العقيدة الأشعرية في سياقها الحضاري
المجلس العلمي المحلي بوجدة ينظم يوما دراسيا بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية في موضوع " العقيدة الأشعرية في سياقها الحضاري "
نظم المجلس العلمي المحلي بوجدة يومه 28 فبراير 2016 يوما دراسيا بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة في موضوع : " العقيدة الأشعرية في سياقها التاريخي " لفائدة الخطباء والوعاظ والأئمة . ومما ميز هذا اليوم افتتاحه بكلمة لفضيلة العلامة الأستاذ الدكتور السيد مصطفى بنحمزة ، وسأحاول في هذا المقال تغطية أهم ما جاء فيها .
نبه فضيلته في البداية إلى أن اختياره الأطر الدينية لحضور هذا اليوم الدراسي لم يكن اعتباطيا أو عشوائيا بل كان اختيارا دقيقا نظرا لحساسية الوضع بسبب ما تعرفه دول عربية وإسلامية من صراعات طائفية مردها الخلافات العقدية ، كما نبه إلى أن الأمر جد لا يقبل الهزل أو المزايدة . وانطلق بعد ذلك من مقولة اعتبرها خاطئة ومفادها أن ما يسمى الإرهاب ينسب للمساجد ، والواقع أن الإرهاب وليد اختلا لات عقدية لدى الغض . وأحال فضيلته على طائفة ذات مرجعية تكفيرية تعتبر مسؤولة عن إشاعة فكر العنف بسبب تطرفها العقدي ، وضرب مثالا على ذلك حيث ترى هذه الطائفة أن كل المساجد في العالم الإسلامي عبارة عن مسجد ضرار باستثناء المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، ومسجد قباء ، والمسجد الأقصى مع شرط أن يؤمن فيها الناس واحد من هذه الطائفة ، الشيء الذي يؤكد أن اتهام المساجد بنشر ثقافة العنف عار عن الصحة ، و محض افتراء، ذلك أن المساجد نفسها ضحية هذا الفكر التكفيري . وتناول فضيلته الظرف السائد في العالم العربي والإسلامي والمتعلق بما يسمى ربيعا أو خريفا ، وهو أمر يتطلب الاطلاع الدقيق لمعرفة ما يجري حقيقة . وسمى فضيلته ما يجري بالتفكيك والتفريغ ، وأحال على قولة لجمال الدين الأفغاني ومفادها أن الاحتلال البريطاني لمصر فكك الجيش المصري بذريعة عدم أهليته ، وهو ما قام به الحاكم الأمريكي بريمر في العراق بعد احتلاله حيث فكك الجيش العراقي . وسجل فضيلته تفكك كيانات عربية من خلال غياب الدولة كما هو الحال في لبنان وليبيا .واعتبر فضيلته أن هذا التفكيك أو التفريغ في المجال العسكري يوازه تفكيك وتفريغ في المجال الفكري، الشيء الذي نشأت عنه صراعات عقدية ومذهبية ممزقة للعالم العربي والإسلامي . وعلى رأس هذه الصراعات الخلاف حول إمارة المؤمنين التي صارت مطلب العديد من الطوائف كما هو الحال بالنسبة للعقيدة الشيعية التي تعتمد ولاية الفقيه ، وهي ولاية تحاط بالعصمة . وسجل فضيلته التوسع الشيعي في العالم العربي في العراق وسوريا ولبنان ، واليمن ، وهو يزحف نحو مناطق أخرى . وذكر فضيلته أن الفكر الشيعي قد بدأ يستقطب أبناء السنة بإذكاء النعرة الطائفية حتى أن ولاء البعض صار لبلاد غير بلاده بسبب التشويش العقدي ، كما ذكر أن حتى بعض الطوائف الشيعية التي كان لها تقارب مع السنة كالزيدية في اليمن صارت جعفرية الاعتقاد تحارب السنة . ومثل فضيلته لتأثير الاعتقاد الشيعي بما رواه عن المرحوم عبد الهادي التازي العالم المؤرخ من تدمير شيعة إيران لمعرض أقيم لعرض المنتوجات المغربية لمجرد وجود المربي المسمى في المغرب باسم عائشة ، الشيء الذي يعكس مدى تلقين المراجع الشيعية من حقد على السنة لأتباعها بسبب الخلاف حول أفضل النساء حيث يقول السنة هي السيد عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، بينما يقول الشيعة إنها فاطمة الزهراء بنت الرسول رضي الله عنها ، وقد تسمى الشيعة بالفاطميين نسبة إليها رضي الله عنها . وذكر فضيلته أن الشيعة يسقطون صلاة التراويح لأن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي سن صلاتها جماعة عملا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحقدا عليه يبطلها الشيعة . واعتبر فضيلته أن المغرب قد عرف هو الآخر بعض الطوائف الشيعية في تاريخه إلا أنه ظل بلد الأغلبية السنية المالكية المذهب ، والأشعرية العقيدة . وحذر فضيلته من استهداف العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي الذي حافظ عليه الفقهاء المغاربة لقرون ، ودافعوا عنه حتى أنهم واجهوا في تونس المد الشيعي الفاطمي ، وقدموا من أجل ذلك أرواح العديد منهم . ونوه فضيلته بدور جامع القرويين الذي صان المذهب المالكي ، والعقيدة الأشعرية . وفي سياق الحديث عن جامع القرويين ذكر دور المستعمر الفرنسي في تعطيل دوره في إطار سياسة التفكيك والتفريغ . وذكر محاولة إصلاح القرويين التي أجهضها المحتل الفرنسي ، وسرد مقولة العالم الحجوي الثعالبي الذي كان ضمن لجنة إحياء جامع القرويين ، ومفادها أن ما يبنى من إصلاح القرويين بفاس ينقض بالرباط وكان ذلك في عهد مولاي يوسف. ووقف فضيلته عند وسطية واعتدال المذهب المالكي ، وهو يرى أن له وجهان : وجه فقي ، وآخر عقدي ، وهذا الأخير يغفل عنه الكثير . وتناول فضيلته ما يروجه البعض من نعت التدين في المغرب بالسلفي الوهابي ، وقال معقبا إن المغاربة وهم يحتكمون إلى المذهب المالكي كلهم سلفيون مادام الإمام مالك كان سلفيا على طريقة السلف الصالح . وبين فضيلته الفرق بين سلفية المغاربة التي تعتمد المذهب المالكي بوجهيه الفقهي والعقدي ، والعقيدة الأشعرية وبين السلفية التي تناهض العقيدة الأشعرية ،وتنال من شخص الإمام الأشعري . وتناول فضيلته الخلاف بينه وبين من ينتقدونه ، وهو خلاف يعزى إلى موضوع تأويل كلام الله عز وجل ، وموضوع المجاز حيث ينكر مخالفو الإمام الأشعري جريان المجاز في كلام الله عز وجل بالرغم من أن الإمام ابن حنبل ، وبعده ابن تيمية وهما من مراجع منكري المجاز في القرآن قالوا بوجوده ، وقد سرد فضيلته نماذج مما ورد في كلام ابن حنبل وابن تيمية في مجاز القرآن . واستعرض فضيلته العقيدة السنية الأشعرية مركزا على اعتدالها ووسطيتها ، وعلى اعتمادها المجاز في تأويل كلام الله عز وجل مع تنكب التشبيه والتعطيل وتنكب التأويلات الباطنية ، وأحال أكثر من مرة على مصادر ومراجع من أجل الوصول إلى حقيقة هذه العقيدة التي تصون ثوابت الأمة المغربية التي تتمثل في مذهبها الفقهي المالكي ، وعقيدتها الأشعرية ، وإمارة المؤمنين . وعرج فضيلته على ما تعرفه الساحة الوطنية من تطفل من لا علم لهم على طرح قضايا دينية من اختصاص المجالس العلمية والعلماء ، وذلك من أجل المزايدة على الدين بسبب دوافع سياسية في ظرف ما سماه سياسة التفكيك والتفريغ التي تنتهج في البلاد العربية والإسلامية . وذكر كنموذج لهذه السياسة إبطال الجنرال الفرنسي اليوطي لتقليد سلطان الطلبة الذي كان تقليدا يعبر عن تلاحم إمارة المؤمنين مع العلماء حيث كان سلطان الطلبة يستظل بمظلة السلطان . وانهى فضيلته كلمته القيمة بإعادة التحذير من المؤامرات التي تحاك ضد ثوابت المغرب مذهبا وعقيدة .
وسوم: العدد 657