الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة 94+95

مكافأة القتلة وترقية الجناة

الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (94)

اقتل وارتقِ، ابطش وترقى، وكن مجرماً وتدرج، ومارس الجريمة تكون نبيلاً، واسفك الدم تسمو، واقتل النفس تسعد، وكن عنيفاً تتقدم، ومتطرفاً تصعد، وبالغ في استخدام القوة تحمد، ولا ترحم فتقوى، ولا تتردد فتكسب، واروِ بالدم سيفك يبقى حاداً، ولا تبقه في غمده طويلاً فيستعصي، وبادر تكسب، وكن الأول فتذكر، وقلد تلحق، واستدرك تصل، واقتل لتخضب بالدم يديك، وتشتم أمك منك رائحة المعركة.

هذه هي مدارج الخدمة لدى شعب "إسرائيل"، من سلكها التحق بالأولين، وتشابه مع السابقين، وكان مع ملوك "إسرائيل" قريناً، ومعهم في المهمة النبيلة شريكاً، الذين قالوا قديماً أننا على أنصال السيوف نحيا وبالدم نروى، وبالأسوار نأمن ولا نخاف، وبالرعب نحكم فلا يجار علينا، وبالقتل نتمكن فلا يعتدى علينا، وبالقوة يتبعنا الآخرون ويلهث خلفنا الضعفاء والفقراء، وكل ما عدا شعب "إسرائيل" عبدٌ أو حمار، نركبه ونمتطيه، ونستعبده كما نريد، ونستخدمه لما نريد، أو نقتله وقت نشاء.

لا تستغربوا الخبر ولا تكذبوه، ولا تستهجنوه ولا تستعظموه، ولا تظنوا أننا نهول ونبالغ أو نضخم الأمور ونقول عنهم ما ليس فيهم ولا منهم، أو أننا نفتري على مرتكبيه وندعي على منفذيه، وأنهم براءٌ من هذه التهمة النكراء، وأطهارٌ من هذا الرجس الكبير والعار الشنيع الذي يراد إلصاقه بهم أو نسبته إليهم، وأن هذه تشويهاتٌ مقصودةٌ، وادعاءاتٌ مغلوطةٌ، ومحاولات آثمة مقصودة، وأنهم عدولٌ ثقاتٌ، وأصحاب ذمةٍ وضميرٍ، يحكمون بالعدل ويكيلون بالقسطاس، فلا يخسرون الميزان ولا يظلمون الناس، ويعدلون ويصدقون ولا يستوفون إذا لأنفسهم كالوا.

إنه خبرٌ صادقٌ موثقٌ، لا ينكره صانعوه، ولا يخجل منه منفذوه، وهو فعلٌ قديمٌ يتكرر كل يومٍ، ولكن لكم إن شئتم أن تستنكروه وترفضوه، وأن تشجبوه وتعارضوه، لكنها الحقيقة التي لا نستطيع أن ننكرها نحن ولا أصحاب الشأن منهم، فهم يحبون القتل ويكافئون عليه، ويستعذبون الموت ويحرصون عليه، ويبالغون في الإساءة ويدعون إليها، ويكرمون كل متقدم، ويعتبون على كل مقصر، بل ويعاقبون كل من خالف ورحم، وامتنع أو جبن، ويعيبون على من يفكر في المعايير الإنسانية، ويحسب حساباً للقيم الأخلاقية، ويفكر في الردود الدولية، وفي صورة كيانهم وشعبهم في الوسائل الإعلامية والمنتديات العالمية، فهذا شأنٌ لا يعنيهم، وأمرٌ لا يهمهم، إذ أنهم يؤمنون أن الحق هو مع القوة، وأن الضعيف لا حق له ولا منتصر لديه.

فهذا نائب وزير حرب الكيان الصهيوني الحاخام إيلي دهان يرقي ضابطاً صهيونياً بعد قتله لفلسطيني، وهذا رئيس بلدية مستوطنه يكرم مستوطناً ويحتفي بمجموعة الشبان التي رشقت السيارات الفلسطينية بالحجارة، وهذا هو الجمهور الإسرائيلي يحتفي بحرق آل دوابشة، ويدعو إلى حرق المزيد منهم، وقتل الرضع فيهم، وقد حملوا دميةً لرضيعٍ فلسطيني أوجعوه طعناً وقد تعاوروا في طعنه قصاً وابتهاجاً.

