حضارتنا واكتشاف أمريكا
قالت د. عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)- علينا أن ننصف تاريخنا الذي طواه الاستعمار، ونحرر أبناءنا من عقدة النقص التي أرهقتهم، وجعلتهم يحسبون أن شرقيتهم مظهر تأخر وتخلف ورجعية وجمود .
- وأقول :
منذ أكثر من ستمئة سنة لم يكن أحد يعرف اسم امريكا، لأنها لم تكن معروفة في الخرائط الجغرافية، أو هكذا توهم الناس، ولهذا وقفت فتوحات المسلمين عند الساحل الشرقي للمحيط الأطلسي حين قال الفاتح المسلم عقبة بن نافع وقد وطئت قدماه أرض الساحل المغربي: " لو كنت أعلم أن وراء هذه الأرض أرضاً أخرى لاقتحمت البحر بفرسي هذا لأنشر فيه اسم الله تعالى.
وقد ذكر الأستاذ محمد سعيد العريان في كتابه العرب لا خريستوف كولمبس أن اكتشاف المسلمين لأمريكا كان قبل اكتشاف خريستوف كولمبس، وذكر الفتية المغرورين، وآخرين ذهبوا إلى أمريكا من الدار البيضاء في مراكش( المغرب حاليا) وهناك من سافر من مالي في غرب إفريقيا إلى أمريكا الجنوبية أيضاً . وذكرت مجلة الأهرام المصرية في 25/ 4/ 1961م س87 ع27163 ص6 هذا أيضا. أما مجلة نيويورك الأمريكية فتحدثت عن المؤتمر(171) للجمعية الشرقية الأمريكية الذي ذكر فيه العالم( د.هوى لين لي) الصيني الأستاذ بجامعة بنسلفانيا الأمريكية أن العرب المسلمين سبقوا اكتشاف خريستوف كولمبس لأمريكا بـقرنين أو ثلاثة قرون، ولكن العرب المسلمين في الأندلس كانوا في ذلك الوقت مشغولين بخلافاتهم، وبالفتن والحروب التي كانت في بلادهم فلم يلتفتوا إلى ما قاله الفتية المغرورون في القرن الثالث عشر الميلادي، أو ما تحدث به غيرهم، وأيد هذا العالم الصيني قوله بوثيقتين صينيتين من وثائق القرن الثاني عشر الميلادي، وبوثائق من القرن الثالث عشر الميلادي ، وقال إنه ورد في هذه الوثائق اسم مدينة ( مولان بي) على الساحل الشرقي لأمريكا الجنوبية، وإن بعض المحاصيل التي لم تكن تعرف قبل خريستوف كولمبس في أوربا ذكرها العرب المسلمون منها القرع العسلي والجوافة والأناناس والذرة الهندية، وقد أيد هذه النظرية أيضا د. ( لين شيخ يانج) أستاذ التاريخ واللغة الصينية بجامعة هارفارد ووصفها بأنها مثيرة للغاية ، كما أيدها د. ريتشارد رودلف رئيس المؤتمر الذي عقدته الجمعية الشرقية الأمريكية وقال : " والآن ينبغي على الأساتذة العرب أن يتابعوا دراسة تاريخهم وليبدؤوا من هذه النقطة " .
وذكرت الأهرام أنه بعدما عاد الفتية المغرورون وانتشر نبأ رحلتهم سمع خريستوف كولمبس بخبرهم بعد قرون عديدة، ورأى الشارع المسمى باسمهم، وسمع عن المخطوطات العربية التي تتحدث عنهم وتذكر تفصيلات الحدث، فقام برحلته في عهد الملك فرديناند وزوجته إيزابيلا .
وكذلك ذكر في 26/8/1956 أنه عقد في جامعة جورج تاون في الولايات المتحدة الأمريكية ندوة إذاعية حول خرائط القائد البحري العثماني الريس بيري قائد الأسطول المصري في العهد العثماني، وكان مقر قيادته في ميناء السويس، واتفق الجغرافيون المشاركون فيها على أن خرائط الريس بيري لأمريكا هي " اكتشاف خارق للعادة " . وكان هذا مهندسا بارعا في رسم الخرائط ، وقد خلف خريطتين هامتين أولاهما لإسبانيا وغربي إفريقيا والمحيط الأطلسي والسواحل الشرقية من الأمريكتين ، وقدمها إلى السلطان سليم الأول في مصر عام 1517م ، وهي الآن في متحف طوبقو في إستانبول وعليها توقيعه، والأخرى لسواحل المحيط الأطلسي من جرونلاند إلى فلوريدا وهي الآن في متحف طوبقو بإستانبول أيضا. والجدير بالذكر أن الخريطة الأولى التي رسمها الريس بيري لأمريكا هي أقدم خريطة لها . وكان على معرفة بوجود أمريكا قبل اكتشافها ، وقد سماها أنتيليا ، أوهكذا كانت تسمى قبل اكتشافها .
