في خزائن المخطوطات
علاقتي بالمخطوطات علاقة مبكرة، فقد فتحتُ عيني على عددٍ منها في مكتبة الوالد -رحمه الله-.
وبعد مرحلة الابتدائية - وكانت في المدرسة الحمدانية في حلب - دخلت المدرسة الشعبانية الدينية التي كان يقوم عليها الشيخُ الجليلُ عبدالله سراج الدين رحمه الله، وقضيتُ فيها ثلاث سنوات، وممّا قرأته في هذه المرحلة مُحقَّقات اﻷستاذ الشيخ عبد الفتاح أبو غدة -رحمه الله-، ومنها (اﻹحكام) للقرافي، ومن النسخ التي اعتمد عليها نسخة في المكتبة الوقفية -وهي المكتبة التي جمعتْ مخطوطات مدارس حلب ومساجدها- فذهبتُ إليها وكان أمينها الشيخ أحمد سردار، وطلبتُ نسخة (اﻹحكام)، فأخرجها لي، وطلبتُ مخطوطًا آخر ﻷبي الهدى الصيادي، فأخرجه لي أيضًا... ثم قال لي بأنَّ هذه المكتبة للكبار... وربما كان الحقُّ معه فقد كنتُ في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة... وربما كان الأفضل أنْ يُشجعني وينمي فيَّ هذا الحب...
وزرتُ هذه المكتبة بعد ربع قرنٍ مرارًا في عهد أمينها الصديق المُحقِّق اﻷريب الدكتور محمود مصري، وصوَّرتُ عدة مخطوطات، منها مخطوطٌ بعنوان: (طبقات النُّساك) لابن اﻷعرابي، وتبيّنَ لي أنه عنوانٌ مزور... (مع أنَّ نسخة هذا الكتاب كانتْ في حلب حقًا)...
وزرتُ في تلك المرحلة المكتبة الظاهرية ولم أقرأ فيها شيئًا...
(ثم زرتُها بعد ربعِ قرنٍ أيضًا، وراجعتُ منظومة محمد بن الحسن الفاسي شيخ القرّاء في حلب في القرن السابع، ووقفَ الموظَّفُ فوق رأسي يستعجلني لردِّ النسخة، فقلتُ له: لقد جئتُ من دبي لمراجعة بعض اﻷلفاظ التي لم تظهرْ في التصوير فاصبرْ عليَّ... ولم يتفهم).
♦♦♦♦♦
وفي الخامسة عشرة سافرتُ مُهاجرًا طالبًا للعلم في العراق، ودرستُ الثانوية في إعدادية الدراسات اﻹسلامية في الفلوجة، ورأيتُ في مكتبة الجامع الكبير مجموعةً من المخطوطات، وقد فهرستُها، ونشرتُ هذا الفهرس في موقع (اﻷلوكة) من قريب بعد أكثر من ثلاثين سنة من كتابته...
ومصيرُ هذه المجموعة مجهولٌ الآن.
ورأيتُ في مكتبة جامع الفيّاض في الفلوجة أيضًا عدة مخطوطات منها نسخة من (التحقيق) للنووي، وهو ينتهي إلى صلاة المسافر...
ثم فُقِدَتْ هذه النسخة.
(وقد أُهديتْ مكتبة الشيخ أحمد الراوي الرفاعي إلى مكتبة الفياض المذكورة، وبلغني أنَّ فيها عددًا من المخطوطات...
وكتب إلي أخٌ اليومَ أن هاتين المكتبتين مُهددتان..).
وكنتُ في هذه المرحلة وما بعدها إلى أنْ أكملت مرحلة الدكتوراه سنة 1995م بل إلى أن غادرت العراق سنة 1998م أتردَّد على مكتبة اﻷوقاف العامة، والمكتبة القادرية، والمتحف العراقي (دار صدام فيما بعد)، والمجمع العلمي العراقي، ومكتبة الدراسات العليا في كلية اﻵداب، وهذه كلها في بغداد، ومكتبة اﻷوقاف العامة في الموصل، والمكتبة العباسية في البصرة.
