على طريقة أفلام هوليود..السعودية دولة الإرهاب
“الكونت دراكولا” الذي قدمته السينما الأمريكية في العديد من أفلامها في صورة مصاص للدماء، يعيش على دماء ضحاياه بعد أن يغرس أنيابه في رقابهم، لا يموت إلا بطعنة في القلب، أو التعرض للشمس، ويخاف من الصليب
تلك هي الصورة التي ألفناها عن شخصية دراكولا، لكن هوليود قد فاجأتنا في العام قبل الماضي بفيلم آخر عن دراكولا “دراكولا القصة غير المروية”، لكنه في هذه المرة بطلا خيّرا، يبيع نفسه للشيطان ليكتسب قوته ليواجه بها العثمانيين الأشرار سفاكي الدماء.
وبالرغم من أن شخصية دراكولا حقيقية، حيث لقب بها حاكم روماني شديد القسوة “فلاد الرهيب”، ومن نسجت حوله أسطورة مصاص الدماء، وبالرغم من أن فلاد هذا قد دخل في حروب مع العثمانيين، لكن الفيلم يتغاضى عن جرائمه البشعة ويصوره بطلا، في حين يظهر الأتراك قوما همجيين سفاحين، في توظيف واضح للفن ضد النهضة التركية المعاصرة، ودعشنة الأتراك.
بل يمعن الفيلم في تزييف الحقائق التاريخية، فترى دراكولا أو فلاد يقتل السلطان محمد الفاتح خلال مبارزة بينهما، مع أن المقطوع به تاريخيا أن الفاتح رحمه الله، مات على فراشه بعد أن أوصى ولده، وهذه هي هوليود.
وعلى طريقة أفلام هوليود البارعة في تزييف الحقائق والتوظيف السياسي لأفلامها، تتعرض السعودية لموجة عاتية غير مسبوقة من الاتهام برعاية وإنتاج الإرهاب، ولكن لماذا هذا التوقيت بالذات؟
الجواب واضح كالشمس في رابعة النهار، فالمملكة تحولت في ظرف عام واحد من خانة التعامل برد الفعل إلى المبادرة والاستباق، ولم تكتف بأنها ذات مكانة دينية بسبب رعايتها الحرمين فحسب، وإنما تحولت إلى قيادة سياسية وعسكرية للعالم الإسلامي السني.
والذين يتهمون السعودية برعاية وإنتاج الإرهاب تنوعت مشاربهم واتجاهاتهم، ما بين إعلام غربي يضيق ذرعا بالريادة السعودية، وأعداء صفويين يريدون النيل من أهل السنة والدول التي ترفع رايتها، وأبواق علمانية وليبرالية تنخر في بنيان المملكة من الداخل.
قالوا إن السعودية تنتج الإرهاب وتصدره، ألم تروا إلى الشباب السعودي الذي يقاتل خارج حدود البلاد؟
وإني لأتساءل: ألم يكن الشباب السعودي هو عماد الجهاد في أفغانستان إبان الغزو السوفييتي؟ فلماذا لم تتهموا السعودية بالإرهاب آنذاك.
ألم يكن للشباب السعودي حضور قوي في حرب البوسنة؟ فلماذا لم تتهموها حينذاك بالإرهاب؟
لكنهم عمدوا إلى تسليط الأضواء على قلة قليلة من الشباب السعودي المغرر بهم، انضموا إلى تنظيم داعش، للتطبيل على القضية والطنطنة حولها، بهدف التشغيب على المملكة وعرقلة مسيرتها النشطة.
وماذا عن الروس والأوروبيين الذين انضمت أعداد كبيرة منهم إلى تنظيم داعش؟ لماذا لم يتم اتهام أوطانهم برعاية وإنتاج الإرهاب، أليست هذه الدول مسؤولة عن مواطنيها بغض النظر عن دينهم؟
قالوا إن المناهج التعليمية السعودية تدعو إلى التطرف، وتربي الناشئة على الإرهاب والعنف.
