رحيل الحسنيين حسن العبادي وحسن الترابي خسارتا مغرب ومشرق

تألمت الأمة الإسلامية في مغربها ومشرقها برحيل علامتين جليلين وداعيتين كبيرين عن دار الفناء إلى دار البقاء ، ولا عزاء فيهما إلا بالدعوة للبقية الباقية  من أهل العلم بالحياة والأمة تمر بمحنة غير مسبوقة ، في زمن غيب العلماء وفسح المجال للجهال . أما حسن المغرب المرحوم العبادي فأحد أعمدة العلم الشرعي في الغرب الإسلامي ينتمي إلى  نخبة  العلماء العاملين المتخرجين من المعاهد الدينية  العتيقة التي ظلت منار الدعوة الإسلامية لقرون متتالية . والعلامة العبادي رحمه الله نموذج عالم له  صولة وجولة في غمار العلم ، وهو من القلة القليلة من أهل العلم الذين ورثوا إرث النبوة  فتعلموا وعلموا ، وكابدوا المشقات في طلب العلم وتعليمه . ورحيله رزء فادح للغرب الإسلامي . وأما حسن المشرق الإسلامي فهو العلامة حسن الترابي في أرض السودان ، وهو علم من أعلام العلم والمعرفة جمع بين الخبرة الواسعة في العلوم الشرعية والعلوم القانونية والسياسية . وهو من أكبر الدعاة   الذين جمعوا بين العلم  والسياسة . وما تعاطيه للسياسة سوى وسيلة لتبليغ العلم ، ولهداية الأمة  لما فيه صلاحها . وللعلامتين معا ماض مشرق في مقاومة المحتل الغربي البريطاني والفرنسي . وقد حملا معا مشعل المقاومة  والدفاع عن شرف الأمة الإسلامية وعن كرامتها  وعن دينها وقيمها المثلى  ، وكلامها ظل يناضل من أجل   حق الإنسان المسلم في المشرق والمغرب الإسلاميين . وقد واجه  حسن الترابي المتاعب  في السجون والمعتقلات التي لم تنل من عزمه  ولا من ثباته وظل  شامخا في مجال الدعوة والنصح لله عز وجل  ولكتابه . ومن سوء الطالع أن يغيبهما الموت في أسبوع واحد علما بأن العلماء عملة صعبة لا تعوض خسارتها . ومن دلالة  رحيل العلماء ما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حين قال لمن حضر معه  : " يا أيها الناس خذوا العلم قبل أن  بقبض وقبل أن يرفع " فقام رجل يسأله : كيف  يرفع العلم منا  وبين أظهرنا المصاحف ، وقد تعلمنا ما فيها ، وعلمناها نساءنا وذرارينا وخدمنا ؟ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم  رأسه  وقد علت  وجهه حمرة من الغضب فقال : "  ثكلت أمك هذه اليهود والنصارى بين أظهرهم المصاحف  لم يصبحوا يتعلقوا منها بحرف مما جاءتهم أنبياؤهم " إلى أن قال عليه الصلاة والسلام : " ألا وإن ذهاب العلم  أن يذهب حملته "  وفي حديث آخر من رواية الإمام البخاري رحمه الله : " إن الله لا ينزع العلم  بعد أن أعطاكموه انتزاعا  ، ولكن  ينزعه منكم مع قبض العلماء بعلمهم  فيبقى ناس جهال  يستفتون  فيفتون  فيضلون ويضلون " . إن نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه تجعل الأمة الإسلامية في المشرق والمغرب تتوجس من رحيل علمائها عن هذه الدنيا لأنه بموجب نبوءته صلى الله عليه وسلم كلما رحل عالم إلا  وترك فراغا يملؤه  جاهل ، وهو مؤشر على قبض العلم  ورفعه . وقبض العلم ورفعه إنما هو زوال نعمة من أكبر النعم وحلول نقمة من أكبر النقم . وها نحن في غمرة رحيل العلماء  نقرأ ونسمع بمتطفلين على العلم من العلمانيين الذين يطمحون إلى إقصاء الإسلام من بلاد المسلمين ، وصرف الناس عن المصاحف وما فيها من علم  لتصير كمصاحف اليهود والنصارى تركن في زوايا المساجد ولا يعلم الناس بما فيها من شرع ربهم ، ولا يحكم هذا الشرع حياتهم فيمارسونها ،ويخوضون غمارها خوض الذين لا يؤمنون باليوم الآخر وهمهم قاصر على الدنيا الفانية . اللهم إنا نسألك أن تعوض من توفيت من عبادك العلماء بمن يحمل مشعل العلم بعدهم رحمة بالأمة الإسلامية . اللهم إنا نعوذ بك أن يؤول أمر هذه الأمة إلى جهال يضلونها عن صراطك المستقيم .

وسوم: العدد 658