خامنئي يُقصي الخميني

بدأت معركة  الترشح للانتخابات  التشريعية  في إيران على أشدها، مع دخول كثير من المتغيرات على خط  ما يجري  هناك ،  حيث جاءت الانتخابات التشريعية  بالتزامن مع انتخابات مجلس خبراء القيادة الإيرانية والذي يلعب دورا مفصيلاً في انتخاب المرشد العام الجديد للثورة الإيرانية.

المشهد السياسي يخيم  عليه أجواء الصراع بشكل مختلف هذه المرة ، حيث برزت معركة مكاسرة للإرادات السياسية يقودها خامنئي والتيار المحافظ، عنوانها الأساس تصفية النفوذ الاصلاحي برمته،  بعد الشعبية التي حققها  حسن روحاني بعيد إبرام الاتفاق النووي .

لا شك أن الرئيس روحاني ومن خلفه الإصلاحيين يرغبون في توظيف حصد نتائج الانتصارات الخارجية بعد إبرام الإتفاق النووي مع الغرب التي أفضت إلى رفع العقوبات عن إيران  والتي أسهمت في رفع شعبيته والتيار الإصلاحي  لتحقيق انتصارات في الانتخابات الخاصة بمجلس الشورى ومجلس الخبراء ، فجاءت ردة الفعل مباشرة من جانب مجلس صيانة الخبراء التابع للمرشد ، التي تمثلت باقصاء نخب هذا التيار عن المشهد السياسي ؛ ولتوجيه رسالة مباشرة  لروحاني أن هناك حدود معينة له ولتياره .

الخبر غير الرسمي  الذي تداولته بعض وسائل الإعلام في إيران اليوم، ولغاية كتابة هذه السطور ، و الذي إن تأكد  فهو أن  حجَّةُ الإسلام حسن أحمد الخميني، الذي أعلنَ ترشُّحُهُ لعضوية مجلس خبراء القيادة، التي ستُعقد يوم 26 فبراير المقبل بالتزامن مع مرشحي الانتخابات التشريعية ومجلس الخبراء   إصطدمت بفيتو المرشد وأدواته  هذه المرة ؛ لا سيما مجلس صيانة الدستور  ، حيث تم عزو هذا الرفض كون حجة الاسلام حسن الخميني لم يُشارك بالامتحان الكتابي . العجيب في مسار الأحداث أن نفس الخميني الحفيد قد  أوضح سابقاً  أنَّهُ درس مسألةَ ترشُّحِهِ مع علي خامنئي، وفقهاء بارزين عاصروا جدَّه الخميني، وهاشمي رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام ، النتيجة التي أعلنها على الملأ  أن جل هؤلاء  أيده ،و ناشد بعضهم المرشد دعم هذا الترشح .

جدير بالذكر أن خامنئي نفسه قد بارك هذا الترشح بعد مقابلة حسن الخميني له شريطة عدم الاساءة لسمعة جده .

بالمقابل اقترن خبر إقصاء حفيد الخميني مع احتمالية قبول ترشح رفسنجاني  لعضوية مجلس الخبراء ، واقصاء أكثر من 2990 مرشح إصلاحي لانتخابات مجلس الشورى ، والسماح لنسبة 1% ممن قدموا أوراقهم للترشح ، لخوض غمار هذه الانتخابات .ومن المؤكد تماماً أن روحاني قد دخل على خط الرجاء للسماح لهؤلاء بالترشح ، في حين أعلن خامنئي أنه لن يسمح تحت أي ظرف بدخول أعداء الثورة وولاية الفقيه لمجلس الخبراء والشورى ، مستغرباً من مناشدات حسن روحاني ما عكس الخلاف بينه وبين الرئيس الإصلاحي حسن روحاني الذي انتقد القرار بشدة، مؤكدا أن البرلمان يسمي “برلمان الأمة الإيرانية ”، وليس برلمان جناح  واحد معتبرا أن خوض الانتخابات ليس حكرا على المحافظين فقط...

المؤكد  أن فكرة رفسنجاني بتأليف تحالف داخل مجلس الخبراء مع حسن الخميني قد تم وأدها قبل أن تولد .صاحبه حملة انتقادات شديدة اللهجة وقاسية من بعض القوى الثورية للخميني الحفيد ، وصلت لغاية تهديده بالقتل .