ويقول بيري الريس في كتابه الذي صنفه في 1525م وقدمه إلى السلطان سليمان القانوني إن بحر المغرب ويقصد به المحيط الأطلسي بحر عظيم يمتد بعرض 2000ميل تجاه الغرب من بوغاز سبتة، وفي طرف هذا البحر العظيم توجد قارة هي قارة أنتيليا"، وتعبيره بـ (أنتيليا) يعني الدنيا الجديدة، أو أمريكا، وقد كتب الريس أن هذه القارة اكتشفت عام870/ 1465م، ولعله يشير إلى الفتية المغرورين . ومن الجدير بالذكر أن (رودريكو) خادم الريس كمال عم بيري الريس خدم كريستوفر كولمبس الذي أقنع الملك فرديناند وزوجته إيزابيلا في إسبانيا على مساعدته على الوصول إلى الهند أرض التوابل من طريق الغرب، وكان يرغب في التأكد من المعلومات العثمانية التي نقلها إليه رودريكو، وقد أبحر معه رودريكو في المحيط الأطلسي، وعندما ثار البحارة الذين رافقوهما وخافوا أخطار المحيط المظلم أقنعهم رودريكو بصحة ما يقوله كولمبس، وذكر لهم أنه تعلم هذا من العثمانيين الذين كان يثق بهم ثقة مطلقة وقال : " لابد أن تكون في هذه المياه أرض لأني تعلمت هذا في إستانبول ومن الكتب البحرية العثمانية ، وأثق أننا لابد أن نصل من هنا إلى الأرض التي نبحث عنها ، ذلك لأن البحارة العثمانيين لا يقدمون معلومات خاطئة، وهم لا يكذبون " ، وبعد ثلاثة أيام من هذا الحديث عثروا على الأرض المنشودة .
وقال الراهب جزويتي مدير مركز الأرصاد في ويستون: " خرائط الريس بيري صحيحة بدرجة مذهلة للعقل، وهي تظهر بوضوح أماكن لم تكن قد اكتشفت حتى أيامه في القرن السادس عشر الميلادي كما أن هذا البحار رسم جبال أنتـاركتيكا( القارة السادسة ) بتفاصيلها فيما رسمه من خرائط مع أن هذه الجبال لم يكن أحد قد تمكن من اكتشافها إلا في عام 1952م، وبمقارنة صور الأرض التي التقطت من مركبات الفضاء في القرن العشرين بالخرائط التي رسمها القائد البحري العثماني في القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي اتضح التشابه المذهل بين صور مركبات الفضاء وبين خرائط بيري .
وقد حثت مجلة الأهرام المصرية على أن تجمع الأقوال والبحوث التي تتحدث عن اكتشاف المسلمين لأمريكا من مصادرها من كتب المؤرخين والجغرافيين العرب وغير العرب . كما ذكر محمد سعيد العريان من العلماء العرب والمسلمين الذين تحدثوا عن هذا الموضوع ابن رشد والبيروني وأبا القاسم الأصفهاني المصري، وابن فضل الله العمري في كتابه مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، والشريف الإدريسي في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، والباحث أحمد زكي باشا، والأب أنستاس ماري الكرملي، وشكيب أرسلان في كتابه الحلل السندسية في الآثار الأندلسية، وهناك مراجع عثمانية وإسبانية وفرنسية، ومراجع دول من شمالي أوربا نقل بعضها إلى العربية .
ولهذا يجب أن يقوم بدراسة هذا الموضوع وموضوعات أخرى عن حضارتنا علماء متخصصون في جامعات ومراكز أبحاث عربية، ونصيحتي إلى أطفالنا بناة أجيالنا أن يقرؤوا كتب الأجداد وألا يعتمدوا على المعلومات السريعة، ليعرفوا تاريخنا وحضارتنا الإسلامية العظيمة، حتى تزول عقدة النقص من عقولهم وقلوبهم، فنحن حفدة علماء عظماء عاملين، وأحب أن أشير إلى أن العثمانيين اخترعوا أيضا الطائرة في عهد السلطان مراد الرابع في القرن الحادي عشر الهجري السادس عشر الميلادي، وقد طار بها صانعها من ميدان غالاطة في إستانبول إلى جزيرة في بحر مرمرة حيث كان السلطان العثماني ينتظره فيها ليكافئه على اكتشافه كيسا من الذهب، ولكن التقصير لدينا في أننا نكتفي بالعلم دون العمل على قطف ثمرته فلدينا علماء وليس لدينا تصنيع هام ... فهل تقرؤون كتب التراجم القديمة لتعرفوا حضارتنا ، وهل تسعون إلى تصنيع إبداعاتكم ؟ .
وسوم: العدد 654