القتلة الإسرائيليون، الذين يجرمون في حق الشعب الفلسطيني ويتنافسون في قتلة، ويسعون بكل حيلةٍ ووسيلةٍ للفوز بلقب القاتل الأكبر، ليسوا جنود جيش الاحتلال وعناصر وضباط المخابرات الإسرائيلية فقط، بل إن مجال التنافس رحبٌ، والمشاركون في السباق كثيرٌ، وسب الإبداع كثيرة، وهم مزيجٌ من الرجال والنساء، والصغار والكبار، ومن المستوطنين في فلسطين واليهود الوافدين إليها زيارةً، ومن المؤمنين بمشروعهم والمقاتلين معهم من غير أبناء دينهم.

المستوطنون القتلة يتصدرون المشهد، ويتقدمون على الجميع، ويحظون أكثر من غيرهم برصيدٍ كبيرٍ من الجرائم والاعتداءات، فلا يقوى أحدٌ على منافستهم، ولا يتمكن فريق من كسر الأرقام القياسية التي يحققونها في سوق الجريمة، فهم أكثر الإسرائيليين حملاً للسلاح واستخدامه، وأسرعهم إشهاراً له وأجرأهم على إطلاق النار منه، فضلاً عن أنهم يقومون بأعمال الدهس والصدم ورشق الحجارة ورمي الصخور الكبيرة على السيارات العابرة، ويشتهرون بحرق البيوت وقلع الأشجار، وإغلاق المنازل أو إشعال النار فيها، والكتابة العنصرية على الجدران، والتهديد المتكرر للسكان، خاصةً المارين بسياراتهم، أو العابرين قرب مستوطناتهم، والسكان القريبين من الشوارع العامة والطرقات السريعة التي يسلكها المستوطنون.

بعد كل جريمةٍ يرتكبها المستوطنون، والتي يحرصون أنفسهم على تصويرها وتوثيقها، يحيون الاحتفالات فرحاً، ويعقدون الاجتماعات زهواً، ويتبادلون التهاني فيما بينهم، ويوجهون الشكر لمن انبرى منهم لهذه الأفعال، وكان أكثرهم جرأةً واندفاعاً في تنفيذ المخططات والتعبير عن الأماني والطموحات، وفي احتفالاتهم التي يكرمون فيها المجرمين والقتلة، يشربون كؤوس الخمر فرحاً، ويحرصون على التقاط الصور مع المجرمين فخراً وشرفاً.

أما الأطباء والعاملون في المستشفيات الإسرائيلية على اختلاف مسمياتهم الوظيفية، حتى الحراس منهم وعمال النظافة والعاملين في المكاتب الإدارية، فإنهم يساهمون في القتل، ويشاركون في الجريمة، ويعملون كل ما في وسعهم لضمان عدم شفاء الجرحى، أو خروج المصابين من المستشفيات بصحةٍ وسلامة، وخلال عملهم يقومون بالمراقبة والمتابعة، ويعدون التقارير ويقدمون المعلومات، ثم ينسقون فيما بينهم أيهم يقوم بهذا العمل، وأيٌ منهم يتقدم للقيام بهذه المهمة الجريمة، رغم أن العاملين في المستشفيات من الأطباء وغيرهم، تحكمهم المعايير الإنسانية والقيم الخلقية، التي تنبعث من إنسانية الوظيفة، التي يجللها قسم أبقراط الشهير، ولكن العدو الإسرائيلي في معركته مع الفلسطينيين لا يرى مكاناً للأخلاق أو القيم، بل هي غريزة القتل وحب الشر للغير.

أما الكتاب والصحفيون ورجال الإعلام فإنهم يتغنون بالقتلة، ويشيدون بالمجرمين، ويسخرون ألسنتهم وأقلامهم للدفاع عن جرائم المستوطنين واعتداءات جيش الاحتلال وتجاوزات أجهزته الأمنية وقادته، ويعمدون عبر وسائل الإعلام المختلفة إلى تصوير القتلة على أنهم يقومون بمهامٍ إنسانية، والمجرمين بأنهم يدافعون عن القيم السامية ومفاهيم الخير المشتركة، ويحرصون على أن تكون صور القتلة جميلة ومنسقة، وزاهية وبهية، كي يقتدى بهم الآخرون، ويعمل مثلهم باقي أبناء شعبهم، وفي الوقت نفسه حتى يلق القتلة من مجتمعهم ومن أبناء شعبهم كل تقديرٍ واحترامٍ، وإشادةٍ ومدحٍ وتكريم، الأمر الذي من شأنه أن يجعل كتابهم وحملة الأقلام منهم ورجال الإعلام شركاء في الجريمة، وأحد أهم أركانها التي تزين وتحرض، وتكافئ وتقدر.