لماذا؟ ألأن السعودية تهتم بالمواد الشرعية المستقاة من الكتاب والسنة في المناهج الدراسية؟
ألأن مناهج السعودية تحتوي على كتب التوحيد، وسيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، وتاريخ الإسلام المجيد؟
قبل أن تتهموا المناهج السعودية بإنتاج الإرهاب انظروا إلى مناهج إيران التي لم تواجهوها بذات التهمة، وقد أفردتُ سابقا مقالة للحديث عن المناهج الإيرانية، أقتبس منها ما يتسع له المقام، حيث نقل صاحب كتاب “أأيقاظ قومي أم نيام” عن الصحف السعودية قبل سنوات قولها: “أقرّ النظام الإيراني خطته لاجتياح الدول العربية، ضمن مناهج المدارس هذا العام، تم طبع كتب التربية الوطنية لتلاميذ المدارس للعام الدراسي الجديد متضمنة فصلا كاملا عن خطة اجتياح الجيوش الفارسية لأربع دول عربية هي: العراق وسورية والأردن والسعودية في طريقها لتحرير القدس”.
وأضافت (الصحف): أن النظام الإيراني يستغل أسطورة تحرير القدس ليبرر إعلان خطته لاجتياح العراق وسوريا والأردن والسعودية”.
قبل أن تتهموا المناهج السعودية بإنتاج الإرهاب انظروا قبلها إلى مناهج التعليم التي تفرضها حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
فإضافة إلى أن التعليم في مناهج الاحتلال يتسم بالعسكرة، وجعْل الطالب في المراحل الإعدادية والثانوية جنديا لخلق جيل معبأ بمبررات الاغتصاب والسلب، تصوّر تلك المناهج العرب المسلمين على أنهم طغاة همجيون يعادون اليهود الذين جاءوا إلى أرض فلسطين بالسلام.
جاء في كتاب “ديرخ هميليم” للصف الرابع: “جاء الطلائعيون (أي اليهود) لحراثة أرضهم بسلام وطمأنينة لكن جيرانهم العرب لم يعجبهم ذلك وحاولوا طردهم من أرضهم ومن مرة لأخرى كانوا يحرقون الحقول ويسرقون الأبقار أو المواشي من القطيع وحتى إلحاق الأذى بأعضاء المجموعة”.
الباحث الإسرائيلي “أيلي فودا” أعد دراسة تحليلية للكتب التعليمية الإسرائيلية، خلص بعدها إلى وصف تلك المناهج بأنها قادت إلى تكوين أفكار مسبقة عن العربي، الذي يوصف في الكتب بأنه غشاش ومتخلف ولص يستحيل التعايش معه.
ويكفي أن تعرف أن الضباط المتقاعدين من الجيش والشاباك يتولون وظائف في المدارس الإسرائيلية لتربية الأطفال.
فحدثونا عن الإرهاب في المناهج السعودية، واستخرجوا لنا نصوصا تحض على الكراهية والعنف والعنصرية إن كنتم صادقين.
وقالوا إن علماء السعودية أو من يطلقون عليهم الوهابية، هم تكفيريون ودعاة عنف وتطرف، تماما كما يروج الصفويون وأذنابهم، وهو أمر يثير السخرية من قائله.
فعلماء السعودية مُجمعون على تطرف تنظيم داعش، سواء كانوا علماء في المؤسسة الدينية الرسمية، أو كانوا خارج العمل الرسمي من سلفيين وإخوان، أو حتى من التيار الصحوي الذين يطلق عليهم السروريين، فكيف يُتهم هؤلاء العلماء – الذين يدعون إلى السمع والطاعة لولي الأمر وعدم الخروج عليه – بالإرهاب وتربية المجتمع على التطرف؟!
ونظرا لتعدد مشارب القوم واتجاهاتهم، واختلاف صيغة البغض والكراهية للسعودية لديهم، فلا تعجب إن سمعت التهمة ونقيضها.
ففي الوقت الذي يتهِم تنظيم داعش ومن سار على خطاه المملكة بتشديد قبضتها الأمنية على العناصر الجهادية، تجد البعض على النقيض من ذلك يتهم السعودية بالتراخي في التعامل مع الإرهاب، ومن ثَمّ فهي تنتجه وتسهم في نشره بسبب الخلل في منظومتها الأمنية.
ولا ندري كيف تُتهم المملكة بالتهاون مع الإرهاب وهي إحدى الدول الموقعة على اتفاقية مكافحة الإرهاب بجامعة الدول العربية؟
وكيف تُتهم باحتضان الإرهاب وهي عضو بالتحالف الدولي الذي يواجه تنظيم داعش؟
بل كيف تُتهم برعاية الإرهاب وقد شكّلت تحالفا إسلاميا لمواجهة الإرهاب أيا كان توجهه وأيديولوجيته؟
ومن يتهم منظومة الأمن السعودي بالخلل، فليذهب قبلها إلى أحداث 11 سبتمبر، التي هي أكبر العمليات التفجيرية المعاصرة، وليتهم المنظومة الأمنية لأمريكا بالخلل.