 اللافت أن الخميني الحفيد يُظهر مواقفهُ وميوله تجاه التيار الإصلاحي بشكلٍ واضح ، وبات  يُشارُ إليهِ بالبنان  دومًا بأنَّهُ معمم إصلاحيّ،في حال وصوله لأي موقع سياسي ؛ في الوقت الذي تعمد النظام إقصاء عائلة الخميني عن أية مواقع ، ومات جلهم لاسيما  أحمد الخميني والد حسن الخميني عن طريق دس السم له ، حيث تم ابلاغه له بشكل رسمي من جانب رئيس منظَّمة القضاء العسكريّ مُحمَّد نيازي –المكلف بالتحقيق في سلسلة الاغتيالات التي طالت سياسين ومثقفين معارضين عام 1998– ، حيث ذكر أنّ بعض المتهمين الذين جرى التحقيق معهم حول هذا الشأن اعترفوا بأنَّهم قاموا باغتيال والدهِ بالفعل. عبر دسّ السُمّ في الأدوية التي كان يتناولها ، وبشكل منحرف ؛ وفعلياً  لازال حسن الخميني يعتقد أن هذا المخطط لم يكن ليتم لولا انخراط النظام بشكل مباشربتنفيذ المخطط وبشكل احترافي ، على صعيد أخر  فقد انتقدَ بصراحة سياسات أحمدي نجاد  المتهورة عام 2011، كما  أنه تضامن مع المعتقلين السياسين ، حيث التقى السجينين علي رضا بهشتي ومحمد رضا جلالي بعد الإفراج عنهما؛ كما أنَّ لعائلة الخميني روابط وثيقة بالإصلاحيين من خلال روابط المصاهرة والنسب ، كما له علاقة وطيدة  بالرئيس الايراني السابق محمد خاتمي ، وبرئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني ، كما له علاقات وطيدة مع رجال دين ؛ خصوصاً من ذوي الميول الاصلاحية ، والمعارض منهم لسياسات خامنئي .

الملفت  كذلك فيما يقوله حسن الخميني أن هناك الكثير من التطبيقات للخميني الجد غير صحيحة على الاطلاق ؛ فهو يشكك  بالكثير من السياسات والشعارات التي يتم تناولها ونسبها له ، وفي مقدمتها شعار الموت لأميركا الذي تصدح به حناجر الإيرانيين منذ أكثر من 25 عاماً .

لكن مالذي جرى ؟ .

لا شك بأن خامنئي قد أدرك في النهاية أن دخول الخميني الحفيد إلى معترك السياسة من بوابة مجلس الخبراء سيقلب الطاولة على الجميع ؛ خصوصاً أن مدخل التعاون بين  الخميني الحفيد و رفسنجاني الرجل القوي في النظام الإيراني  لتغيير قواعد اللعبة السياسية  لن يروق للمرشد وللمؤسسات الثورية ، في حين أن نفس رفسنجاني   لن يستطيع الوصول لكرسي الزعامه بشخصه ؛ لهذا كان إقتراحة بتشكيل مجلس القيادة كبديل عن منصب المرشد ، ليأتي ترجمة لتوازنات مؤسسات النظام والثورة من ناحية ، وحفاظاً على نفسه ومصالح عائلته المهددة باستمرار .

مسار السيناريوهات القادمة 

المسلمة غير القابلة للشك  التي ننطلق منها لبناء هذه السيناريوهات تتمثل بأن خامنئي، لن يسمح لأحد بأن يتحداه مطلقاً في هذا الظرف الدقيق  ، وأنه الوحيد الذي يلعب دور البطولة على خشبة المشهد السياسي ،  وضمن هذا السياق يمكن فهم تصريح روحاني  قبيل رفع العقوبات الدولية ، واعلانه الصريح والمتكرر أن  خطوة المفاوضات كانت  مدعومة من قبل المرشد، وأنه  لم تكن تتمّ دون موافقته ومباركته

يدرك روحاني ان خيار تحدي المرشد  سيضعه  أمام خيار خطير ، و سيجعله يخسر الكثير استناداً لتجربة  رئاسة نجاد الثانية  ؛  وبالتالي فهو يُدرك أن مثل هذه المواجهة ستعرض مستقبله السياسي للخطر.