كل هذه الصور البشعة التي تعبر عن حقيقة العدو الصهيوني ظهرت بجلاءٍ قاتمٍ ووضوحٍ أسودٍ حاقدٍ خلال الانتفاضة الفلسطينية، التي اختصرت صورة العدو الصهيوني الحاقد الغادر، القاتل المجرم، الذي يظن أن النصر بأفعاله حليفه، وأن المستقبل بجرائمه له، وأن الشعب الفلسطيني سيخضع له وسيستنيخ، وسيقبل بفتاته، وسيرضى بحسناته، ولن يرفع العصا في وجه ثورةً، ولن يستل خنجره انتفاضةً، ولن يدوس بعجلات سيارته وأقدامه أجسادهم ثأراً وانتقاماً.


موشيه كاتس ينصح غادي آيزنكوت

الانتفاضة الثالثة انتفاضة الكرامة (95)

كأن وزير دفاع جيش الاحتلال موشيه يعالون ورئيس أركانه غادي آيزنكوت مقصران في عملهما، ومهملان في واجبهما، ولا يؤديان المهمة الملقاة على عاتقهما، ولا ينفذان السياسة المقرة من قِبل حكومتهما، ولا يقومان بما يرضي ضميرهما، ويسعد رئيس حكومتهما، ولا بما يجلب الأمن والأمان لمناطقهما، ولا يأتيان بأعمالٍ من شأنها أن تتفق ورتبتهما العسكرية وسجلهما الإجرامي في جيش كيانهما، وكأنهما لم يقوما بما هو مطلوبٌ منهما وأكثر، ولم يؤديا الدور المنوط بهما كمسؤولين بما يبقيهما في السلطة والقيادة فترةً أطول، وبما يجعلهما مرشحين في السنوات القادمة لمناصب أرفع وأكبر وأهم، وبما يحول بينهما وبين التحقيق والإحالة إلى القضاء، وربما الإدانة والسجن والحرمان من المستقبل السياسي والعسكري.

رأفةً بهما وحرصاً على مستقبلهما، وتعويضاً عن النقص الذي اعترى عملهما، والخلل الذي بدا في مهمتها، فقد طلع المتطرف الصهيوني موشيه كاتس وزير النقل والمواصلات الإسرائيلي ناصحاً وموجهاً لهما، بأن يكونا والجيش أكثر شدةً، وأشد حزماً، وأكثر قوةً وعنفاً في مواجهة الانتفاضة، وألا تأخذهم بالفلسطينيين رأفة ولا رحمة، وألا يضيقوا على الجنود والضباط بالضوابط والقوانين، التي تمنعهم من إطلاق النار دائماً والقتل أبداً كلما تعرضوا والمواطنين إلى الخطر، إذ أن هذه السياسة هي التي تتسبب في زيادة الضحايا الإسرائيليين، وفي الوقت نفسه تشجع المزيد من الفلسطينيين على القيام بعملياتٍ مشابهةٍ.

ينصح موشيه كاتس زميله في الحكومة موشيه يعالون ورئيس أركان جيشه غادي آيزنكوت بإطلاق أيدي الجنود المغلولة بالقوانين، والمطوقة بالأخلاق، وأن يصدر إليهم الأوامر الصريحة والواضحة بإطلاق النار الفوري بقصد القتل حتى الموت، على كل فلسطيني يبدو أنه يهدد أمنهم ويحاول طعنهم، وأن يستمروا في إطلاق النار عليه ولو تبين لهم أنه قتل، وأن المزيد من الأعيرة النارية لن تزيد القتل قتلاً، ولن تضيف إلى الموت موتاً، اللهم إلا التشفي والانتقام، وتوجيه رسائل قاسية بالدم والرصاص إلى الشعب الفلسطيني عله يخاف أو يرتدع.

يبدو أن غادي آيزنكوت وقيادة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أخذوا فعلياً بنصيحة موشيه كاتس، القاضية بإطلاق النار بغزارةٍ حتى الموت على كل فلسطيني يحاول طعن إسرائيليين، جنوداً أو مستوطنين، وبالفعل قام جنود الاحتلال يوم أمس بإطلاق وابلٍ من الرصاص على الفلسطيني محمد خلف، الذي قام بطعن جنديين إسرائيليين في منطقة باب العامود على مقربةٍ من المسجد الأقصى المبارك، وعلى الرغم من أن الشهيد محمد قد قتل من الرصاصات الأولى، إلا أن إطلاق النار عليه من مكانٍ قريبٍ جداً لم يتوقف، وبدا أن الجنود المتواجدين في المكان قد تعاوروا على إطلاق النار عليه، وساهموا جميعاً في جريمة القتل الوحشية، وقد قامت وسائل إعلامٍ عديدة بتوثيق الجريمة الوحشية بالصوت والصورة.