نبذة عن الأمن السعودي والتعامل مع الإرهاب:
يعرف الأمن الوطني على أنه “أمن الدولة في عناصرها الأساسية: الشعب والأرض والقيادة ونظام الحكم ، من حيث حفظ حقوق مواطنيها ، الخاصة والعامة ومن حيث منع الاعتداءات على سيادة الدولة وكيانها من الفتن الداخلية والاعتداءات الخارجية“.
والأمن السعودي يرتكز على عدة أركان، ذكرها الباحث بركة بن زامل الحوشان، في كتاب “تعامل المؤسسات الأمنية السعودية مع الإرهاب”، من هذه الأركان:
أولا: تحكيم الشريعة:
حيث نصت المادة الأولى من النظام الأساسي للحكم على أن دين المملكة العربية السعودية هو الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسول صلى الله عليه وسلم ، كما يستمد الحكم سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهما الحاكمان على جميع أنظمة الدولة وفقا لما نصت عليه المادة السابعة.
ثانيا: الاستقرار السياسي:
نظرا لأن الأمن الوطني يتأثر بالاضطرابات وعدم الاستقرار السياسي.
ثالثا: تطوير المؤسسات الأمنية، عن طريق رفع مستوى الخدمات التي تقدمها المؤسسات الأمنية للمواطن، والتأهيل الشامل للشخصية الأمنية وإخضاعها لبرامج علمية وتدريبية، والتدريب على استخدام مختلف التقنيات الحديثة.
رابعا: الاهتمام بالقوة الدفاعية بالتوازي مع السياسات الداخلية التي تعزز الشرعية السياسية والتنمية الاقتصادية وهو من شأنه تعزيز الأمن الوطني.
ومن أبرز هذه المرتكزات، التأكيد على دور الفرد في حماية أمن مجتمعه، كما أنه يعمل على تعميق الوحدة الوطنية.
وينبغي أن يُعرف، أن الأمن السعودي لا يعتمد في مواجهة الإرهاب على مبدأ استخدام القوة وحده، وإنما يسعى لتحقيق الأمن عن طريق التناغم مع نطاقات عديدة، ويهتم بالمواجهة الفكرية للإرهاب بصورة قوية لاجتثاث الفكر من أصوله بدلا من تناول أعراضه ومظاهره، ويسعى لاستعادة أبناء المملكة من براثن التطرف، وإعادة تأهيل المتورطين منهم في أعمال إرهابية، بغرض إعادة إدماجهم في المجتمع السعودي، وأعظم ما يدل على ذلك مركز محمد بن نايف للمناصحة، والذي شرفتُ بالاقتراب منه خلال زيارتي إلى المملكة العربية السعودية.
نبذة عن مركز محمد بن نايف للمناصحة:
*انطلقت فكرة تأسيس المركز في أبريل 2003م، وبدأ في العمل عام 2006م، لاستيعاب المتورطين في الفكر الضال والموقوفين في قضايا التطرف وإعادة تأهيلهم فكريا ونفسيا لإعادة دمجهم في المجتمع بعد إكمال تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحقهم.
*المركز يستعين بخبرات كبيرة من العلماء وأعضاء هيئة كبار العلماء والمفتي العام، والمثقفين في العلاقات الدولية، ويستعين بعشرات الدعاة الذين يتنقلون بين المحافظات، ونخبة من الأكاديميين في عدد من المجالات الشرعية والاجتماعية والنفسية والتاريخية والرياضية والفن التشكيلي.
*نجح المركز في تصحيح أفكار 92% ممن خضعوا لبرامج المناصحة، واستفاد من البرنامج ما يزيد على ثلاثة آلاف شخص.
*البرامج المكثفة التي يقدمها ترتكز على القضايا الشرعية وتوضيح المسائل السياسية والتاريخية، وتهتم بعقد اللقاءات بين الموقوفين الخاضعين للبرنامج بعلماء الشريعة.
*يعمل المركز على تجفيف منابع التطرف الفكري عن طريق مواجهته بالفكر، كما يتبنى المركز عقد المحاضرات والندوات للمجتمع، والإشراف على المناصحة العلاجية لذوي الفكري المتشدد من دون إيقافهم.
