قراءة في المشهد الكوردي، في كوردستان تركيا
من يراقب مجريات الأحداث والأمور ، في الحياة السياسية الكوردية في كوردستان تركيا ، والتي تعتبر هي اليوم ، الثقل الأكبر لتواجد الكورد فيها من بين الأجزاء الكوردية المقسّمة مابين أربعة دول ، وهي تركيا وسورية والعراق وإيران ، حيث يُقدّر تعداد الكورد في كوردستان تركيا ، من 20-25 مليون كوردي ، وبحسب تقديرات الكورد طبعاً ، فإنه سيرى بأنّ الخط البياني لشعبية حزب العمال الكوردستاني
الـ p k k في هبوط شديد وحاد ، وليس كما يحاول إعلام هذا الحزب وأبواقه ، الترويج له بأن المؤيدين للـ p k k هم الأكثرية الشعبية لدى عموم الكورد ، وما يكذّب هذا الكلام وينسفه ، هو الوقائع على الأرض ، وهذا ما سنكشفه لكم بعونه تعالى .
وفي غياب مراكز دراسات موضوعية ، تقوم على رصد شعبية هذا الحزب ، عبر الإحتكاك بالشارع الكوردي ، و القيام بإستبيانٍ حول ذلك ، وبشكل حضاري وشفاف ودون أن تكون حركتها مقيّدة وحياة من يقوم بها مهددة ، لا بد لنا من إكتشاف ذلك ومن خلال وسائل بديلة عن ذلك ، ولعلّ أكثر وسيلة لإستبيان وإكتشاف حقيقة شعبية هذا الحزب المذكور ، هو النظر في نتائج الإنتخابات التشريعية والبرلمانية ، التي حصلت في تركيا في السنوات الأخيرة والتي تعتمد النظام الديموقراطي ، فنتائج الإنتخابات ومعرفة أين ذهبت أصوات معظم الناخبين الكورد ، تعكس بشكلٍ أو بآخر المزاج السياسي الكوردي العام ، وتبيّن لنا بكل وضوح رغبات الكورد وتحدد إتجاهاتهم السياسية ، وتلقي الضوء على الجهة السياسية التي تحظى بقبولٍ لدى الشارع الكوردي ، والتي تكشف لنا أيضاً بما لا يدع مجالاً للشكّ من هي الجهة التي تمثّل طموح الكورد وتخدم مصالحهم السياسية والإقتصادية ومختلف القضايا الوطنية الأخرى في تركيا .
ففي الإنتخابات التركية الماضية ، والتي حصلت في الأعوام الأخيرة ، لاحظنا بأن حزب الشعوب الديموقراطية الـ h d p والذي يرأسه الكوردي صلاح الدين ديمرطاش ، والذي يعتبر الجناح السياسي لحزب العمال الكوردستاني والوجه الآخر له ، هو أنهم وبالرغم من أجواء الديموقراطية الموجودة في تركيا ، لم يصلوا إلى قبة البرلمان من خلال أصوات الكورد ، بل وصلوا على أكتاف العلويين الكورد والعرب والترك وعرب ماردين والسريان وحتى على أكتاف المثليين واللوطيين ، وكانت نسبة أصوات الكورد المجيّرة لهذا الحزب قليلة وخجولة ، وبالتالي ذهبت أصوات معظم الكورد إلى لائحة حزب العدالة والتنمية ak بزعامة أردوغان ، وهذا واقعٌ شهدناه بأعيننا وليس عن قيلٍ أو قال ، فقام إعلام حزب العمال بإتهام القاعدة الشعبية الكوردية في تركيا ، بأنهم خونة وأعداء وعبيد المال ، وباعوا شرفهم وكرامتهم لقاء مايقدمه لهم أردوغان من إمتيازاتٍ مالية وإقتصادية ، وطبعاً هذا الكلام عارٍ عن الصحة ومعيبٌ بحق شعبٍ يدّعون بأنهم يمثّلونهم ويدافعون عنهم .
أرادت إيران ، وعبر وسطائها ووكلائها وعملائها في تركيا من العلويين الكورد والترك ، إسقاط أردوغان في الإنتخابات ، والإتيان بحكومة رؤوسائها علويون ، يخدمون مصالحها ويخرجون تركيا من الخندق السني ، والذي يقف في وجه مشاريع إيران للهيمنة على المنطقة ، ورصدت إيران أموالاً طائلة للحملات الإنتخابية التركية لحلفائها في تركيا ، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي سفن إيران ، فقام الشعب الكوردي في تركيا بإسقاط مشروع إيران ، وقدم أصواته لأردوغان ولذلك رجحت كفّته في الإنتخابات وفاز فيها ، وخاب فأل إيران ، وذهبت ملايينها سدى .