قد يظن البعض أن جيش الاحتلال الإسرائيلي وقيادة أركانه كانوا يتبعون قبل عملية إعدام الشهيد محمد خلف  قواعد الاشتباك القانونية، ويلتزمون القيم العسكرية التي تمنع الإجهاز على الجريح، والامتناع عن تقديم المساعدة والإسعاف للمصاب، ولا يقدمون على قتل الأطفال ولا النساء، وأنهم نتيجة لنصيحة كاتس قد غيروا من تصرفاتهم الأخلاقية القديمة، وبدلوا آلية تعاملهم مع الفلسطينيين.

الحقيقة هي عكس ذلك تماماً، ذلك أنهم كانوا يتبعون نفس السياسة، ويتعمدون الإفراط في استخدام القوة، ولعل قراءة متأنية ودراسة بيانية لشهداء الانتفاضة، تبين بوضوح وتكشف بجلاء الطريقة التي يتعامل بها جيش الاحتلال مع الفلسطينيين، فهم قد قتلوا العشرات ممن لم يكونوا يشكلوا عليهم خطراً، وقتلوا نساءً وفتياتٍ فقط بقصد القتل، ولكن نصيحة كاتس الأخيرة ربما جاءت لتؤكد المؤكد وتثبت المثبت، ولتذكرنا والعالم أن هذه هي السياسة الإسرائيلية المتبعة في التعامل مع الشعب الفلسطيني.

هذه السياسة الإسرائيلية القديمة الجديدة لا تدل على القوة، ولا ترتكز إلى قاعدة من الاستقرار وحالة من الطمأنينة، وهي لا تستطيع أن تبعث الثقة والطمأنينة في قلوب المستوطنين، كما لا تتمكن من إعادة ثقة الجمهور الإسرائيلي بجيش كيانه، بل إنها سياسة تكشف عن حجم القلق والقلق والخوف الذي يعيشه العدو، وهي ترعب المستوطنين أكثر، وتشعرهم بأن الانتقام منهم سيكون أقوى وأشد، وأسرع وأقرب مما يتخيلون، ذلك أنها تعبئ الفلسطينيين أكثر، وتشحذ هممهم، وتمنحهم المزيد من المبررات والدوافع المشروعة للثأر والانتقام، والقيام بعملياتٍ جديدة، خاصة من قبل الأخوة والأشقاء والأقارب والأصدقاء، الذين يستشيطون غضباً لهول ما يرون، ويسكن الحزن قلوبهم لعظم ما لقي أحبابهم.

الشهيد محمد خلف وكل الشهداء الذين ارتقوا إلى العلا بطلقاتٍ عديدة، وأطلق عليهم جنود العدو المزيد من الطلقات بعد التأكد من مقتلهم، يذكرنا بصحابيٍ جليلٍ من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابن أحد العشرة المبشرين من الجنة، وأول مولودٍ للإسلام في دار الهجرة، ذلك هو عبد الله بن الزبير، ابن أسماء ذات النطاقين بنت الصديق أبي بكر، الذي قالت له أمه وهي تودعه، وكأنها تستشرف أن خصومه سيمثلون بجثته "وهل يضير الشاة سلخها بعد ذبحها"، فما ضير الشهيد من طلقاتٍ أخرى كثيرة، وقد ارتقى عند الله شهيداً مع أول طلقةٍ أصابت جسده.

هنيئاً للشهداء، نرفع بهم الرأس ونفاخر، ونتشرف بهم ونباهي، وتعساً ليعلون وآيزنكوت وكاتس وجيش الكيان وكل جنوده القتلة المجرمين، خيب الله مخططاتهم، وأفشل محاولاتهم، ورد كيدهم إلى نحرهم، وأظهرنا عليهم، ومكننا منهم، وأذاقهم بأيدينا لباس الذل والهوان، ونفخ بروحه في انتفاضتنا المباركة لتكون ثورةً تؤتي أكلها الذي نحب ونتمنى بإذن الله ربها وربنا، إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.

وسوم: العدد 656