«حفلة زار» باتساع الوطن… فمن يقوم بدور «الملبوس»؟!
كأن مصر تحولت إلى «حفلة زار»، تختلط فيها دقات الطبول، بصوت المزامير بغناء بكلمات غير مفهومة، وأحياناً غير مسموعة، بينما «الملبوس»، الذي يدعي أن عفريتاً يركبه يرقص حتى فقد الوعي!
هكذا مصر الآن، بلد يحتشد إعلامه من أجل تصرف غير لائق لشابين ضد عدد من جنود الشرطة، أحدهما ممثل والثاني مراسل لبرنامج تلفزيوني، فتقرع الطبول، ويتحول ما جرى إلى قضية أمن قومي، وينفر الإعلاميون خفافاً وثقالاً، ويغدون خماصاً وبطاناً، دفاعاً عن الشرف الرفيع الذي لن يسلم من الأذى حتى يراق على على جوانبه الدم!
لقد نفخت الأذرع الإعلامية لعبد الفتاح السيسي فجعلت من «الحبة قبة»، ومن سلوك مرفوض قضية ينبغي أن تخرج لرفضها «البنت وأمها»، كناية عن الاحتشاد، وأن تشهر فيها السيوف، وتحل فيها دماء شابين تجاوزا لكن تجاوزهما ليس عقوبته القتل، والتخوين، ولا يستدعي هذه الهستيريا الإعلامية، في بلد يحرض فيه وزير العدل على القتل خارج القانون، فيعلن على قناة «صدى البلد»، وعلى مرأى ومسمع من العالم كله، أنه لن يهدأ له بال حتى يقتل عشرة آلاف إخواني مقابل كل عسكري قتل في العمليات الإرهابية، وبما قدره بـ (400) ألف إخواني، وعندما يراجعه المذيع في العدد، ليس لأنه ضخم، ولكن لأن الإخوان لا يمكن أن يملكوا كل هذا العدد من الأعضاء، فيعلن باستكمال العدد من الأنصار والمؤيدين!
لم يفزع هذا الأذرع الإعلامية للسيسي، وهذا التصريح الذي ينتقل رسميا بمصر من الدولة لتكون غابة، يباح فيها القتل والانتقام بعيداً عن القانون، والفرد بعشرة آلاف، دون محاكمة ودون الوقوف على هوية القاتل الذي هو في الوقت نفسه يكفر الإخوان، وإنما أفزع «الأرجل الإعلامية» أن شابين وزعا «واقيا ذكريا» على عدد من رجال الشرطة، مستغلين جهلهم به، فقيل «يا داهية دقي»، وشاهدنا ردود فعل تؤكد أن مصر تعيش «حفلة زار» باتساع الوطن، يقوم فيها إعلاميو عبد الفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري بدور «الفرقة»، بينما يقوم كثيرون بدور «الملبوس»، وتحول عموم المشاهدين إلى متفرجين على هذا «الزار»، الذي يعمل كما تقول الثقافة الشعبية في المجتمعات المتخلفة على إحضار العفريت، تمهيداً لصرفه بقرع الطبول وبحالة الجنون التي انتابت هذا «الملبوس»!
منحة البلالين
ليس عندي دفاع يمكن أن أسوقه لتصرف الفنان الشاب «أحمد مالك»، وصاحبه «شادي أبو زيد» المراسل الفكاهي لبرنامج «أبلة فاهيتا»، وهما من قاما بتحويل «الواقي الذكري» إلى «بلالين»، وقاما بكتابة تهنئة عليه بأعياد الشرطة وتوزيعها على بعض رجالها، وهما ليسا من جيلي الذي استخدم «الواقي بلالين»، وقد علمنا بعد ذلك أن منحة دولية منه وصلت القاهرة، ولأن الجهة الحكومية المختصة أردت أن تؤكد أنها قامت بمهمة توزيعه فكان أن طرحته في الأسواق على أنها «بلالين»، ضمن سياق «الفهلوة المصرية» المعروفة، والتي تبدد المنح الخارجية في مشروع «محو الأمية» على «المحو» الصوري لها، وبامتحانات صورية، يحصل الخريج بعدها على الشهادة التي يحتاجها للالتحاق بعمل تم النص على أن من شروط الالتحاق به وجود هذه الشهادة، ولنا أن نعلم أن الهيئة المصرية لمحو الأمية وتعليم الكبار يقوم عليها ضباط سابقون بالجيش، والمرة الوحيدة التي ترأسها مدني كانت بعد الثورة عندما تولى أمرها أستاذ أصول التربية والأديب المعروف الدكتور «مصطفى رجب» ثم أقيل بعد الثورة المضادة، لتعود الهيئة لأهلها، وباعتبار أن القوم أولى بالمنح والمساعدات الخارجية من غيرهم!
