غوستاف لوبون وراية النبي العربي
يطيب لبعض المحسوبين على أمة العرب ان تتواشج قلوبهم واراداتهم مع الصهاينة من بني اسرائيل، وان يصدروا واياهم عن مرجعية واحدة، وان يسلوّا ثيابهم من عباءة العروبة، ولعل شأن هؤلاء ان يكون هو نفسه شأن بني اسرائيل القدماء الذين يذهب غوستاف لوبون في كتابه «اليهود في تاريخ الحضارات الاولى» – ترجمة عادل زعيتر رحمه الله – الى ان «بني اسرائيل كانوا من الساميين اي من العرق الذي كان ينتسب اليه الأشوريون والعرب ولكنهم، لدى انفصالهم من ذلك العرق، اكتسبوا مساوئ كثيرة ظل العرب بريئين من مثلها».
وكان غوستاف لوبون قد قال في كتابه «حضارة العرب» انه (لا جَرمَ ان الشبه قليل بين العربي ايام حضارته واليهودي الذي عُرف منذ قرون بالنفاق والجبن والبخل والطمع – وهي صفات يؤكدها شكسبير في مسرحيته «تاجر البندقية» – وان من الاهانة للعربي ان يقاس باليهودي، وان العربي مع اقراره لليهودي بالقرابة، اول من يحمّر وجهه خجلاً منها).
وعلى اننا لا نذهب مذهب لوبون في اطلاق حكم شامل لليهود، ونرى ما يراه قرآننا الكريم من ان اهل الكتاب ومنهم اليهود، ليسوا سواء، الا ان لنا في تعقيب الاستاذ عادل زعيتر على ما سبق ما يضيء بعضاً من دوافع المقارنة بين العربي وبين غيره، سواء أكانوا من اليهود او من غيرهم.
يقول اكبر مترجمي العرب في العصر الحديث – وقد تُرجم لغوستاف لوبون اكثر كتبه اهمية: وكيف لا يكون من الاهانة للعربي ان يقاس باليهود «وتاريخ اليهود لم يكن غير قصة لضروب المنكرات.. وانه لا اثر للرحمة في وحشية اليهود» مع ان «الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب ولا دينا سمحاً مثل دينهم» كما قال لوبون.
ويستطرد عادل زعيتر – رحمه الله – قائلاً: وكيف لا يكون من الاهانة للعربي ان يُقاس بمن يأخذون بمبدأ يقول كما في سفر يشوع «أهلكوا جميع ما في المدينة من رجل وامرأة وطفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحدّ السيف، وأحرقوا المدينة وجميع ما فيها بالنار بالنار»، على حين يأخذ العرب بوصية ابي بكر الصديق التي تقول :»لا تخونوا ولا تغلّوا ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا إمرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً الا لمأكلة.. وسوف تمرّون بأقوام قد فرّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرّغوا انفسهم لهم».
حتى دفع الله الناس بعضهم ببعض، فمقصود به – في القرآن الكريم، ان لا تهدم الصوامع والبيع والمساجد التي يذكر فيها اسم الله، وان لا يكون فساد في الارض اي لحراسة القيم والحياة معاً، فأين هذا المرتقى من جماعات لم تستحق «بأي وجه من الوجوه أن تُعدّ من الأمم المتمدنة»، كما قال لوبون؟.
وكيف يكون نزوع – الاّ من الأنفس الخبيثة – الى مجافاة العروبة والانضواء الى الصهيونية، والاحتكام الى اساطيرها وخرافاتها، مع ان العرب العرب كما يقول غوستاف لوبون «مدّنوا اوروبا ثقافة وأخلاقا»؟!.
انه لا ريب ان الفِطَرَ الفاسدة تبلغ بأصحابها ما هو أبعد في التسفّل وأوغل في التفاهات.
لقد تمنّى لوبون – انظر «اليهود في تاريخ الحضارات الاولى» المشار اليه آنفا، ص (11) – ان يكون العرب قد استولوا على العالم، ومنه أوروبا، لِما كان فيهم من نبيل الطبائع وكريم السجايا، وانّ مما قاله في ذلك إنه «كان سيصيب أوروبا باستيلاء العرب عليها مثل ما أًصاب اسبانيا من التقدم والازدهار والارتقاء والحضارة الزاهرة الرفيعة، تحت راية النبي العربي، وكان لا يحدث في اوروبا التي ستكون قد هُذّبت ما حدث فيها من الكبائر كالحروب الدينية، وملحمة سان بارْتلي، ومظالم محاكم التفتيش، وكل ما لم يعرفه المسلمون من الوقائع التي ضرّجت اوروبا بالدماء عدّة قرون».
هذا ما يقوله «غوستاف لوبون»، وهو كلام يثير حفيظة اولئك الذين يجعلون الصهيونية وأوهامها مرجعاً روحيّاً لهم، ويتخافتون بكره العروبة والاسلام، وهي حفيظة قائمة على الجهل اولاً، وعلى غياب الأخلاق ثانياً وحسبك بهما - مجتمعيْن - داءً عياء، فكيف اذا احتملا الى ذلك نفاقاً ورياءً؟!.
وسوم: العدد 657