ومما رأيتُه في المكتبة العباسية في البصرة الجزء الخامس من (تفسير الماوردي) الذي وقفته "بابُ بشير" جهةُ الخليفة المستعصم آخر الخلفاء العباسيين في العراق على مدرستها المدرسة البشيرية ببغداد قبيل سقوطِ بغداد بيد المغول.
(ويُوجد في مكتبة أحد الوجهاء بحلب الجزء الثالث من هذه النسخة ذاتها، كان الشيخ محمد راغب الطباخ قد ذكره، ولكن وقع له خطأ في قراءة ما عليه...).
وهذا غير المخطوطات الخاصة، اﻷصلية والمصورة، لا سيما مُصوَّرات الشيخ صبحي السامرائي البدري المتوفى غريبًا في بيروت -رحمه الله-.
وكان ﻻ يُمْسِك دوني شيئًا.
♦♦♦♦♦
وفي مواسم الحج زرتُ مكتبة عارف حكمت، والمحمودية، وكانتا في قبلة المسجد النبوي، ومكتبة الجامعة اﻹسلامية في المدينة المنورة.
ومكتبة الحرم المكي، وكانت عند الحرم، (ثم زرتها بعد سنين وهي في العزيزية)، ومكتبة جامعة أم القرى.
♦♦♦♦♦
ودرَستُ مدة في الجامعة اﻷردنية في عمّان، واطلعتُ على مصوراتها، ومنها (الغرر السوافر عما يحتاج إليه المسافر) للزركشي، الذي نُشِرَ آنذاك نشرًا مشوهًا.
وبعد ربع قرنٍ رأيتُ نسخة أخرى من هذا الكتاب في مكتبة جامعة توبنغن.
♦♦♦♦♦
وسافرتُ إلى اليمن، ودرَّستُ في جامعة صنعاء، وقصدتُ مكتبة الجامع الكبير غير مرة ولم يتيسر دخولها.
ورأيتُ مجموعًا مخطوطًا عند صديقٍ، ونشرتُ وصفًا له في مقالٍ نشرتُه في (اﻷلوكة).
♦♦♦♦♦
وفي اﻹمارات العربية المتحدة كانتْ لي قصة طويلة مع مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، وهو غنيٌّ بالمخطوطات اﻷصلية والمصورة، سلمه الله.
♦♦♦♦♦
وفي رحلات العمرة ترددتُ كثيرًا على مكتبة الملك عبد العزيز في المدينة، وقد ضمَّت مكتبات كثيرة مُبيَّنة في الكتاب الذي ألفه عنها أمينُها اﻷستاذ الدكتور عبد الرحمن المزيني.
وترددتُ على مكتبة الحرم المكي، ومركز البحوث بجامعة أم القرى.
ولم يمسك القائمون عليها ما طلبتُ، جزاهم الله خيرًا.
♦♦♦♦♦
وسافرتُ إلى اليمن للمشاركة في مؤتمر في جامعة الحديدة، وكان بحثي عن (تفسير الفاتحة) المخطوط للفيروزآبادي.
وجرتْ قصةٌ طريفةٌ فقد قلت للإخوة: أليس لديكم نسخة منه؟ فقال لي باحثٌ أديبٌ شاعرٌ: يوجد عند ابنِ أحدِ علماء زبيد، وزرنا المذكورَ في بيته في زَبيد، فتعلَّل بصعوبة البحث عنه، وقال: أبحثُ وأرسله إليك.
فقلت له: أنا لنْ أخرجَ من بيتك إلا به... فقام إلى المكتبة وجاء به بعد دقائق... وصوَّرناه في بقالةٍ قريبةٍ!