«الفتيان»، شادي ومالك ليسا من الجيل الذي تعامل مع «الواقي الذكري» على أنه «بلالين»، وربما سمعا بهذا، فقاما بعمل فكاهي، والأول قدم فقرات مهمة في البرنامج الساخر «أبلة فاهيتا» على قناة «سي بي سي»، وأثبت بها أنه موهبة واعدة، وقد شاهدت له بعض أعماله فلم أتوقف عن الضحك – لكنها لأن لكل جواد كبوة – فقد مثل هذا العمل كبوة الفتى وصديقه «مالك» الذي هو ممثل شاب، تبين في وقت لاحق أن والده ضابط سابق في الجيش، وقد تبرأ من تصرفه، وإن مثل وضعه السابق حماية للفتى فمنع عنه الأذرع الإعلامية للسيسي. وفي أحد البرامج تم النيل من عرض والدته، وبالخروج السافر على كل مواثيق الشرف الإعلامي، وتضع المتطاول تحت طائلة المادة (308) من قانون العقوبات التي تقضي بالحبس والغرامة في جرائم الخوض في الأعراض والإساءة للعائلات، لكن مصر الآن ليست دولة قانون، فوزير عدلها المنوط به الدفاع عن القانون، ينادي بالقتل خارجه، ليس للمتهمين بالقتل فقط، ولكن على أصدقائهم وأنصارهم وربما جيرانها!
إذا كان المذيع قد اعتذر عن هذا التجاوز فليس لتأثير «السوشيال ميديا» كما ذكر البعض حيث تعرض هذا التجاوز لهجوم كاسح عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وليس لأن المتطاول كان في لحظة غضب وانفعال وقد رفع عنه القلم وبعد أن استرد وعيه رأى أن يعتدر، ولكن لأن «الأم» التي تم الخوض في عرضها هي حرم اللواء طيار «مالك بيومي»!
لوثة عقلية
وفي «حفلة الزار»، وعندما غاب المنطق، وصرنا أمام حالة أقرب إلى تصرفات من أصابته لوثة عقلية، وكالذي يتخبطه الشيطان من المس، أعلن الفنان الوطني الجسور «أحمد بدير»، المقرب من دوائر عبد الفتاح السيسي، بأنه سينسحب من أي عمل فني يشارك فيه «مالك»، والذي دعيت نقابة الفنانين لفصله، وعندما قيل إنه ليس عضواً فيها، ولكنه يحصل على تصريح مع كل عمل يشارك فيه، كان الرد فليفصل من النقابة، مع أنه ليس عضواً ليفصل، فنحن في «حفلة زار»، ولأننا في «حفلة زار» فقد قرر نقيب الفنانين أنه عقد جلسة تحقيق مع الفنان الشاب. وفي غياب المنطق فلا أستبعد أن يجتمع مجلس نقابة المعلمين ويقرر فصل «مالك» من عضوية النقابة، فإذا قيل إنه ليس عضواً في النقابة لكان الرد وهل هو عضو في نقابة الممثلين لتعقد لجنة تحقيق معه؟!
ولأن الفنانة «جيهان فاضل» قامت في أحد الأعمال بدور والدة «أحمد مالك»، فقد استبيح عرضها لأننا في «حفلة زار»، وربما كان الإعلامي سابق الوصف عندما تطاول على والدة مالك بكلام لا يجوز أن يقال في الحواري وليس على الشاشة، كان يتصور أن «جيهان» هي والدته فعلاً، وهي حالة تذكرنا بالهجوم الذي قام به «العبقري» أحمد موسى على قناة «صدى البلد» ضد الفنان «هشام عبد الله»، لأنه غادر مصر ليستقر في تركيا، بعد أن تلقى وزوجته الفنانة المعروفة «غادة نجيب» تهديدات بالاعتقال لدورها المناهض للانقلاب العسكري!
لقد اتهم موسى «فلتة زمانه» الفنان «هشام عبد الله» بعدم الوطنية والخيانة؛ ذلك لأنه في فيلم «الطريق إلى إيلات» رفض النزول إلى الماء، والقيام بعمل وطني مع فريق العمل في تدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات، ليذكرني بواقعة كنت أرويها للتندر، فأحد الأبطال الحقيقيين شغل منصب محافظ أسوان، ولم يعرف أبناء المحافظة دوره إلا بعد عرض هذا الفيلم!
