الجزائر وفلسطين خِلا صفاء
انفجرت في قلبي فيضة جياشة من الشعور بالعزة القومية التي أقفرت منها حياتنا ؛ حين طالعت مشهد الاستقبال الجزائري الشعبي والرسمي المشحون صدقا وحرارة للمنتخب الأولمبي الفلسطيني الذي سيلعب هذا الأسبوع مباراة ودية مع نظيره الجزائري . وقررت الحكومة الجزائرية مجانية المباراة ، وحثت المواطنين ، وهم لا يحتاجون حثا ، على حضورها بكثرة . حرارة الاستقبال الجزائري سببت قول جبريل الرجوب رئيس اتحاد الكرة الفلسطيني إنه لم ير من قبل مثيلا لهذا الاستقبال للرياضيين الفلسطينيين في الدول الكثيرة التي ذهبوا إليها . وفي الاستقبال العاطفي المبتهج ، حول الجزائريون نشيد " باب الواد الشهداء " إلى " فلسطين الشهداء " ، واندفعوا يهدرون به في استقبال المنتخب الفلسطيني في مطار هواري بومدين . المباراة الودية ستقام في ملعب " 5 يوليو " الذي نال ما في اسمه من شرف من يوم استقلال الجزائر بالدم والشهداء في 1962 بعد 130 عاما من شراسة الفرنسة التي استهدفت المحو التدميري لهوية الجزائر العربية الإسلامية والالتهام التام لجغرافيتها . كثيرون تفحصوا تعلق الجزائريين بفلسطين وحبهم لأهلها ، وهما تعلق وحب متبادلان . التفسيرات تتعدد ؛ فبعد أخوة الدم والدين واللغة والثقافة والتاريخ يأتي تشابه تجربة الشعبين في مواجهة الغزاة المستوطنين المستهدفين لإزالة كينونة الشعبين ، وُينبه هنا إلى انضمام يهود الجزائر للغزاة الفرنسيين في استهداف فرنسة الجزائر، وكل ما ذكر حقيقي منطقي ، ويتبعه تفسير جسده شاعر عربي بقوله العميق المستكنه لخفايا النفوس :" لهوى النفوس سريرة لا تعلم " . المحبة المسببة ، ولو على المستوى القومي، قد تعروها بين حين وحين شائبات مكدرات ، والحب العميق الفطري الملامح ، الشبيه بالحب الصوفي ، لا تقترب منه تلك الشائبات العارضة التي تفسده إذا تتابعت ، ولهذا ، حب الجزائريين والفلسطينيين لبعضهما بعضا حب قوي نقي دائم. وتعتادني الآن قولة البطل القومي العربي الكبير هواري بومدين : " أنا مع فلسطين ظالمة أو مظلومة " . وأيام كانت تأتي غزة قوافل الإغاثة والمناصرة العالمية ، وفي عبور إحداها الجزائر ، اعترضها شيخ جزائري ، واقترح باكيا إرسال شجرة زيتون إلى غزة قال إنه ليس لديه في دنياه سواها ! أين موقف يشبه موقف ذلك الشيخ العظيم صدق برهان على وحدة أمة القرآن ؟! كفي الجزائر وأمة القرآن عزا أن يكون ذلك الشيخ من أبنائها ! وعرضت الجزائر توفير كل حاجة غزة من البترول ، ولأنه سيمر من مصر، رفضت العرض الجزائري ! وفي 2014 تبرع الفريق الوطني الجزائري لكرة القدم بمكافأة فوزه الأولي في كأس العالم ، ومبلغها 9 ملايين دولار، لغزة ، وأقامت الجزائر مستشفى في خانيونس ، وترفد ميزانية السلطة بين وقت وآخر بإسنادات مالية ، وجامعاتها تستقبل من يأتيها من الدارسين الفلسطينيين . والجزائر لكبر قلبها وأصالة ذاتها لا تمن إذ تساعد ، وترى مساعدتها تآخيا عاطفيا والتزاما قوميا ، وما من تعديد لعارفات الجزائر لفلسطين . وتسكن الجزائر حبيبة غالية القيمة عالية المقام في كل قلب فلسطيني ، ويستلهم الفلسطينيون بطولات شعبها وتضحياته في استنقاذ هويته وترابه من مخالب الاستعمار الإلحاقي الفرنسي ، ورغم الفارق بين المستوطنين الفرنسيين والمستوطنين الصهاينة يؤمن الفلسطينيون أنهم بالغون ذات تاريخ ما بلغه أشقاؤهم وأحباؤهم الجزائريون ، ومع أشقائهم وأحبائهم الجزائريين . رأيا في العرس الجزائري _ الفلسطيني الرياضي ، كتب حسين لقرع الكاتب الجزائري في " الشروق " الجزائرية مقالا عنونه ب " نشيد جزائري للفلسطينيين " اعتبر فيه النشيد نصرة باللسان والقلب ، واسترسل قائلا : " وغدا بإذن الله مسيرة تحرير مظفرة إلى القدس ضمن جيش عربي مسلم كبير بعد أن تتغير الظروف ، وتزول العوائق التي وضعها حكام العار والانبطاح . ألم يكن أجدادهم منذ قرون رأس الحربة في جيش صلاح الدين الأيوبي ، وساهموا مع باقي الجيش في تحرير القدس ، فكافأهم بمنحهم أملاكا ناحية باب المغاربة ؟ " . كل الشعوب العربية والإسلامية _ وإن بتفاوت _ لو تركت حرة الإرادة والقرار لكانت قلبا واحدا ويدا واحدة ، ولما مس عدوان أرضها ولا جرح إذلال نفسها .
وسوم: العدد 655