في ثناياها الدّرُ كامنٌ

على بعد خطوات من التأمل، أقيس المسافة مستنداً على سنوات عمري وسنوات من يهمه الأمر.. على بعد خطوات من التأمل، أعرفُ أن الألم والجرح مع مرور الزمن هو الهوية العربية كتكوين اجتماعي تكوين متماسك بالمعنى السياسي والثقافي والاقتصادي.. تنبهت للجرح وهو ينزف ومازال ينزف.. وأي جرح !!

جرح قلب عربي حر يعتصر... وشوق كبير يحتضر... وحيرة كبرى تائهة عند مفترق الطرق......كلنا يسأل كيف يحافظ المواطن العربي على هويته (ذاته) أو ما تبقى منها؟؟

أقدم لك أيها العربي المحترم تعازي في مصابك الأليم مما تشاهده في حياتك اليومية من الأمور المشينة في حق هويتك... فها هي الفتيات العاريات الراقصات تصاحب المطرب فلان في غنائه وهو يهز رأسه ذات اليمين وذات الشمال... وهاهو السروال أو البنطلون الجينز الأمريكي يرتديه الشباب طوله تحت الحزام أي نصف حوضه عاري تراه في الشوارع والأسواق وحتى المدارس والجامعات... وهاهو التعليم الغربي قد دخل حياتنا حتى باتت اللغة العربية نسياً منسياً لدى أجيال انغمست في دراسة الانكليزية والفرنسية ونسيت لغتها الأم وهي تعتقد أن هذه اللغة ليست إلا لغة قديمة لا تواكب العصر الحديث ومتطلباته.  

قد يقول البعض إن ما تطرحه من أمور ليس مهماً مقارنة بما نعيشه من مآسي في واقعنا اليوم ولكنني أظن أن الاحترام والأخلاق الرفيعة سواء في الفن أوالملبس بشكل عام في حياتنا اليومية تعكس منظومة كبيرة من القيم والمبادىء وتدل على الإرث الحضاري والرقي لشعبٍ أو أمةٍ ما.

قد يقول أحدهم هذه ديمقراطية! وأنا أرد وأقول إنها ديمقراطية مقيتة هدامة ودعونا لا ننسى أن الديمقراطية بشكلها الحالي هي مفهوم غربي دخيل على مجتمعاتنا ولا ننسى أيضاً أنه لدينا حكم رشيد يتسامى بظله العدل والتسامح والمساواة مع العلم والفن والابداع دونما اسفاف ولا ابتذال.

لنسمع هذا الحوار وأرجو أن يكون مضمونه يصل و مقصوده فـــــُهم وعبرته في طريق التطبيق...ولنتابع..

سأل الحمار مرة صاحبه الجمل فقال: إني لأعجب لأمرك وأمري! تسير أنت على بعد رأسك من الأرض ثابت الخطو، مرفوع الهامة، متزن السير. وأمشي أنا وبصري لا يفارق موطىء قدمي.. ومع هذا أجدني أتعثر في الطريق وأتنكب السبيل، وأنكفىُ على وجهي بين كل خطوة وأخرى!

ابتسم الجمل وقال : هذا هو الفرق بيني وبينك أيها الصديق. أنا أنظر إلى بعيد وأقدر لرجلي قبل الخطو موضعها، وأعرف أين سيكون الموطىء، وأعرف أسباب العثار. أما أنت فتكتفي بما بين قدميك فلا تكاد تخلص من حجر حتى تصطدم بسواه!

إننا نتحدث عن تشوهات جوهرية في واقع حياتنا وهي لا تمس سياق حياتنا الأخلاقية السامية ولا تخدم مصالح مجتمعاتنا ولا تصلح من شأننا العام في ركب الحياة التي نتطلع إليها كعرب ومسلمين. إننا نتطلع إلى دور الطليعة الواعية المتعلمة في هذا الوقت وهذا الزمان ....نتطلع الى واجب القيادات المثقفة في تبصرة المعاني والتصرفات لخلق شعب قوي يتحمل المسؤولية...نتطلع لملاحقة السماسرة والمخادعين والفاسدين المتظاهرين بالصلاح والاصلاح والديمقراطية المزيفة.

إذن...

كيف لنا أن نبني ديمقراطية الاحساس الجمالي في الصورة التي نتعايشها، وكيف لنا أن نرسم استعراض مثالي يليق بهويتنا... وكيف ينبغي أن ندرك ونقول أن ثقافتنا تحتوي على برامج تربوية رائعة تصلح لتغيير الإنسان.

