كيفية ترجمة عدد الشعب الفلسطيني إلى قوة فعالة
ورد في البيان السنوي الأخير لجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني في رام الله أن عدد الفلسطينيين 12 مليونا و370000 نفس، وأن فلسطين التاريخية في الضفة وغزة والداخل الفلسطيني تكون من هذا الرقم 6 ملايين و220000، وهو ما يساوي عدد المستوطنين اليهود في دولة إسرائيل وفق آخر إحصاء لهم في العام الماضي . ويمكن القول بثقة كبيرة أن عدد الفلسطينيين وعدد اليهود في فلسطين التاريخية متماثلان ، وإذا كان ثمة من رجحان فهو في كفة العدد الفلسطيني ، ويشير إلى هذا جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني بتوضيحه أن هناك عشرات الآلاف ممن يحملون إقامات في الضفة وغزة ولم يشملهم الإحصاء الأخير لوجودهم في الخارج العربي والأجنبي . عدد السكان مسألة محورية في صراع الوجود الفلسطيني _ الإسرائيلي ، تفجرت شرارتها الأولى في القرن التاسع عشر حين صاغ السياسي البريطاني اليهودي شافتسبري في حمى الدعوة لإيجاد وطن قومي ليهود العالم ؛ عبارة : " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض " قاصدا فلسطين واليهود . ومنذئذ بدأ الصراع مسيرته التي انتهت باغتصاب 78 % من الوطن الفلسطيني في 1948 لصالح الحركة الصهيونية ، وانتهت باحتلال بقيته في 1967 . ولم تتخل الحركة الصهيونية عن وسيلة رأتها ملائمة لاستجلاب يهود العالم إلى فلسطين ، ومازالت مثابرتها متصلة في هذا المضمار . وفي المقابل اتبعت كل وسيلة رأتها ملائمة لاقتلاع الفلسطينيين من وطنهم ، وبنت مجهودها حين كانت حركة ، وبعد أن صارت دولة مسماها إسرائيل ؛ في مسألة السكان على أسس ثلاثة : الأول : مواصلة استجلاب المهاجرين من الخارج بمقتضى قانون العودة ، ولو اضطرت أحيانا للتساهل في التمسك بمعايير هذا القانون متنازلة عن شرط يهودية المهاجر ، وهو ما فعلته مع المهاجرين من الاتحاد السوفيتي الذين كان نصفهم ليسوا يهودا ، ورأت فيهم منقذا لها مما كانت ومازالت تسميه القنبلة السكانية الفلسطينية . الثاني : خلق مجتمع رفاه معيشي يغري يهود العالم بالهجرة إليها ؛ فالحماس لفكرة الوطن اليهودي الخاص لا يكفي وحده لدفعهم للهجرة . ثالثا : خلق مستوى أمان عالٍ لسكانها في مواجهة أعدائها من العرب ، وهو ما تسميه حماية الجبهة الداخلية . واستطاعت صنع تلك الحماية بمستوى عال في عدة حروب خارج حدودها ، واخترق هذا السور الحصين في الانتفاضتين الأولى والثانية ، ثم حدث الاختراق الكبير له في الحرب مع حزب الله في 2006، وفي الحروب الثلاث على غزة ، وفي الانتفاضة الحالية التي تختلف أساليب وأجواء عن الانتفاضتين السابقتين . مثل اختراق أمن الجبهة الداخلية زلزلة كبيرة للرفاه الأمني الذي نعم به المهاجرون المستوطنون عدة عقود بعد قيام دولتهم ، وقويت إثر الاختراق الهجرة المضادة ، وزادت أحيانا على الهجرة الوافدة ، الحال التي أفزعت قادة إسرائيل ، فجهدوا لصد هذا التوجه بالضغط على الدول الأوربية التي يقصدها المهاجرون للحد من استقبالهم لها ، ونجحوا في مسعاهم . والمحاسن والتيسيرات التي وفرتها الحركة الصهيونية وإسرائيل بعد ذلك للمهاجرين اليهود قابلها ما يناقضها في الجانب الفلسطيني ، وهو ما لا شرح له هنا . ونوجز فنقول : إن الفلسطينيين لهم دور كبير في هذه المناقضة الخاصة بحالهم مقارنة بحال المهاجرين اليهود ، ووقف هذا الدور يتطلب : أولا : التحرر العازم الحازم من شبكة خلافاتهم التي لا صلة لها بمصيرهم ، وصلتها الحقيقية منحصرة في دائرة مصلحة فصيل معين . ثانيا : العمل المنظم الفعال لترسيخ الوجود البشري الفلسطيني في الضفة وغزة والداخل الفلسطيني ، وتمتين العلاقة بين المكونات الثلاثة . ثالثا : تقوية وتطوير الاقتصاد الفلسطيني في الصناعة والزراعة والخدمات ، وزيادة تفعيل وترقية الإنتاج الثقافي والفني والإعلامي من منظور وطني فلسطيني خال من شوائب الفصائلية الضيقة ؛ فهذه أسس وأعمدة أي وجود بشري صحي قادر على النمو والتواصل الفاعل مع المستقبل . رابعا : الانتفاع في الدعاية في العالم من حقيقة وجود كتلتين بشريتين متساويتين عددا في فلسطين ، وبيان كيف أن الكتلة اليهودية المهاجرة المغتصبة تعمل على وأد الوجود الوطني والإنساني للكتلة الفلسطينية المالكة الأصلية للبلاد . خامسا : التحدث في العالم بصوت واحد ، ونبذ التقرب إلى الدول بمسايرتها في معاداتها لأي فصيل فلسطيني آخر . سادسا : إصلاح النظام السياسي الفلسطيني المشبع فسادا وجمودا والذي يواصل متوالية فشله في تحقيق أي إنجاز وطني للشعب الفلسطيني، ويتصرف ويتكلم كأنه صنع العجائب المعجزة .
ترسيخ أسس الوجود البشري الفلسطيني في فلسطين هو الذي سيضع النقطة الأخيرة المضيئة لصالحنا في هذا الصراع الوجودي الذي لا شبيه له في العالم ، ولن نبلغ هذه النقطة إلا بترجمة عدد الشعب الفلسطيني إلى قوة فعالة متلاحمة الطاقات ، موحدة الغاية ، متعالية على أوباء الفصائلية المتناحرة .
وسوم: العدد 651