو فاقد للأهلية، ولقراره، وهو لا يمون إلا على جزء يسير من الوطن السوري وقد تحوّل إلى شكل مليشياوي تماماً .. وسمح باحتلال البلاد وانتهاك سيادته، وإلى دمية توكل لها بعض الأدوار، هو ذاته النظام الرافض لأية حلول سياسية، والمراهن على طول مساراته وأوضاعه على الحل العنفي وأوهام سحق الثورة وإعادة المناطق التي خرجت عن سيطرته إليه عبر هذا الحشد المليشياوي متعدد الجهات، وتحت وقع القصف الروسي وما يفعله ضد قوى الثورة والمدنيين.. وسيحاول بوسائله الخبيثة المعروفة مضغ الوقت، ورشّ العديد من الموضوعات والتفاصيل الاستنزافية، الاستهلاكية للمضامين والوقت... بينما عيونه على وهمه وما يمكن أن يحققه الآخرون من تمهيدات تعيده إلى التحكّم بالبلد وكأنه لم يفعل شيئاً، ولم يكن المسؤول الرئيس عن هذه المأساة الشاملة .

ـ الاحتلال الروسي لبلادنا الذي يرفع رايات مزيفة : محاربة الإرهاب، والحل السياسي، والذي جاء محمولاً على خوفه من انهيار النظام بعد أن عجزت إيران ومليشياتها المختلفة عن نجدته، وضمن شيء من توافق مع الأمريكان يستجلب عددا من الاحتمالات والرهانات.. إنما يستهدف أساساً بناء ميزان قوى جديد لصالح النظام يعتقد أنه سيكون بقوة الإملاء الملزم على قوى الثورة والمعارضة ضمن الرؤية الروسية للحل السياسي والتي تعيد تأهيل النظام، وإعادته ولو ببعض الأصبغة والعناوين، بما فيها احتمال إبعاد رأسه بطريقة ما، مع الحفاظ على مرتكزاته ومؤسساته، خاصة الأمنية والعسكرية..

ـ لقد اندفع التدخل الروسي المحموم بقصف عنيف لمواقع القوى المحسوبة على المعارضة ضمن سياسة الأرض المحروقة، واستخدام ترسانته العسكرية المتطورة والمدمرة لتمهيد الأرض كي يستعيد النظام المناطق المحررة .. لكنه لم ينجح كثيراً،لأن قوى النظام ومن معه من حشد إيراني ومليشيا طائفية لم تنجح في استثمار نتائج القصف، وهو يقابل بعمليات  مستمرة يستعيد فيها الثوار المناطق التي يضطرون لإخلائها حماية لأرواحهم أثناء القصف، ويوقعون بالنظام خسائر كبيرة .. وبما يلقي بظلال معتمة على الحل السياسي ، وفق الرؤية الروسية .

ـ وفي الجانب الإيراني يختلف الأمر في منسوبه، خاصة الموقف من النظام ورأسه، حيث ما يزال يراهن على تحقيق النصر الكاسح وتمكين النظام من البقاء، وبالتالي ف"الحل السياسي" في المفهوم الإيراني ينسف حقوق الشعب السوري وتضحياته، وجوهر بيان جنيف 1..ويوغل بعيدا في التمدمد داخل بلادنا تواصلا لمشروعه القومي المعروف .

ـ اما القرار الأممي 2254 ورغم بعض بنوده الإيجابية، خاصة ما يتعلق بالنص على وحدة سورية أرضا وشعبا وكيانا سياسياً، وإقامة نظام تعددي، يمكن أن يفهم أنه ديمقراطي، وبعض البنود الواردة تحت ما يسمى" إجراءات حسن النية"..إلا أنه في جوهرة قراءة روسية بالأساس حتى ولو كان صياغة أمريكية.. تتجه إلى تمييع لبّ وجوهر عملية الانتقال الديمقراطي، والخاصة ببند تشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية بصلاحيات كاملة.. حيث يلاحظ وضعها ضمن ما يعرف باللجنة القانونية السياسية وإغراقها بعدد من البنود التي تقع ضمن ما يعرف بإجراءات حسن النوايا .

ـ هنا علينا تسجيل ملاحظتين متداخلتين :

أولها أن جميع بنود إجراءات حسن النوايا تقع في خانة مسؤولية النظام بالذات، كفك الخصار عن المدن والمناطق، وإيقاف سلاح التجويع للتركيع، والقصف بالبراميل، واستهداف المدنيين، وفتح ممرات للإغاثة، وإطلاق سراح المعتقلين، والكشف عن مصير المفقودين والسماح بعودة المهجّرين.. وهي حقوق طبيعية للشعب السوري ليس لها أية علاقة بالتفاوض، ويُفترض أن يُسأل النظام عنها، وأن يخضع في تلبيتها لمسؤولياته كحاكم، ولمجموعة القرارات الدولية الواضحة في هذا المجال..