*المركز يضم برامج وقائية في المساجد والجوامع والمدارس والجامعات والأندية والمنازل، ويستهدف بعض الأسر التي يلاحظ عليها أو على بعض أبنائها اعتناق أفكار خاطئة، أو ذهب أي من أبنائها لمناطق الصراع.
*المركز لم يغفل المناصحة النسائية، حيث خصص لجان مناصحة من العناصر النسائية المؤهلة شرعيا ونفسيا واجتماعيا، والهدف منه تعديل أفكار النساء اللواتي وقعن في الأفكار المتطرفة، ودراسة أحوالهن النفسية والاجتماعية.
*يحرص المركز بعد إعادة تأهيل الموقوفين ومناصحتهم على إطلاق سراحهم وإعادة البعض منهم إلى أعمالهم، ويتم تأمين عمل لمن ليس له عمل، كما يوظف بعض العائدين في مركز الأمير محمد بن نايف للرعاية والمناصحة، ويتم تزويج بعضهم بعد توفير له مطالب الزواج من الدعم المالي وغيره.
*يشمل البرنامج الشرعي عددا من المحاور منها ما يتعلق بالأمور التكفيرية والجهاد وضوابطه، إضافة إلى العلم والعلماء وموقف المسلمين من المعاهدات والصلح.
*البرنامج الاجتماعي يهدف إلى تأهيل المستفيد وأسرته للانخراط والتعامل مع ظروف الحياة وهي عبارة عن عدد من المحاضرات الاجتماعية لتأهيلهم كيفية التعامل مع المجتمع عند خروجهم، ويتم تأهيله أيضا بزيارة أسرته لعدة أسابيع.
*البرنامج النفسي يتناول زرع تصورات صحيحة تساعد على تصحيح الأفكار المغلوطة السابقة، على أساس علمي وبمشاركة جماعية في جو ترفيهي.
*يضم المركز ملاعب لكرة القدم والسلة وتنس طاولة وألعاب الكترونية “بلايستيشن”، ومسابح، إضافة إلى أمسيات ثقافية يستضاف فيها أساتذة جامعات وعلماء في كافة المجالات الشرعية والنفسية والاجتماعية والتنمية البشرية وتطوير الذات والإدارة.
*كما يتيح المركز الاتصالات الهاتفية للمستفيدين من البرنامج مع ذويهم، إضافة إلى الزيارات العائلية، وتمكين المتزوجين منهم من الخلوات الشرعية بزوجاتهم.
*المركز يمارس برامجه بطريقة احترافية يتم تطويرها بخبرات محلية يتم تطويرها، ما حدا بالأمم المتحدة أن تطلب من الدول الاطلاع على مركز محمد بن نايف والاستفادة برامجه.
*وخلال زيارتي للمركز علمت أن 121 معتقلا سعوديا قد تم تسلمهم عبر اتفاقيات مع أمريكا، قد دخلوا مركز المناصحة، واستفادوا منه على مدى 13 دفعة، وأن عدد من بقي في جوانتنامو لا يزيد عن تسعة.
*ويقوم المركز بجهود كبيرة في المناصحة ترتكز على تصحيح التأويلات الفاسدة لدى المستفيدين من المركز، وبناء مفاهيم شرعية صحيحة مستمدة من الكتاب والسنة، والرد على الشبهات التي تثار لدى كثير من المغرر بهم ووقعوا أسارى الفكر المتطرف.
*كما علمت خلال زيارتي للمركز، أنه تم مراجعة 543 مطبوعا اعتمد عليه المنحرفون فكريا في تقرير سلوكياتهم، كما يقوم نخبة من أساتذة التاريخ بإلقاء محاضرات عن الملاحم والوقائع التاريخية، وبيان أن منها ما لا يصلح انسحابه على الواقع الحالي، وشرح بعض الفتاوى القديمة وبيان الخلل في تطبيقاتها في الواقع، مثل فتوى التترس لشيخ الإسلام ابن تيمية.
وليست تلك الكلمات هي كل ما يمكن أن يقال عن هذا المركز، ولي معه لاحقا وقفات أخرى إن كان في العمر بقية.
وبعد هذه الجولة السريعة .. فهل يبقى ثمّة شك في أن السعودية تعمل على مواجهة الإرهاب وتجفيف منابعه؟
سؤال برسم تناقضات قومٍ وخيبةِ آخرين ..
وسوم: العدد 657