السيناريو الأول : تقديم  روحاني وخميني الحفيد استرحام لخامنئي  لإعادة النظر في أمر المرشحين عموماً ، ومن المتوقع أن يسهم ذلك في جعل خامنئي يوجه مجلس الخبراء للتراجع لمنح الاصلاحين عدداً أكبر من المرشحين ، بحيث لن يحققوا أكثر من  30%  من مقاعد مجلس الشورى والخبراء   ، وسيكون للفتة خامنئي دوراً في  تبيض سمعة  روحاني ، الذي لن يصبح أمام قواعده مجرد ديكور ورئيس شرفي  لبقية ولايته الرئاسية. أما مسألة اعادة  بحث أهلية خميني الحفيد ربما ستكون وفق صفقة مشروطة  ، وبموافقة المؤسسات الثوريبة التي تنظر بعين الريبة لترشحه ، والدوافع الكامنة وراء ذلك .

السيناريو الثاني : أن رفسنجاني وروحاني والخميني يُدركون تماماً أن المرشد خامنئي مدفوعاً بمن ورائه  لن يسمح بسيناريو الاطاحة بمنصب المرشد لصالح مجلس للقيادة ، وأن قيام مجلس الخبراء بعدم منح الأهلية لترشح خميني هي رسالة واضحة بهذا الاتجاه  .لأن تقليص صلاحيات خامنئي ، أو البحث عن شكل جديد لإدارة منصب المرشد يُمكن فهمه في سياق تجريد مؤسسات الثورة من  مكتسباتها السياسية والاقتصادية .....بشكل متدرج ، وهذا ما لايمكن الموافقة عليه مطلقاً.لهذا سيتم التفاهم مع القوى الاصلاحية على شخصية توافقية ، أو يتم اختيار المرشد القادم بمعزل عنهم ، وهذا السيناريو هو المرجح .

السيناريو الثالث :القبضة  الأمنية  : ويتمثل هذا السيناريو بما يعرف بتعزيز القبضة الحديدية والعنف الرسمي  ، حيث أن عدم مشاركة الاصلاحيين في الانتخابات،  سيُعيد عجلة الأحداث لعودة سيناريو انتفاضة 2009 ، مما سيؤدي لنزول الأمن ومليشيات الموت مرة أخرى للشارع للتعامل مع الأحداث وقمع الشعب ، وهذا سُيفضي إلى المزيد من حملة الاعتقالات من مختلف المؤسسات الفاعلة في المجتمع الإيراني ، لاسيما الاعلامية للحد من شعبية روحاني وإضعاف نفوذه، وهذا هو السيناريو المرجح في حال اقصاء التيار الاصلاحي عن المشهد السياسي في محاولة لاسقاط خيارات الشعب الإيراني  البائس الذي يعاني من تبعات سياسات نظامه الإرهابي.

السيناريو الرابع : وهو مرتبط بالسيناريو السابق ،ومما سيدعم مثل هكذا سيناريو  أن  هناك بعض المتغيرات  التي سوف يوظفها المرشد ، ربما تندرج  في إطار صالح المحافظين. أبرزها التصعيد السعودي الإيراني الأخير، وتصاعد لهجة التهديد الخارجي عقب التجارب الصاروخية الإيرانية ، وتعظيم فكرة الخطر الخارجي الداعشي الوهابي السني ... وهو غالبا ما يصب في صالح الجناح المحافظ .  

النتيجة أن  التيار الاصلاحي على الرغم من كونه قريب من لون التيار المحافظ الذي يشترك معه في الحفاظ على أسس النظام ومرتكزاته ومشاركته في سياسة الاجرام والفوضى سيكون أكثر إستهدافاً مع قرب الاستحقاقات الانتخابية في المشهد السياسي الإيراني ، والذي سيحسم كثيراً من الأمورالفاصلة في تاريخ إيران  ، وبخطى متسارعة ، بعد اجماع المؤسسات الثورية ؛ وفي مقدمتها الحرس الثوري الإيراني على مرحلة ما بعد خامنئي ، وصياغة رؤية إستراتيجية للتعامل مع الملفات الداخلية ؛ لا سيما ملف النخب الاصلاحية الطامحة للوصول إلى مؤسسات الدولة التي باتت حكراً على المحافظين ومن شايعهم .

د. نبيل العتوم                                                                             

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية                                

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 652