سجن العقرب… وسيلة قتل الصحافيين والمعارضين في مصر

جاءت مطالبة نقابة الصحافيين المصريين، أمس، للنظام بالإفراج عن الصحافيين المعتقلين دون اتهام او محاكمة لتكشف عن صحوة للضمير لا يمكن تجاهلها، خاصة أن أربعة من الصحافيين أصبحوا يعانون تدهورا في أحوالهم الصحية بعد أن رفضت السلطات السماح لهم بتلقي العلاج في المستشفيات.

وفي الوقت الذي تنشغل فيه أغلب الصحف ووسائل الإعلام بالأنباء عن تبادل الشتائم والسب والقذف بين نواب او إعلاميين، لا يجد تسعة وخمسون من الزملاء الصحافيين والآلاف من المعارضين من يتذكرهم، بينما يعاني أغلبهم فعليا من شبح الموت في «سجن العقرب» الذي يسميه البعض بـ(غوانتانامو مصر) بسبب سمعته التي جعلته أقرب إلى وسيلة للقتل العمد منه إلى مجرد السجن او العقاب.

واعتبرت 16 منظمة حقوقية في مصر أن سجن العقرب سيئ السمعة يمثل «نموذجا للتعذيب والمعاملة المهينة في السجون (…) وتحوّل إلى مقبرة جماعية للمحتجزين». 

وبداية فإنه لمن العار أن يغض بعض الصحافيين الطرف عما يعانيه بعض زملائهم من معاناة في السجون بدعوى الخلاف السياسي معهم لانتماء بعضهم إلى جماعة «الإخوان»، حتى إذا كان ذلك صحيحا حقا وكأن ذلك في حد ذاته يجب ان يكون مبررا للقتل.

ومع هذا فإن الواقع يكشف أن الأغلب من أولئك الصحافيين المعتقلين في الحقيقة ليست لهم أي علاقة بجماعة الإخوان، بل أن بعضهم معروف بشن انتقادات واسعة ضد قيادات إخوانية، ومع ذلك لم يشفع لهم هذا من قريب او بعيد.

ومن الغريب أن وجود هذا الرقم غير المسبوق من الصحافيين المعتقلين في مصر لم يمنع النظام من الحديث عن «ازدهار أجواء الحرية الصحافية في مصر». 

ومن المؤكد أن المنظمات الحقوقية الدولية تراقب بشديد القلق هذه السياسات القمعية التي تصر عليها الحكومة وخاصة مع التدهور الصحي لأربعة صحافيين يحتاجون إلى علاج طبي سريع.

وفي غضون ذلك شهدت محافظات مصرية أمس عددا من المظاهرات تضامنا مع معارضين معتقلين قرروا الإضراب عن الطعام، في مواجهة ما يعتبرونها وسيلة للقتل العمد عبر إبقائهم في سجن العقرب الذي كان شهد وفاة أربعة من السجناء المعارضين في جماعتي «الإخوان» و»الجماعة الإسلامية» بعد أن تعمدت السلطات التقاعس عن توفير العناية الطبية لهم. 

ونشرت الصفحة الرسمية لرابطة أسر معتقلي العقرب رسالة من السجن يقول فيها عدد من المعتقلين «نحن الأموات الأحياء، كل الناس تموت مرة واحدة ونحن نتجرع مرارة الموت كل يوم مرات ومرات، إن كنتم تظنون أننا نبالغ فاسألوا من يقابلوننا في لحظات بعثنا من مقبرة العقرب حين نخرج لجلسات المحاكم».

وإذا كان البعض يظن أن تلك السياسة تقتصر على استهداف المعتقلين من الإسلاميين فقط، عليه أن يراجع قصصا مروعة لمعتقلين ليست لهم علاقة بأي عمل سياسي. ومنها ما نشرته صحف مثل «البديل» المصرية، وهذه لا يمكن اعتبارها من مؤيدي الإسلاميين. وجاء فيها نقلا عن رواية مريرة لأحد المعتقلين واسمه محمد بن الرفاعي قال في تدوينة له: «أنا اعتقلت في العقرب عنبر 2 زنزانة 3 انفرادي تأهيل إعدام لمدة شهر، والحبس في العقرب انفرادي أقذر شعور في الدنيا، فلكم أن تتخيلوا أن وضع المحتجزين في النوم يكون في جهة «الحمام» مع وجود الحشرات الطائرة». وأضاف أن نسبة الرطوبة في زنازين سجن العقرب عالية جدًّا والبرد قارس شديد البرودة».

وأضاف بن الرفاعي: معظم الزنازين قتل بها محتجزون من قبل؛ بسبب كثرة التعذيب، ففي الليل تظهر للمحتجزين أشباح وأصوات، بجانب الكوابيس التي نسمعها كل ليلة.

 وتابع: وقت التريض ساعة أو ساعتين وفي طرقات العنابر التي عرضها حوالى متر ونصف وطولها 25 مترا فقط».

وهذا قليل من كثير من القصص التي لا يتسع لها المجال هنا.

الواقع أن استمرار هكذا جريمة مروعة بشأن حقوق الإنسان لا يمكن أن يخدم سمعة مصر او نظامها او الوصول الى مصالحة سياسية ستبقى خيارا حتميا لكافة الأطراف، وإن طال الزمن. 

اما الإصرار على التنكيل بالصحافيين فيجب الحذر من إنه ارتبط دائما بتطورات كارثية في تاريخ مصر. وليس من المصادفة ان اعتقالات الصحافيين وقمع بعض الإعلاميين كانا قاسما مشتركا في نهايتي عهد الرئيس الراحل أنور السادات ثم عهد المخلوع حسني مبارك.

فهل من متعظ قبل فوات الأوان؟

وسوم: العدد 658