ـ والثانية تخص التغيير الواضح : تعريفاً ومضموناً في طبيعة الهيئة الحاكمة وتشكيلها، وتحويلها لشيء أقرب إلى حكومة وحدة وطنية.. سيعمد النظام ـ بهذه الحالة ـ إلى تشكيلها وبما يعني بقاؤه حتى نهاية المرحلة الانتقالية .. وربما دخول الانتخابات المزمع إجراؤها نهاية تلك الفترة المحددة بعام ونصف .

ـ ويلاحظ أيضاً استبدال مصطلح " الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية" بالحفاظ على مؤسسات الحكومة السورية"، والفرق كبير، وبما يفهم منه الحفاظ على مرتكزات النظام : الأجهزة الأمنية ومؤسسة الجيش ..

ـ أضف إلى ذلك أن مفهوم ديمستورا للمفاوضات أقرب للمحادثات والمشاورات منه للمفاوضات.. وبما يعني الدخول في مسلسل طويل قد يستغرق أشهراً في مسائل جزئية، وبعيدا عن جوهر، ومستلزمات العملية الانتقالية، وإنهاء وجود رأس النظام وكبار رموزه من القتلة.. في حين يلوّح حلفاء النظام وبعض الأطراف الأخرى، بمن فيهم " المبعوث الأممي" عن ضرورة تنازل قوى المعارضة مسبقاً، والتعامل مع الوقائع على الأرض، وكأن فرضياتهم باتت هي الحقيقة، وكأن المشروع الروسي في بناء ميزان قوى جديد لصالح النظام بات قدراً لا فكاك منه.. وعلى قوى المعارضة أخذه بالاعتبار.. وإلا ....

                                      ***

من الثابت اليوم كحقيقة مؤكدة، وسبيل لفرض حل سياسي يستجيب لحقوق وتضحيات الشعب السوري، ويؤمن شروط الانتقال إلى النظام الجديد التعددي..أن  الأمر يرتبط بإيجاد ميزان قوى يناغم بين السياسي والعسكري بالنسبة لقوى الثورة والمعارضة . لحمته وقاعدته الواقع الميداني بقدرة إفشال المشروع الروسي، ونحر مخططات النظام وإيران في محاولة إلحاق الهزيمة بقوى الثورة .

ولئن كان هذا التحدي المصيري يستلزم توحيد المسارين السياسي والعسكري وفق صيغ عملية، فإنه يستدعي وحدة قوى العمل المسلح ضمن قيادة كفؤة  ومهنية، ومخطط شامل لبرنامج العمل، والمهام ، وتفعيل هيئات المجتمع المدني، واستنفار قدرات جميع القوى السورية المحسوبة على الثورة لوضع قدراتها في مسار بناء ميزان قوى منيع، وقادر على دحر محاولات الأعداء، والدخول إلى العملية السياسية بأوراق حقيقية تنتزع حقوق الثورة، وتفرض على النظام وحلفائه الانصياع لجوهر بيان جنيف 1، والبدء بالعملية الانتقالية عبر الهيئة الحاكمة بصلاحيات كاملة .. مع وعي مروحة الاحتمالات المختلفة ومناقلاتها، ومنسوب العمل العسكري، او السياسي في كل منها.. وبما يجعلهما وحدة متفاعلة لا انفصام بينهما.

ـ إن رصّ الصفوف، وسدّ الثغرات، والالتزام بثوابت الثورة التي ترجم بيان الرياض جزءاً حيوياً منها، خاصة ما يتعلق بجوهر العملية السياسية وأهدافها، والموقف من رأس النظام وكبار رموزه، ومقاومة محاولات فرض نماذج رخوة لا تمثل روح الثورة، وتفصيح هوية النظام البديل باعتباره نظام التعددية، والمساواة الشاملة بين جميع المواطنين بغض النظر عن أصولهم الإثنية أو الدينية، أو المذهبية، أو مرجعياتهم الفكرية والسياسية، وبين الرجال والنساء.. هي اليوم المهمة الرئيس التي يتوقف على إنجازها انتزاع حقوق الشعب والوطن، ومجابهة التحديات الكبيرة التي تواجه بلدنا العزيز، وبدء مسار إنهاء المأساة السورية .

إن استنهاض الوطنية السورية العريقة، العميقة، وصياغة البرنامج الوطني الشامل، والتفاف الجميع حول المسألة الوطنية.. مهمة محورية لتأمين مقومات استرداد القرار الوطني، وبناء علاقات ندّية، واستراتيجية مع الأشقاء والأصدقاء.. بما في ذلك الوصول إلى تحالفات استراتيجية مع الدول التي تلتقي معنا في الهدف والمصير ..

وسوم: العدد 651