♦♦♦♦♦
وزرتُ مصر مرارًا، وزرتُ فيها مكتبة اﻷزهر، ودار الكتب المصرية، ومعهد المخطوطات العربية، ومكتبة الأوقاف في مسجد السيدة زينب، ومكتبة الاسكندرية.
♦♦♦♦♦
وزرتُ المغربَ مرارًا، فزرتُ الخزانة الحسنية، والخزانة العامة في الرباط، وقصدتُ خزانة الصبيحي في "سلا" مرات فأراها مغلقة، ثم علمتُ أن عطلتها في رمضان، وزياراتي كلها كانت في رمضان...وزرتُ خزانة ابن يوسف في مراكش، والقرويين في فاس، والخزانة العامة في تطوان، ومكتبة كنون في طنجة. وخزانة الجامع اﻷعظم في تازة، ولكنها كانت مغلقة.
ومما وقع لي - وهو من توفيق الله - أني طلبتُ في الخزانة العامة مخطوطًا عنوانُه (وهج الجمر في تحريم الخمر) نسبه أحمد الشرقاوي إقبال إلى السيوطي، ولم يَذكر رقمَه، وأردتُ التحقُّقَ من النسبة، فلم يُعثر عليه، ﻻ في الحاسوب، وﻻ في البطاقات... ويئستُ منه... وقدَّرَ اللهُ أني طلبتُ مجموعًا ففتحتُه وإذا بـ (وهج الجمر)، فتعجبتْ اﻷختُ المسؤولةُ، وكان هذا داعيًا لمزيد من التعاون، وأشهدُ أنها كانت من خيرة الناس في التعامل والعون.
وذكرتْ لي أنَّ أجدادها من العراق.
(واكتشفتُ عدمَ صحة نسبة هذا الكتاب (وهج الجمر) إلى السيوطي، وكتبتُ في ذلك مقالًا، نُشِرَ في موقع رابطة العلماء السوريين).
وﻻ بُدَّ لي هنا من شكر اﻷستاذ أحمد شوقي بنبين فله الفضل في تلك الزيارات.
♦♦♦♦♦
وفي تركيا زرتُ السليمانية مرارًا، وكذلك مكتبة فيض الله، وبايزيد، وجامعة اسطنبول، ومكتبة سليم آغا في أسكدار، ومكتبة كلية اﻹلهيات في أنقرة، ومكتبة قونيا، ومكتبة إنابي في بورصة...
والكلامُ على تركيا يطول.
♦♦♦♦♦
وفي الهند زرت مكتبة جامعة ديوبند، ومركز الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي في سهارنفور، ومكتبة خاصة في كاندهلة، ومكتبة كلية ذاكر حسين في دلهي، والمدرسة العربية الأمينية التي كان يدرس فيها الشيخ محمد أنور الكشميري في دلهي القديمة أيضًا، ومكتبة ندوة العلماء...
♦♦♦♦♦
وفي تركمانستان -وكنتُ مشاركًا في مؤتمر دولي كبير عن اﻹمام الذهبي- زرتُ مكتبة مركز ميراث، ومما رأيتُه جزء ضخم من (المحيط البرهاني) وزنه (16) كغ.
وجزؤه الآخر في أوزبكستان.
ورأيت مخطوطاتٍ مهترئة ﻷنها كانت مخبأة في الجدران خوفًا من العقاب أيام الاحتلال الروسي...
♦♦♦♦♦
وفي ألمانيا زرتُ مكتبة جامعتها، ورأيتُ عدة مخطوطات، وكنتُ أنظرُ في المخطوط كيف شئتُ بلا رقيب ولا استعجال...
♦♦♦♦♦
هذا طرفٌ من حديث المكتبات الخطيّة التي زرتُها، وصوَّرتُ منها...
والتفصيلُ يطول...
أما المكتبات التي راسلتُها وحصلتُ على صورٍ منها، والفهارس التي نظرتُها فلها حديث آخر...
وسوم: العدد 651