وأرادت إيران معاقبة الشعب الكوردي في تركيا ، فأمرت جميل بايك العلوي ، وهو من يتزعّم حزب العمال الكوردستاني اليوم ، بتنفيذ ذلك ، وعلى الفور جمع جميل بايك عناصره في ما يسمّى الغريلا ، وهي عبارة عن الجناح العسكري للحزب ، فتوجهوا بأسلاحتهم وعتادهم ومتفجراتهم ، فخرجوا من الكهوف ونزلوا من الجبال وتسللوا خلسةً إلى المدن والقرى الكوردية في كوردستان تركيا ، وقاموا بإغلاق الطرقات ومداخل المدن والقرى بمتاريس ودشم عسكرية ، وقاموا بتفخيخ بعض منازل الكورد وفجروها ، كما فجّروا بعض المساجد والمستشفيات والمدارس بسياراتٍ مفخخة ، ليبثوا الخوف والرعب في قلوب المواطنين هنالك ، وإتهام أردوغان وحكومته بذلك ، ولبث الفتنة والسموم ، كما قاموا بعلميات سلبٍ ونهبٍ لبعض ممتلكات الكورد كالذهب والأموال وخلافه ، وقتلوا بعض ماشيتهم وخطفوا بعض أبنائهم وهددوا كل من يعارضهم ، مما جعل ذلك الحياة شبه مستحيلة في تلك المناطق ، فهاجر الكثير منهم تلك المدن والقرى إلى الداخل التركي طلباً للأمان ، وإستطاع الحزب إستدراج الجيش التركي إلى تلك المناطق ليحكم الحصار ، ويبدأ معركةٍ لتحريرها من قبل هذه الميليشيا المرتبطة بإيران ، وتحولت تلك المناطق إلى ساحات حربٍ حقيقية ، وحصل الخراب والدمار ، وسوّيت بعض المدن بالأرض ، ثم جاءت الآوامر من قنديل للعناصر ، إنتهت المهمة بنجاح ..إنسحبوا منها فوراً إلى الجبال !!
قبل سنوات عديدة ، كان حزب العمال الكوردستاني قادرٌ على أن يجمع ملايين الكورد في كوردستان تركيا في مظاهرات مليونية ويحشدهم في المدن والساحات ، ويجعلهم يرفعون صور أوجلان وأعلام الحزب ، ويردد شعاراته ، أما الآن وبعد مرور خمس سنواتٍ من حشر الحزب أنفه في الشأن الداخلي السوري ، والوقوف إلى جانب طاغيةٍ يقتل شعبه ليل نهار ، وبعدما إنخرط في الحلف الإيراني والسوري على أسس طائفية بحتة لا ناقة ولا جمل للكورد فيها ، ووقوفه في خندقٍ يعادي المسلمين السنة ، متجاهلاً مشاعر 40 مليون كوردي مسلم ، فقد تغيرت نظرة الشعب الكوردي للحزب ، وبعدما تخلى عن شعاراته وعن حق الكورد في تقرير مصيرهم ، وبعدما إكتشف الكورد بأن هذا الحزب كان يخدعهم على مدى أربعة قرون ، إستنزف فيها كل مواردهم وطاقاتهم البشرية و المادية ، وبعدما تسبب الحزب بتدمير مدنهم وقراهم ، وكل أشكال الحياة فيها ، هبطت شعبية الحزب لدى الكورد ، وسقط أخلاقياً وسياسياً وإنسانياً ، وما يدل على أن هذا الكلام صحيح ، هو أن صلاح الدين ديمرطاش ، زعيم الـ h d p ، أراد قبل أيام أن يحشد الكورد في تركيا ، ويدعوهم إلى مظاهرة مليونية ، لم يحضر فيها سوى 1600 شخص , ثم قام بتأجيل المظاهرة إلى يومٍ آخر وحدده ، ولكن لم يحضر فيها سوى 2500 شخص ، وهذا أقصى ما إستطاع حشده ، و نصفهم كانوا من المنتفعين من الحزب ، والنصف الآخر جاء من الخوف ، وهذه بشرى كبيرة إلى الكورد ، بأن صفحة هؤلاء المارقين ، باتت قاب قوسين أو أدنى ، من أن تطوى إلى غير رجعة إن شاء الله .
وسوم: العدد 658