ولأن هناك من بين المواطنين البسطاء من يرفضون سياسة المحافظ، فقد عز عليهم أن ينسب له هذا الدور، ورأوا أن يجردوه منه، فقال أحدهم إنه من فزع وقال لا أريد أن أموت، وهو من جسد دوره «هشام عبد الله»، لكن شخصاً فكاهياً بالفطرة أنهى دوره تماماً بإعلانه: إنه الشخص الذي مات في الفيلم!
وإذا كنا قد ذكرنا ما قاله المواطن البسيط على سبيل التندر، ولم يكن هو جاداً في قوله، فمن عجب أن يؤاخذ «هشام عبد الله» ويتقرر الحكم بعدم وطنيته لدور قام بتمثيله، ومن عجب كذلك أن تهان «جيهان فاضل» وتستباح سمعتها لأنها قامت بدور والدة «أحمد مالك» في أحد المسلسلات، وهو أمر يمثل أحد تجليات «الزار» المنصوب.
نعلم أن مشكلة الفنانة المعروفة أنها محسوبة على ثورة يناير، ولأنها شاركت فيها، وقد أصيبت في يوم جمعة الغضب، فرأى إعلاميو الثورة المضادة أنها فرصة للنيل منها، ومصر الآن تشهد جهراً بالمعصية والعداء للثورة بعد أن استقرت الثورة المضادة على الجودي، وبعد أن أعاد عبد الفتاح السيسي دولة مبارك وزمانه، لذا صار الهجوم على «يناير» من حسن وطنية المرء، ومن الإعلاميين من بدوا كما لو كانوا هم شهداء الثورة ومصابوها، فيما عرف بظاهرة «المتحولين» لكن الآن لا معنى لأن يستمروا في إدعاء وصلا بثورة انتهت، ويمثل السيسي الراعي الرسمي لحملة النيل منها، من خلال توجيه الإعلام في هذا الاتجاه.
لقد دافعت «جيهان فاضل» عن تصرف «أحمد مالك»، وقالت إنها تتمنى أن يكون لها إبنا مثله، فجعلتهم يتمادون في التطاول عليها، في مرحلة الانحطاط الإعلامي التي تشهدها مصر في ظل رعاية السيسي ونظامه وسكرتيره الخاص «عباس كامل»!
الفنان والمحامي
ولأنها «حفلة زار»، ولأن «سمير صبري» حالة قبل أن يكون إسماً، ولأن ما يربط بين حملة هذا الاسم أكبر من نظرية تشابه الأسماء، لذا فإن هناك قواسم مشتركة بين «سمير صبري» الفنان، و»سمير صبري» المحامي، فكلاهما «فنان»، لهذا ذهب الأخير إلى أقصى مدى بإعلانه في برنامج «على مسؤوليتي» على قناة «صدى البلد» أيضاً بأنه بصدد تقديم بلاغ للنائب العام ضد «مالك» و»شادي»، واتهم الأخير بأنه جاسوس ودليله على هذا وجود صورة له مع «جاسوس» إسرائيلي بميدان التحرير، كما أنه له صورة مع (الخائن) محمد البرادعي!
لا نعرف من هو الجاسوس الإسرائيلي؟ وما هي أعمال التجسس التي قام بها؟ وكيف أمكن لهذا الجاسوس أن يدخل مصر ليصل إلى ميدان التحرير؟
ولأنها «حفلة زار»، فقد دخلت الفنانة «وفاء عامر» في السيرك وهي تقوم بوصلتها فهاجمت عبر قناة «صدى البلد» أيضاً ما حدث ونددت بأحمد مالك لأنه أهان الشرطة.. مع أنها آخر واحدة يمكن أن تنبري للدفاع وتتحول إلى منصة صواريخ دفاعاً عن الشرطة هي «وفاء المذكورة» لأن من لفق لها وعدد من الفنانات قبل خمسة عشر عاماً قضية ممارسة الأعمال المنافية للآداب لم يكن تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»!
شعبياً، فإن «العفريت» يخرج بعد «دقة الزار» تمهيداً لانصرافه لكن في حالتنا فإن «العفاريت» حضرت وترفض الانصراف.
صحافي من مصر
وسوم: العدد 653