وبالتالي جديرُ بنا أن نسأل لماذا نشوه أنفسنا ونتمثل بثقافة غيرنا أو نجد ثقافة عربية مزعومة بلون أجنبي. مع أن الفكر الإسلامي كواقع اجتماعي يقينا عثرات التقليد والتقوقع.. إلا أن الكثير ممن يشوهون حياتنا يعتقد بأن ذلك تنوع ثقافي وحرية شخصية لكنه ليس كذلك، ليس كذلك.

في الحقيقة هذا تنوع يهدم البيت العربي ويهدم الشباب والفتيات، يغير من سلوكهم وتفكيرهم ويمنعهم من التحضر الجمالي الحقيقي أو هو في واقع الأمر يتمناه كل واحد فيهم..... لكنهم مشوشين.

وهنا نقف ونقول لك أيها القارىء العزيز....

لا شك أن أزمة الهوية تزداد تعمقاً بفعل المتغيرات الهائلة الجارية التي يعدُ من أهم أسبابها طغيان النموذج الثقافي بشكله الغربي والذي يستهدف انتاج ذهنية مختلفة تتـنكر لجذورها الحضارية بقدر انبهارها بالدعاية الاعلامية الزائفة المسوّقة لها.. ولعل الإقرار بهذه الحقيقة لا يكفي وحده لمواجهتها مادياً ودحضها وتسفيهها معنوياً حيث لم يعد تجاهل أو نفي كل ما نراه من عبث أخلاقي بكافة الحجج للحفاظ على الذات العربية وهويتها الخاصة من خلال الاكتفاء بالماضي والتراث، بل نحتاج الى جهد واعٍ منظم يعمل على إرسال وإرساء ثوابت داخل أذهان أجيالنا بحيث تجعلهم يواجهون الثقافة الغربية وغيرها بعقل منفتح متزن ينهلون منها ويستفيدون دون أن يفقدوا هويتهم واحترامهم لذاتهم وحضارتهم.

وإذا كان يوافقني البعض على ما أقوله، فذلك أعتبره مكسباً للحصول على لوحة فنية تعبيـرية يُكتب أو يُرسم عليها..... " أنقذوا هويتنا العربية ".

لقد عانت مجتمعاتنا العربية من الاحتلال وتبعاته لسنوات وقرون طويلة ومازلنا نكابد الكثير من رواسبه في طريقة تفكيرنا ومفاهيمنا وتعاملنا مع الأمور، ولا ريب أننا نكافح ونحاول وضع الأمور في نصابها الصحيح مع أن الموجة قوية وطاغية ...لكن لأبد من تكاثف كل الجهود المناسبة للحد من هذا الواقع المرير.

ولعل الحفاظ على الهوية قومياً وثقافياً يقتضي اعتبار نماذج هذه الأطروحات الدخيلة من أهم تحدياتها المعاصرة والتي يتوجب علينــأ أن نواجهـا:

-  بمنظومة متكاملة من البرامج الثقافية والسياسية لتعرية أبعادها.ولا ننسى دور السينما في التوعية خاصة ًعندما نضع في وعائها المحتوى والمواضيع التي تتناسب مع تربية بنائنا الاجتماعي السليم.

 - تكريس الأسس الطبيعية الاجتماعية بجدورها التاريخية كمشروع نهضوي حقيقي قادر على انتاج الصيغ السياسية والفكرية المتوافقة مع طبيعته ومكوناته الأساسية.

 - على المؤسسسات السياسية والاقتصادية والاعلامية والثقافية التعاون الكامل والتنسيق فيما بينها للحد من الظواهر الهدامة.

هكذا خطوات جريئة قد تساعد في الحد من السلوك الغير متزن، بحيث تسمح بإدخال طرق ومهارات جديدة لإنتاج انسان رائع المظهر.. جميل السلوك والخلق.. بديع الكلمة.. رفيق العلم والصدق والحكمة..حارس الوطن والواجب. وأعلموا وتأكدوا.....

أني وغيري لستُ ممن يطلبون المستحيل أو يعشقون المستحيل أو يصعدون على جبال المستحيل... لكن حلمي أن أعيش في أمةٍ بعيدةُ عن هموم المستحيل ، أم أن هذا في سنين البغض أيضا ًمستحيل ؟.

وأعلموا وتأكدوا.....

إني وغيري مازلتُ قابضا ًعلى حبل الرجاء.. ولربما تأتي الشدائدُ في ثناياها الرخاءُ... واللهُ يفعلُ ما يشاء.

واحترامـــــــــــي الشديد لك أيها القارئ العربي العزيز.

وسوم: العدد 652